تويت
يقدم الممثل جيم كيري نمطًا خاصًا من الكوميديا المنفلتة الخارجة عن المألوف والتقاليد، وهي ما يُعتبر تجسيدًا حيًّا وفيزيائيًّا لشخصيات القصص المصورة، إذ يحاول إيصال روح السرد القصصي ومساحة الخيال غير المحدودة في تلك الشخصيات، عبر التوظيف البارع لانطباعات الوجه ومرونة الجسد.
الوجه شديد المرونة الذي يمتلكه لديه قدرة عجيبة على التحول، في ثوان قليلة، منسجمًا مع حركات الجسد المطاوعة لتلك التحولات، جعلَ منه ورقة رابحة، وضمنَ له رواجًا يقوم على أسلوبية متفردة، تجمع بين فن التهريج، والـ"ستانداب كوميدي"، بالإضافة إلى فنون الممثل الكوميدي التقليدية.
هذه الخلطة العجائبية السحرية، قادته ليصبح أهم كوميديان في عصره، عبر كوميديا يصنعها بتوقيعه واسمه، وكأننا أمام مدرسة جيم كيري.
لكن هذا الوجه المرن الضاحك هو في عمق تفاصيله وتقاطعاته وجه حزين، إذ طغى الحزن على تلك الملامح قوية التعبير وأوقعه في الاكتئاب، وأبعده عن الأضواء والسينما لسنوات، وجعله يصف نفسه بأنه شخص وهمي لا وجود له، وبأن شخصية جيم كيري هي واحدة من الشخصيات الكوميدية التي لعبها، طوال حياته، وحان الوقت للتخلي عنها، فقد أصبحت حملًا ثقيلًا عليه، لم يعد يقوى عليه.
هي قصة نبذ وعوز وإصرار وحلم، فهو الشاب الذي بدأ حياته في عروض الستانداب كوميدي، واستمر في تطوير أدائه فيها عبر إلقاء النكات الحادة المصحوبة بأداء فانتازي، في الحانات والصالات التي تقدم هذا النوع من العروض، التي مهدت له الطريق للدخول إلى عالم السينما محملًا بهذه الخصوصية وهذه الفرادة.
ومع ذلك، هناك بعض الأفلام التي حققت له نجومية غير مسبوقة لأي ممثل كوميدي في هذا العصر، وإليكم خمسة من أهم أفلام جيم كيري، إذ جعلت منه ماركة مسجلة لكوميديا مركبة وخاصة في السينما الأمريكية.
1- الغبي والأغبى
هذا الفيلم واحد من أنجح أعمال جيم كيري، من خلال لعبه لشخصية هاري السخيف والأخرق جدًا. فيلم بسيط على مستوى الحكاية، لكنه مشبع بالمواقف والمفاجآت والظروف الغرائبية التي تواجه الشخصيتين هاري ولويد (جيف دانيلز)، البريئين حد الغباء، والغبيين ببراءة ملفتة.
أظهر الفيلم براعة كيري وقدرته المنفلتة على الإضحاك رغم عدم وجود حكاية قوية تحمل هذه الكوميديا، ويمكن القول إن أنماط كوميدية تلعب داخل فرضيات يجمع بينها خيط رفيع يمكن تسميته بحكاية مبسطة. يتحدث الفيلم عن صديقين مقربين، يعثران على حقيبة في المطار لسيدة، يقرران البحث عنها لتسليمها الحقيبة، وفي سعيهما هذا يقطعان نصف أمريكا بوسائط نقل مختلفة، منها سياراتهما الشهيرة التي على شكل كلب، ثم يكتشف الغبيان أن الحقيبة مليئة بالنقود ويبدآن بتبديدها بمنتهى الغباء والطرافة، ولا يعرفان انهما ملاحقان من عصابة تريد استرداد تلك الحقيبة، وبطريقة غريبة يكون غباءهما هو السبب في نجاتهما من أكثر من موقف.
حقق الفيلم إيرادات عالية بجزئه الأول المنتج سنة 1994، اما جزئه الثاني فأنتج عام 2014 ومن بطولة النجمين ذاتهما.
2- رجل على القمر
كان هذا الفيلم تحديًا كبيرًا بالنسبة لجيم كيري، ذلك أن النقاد رأوا فيه ممثلًا خاصًا بارعًا في كوميديا قد ابتدعها هو نفسه ولنفسه، يمكن أن يكون بارعًا في التقليد، لكن أن يتصدى لفيلم سيرة ذاتية فهذا الأمر ممكن أن يحمل مغامرة غير محسوبة العواقب، فكان الرد منه صاعقًا بتقديم شخصية آندي كوفمان، ببراعة شديدة، ليس على مستوى الشكل والتقليد، بل على مستوى استحضار روحية الكوميديا التي تمتع بها كوفمان، ولم يخف جيم كيري إعجابه خلال التصوير حتى، فكان يعيد إنتاج ذات المشكلات التي اشتهر كوفمان باختلاقها مع طاقم تصوير الفيلم، حتى يكون أقرب إلى روحية الشخصية.
قدم فيلم السيرة الذاتية هذا جيم كيري بطريقة مختلفة، فعلى الرغم من جرعة الكوميديا الكبيرة، إلا أن الفيلم درامي بامتياز وفيه تأمل عميق بعلاقة الكوميديان بمحيطه الاجتماعي، والألم والمشقة وأحيانًا النبذ التي هي شروط أساسية في إنتاج الضحك.
ذلك الأداء الأسطوري أكسب كيري جائزة الغولدن غلوب، والفيلم أنتج عام 1999.
3- أنا، نفسي، وإيرين
يقدم هنا جيم كيري أداء نفسيًا مركبًا، ويبرع بشدة في قدرته على توظيف المرض النفسي في الكوميديا من خلال شخصية شارلي، المصاب باضطراب الهوية الانفصالي "شيزوفريينا القطبين".
تدور قصة الفيلم حول شارلي الجندي وضابط الشرطة الودود المحب المتصالح مع محيطه، والذي يتلقى سوء المعاملة من زوجته وزملائه، وحتى من معظم سكان المدينة، وهذا ما يضعه تحت ضغط كبير يؤدي إلى سيطرة شخصية هانك العنيف على شارلي الوديع.
هكذا تتنازعه شخصيتان الوديع والعدواني خلال،مهمة عمل ،وهي إيصال فتاة فارة من وجه العدالة وعليه إيصالها إلى نيويورك.
قدم جيم كيري أداء مذهلًا بالتقلب بين الشخصيتين ببراعة، وبتحول كامل وجذري على مستوى انطباعات الوجه وحركات الجسد، وفي واحد من أمتع المشاهد يقدم أداء قتال مذهل بين شارلي وهانك، وبالرغم أن الشخصيتين تتشاطران الجسد نفسه، لكن جيم كيري يُظهر بأن تشارلي تلقى ضربًا مبرحًا من شخصيته المعاكسة.
4- كاذب كاذب
في هذا الفيلم بلور أسلوبه الكوميدي الخاص بعد سلسلة نجاحات حققها بأسلوبيته المتفردة في الكوميديا القائمة على استغلال طاقة الجسد والوجه الانفعالية، والذهاب بعيدًا في الفعل ورد الفعل في الأداء، في أفلام مثل القناع، والغبي والأغبى.
حكاية الفيلم بسيطة جدًا لكنها محفزة بشكل كبير لفرضية الكوميديا الانفعالية التي يبرع فيها جيم كيري، وتدور حول محامي ناجح، بلا نزاهة أو ضمير، وهو ما جعله بارعًا في كسب قضايا معقدة وأحيانًا مستحيلة. انصب اهتمام هذا المحامي على تحقيق ذاته مهنيًا وأهمل ولده الصغير، وفوت عيد ميلاده أكثر من مرة، يبعث لابنه أثمن الهدايا لكنه دائم التغيب. يتمنى الطفل في عيد ميلاده ألا يكذب والده، فتتحقق الأمنية ويفقد المحامي الناجح القدرة على الكذب وتلفيق التهم وابتداع المخارج لقضايا موكليه، وهذا ما يوقعه في مفارقات غاية الطرافة في قاعة المحكمة وأمام القضاة وموكليه، قدمه جيم كيري بطريقة شديدة البراعة. الفيلم أنتج عام 1997.
5- Horton Hears a Who
كان لا بد لجيم كيري من تسجيل بصمته في عالم أفلام الرسوم المتحركة "إنيميشين"، وكان خياره استثنائيًا ليلعب بطولة الفيلم الأكثر لطفًا ورقة، رغم حكايته المنطوية على فلسفة عدمية وكآبة ونظرة سوداوية للعالم، لكن هذه الفلسفة العدمية تظهر في جوهر الفيلم ولا تظهر في سياقه المحرك للأحداث، بل إن الصورة وبناء الشخصيات تعاكس هذه الفلسفة تمامًا مع فيض من الألوان الخلابة، والشخصيات الساخرة الطريفة، والتي أضاف إليها جيم كيري بصوته الكثير.
تدور قصة الفيلم حول الفيل هورتون الذي يلعب دوره جيم كيري، والذي يتمتع بلطف وطرافة ومحبة طفولية لكل جزء بسيط من العالم الذي يحيط به، يبدأ هورتون بسماع أصوات آتية من زهرة برسيم صغيرة، يشك في البداية، لكنه يكتشف أن هناك مدينة كاملة تعيش داخل ذرة غبار فوق هذه الزهرة، وهذه المدينة لها برلمان وحاكم مدارس وجامعات، لكن سكان هذه المدينة لا يدركون أن عالمهم كله ليس أكثر من ذرة غبار فوق زهرة برسيم في غابة ضخمة.
يحاول هورتون أن ينقل ما سمعه من من الزهرة لمحيطه، لكنه يقابل بالسخرية ثم بالنبذ لمحاولته تسميم عقول الأطفال بالخرافات، فيسجن، وتظل محاولته طيلة الفيلم هي حماية هذه الزهرة، كي لا ينهار عالم صديقه غير المرئي.
أنتج الفيلم عام 2008 بميزانية تعد ضخمة جدًا بالنسبة لفيلم إنيميشن، إذا بلغت 85 مليون دولار أمريكي، لكنه حقق إيرادات تجاوزت 297 مليون دولار.
يذكر أن الممثل الكوميدي ستيف كيرل شارك كيري في البطولة.