تموت الخلايا في أجسامنا دائمًا، ونعرف الآن مدى سرعة ذلك تمامًا، فقد وجد العلماء أنّ الموت ينتقل في موجاتٍ متواصلة من خلال الخلية مُتحركًا بمعدّلٍ قدره 30 ميكرومترًا (واحدًا بالألف من الإنش) كل دقيقة.
وكما ذكروا في دراسةٍ جديدة نُشرت في العاشر من آب في مجلة Science، ذلك يعني أنه -وعلى سبيل المثال- يمكن أن يستغرق موت الخلية العصبية والتي يمكن أن يصل حجم جسدها إلى 100 ميكرومتر إلى 3 دقائق و20 ثانية.
قد يبدو ذلك مرضيًا، ولكنه بالتحديد ما يُبقينا على قيد الحياة وبصحةٍ جيدة، إنّ الاستماتة أو (موت الخلية المُبرمج – apoptosis) ضروريٌّ لتنظيف أجسادنا من الخلايا غير الضرورية أو المؤذية كتلك الخلايا المصابة بالفيروسات، ويساعد أيضًا على تشكيل الأعضاء والميزات الأخرى في الأجنّة النامية.
توجد طريقة أخرى يمكن أن تموت بها الخلايا وتُدعى (النخر – necrosis)؛ وهي عملية مختلفة تكون استجابة غير مُخططة لحدثٍ مجهد.
إذا لم تعمل هذه العملية بشكل صحيح فإن النتائج يمكن أن تكون رهيبة، على سبيل المثال، الخلايا السرطانية والتي تعيش بسعادة بعد الإفلات من يد (قابض الأرواح – Grim Reaper) وتبدأ بالانتشار بدلًا من الموت.
قال المؤلف الرئيس الدكتور James Ferrell أستاذ البيولوجيا الكيميائية والأنظمة الحيوية والكيمياء الحيوية في جامعة ستانفورد في بيانٍ له: «تموت خلايانا أحيانًا عندما لا نريد لها ذلك (مثل مرض التَنَكُّسِي العَصَبِي)، وأحيانًا لا تموت عندما نريد لها ذلك في الحقيقة كما في السرطان، وإذا أردنا التدخّل فإنّنا بحاجةٍ إلى فهم كيفية تنظيم الاستماتة».
تُدعى الاستماتة أيضًا «الانتحار الخلويّ»؛ لأنها عملية تدميرٍ ذاتيّ، تبدأ هذه العملية بإشارةٍ من الداخل أو من الخارج تُصدرها الأنزيماتُ الموجودة داخل الخلايا والمُسماة (إنزيمات الكاسبيس – Caspases) هي عائلةٌ من الإنزيمات البروتينية تلعب دورًا أساسيًا في عملية الاستماتة لتبدأ بشقّ الخلية، ولكن لم يكن واضحًا كيف تنتشر الاستماتة عبر الخلية بعد إثارتها.
لاكتشاف ذلك، راقب Ferrell وفريقه العملية في واحدة من أكبر الخلايا الموجودة في الطبيعة وهي خلايا بيضة (القَيطَمُ المُوَرِّق- Xenopus laevis) أو الضفادع الأفريقية ذات المخلب، إذ قاموا بملء أنابيب الاختبار بسائل من البيوض وأثاروا الاستماتة ثم شاهدوها تظهر عن طريق وسم البروتينات المعنيّة بضوء الفلورسنت، وإذا رأوا ضوء الفلورسنت فهذا يعني أنّ الاستماتة تحدث.
وجدوا أن ضوء الفلورسنت يعبر خلال أنابيب الاختبار بسرعةٍ ثابتة، وإذا استمرت الاستماتة بسبب الانتشار البسيط (انتشار المواد من منطقة مرتفعة التركيز إلى منطقة منخفضة التركيز) ستتباطأ العملية نحو النهاية وذلك بحسب الدراسة.
ولأنّ ذلك لم يحدث، استنتج الباحثون أنّ العملية التي راقبوها يجب أن تكون عبارة عن «أمواج الشرارة» والتي شبّهوها «بانتشار نار عبر حقل»، تقوم إنزيمات الكاسبيس المُنشّطة أولًا بتنشيط إنزيمات كاسبيس أخرى من ثم جُزيئات كاسبيس أخرى حتى تُدمّر الخلية بأكملها.
وقال Ferrell في بيانه: «ينتشر بهذا الشكل ولا يهدأ أبدًا، إذ لا يحدث أي انخفاضٍ في السعة؛ لأنّ كل خطوة من الطريق تولّد قوة الدفع الخاصة بها عن طريق تحويل المزيد من الجزيئات غير النشطة إلى جزيئات نشطة حتى تنتشر الاستماتة إلى كل زاوية وركن من الخلية».
من ثم أراد الفريق أن يشاهد هذه العملية تحدث داخل البيضة نفسها كما تحدث في الطبيعة، ولاحظ أنّه عندما تموت بيوض الضفدع فإنّها تصبح قاتمة اللون، لذلك بدأ بظروف ستقود بشكل طبيعي إلى موت بيضة الضفدع وصوّر ما حدث، وبشكلٍ مشابه تصبح الخلية قاتمة في المتوسط بمعدل 30 ميكرومترًا في الدقيقة.
قال Ferrell إنّ أمواج الشرارة هذه منتشرة في الطبيعة، وتساعد الخلايا على التكاثر وتساعد الخلايا العصبية على نقل الإشارات عبر الدماغ والفيروسات المنتشرة من خلية لخلية.
يأمل Ferrell وفريقه أن يكتشفوا الأماكن الأخرى في البيولوجيا حيث تحدث أمواج الشرارة.