طائر النقشارة ليس من الطيور التي تتوقف لتشم الأزهار.
ينطلق هذا الطائر المغرد الذي يزن في المتوسط 10 غم بين القارات المختلفة، مسافرًا آلاف الكيلومترات التي تتخللها استراحات قليلة.
في الحقيقة، لقد حدد الباحثون في السويد الآن هذه الخدعة المذهلة التي يقوم بها طائر النقشارة السيبيري (Phylloscopus trochilus yakutensis) والذي يقوم بأطول هجرة لطائر من وزن طيور النقشارة.
حُسب الإنجاز من خلال دراسة تتبع قريبة، فعند تتبع ثلاثة طيور نقشارة من الذكور من موقع عشهم في شمال شرق روسيا، تمكن الفريق من رسم خريطة لهجرتهم الخريفية لمسافة لا تقل عن 13000 كم.
قد تكون الرحلة أطول من ذلك حتى، فلقد أُجبِر الفريق على قطع الدراسة بعد أن نفدت الطاقة من البطاريات في أجهزة التتبع قرب نهاية الرحلة.
تقول سوزان أكيسون التي درست اتجاهات الطيور المغردة في جامعة لوند-Lund University: «أعتقد أن طيور النقشارة تسافر على الأقل 1000 كم أخرى إلى جنوب شرق إفريقيا».
طائر النقشارة هو طائر صغير وبسيط يتراوح طوله من 11سم إلى 12.5سم.
قد يكون من الصعب ملاحظتهم، إلّا أنه لا يجب الحكم على هذه المخلوقات الرائعة بناء على شكلها فقط.
كل خريف، يترك نوع ثانوي من طيور النقشارة أعشاشه في شرق سيبيريا ويطير إلى جنوب غرب آسيا أو إلى شرقي المتوسط.
ويقضي النوع الثانوي المعروف باسم طيور النقشارة السيبيرية حوالي ربع يومه محلقًا بسرعة تبلغ 9م/ث.
في حين تتوقف هذه الطيور المهاجرة الشجاعة عدة مرات على طول رحلتها لتستريح وتأكل، إلا أنها تأخذ استراحتها المطولة الأولى في آسيا بعد خمسة أسابيع من السفر.
وتنطلق من جديد بعد أكثر من أسبوعين بقليل إلى كينيا وتنزانيا حيث تستقر طيور النقشارة أثناء الشتاء. تنطلق بعض الطيور حتى بعد ذلك لتصل إلى جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية.
كشفت الدراسة الجديدة أن الرحلة كاملة تستغرق أربعة أشهر أو 93 إلى 118 يومًا في المجمل.
ولكن تذكر أن هذا طريق اتجاه واحد، فبالنسبة لطيور النقشارة عليها أن تأخذ الطريق ذهابًا وإيابًا.
هناك بالتأكيد بعض الطيور الأخرى التي تهاجر مسافات أطول بكثير؛ إذ يكمل طائر الخرشنة القطبية –على سبيل المثال- أطول هجرة في العالم حيث يسافر حوالي 70000 كم كل سنة.
ولكن طائر الخرشنة القطبية يزن عشرة أضعاف طائر النقشارة.
تقول أكيسون: «أعتقد أنها طيور مذهلة؛ فبالرغم من أنها صغيرة جدًا إلّا أنها تهاجر 13000 كم على الأقل في اتجاهٍ واحد. لا توجد أي دراسة أخرى تثبت أن طائرًا بهذا الحجم يمكنه الهجرة كل هذه المسافة. ربما الأمر الأكثر إبهارًا هو أنها تنطلق في الرحلة بمفردها في أول سنوات حياتها».
منذ البداية، نجد أن إحساس طيور النقشارة بالاتجاهات خالٍ من الأخطاء.
في الحقيقة، فإن هذا الطائر مزود ببوصلة بيولوجية تسمح له بالتنقل حول الكرة الأرضية.
عند مقارنة الطريق الفعلي الذي تسلكه هذه الطيور مع الطرق المحتملة الأخرى، حدد الباحثون صورتين من التنقل الداخلي التي يعتقد الباحثون أن الطيور تستخدمها.
تشير الاكتشافات أن طيور النقشارة تتبع معلومات من المجال المغناطيسي للشمس والأرض لتوجيه نفسها للاتجاه الصحيح.
تعمل بوصلة الطائر الشمسي الداخلية –على سبيل المثال- من خلال تعويض اختلافات الزمن أثناء الهجرة، لتربط بين ساعة الجسم الداخلية والوقت المحلي بعد عدة أيام فقط من الراحة.
تستخدم طيور النقشارة أيضًا بوصلة مغناطيسية ضرورية من أجل التنقل الدقيق.
يعتقد الباحثون أن هذه البوصلة الداخلية تسمح للطائر بقياس زاوية ميل المجال المغناطيسي للأرض؛ ما يسمح لها بتحديد طريقها من نقطة لأخرى.
هاتان المهارتان ضروريتان للتنقل الدقيق؛ فالهجرة دون الدقة بلا فائدة. يسمح السفر لمسافات طويلة لطائر النقشارة باستكشاف مصادر بعيدة وغنية، ولكن التوقيت هو كل شيء.
مِنَح الطبيعة هذه موجودة فقط لمدة محدودة، والتنقل من موقع لآخر طبقًا للجدول –أن تكون في المكان الصحيح في الوقت الصحيح- هي مسألة حياة أو موت. على ما يبدو، فطيور النقشارة تأتي مستعدة.