نظامنا المناعيّ رائع في حمايتنا من الجراثيم التي تحيط بنا كلّ يومٍ- لكن لا بُدَّ من وجود الشوائب.
إنّ أحد الجينات التي تحمي الجسم من اضطرابات المناعة الذاتية (أي التي يهاجم فيها الجسم نفسه)، يساعد بشكل سرّي أيضًا في خدمة الفيروسات بجعلها غير قابلة للاكتشاف.
لكنّ كيفيّة انتهاء هذه القصّة يعتمد على كميّة الفيروسات التي تحاول الدخول، وفقًا لدراسة جديدة نُشرت في مجلة PLOS Biology.
وجد العلماء أنّ هذا الجين الذي يطلَق عليه (نازعة أمين الأدينوزين الذي يعمل على الحمض النوويّ الريبوزيّ-adenosine deaminase acting on RNA1) أو (ADAR1)، يحمي الجسم من كميّات الفيروس الكبيرة، لكنّه يسمح بدخول المجموعات الصغيرة منه.
الجين «ADAR1» والبروتين الذي يعبّر عنه، يحميان الجسم من مهاجمة نفسه عن طريق إيجاد «الحمض النووي الريبوزيّ مزدوج الطاق-double-stranded RNA» أو (dsRNA) -وهو قريب جينيّ من «الحمض النووي الريبوزيّ منقوص الأكسجين-DNA»- وفكّه إلى فروع أحاديّة. يمكن للحمض النوويّ الريبوزيّ RNA أن يأتي في أشكال مفردة ومزدوجة الطاق، كما ويلعب أدوارًا متعددةً في الجسم.
من غير الواضح لماذا ينشّط الحمض النووي «dsRNA» نظامَ المناعة في المقام الأوّل، ولكن من الممكن أن يعود ذلك إلى نشأة الحياة المبكرّة جدًا على الكوكب، كما يقول كبير الباحثين «روبرتو كاتانيو»، وهو أستاذ الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية في مايو كلينيك، روتشستر، مينيسوتا.
تشير إحدى النظريات إلى أنّه فقط الخلايا البدائية تحمل الحمض النووي الريبوزيّ كمادّة وراثية.
إلّا أنّه في النهاية، بدأت الخلايا في استخدام الحمض النووي «DNA»، بينما بدأت الفيروسات في الغالب بتشفير المعلومات الوراثية في الحمض النووي RNA»».
(ليست كلّ الفيروسات تخزّن معلوماتها الجينية في الحمض النووي الريبوزي، فبعضها يخزنها في الحمض النووي «DNA»).
قال كاتانيو: «لذا بدأت الخلايا في بناء نظام مناعي فطري للدفاع عن نفسها وللتعرّف على الحمض النووي الريبوزيّ المزدوج الطاق كمُتَطَفِّل».
حين يكون الجين «ADAR1» مَشوبًا، يعجز عن تحويل بعض الحمض النووي الريبوزي المزدوج الطاق الذي ينتجه الجسم إلى «RNA» أحادي الطاق.
وبالتالي، تنشّط الخيوط المزدوجة المتفرّقة جهاز المناعة، ما يعزّز من احتماليّة الإصابة بِاضطراب المناعة الذاتية الذي يصيب الرضّع، ويدعى (متلازمة أيكاردي-غوتيه-Aicardi-Goutiéres syndrome).
وفقًا للمعهد الوطني للصحة، يسبّب هذا الاضطراب الحادّ مشاكل في الدماغ والجهاز المناعي والجلد. لكنّ «المرضى الذين لديهم خلل في هذا البروتين يتصدّون في الحقيقة للفيروسات بشكل جيد»، قال كاتانيو.
استخدم الفريق أداة تعديل الجينات القوية CRISPR-CAS9 لحذف ADAR1 من بعض الخلايا البشرية في المختبر، مع ترك بعضها الآخر سليمًا.
ثم قاموا بإخماج كلا النوعين –الخلايا بالجين الفعّال والخلايا بالجين المحذوف- بكميات مختلفة من فيروس الحصبة.
(يخزّن فيروس الحصبة معلوماته الوراثيّة في الحمض النووي RNA بدلًا من الحمض النووي DNA.
وعلى الرغم من أنّ الفيروس عادةً يصنع الحمض النووي «RNA» أحادي الطاق، تَكمُن هناك احتمالية الخطأ وتكوين بعض النسخ ثنائية الطاق أيضًا).
وقد أخمج الفريق كذلك الخلايا بحصبة طافرة والتي تحمل المزيد من RNA مزدوج الطاق وراقبوا ما حدث.
وجدوا أنّه حتى بكميّة ضئيلة من الحمض النووي الريبوزي الفيروسي المزدوج الطاق، كان هناك تفعيل للجهاز المناعي في الخلايا الخالية من ADAR1. في المقابل، عدّلت الخلايا التي تحمل هذا الجين مُفَعَّلًا الحمضَ النووي «RNA» مزدوج الطاق، كما هو متوقع.
في هذه الخلايا، وجدوا أنّ الحدّ الأدنى (العتبة) لتفعيل أجراس الإنذار في جهاز المناعة هو ما يقارب ألفَ قطعةٍ صغيرةٍ من الحمض النووي الريبوزي الفيروسي مزدوج الطاق.
أكثر من هذا، يلاحظ جهاز المناعة الفيروسات.
وقال هاشونج تشونج، زميل ما بعد الدكتوراه في جامعة روكفلر في مدينة نيويورك، والذي لم يشارك في البحث، إنّه من المهم الآن معرفة الآليات التي تستخدمها الأشكال المختلفة للجين ADAR1 لتحويل (الحمض النووي المزدوج الفيروسي-double-stranded DNA).
ليست الحصبة الفيروس الوحيد القادر على (اختطاف) الجهاز المناعي، ويقول كاتانيو إنّه يأمل بتحديد عتبات التنشيط لفيروسات أخرى، كفيروس الحمى الصفراء وفيروس شيكونغونيا (اللذين ينتشران عن طريق البعوض). كما قال: «إنّ تعديل العتبة يمكن أن يؤدي إلى خيارات علاجية مضادة للفيروسات».