السكَّاكي (يوسف بن أبي بكر-)
(555 ـ 626هـ/1160 ـ 1229م)
يُوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكَّاكي، أبو يعقوب سراج الدين، ولد في خوارزم وتوفي فيها على الأغلب.
لقب بـ «السكاكي» نسبة إلى مهنة السِّكاكة (الحدادة) التي كانت تحترفها أسرته، إذ كانت تشتهر بصناعة السكك (المحاريث). وظل السكاكي يعمل في صناعة المعادن إلى أن بلغ الثلاثين من عمره، فأتقن مهنته وحذق فيها حتى نال حظوة ومَكْرُمة عند أولي الأمر، فقد ذكرت بعض الروايات أنه قام بصنع محبرة صغيرة ذات قفل عجيب، لا يزيد وزنها على قيراط واحد، وأهداها إلى الملك، فأعجب بها كثيراً فقربه إليه، وأكرم وفادته. واتفق أن كان عند الملك يوماً فدخل رجل عليه، فما كان من الملك إلا أن قام واقفا احتراماً لذلك الرجل وأجلسه في مقامه، وحين سأل السكاكي عن الرجل، قيل له إنه من طائفة العلماء، فوقع ذلك في نفسه، وبدأ يتفكر في حاله، وفيما رآه من إجلال الملك للعالم. فانكب من ساعته على تحصيل العلوم، وكان إذ ذاك قد ذهب من عمره ثلاثون عاماً، فكان اندفاعه ورغبته في طلب العلم عظيمين حتى استطاع أن يتبحر في العلوم المختلفة، فتحول بذلك من سكّاك ماهر إلى عالم بارع.
أما ثقافته فكانت ثقافة أبناء عصره، وهي: الدراسات القرآنية والفقهية واللغوية وأصول علوم اللغة والبلاغة والعروض والاستدلال، فضلاً عن المنطق وعلم الكلام اللذين كان لهما رواج في عصره.
لم يقتصر السكاكي على اللغة العربية، بل كان عارفاً باللغتين التركية والفارسية، كما تشير المصادر إلى أنه عمل بالسحر قبل انصرافه إلى تحصيل العلم.
والسكاكي حنفي المذهب، معتزلي العقيدة، تتلمذ لأشهر فقهاء الحنفية في عصره، وهم: سديد الدين الحياطي، وابن صاعد الحارثي، ومحمد بن عبد الكريم التركستاني، ونال في عصره شهرة واسعة حتى وصفه ياقوت الحموي بقوله: «فقيه متكلم متفنن في علوم شتى، وهو أحد أفاضل العصر الذي سارت بذكرهم الركبان».
والسكاكي معدود مـن أعيـان رجال البلاغة في القرن السابع الهجري، ولـه مصنفات شتى، منها: «كتاب الجمل» وهو شرح لكتاب الجمل لعبد القاهر الجرجاني، وكتاب «التبيان» و«الطلسم» وهو باللغة الفارسية، وله «رسالة في علم المناظرة».
أما غُرَّة مؤلفاته فهو كتاب «مفتاح العلوم» الذي لم يطبع له سواه.
وقد قسم كتابه هذا ثلاثة أقسام رئيسية، تحدث في القسم الأول منها عن علم الصرف والاشتقاق، وخص القسم الثاني بعلم النحو و موضوعاته، وجعل القسم الثالث لعلمي المعاني والبيان، ألحق بهما مبحثاً عن الفصاحة والبلاغة، وآخر عن فنون البديع بمحسناته اللفظية والمعنوية. ثم وجد أنه لا غنى لدارس علم المعاني عن الوقوف على علوم المنطق والعروض والقوافي، فأفرد لها مبحثين في نهاية كتابه.
وشهرة السكاكي ترجع، بالفعل، إلى القسم الثالث من كتابه الذي تناول فيه علوم البلاغة، فقد استطاع أن يستوعب دراسات من سبقوه في هذا المجال، ولاسيما «أسرار البلاغة» و«دلائل الإعجاز» لعبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ)، و«الكشاف» للزمخشري (ت 538 هـ) و«نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز» لمعاصره الفخر الرازي (ت 606 هـ).
وصاغ ذلك كله صياغة جديدة استعان فيها بقدرته المنطقية على التجريد والتحديد، والتفريع والتشعيب، والتعليل والتسبيب، وكانت محاولته من الدقة والصرامة بحيث تحولت البلاغة إلى مجموعة من القواعد الصارمة، والقوانين المحددة. وقد نجح السكاكي في الإحاطة الكاملة بالأقسام والفروع، غير أنه بذلك قد ضحى بأهم ما يميز البلاغة وهو أنها علم جمالي يبحث عن قيم الجمال والإمتاع في العمل الأدبي، وبذلك انحرفت البلاغة إلى طرق قادتها إلى الذبول والجفاف والجمود؛ فعمد من جاء بعده إلى شرح مفتاحه ثم إلى تلخيص هذا المفتاح، ثم إلى تلخيص التلخيص, ثم إلى نظم التلخيص شعراً، ثم عادوا إلى شرح هذا النظم، وهكذا تعقدت البلاغة، وفقدت ذاك الجانب الجمالي الفني فيها.
ويبقى السكاكي من أبرز مؤسسي علوم البلاغة العربية، وعلَماً من أعلامها في القرن السابع، ومن أوائل الذين قسموها إلى أنواعها المعروفة.
منيرة فاعور
(555 ـ 626هـ/1160 ـ 1229م)
يُوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكَّاكي، أبو يعقوب سراج الدين، ولد في خوارزم وتوفي فيها على الأغلب.
لقب بـ «السكاكي» نسبة إلى مهنة السِّكاكة (الحدادة) التي كانت تحترفها أسرته، إذ كانت تشتهر بصناعة السكك (المحاريث). وظل السكاكي يعمل في صناعة المعادن إلى أن بلغ الثلاثين من عمره، فأتقن مهنته وحذق فيها حتى نال حظوة ومَكْرُمة عند أولي الأمر، فقد ذكرت بعض الروايات أنه قام بصنع محبرة صغيرة ذات قفل عجيب، لا يزيد وزنها على قيراط واحد، وأهداها إلى الملك، فأعجب بها كثيراً فقربه إليه، وأكرم وفادته. واتفق أن كان عند الملك يوماً فدخل رجل عليه، فما كان من الملك إلا أن قام واقفا احتراماً لذلك الرجل وأجلسه في مقامه، وحين سأل السكاكي عن الرجل، قيل له إنه من طائفة العلماء، فوقع ذلك في نفسه، وبدأ يتفكر في حاله، وفيما رآه من إجلال الملك للعالم. فانكب من ساعته على تحصيل العلوم، وكان إذ ذاك قد ذهب من عمره ثلاثون عاماً، فكان اندفاعه ورغبته في طلب العلم عظيمين حتى استطاع أن يتبحر في العلوم المختلفة، فتحول بذلك من سكّاك ماهر إلى عالم بارع.
أما ثقافته فكانت ثقافة أبناء عصره، وهي: الدراسات القرآنية والفقهية واللغوية وأصول علوم اللغة والبلاغة والعروض والاستدلال، فضلاً عن المنطق وعلم الكلام اللذين كان لهما رواج في عصره.
لم يقتصر السكاكي على اللغة العربية، بل كان عارفاً باللغتين التركية والفارسية، كما تشير المصادر إلى أنه عمل بالسحر قبل انصرافه إلى تحصيل العلم.
والسكاكي حنفي المذهب، معتزلي العقيدة، تتلمذ لأشهر فقهاء الحنفية في عصره، وهم: سديد الدين الحياطي، وابن صاعد الحارثي، ومحمد بن عبد الكريم التركستاني، ونال في عصره شهرة واسعة حتى وصفه ياقوت الحموي بقوله: «فقيه متكلم متفنن في علوم شتى، وهو أحد أفاضل العصر الذي سارت بذكرهم الركبان».
والسكاكي معدود مـن أعيـان رجال البلاغة في القرن السابع الهجري، ولـه مصنفات شتى، منها: «كتاب الجمل» وهو شرح لكتاب الجمل لعبد القاهر الجرجاني، وكتاب «التبيان» و«الطلسم» وهو باللغة الفارسية، وله «رسالة في علم المناظرة».
أما غُرَّة مؤلفاته فهو كتاب «مفتاح العلوم» الذي لم يطبع له سواه.
وقد قسم كتابه هذا ثلاثة أقسام رئيسية، تحدث في القسم الأول منها عن علم الصرف والاشتقاق، وخص القسم الثاني بعلم النحو و موضوعاته، وجعل القسم الثالث لعلمي المعاني والبيان، ألحق بهما مبحثاً عن الفصاحة والبلاغة، وآخر عن فنون البديع بمحسناته اللفظية والمعنوية. ثم وجد أنه لا غنى لدارس علم المعاني عن الوقوف على علوم المنطق والعروض والقوافي، فأفرد لها مبحثين في نهاية كتابه.
وشهرة السكاكي ترجع، بالفعل، إلى القسم الثالث من كتابه الذي تناول فيه علوم البلاغة، فقد استطاع أن يستوعب دراسات من سبقوه في هذا المجال، ولاسيما «أسرار البلاغة» و«دلائل الإعجاز» لعبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ)، و«الكشاف» للزمخشري (ت 538 هـ) و«نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز» لمعاصره الفخر الرازي (ت 606 هـ).
وصاغ ذلك كله صياغة جديدة استعان فيها بقدرته المنطقية على التجريد والتحديد، والتفريع والتشعيب، والتعليل والتسبيب، وكانت محاولته من الدقة والصرامة بحيث تحولت البلاغة إلى مجموعة من القواعد الصارمة، والقوانين المحددة. وقد نجح السكاكي في الإحاطة الكاملة بالأقسام والفروع، غير أنه بذلك قد ضحى بأهم ما يميز البلاغة وهو أنها علم جمالي يبحث عن قيم الجمال والإمتاع في العمل الأدبي، وبذلك انحرفت البلاغة إلى طرق قادتها إلى الذبول والجفاف والجمود؛ فعمد من جاء بعده إلى شرح مفتاحه ثم إلى تلخيص هذا المفتاح، ثم إلى تلخيص التلخيص, ثم إلى نظم التلخيص شعراً، ثم عادوا إلى شرح هذا النظم، وهكذا تعقدت البلاغة، وفقدت ذاك الجانب الجمالي الفني فيها.
ويبقى السكاكي من أبرز مؤسسي علوم البلاغة العربية، وعلَماً من أعلامها في القرن السابع، ومن أوائل الذين قسموها إلى أنواعها المعروفة.
منيرة فاعور