قام باحثون في جامعة ستانفورد بإعادة صياغة تقنية CRISPR-Cas9 لتحرير الجينات، وذلك عن طريق التلاعب بالجينوم في شكل ثُلاثي الأبعاد، ما يسمح لهم بنقل المادة الوراثية إلى مواقع مختلفة في نواة الخلية.
يُطلق على تلك التقنية الحديثة كريسبر مُنظم الجينوم CRISPR-Genome Organization أو ببساطة CRISPR-GO، والذي يستخدم بروتينًا معدلًا مشتقًا من البروتين المُستخدم بتقنية كريسبر CRISPR له القدرة على إعادة تنظيم الجينوم.
أوضح ستانلي كي Stanley Qi، الأستاذ المساعد في الهندسة الحيوية والكيمياء الحيوية والبيولوجية: «إذا اعتبرنا أن CRISPR كالمقص الجزيئي، فإن CRISPR-GO يشبه الملقط الجزيئي؛ إذ يمكن عن طريقه أخذ أجزاء مُحددة من الجينوم ونقلها إلى مكان آخر بدقة».
ما قد يؤثر على وظيفة الأجزاء المُنتقلة. وهنا يُسلِّط البحث الضوء على كيفية تحكم مكان الجينوم في النواة على وظيفة الخلية ككل.
يقول كي Qi: «مسألة تحديد إذا ما كان موقع الحمض النووي في النواة يؤثر على وظيفته هي مسألة مُهمة، وهي أيضًا نظرية لا يتفق بعض العلماء على صحتها».
وأكمل: «يمكن لـ CRISPR-GO أن توفر فرصةً للإجابة على هذا السؤال من خلال تمكيننا من استهداف ونقل تتابعات محددة جدًا من الحمض النووي، ونرى كيف أن مواقعهم الجديدة في النواة ستؤثر على طريقة عملهم».
قد يكون طول الحمض النووي في نواة خلاياك أطول مما تتوقع، فإذا قمت بتمديد الحمض النووي الموجود بخلية واحدة فقط قد يصل طوله المترين، حدوث أي خطأ على طول ذلك الجُزيء قد يتسبب في أمراض خطيرة.
فما هي الاحتمالات إذا تم نقله من موقعه الأصلي في النواة؟ هذا ما يعمل عليه فريق البحث.
أظهرت الدراسات السابقة أن الحمض النووي DNA يميل إلى التجمع في مواقع مُحددة في النواة. السؤال هُنا كيف يؤثر مكان الحمض النووي في النواة على وظيفته؟
في دراسة لإثبات صحة هذه النظرية، قام كي Qi بإجراء اختبار شامل لتلك النظرية على ثلاث مواقع مُختلفة في النواة بعنوان: هل الجينات والعوامل الجينية تتصرف بشكل مُغاير بتغيُّر أماكن تواجدها في نواة الخلية؟
حتى الآن، توضح نتائج الدراسة أنه في مناطق مُعينة في النواة وبتأثير بعض البروتينات العائمة في تلك المناطق قد تتفاوت وظائف الحمض النووي المُنتقل.
اعتمادًا على تمركز الحمض النووي في النواة، قد تقل فرص إفراز جينوم مُعين أو مثلًا قد يؤدي إلى تسارع نمو القسيم Telomere وبالتالي يزداد مُعدل انقسام الخلية ما قد ينتج عنه تكوين خلايا سرطانية.
على النقيض قد يتسبب بروتين معين يتواجد في منطقة مُعينة في النواة بمنع تكوين تلك الخلايا!
معرفة اللغز وراء الخصائص الفيزيائية للجينوم قد يبدو شيئًا مُعقدًا ومبهمًا، ولكن لحسن الحظ، التقدم التكنولوجي الذي ينعم به العلماء الآن يوفر لهم أداة CRISPR-GO لإزالة الغموض حول الخصائص الفيزيائية للخلية.
بحذف آلية القطع بتقنية CRISPR-Cas، تصبح التقنية نظام توصيل أكثر منها أداة لتحرير الجينات.
إذًا من ماذا تتكون تقنية CRISPR-GO؟ تتكون التقنية من ثلاث أجزاء أساسية.
الجزء الأول: يطلق عليه كي Qi “العنوان”، والمقصود هنا هي قطعة الحمض النووي المرتبطة بجزء Guide RNA المراد نقلها من مكان لأخر.
الجزء الثاني: واجهة ذلك الجزيء في النواة.
وأخيرًا: المحفز، وظيفته تثبيت الحمض النووي في موقعه الجديد.
مكان مختلف، وظيفة مُختلفة:
تخيل أن النواة كأي بيت يوجد به حُجر مختلفة الوظائف، فلا يمكن النوم في المطبخ أو الطبخ في غرفة النوم. تطبق تلك القوانين أيضًا على النواة؛ فتغير مكان الحمض النووي من حُجرة لأخرى يُغير وظيفته بشكل متفاوت اعتمادًا على مكان نقله.
قام الباحثون باستخدام CRISPR-GO بنقل جينات مُعينة إلى منطقة في النواة تسمى Cajal body، وهي منطقة لا يوجد لها شكل مُحددة، وتتكون من سائل يتشكل من بروتينات وجزيئات من الحمض النووي الريبوزي.
وأوضحت النتائج أن نقل تلك الجينات إلى Cajal body تُسبب في وقف إفرازها.
قال كي Qi: «نحن متحمسون للغاية، إنها التجربة الأولى التي تثبت أن Cajal body لديها تأثير مباشر على إفراز الجينات».
وعندما قام كي Qi ومساعديه بتغير مكان الحمض النووي الذي يتواجد في القسيم الطرفي Telomere من المنتصف إلى طرف النواة، توقف Telomere عن النمو ما أدى إلى نقص في حيوية الخلية.
على النقيض، عندما قام العلماء بنقل القسيم الطرفي Telomere بجانب Cajal body، ازداد نموه ما زاد من حيوية الخلية.
يعني ذلك أن منطقة Cajal body من الممكن أن تُثبط إفراز جينات مُعينة، وتزيد من إفراز جينات أخرى!
كما استخدم الباحثون CRISPR-GO لتشكيل جسم مكون من مجموعة من البروتينات تُشكل ما يسمى Promelytic leukemia body التي تقوم بتثبيط إفراز الجينات المسؤولة عن تكون الأورام، وذلك عن طريق وضع هذه البروتينات بجانب تلك الجينات.
كما صرح وانج: «واحدة من الميزات الكبرى لدى CRISPR-GO أننا نستطيع الآن تعقب التفاعلات التي تحدث بين الحمض النووي والأماكن المختلفة في النواة تحت المجهر».
وأضاف كي Qi: «على الرغم من الدلائل المبهرة التي قدمتها تقنية CRISPR-GO عن تأَثّر الحمض النووي بنقله من موقع لأخر في النواة، لكن لايزال هناك الكثير لإثبات تلك النظرية».
وأكمل: «إن الأكثر أهمية هو أن نفهم لماذا تحدث هذه التأثيرات في مواقع نووية مُحددة، وما هو السبب الكامن وراء ذلك». في يوم من الأيام ، يأمل كي Qi، أن هذا البحث سيصب في مصلحة صحة الإنسان.