استراتيجيه
Strategy - Stratégie
الاستراتيجية
الاستراتيجية strategy تعريب شائع لمصطلح يوناني قديم strategia مشتق من لقب الستراتيغوس strategos الذي كان يحمله الرؤساء التنفيذيون الإغريق في مجلس الشيوخ، وكان هؤلاء ينتخبون من بين القاد ة الفرسان المخولين سلطات عسكرية وسياسية واسعة (حلف الآخيين وحلف الأتوليين والاتحاد الأثيني من القرن السادس ق.م وحتى منتصف القرن الأول الميلادي). ولقب استراتيفوس مركب من كلمتي استراتوس Stratos أي االقواتب وآغو ago ومعناها أقود.
والاستراتيجية مصطلح واسع المعنى متعدد الوجوه، وقد ارتبطت تاريخياً بفن الحرب وقيادة القوات، ثم اتسعت مضامينها بمرور الزمن وبتراكم الخبرات والمعارف حتى غدت نمطاً من التفكير العالي المستوى الموجه لتحقيق غايات السياسة، وتعبئة قوى الأمة المادية والمعنوية، وضمان مصالحها في السلم والحرب. ولهذا السبب ليس للاستراتيجية معنى متفق عليه، لأن معناها ومبناها مرتبطان بالشروط الزمانية والمكانية التي صيغت فيها، وبالأحداث التي انبثقت عنها، وبالأشخاص الذين تبنوها وطبقوها، وبالمدارس الفكرية التي ولدتها، وبالمجالات التي اختصت بها. وهناك من يصنف الاستراتيجية في عامة وخاصة، فالاستراتيجية العامة هي التي تهتم بدراسة متطلبات السياسة والحرب وتسعى إلى إيجاد السبل لتحقيقها. والاستراتيجية الخاصة تهتم بدراسة متطلبات نشاط محدد من الأنشطة التي تعنى بها الأمة، كاستراتيجية الاقتصاد واستراتيجية الزراعة واستراتيجية التربية وغيرها. وثمة آخرون يصنفون الاستراتيجية في مستويات أو طبقات فيقال استراتيجية عليا أو كبرى واستراتيجية دنيا أو صغرى، غير أن التعريف المعجمي للاستراتيجية يرتبها على النحو التالي:
في المجال السياسي الاقتصادي للدولة أو لمجموعة الدول: هي علم وفن يهتمان بتعبئة قوى أمة أو مجموعة أمم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ومعنوياً لتوفير الدعم الأقصى للسياسة التي تتبناها الدولة أو مجموعة الدول في السلم والحرب.
في مجال العلم العسكري: هي علم وفن يختصان بإدارة الحرب والاستعداد لها وقيادة الصراع المسلح مع العدو وتوفير الظروف المناسبة لخوض هذا الصراع.
في مجال فن الحرب: هي جزء مكون من فن الحرب يختص بدراسة المسائل النظرية والتطبيقية المرتبطة بإعداد القوات المسلحة للحرب والتخطيط لها وخوضها، وهذا هو المفهوم الشائع المعروف بالاستراتيجية العسكرية.
في مجال التطبيق العسكري: هي نوع من التطبيقات العسكرية العالية المستوى كاستراتيجية الهجوم المعاكس واستراتيجية الدفاع المرن وغيرها.
في المعنى المجازي للمصطلح: هي فن وضع الخطط وتصميم المناورات لتحقيق هدف ما، أو هي خطة مدروسة وأسلوب مدقق ومناورة بارعة.
في الاستعمالات العصرية: تعددت الاستعمالات العصرية لكلمة الاستراتيجية حتى شملت مختلف المجالات، فقد يوصف موقع دولة ما أو جزء من آراضيها بأنه استراتيجي، وقد يوصف قرار سياسي أو اقتصادي ذو أهمية بالصفة نفسها، كذلك توصف بها بعض الأسلحة المتطورة وبعض المواد أو المنتوجات أو التقنيات ذات الأهمية الخاصة، وربما شملت صفة الاستراتيجية أنماطاً من التفكير أو الدراسات أو المشروعات، وكذلك كل ما هو ضروري لخوض الحرب وإدارتها ويؤتى به من خارج البلاد.
ومع تعدد التعريفات السابقة واختلاف وجهات النظر يمكن القول إن خيطاً ناظماً يجمع بينها قوامه أن الاستراتيجية علم وفن يُعنيان بدراسة الطاقات والقوى المتاحة، وتوفير الخطط والوسائل لتحقيق أهداف السياسة تحقيقاً مباشراً أو غير مباشر. فهي علم لأنها تبنى على نظريات علمية متعددة الأوجه تشمل العلوم الاجتماعية والعلوم البحتة والعلوم العسكرية وغيرها. وهي فن لأن ممارستها وتطبيقاتها تختلف بين شخص وآخر سواء أكان سياسياً أم عسكرياً.
ترتبط الاستراتيجية بالسياسة ارتباطاً وثيقاً وتعتمد عليها وتستجيب لمتطلباتها، وتنفذ المهام التي تسندها إليها. وتتبوأ الاستراتيجية مكان الصدارة من فن الحرب، وهي تحيط بجميع المسائل النظرية والتطبيقية التي لها علاقة بإعداد الدولة وقواتها المسلحة للحرب وبوضع خطط الحرب وخطط العمليات الاستراتيجية وإدارة دفتها حتى تتحقق الغايات المرسومة لها وفق المبادئ التي يحددها مذهب الدولة العسكري ونظامها الاجتماعي.
وتؤلف الاستراتيجية العسكرية، من الناحية النظرية، منظومة المعارف العسكرية التي تتناول قوانين الحرب ومبادئها وطابعها وأساليب خوضها، وهي التي تحدد الأسس النظرية للمذهب العسكري، ولبناء القوات المسلحة واستخدامها، وأسس تخطيط العمليات والإعداد لها وتنفيذها.
ومن الناحية التطبيقية تشمل الاستراتيجية العسكرية النشاط العملي الذي تمارسه القيادة الاستراتيجية لبناء القوات المسلحة ووضع الحلول المناسبة للمهام التي تحددها لها القيادة السياسية في ضوء الإمكانات الحقيقية للدولة وكمونها الحربي وقواتها المسلحة، كما تشمل أعمال القيادة الرامية إلى تحديد المهام الأساسية للقوات المسلحة في الأحوال الراهنة، وإعداد مسارح العمليات الحربية، وتوزيع القوى عليها، وتحديد مهام الجبهات والأساطيل والجيوش بحسب أهمية الاتجاهات الاستراتيجية التي سوف تعمل فيها، مع مراعاة الشروط الموضوعية للموقف.
ولقد اصطلح على تمييز استراتيجية الحرب كلها من استراتيجية خوض الحرب على اتجاهات معينة لتحقيق أهداف محدودة أو لتنفيذ عمليات مفردة. والاستراتيجية عامة واحدة للقوات المسلحة، وفروضها واجبة على أنواع القوات المسلحة كافة.
أما العلاقة بين الاستراتيجية وفن العمليات والتكتيك (الأجزاء المكونة لفن الحرب) فهي علاقة جدلية تتغير بتغير وسائل الصراع المسلح ودرجة تجهيز القوات المسلحة. وتحتل الاستراتيجية المكانة الأولى بينها، فهي التي تحدد مهام فن العمليات وفن التكتيك، وتضع الأطر النظرية لهما، وتعتمد عليهما وتستفيد من نجاحاتهما في تحقيق الأهداف المرجوة، إذ كان نجاح الاستراتيجية في الحروب السابقة مرهوناً تماماً بالنجاحات التكتيكية، ثم توسط فن العمليات بينهما في الحروب الحديثة.
ومع ظهور السلاح الصاروخي النووي اكتسبت العلاقة بين هذه المستويات الثلاثة مضموناً جديداً، فوضعت في تصرف القيادة الاستراتيجية وسائل تدمير تمكنها من تدمير العدو وتنفيذ بعض المهام الاستراتيجية والتكتيكية المهمة من دون وسيط. وتملكت القيادتان العملياتية والتكتيكية، في المقابل، وسائل تدمير بعيدة المدى تمكنها من تنفيذ مهام كبيرة العمق والمساحة ذات أهمية استراتيجية مباشرة.
تتبدل مضامين الاستراتيجية بتبدل أهداف الدولة السياسية والموقف الدولي ونسبة القوى ومستوى الاقتصاد وكفاية وسائل الصراع المسلح وكميتها، وتختار كل دولة (أو حلف دول) استراتيجيتها الخاصة بها في كل مرحلة تاريخية بما يتلاءم مع سياستها وإمكاناتها ووضعها الجغرافي والسياسي والعسكري وخصائص مواطنيها.
نشأة الاستراتيجية وتطورها
ـ في العصور القديمة: كانت الاستراتيجية في العصور القديمة فناً يحتكره القادة العسكريون وتقر ن تطبيقاته بأسمائهم. وتعد حِكَم القادة الصينيين القدماء من أولى محاولات صوغ الفكر الاستراتيجي العسكري. وقد أسهمت تطبيقات جيوش الأمم القديمة في تراكم الخبرات وإرساء أسس فن الحرب والاستراتيجية على مر العصور، وأدى تطور الأسلحة والعتاد وتبدل التكوينات الاجتماعية والبنى الاقتصادية إلى تبدل الملامح المميزة لمضمون الاستراتيجية. فقد كانت استراتيجيات بلاد الشرق القديمة والهند والصين والفرس والإغريق والرومان تعتمد بادئ الأمر حملات قصيرة الأمد قليلة العمق نسبياً، ثم راحت بعد ذلك تتخذ أبعاداً كبيرة جداً (حملات الاسكندر وداريوس ويوليوس قيصر والجيش الامبراطوري الروماني) ورافق تنفيذ تلك الحملات تكوّن تدريجي لبعض النظريات الاستراتيجية، وكان معظم القادة ينظرون إلى مسائل إعداد الحرب وتكوين الجيوش على أنها من شؤون الاستراتيجية، ومن هؤلاء القائد والمنظر العسكري الصيني سُونْ تْزِي (أواخر القرن السادس ـ أوائل القرن الخامس ق.م) ويوليوس قيصر (القرن الأول قبل الميلاد) وفرونتينوس Frontinus(القرن الأول الميلادي) وأونوساندروس Onosandros (القرن الأول الميلادي) وبولوني Polony وفيجيتيوس (أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس الميلاديين)، واستعمل كل من فرونتينوس وأونوساندروس مصطلح استراتيجيكوم strategecum واستراتيلوجية stratelogie بمعنى أصول خوض الحرب أو الاستراتيجية في إطار ذلك العصر.