سنكلير (أبتون بيل ـ)
(1878ـ1968)
يُعد أبتون بيل سنكلير Upton Beall Sinclair من حيث غزارة إنتاجه أحد أشهر الكتاب الأمريكيين، إذ نشر في حياته تسعين كتاباً وآلاف المقالات التي يتمحور معظمها حول ضرورة اتخاذ إجراءات إصلاحية على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ولد سنكلير في مدينة بولتمور Baltimore في مريلاند وتوفي في مدينة باوند بروك Bound Brook في نيوجرسي. كان سنكلير في الرابعة عشرة من عمره عندما انتسب إلى كلية مدينة نيويورك، وأخذ ينشر بعض كتاباته الأدبية في عدة مجلات حتى قبل أن يتخرج. ثم بدأ بتحضير رسالة الماجستير في جامعة كولومبيا، لكنه تخلى عن المشروع في عام 1901 حين نشر أولى رواياته «زمن الربيع والحصاد» Springtime and Harvest. وحتى عام 1905 كان قد نشر ثلاث روايات أخرى، لم تحظ أي منها باهتمام النقد الأدبي، وكان يعمل آنذاك مراسلاً للصحيفة الأسبوعية «نداء إلى العقل» Appeal to Reason التي كلفته بكتابة تحقيق عن أوضاع المسالخ ومعامل تعليب اللحوم، فتنكر في زي عامل لعدة أسابيع جمع في أثنائها مادة وثائقية شكلت النواة لروايته الخامسة «الغاب» (1906) The Jungle أولى نجاحاته على صعيد النقد والانتشار بين القراء. وكان من نتائج هذه الرواية أن قابل سنكلير رئيس الجمهورية حينذاك ثيودور روزفلت الذي أصدر عام 1907 قانون «الطعام والعقاقير النقية» Pure Food and Drugs Act.
منذ عام 1903 صار سنكلير داعية للاشتراكية ولضرورة تطبيقها على الصعد كافة في الحياة الأمريكية، وقد عدّ روايته «الغاب» أرضية لاختبار الاستغلال الرأسمالي للعمال والعاملات، ولاسيما الأجانب منهم الذين لهثوا وراء الحلم الأمريكي هرباً من الاضطهاد والفاقة في أوطانهم التي هجروها. تدور أحداث الرواية في شيكاغو وتتمحور حول عائلة ليتوانية مهاجرة تمزقها شروط وظروف العمل في صناعة تعليب اللحوم، وتسحقها اقتصادياً وتدمرها أخلاقياً. وقد رأى النقد الأدبي في رواية «الغاب» امتداداً أمريكياً بامتياز لحركة المذهب الطبيعيnaturalism الفرنسية خاصة والأوربية عامة، ولاسيما في تبني سنكلير تشاؤمية إميل زولا باعتبارها حتمية، كما صنفها بعض النقاد في عداد الأدب البروليتاري من حيث موضوعها ومعالجته وتوجهها الفكري، وقارنوها مع روايته «كوخ العم توم» لهارييت بيتشر ستو مع اختلاف قيمة العبودية من لون البشرة إلى أجور العمل. كما قارنوها مع الرواية الثورية «العقل السليم» (1776) Common Sense للكاتب توماس بين Thomas Paine، والواقع هو أن «الغاب» قد مزجت بأسلوب مؤثر بين تشاؤمية الطبيعية وتفاؤلية الاشتراكية.
وفي حين ركزت «الغاب» على تأثير الرأسمالية في الطبقات الدنيا، فإن روايات سنكلير اللاحقة، مثل «المتروبوليس» (1908) The Metropolis و«الصرافون» (1908) The Moneychangers قد اختبرت الفساد الناتج عن النظام الرأسمالي في أوساط الطبقة العليا. وفي عام 1917 نشر سنكلير رواية «ملك الفحم» King Coal التي تفضح إجرامية استغلال أصحاب المناجم لعمالهم. إلا أن الرواية لم تلق ذاك الصدى الذي لاقته «الغاب» لا على صعيد النقد ولا على صعيد القراء.
حاول سنكلير أن يمارس نشاطه السياسي الاشتراكي ضمن مجموعة تعاونية، لكنه فشل، ومع ذلك فقد تابع نشاطه باحثاً وكاشفاً عن الفضائح الاقتصادية والسياسية. ولخوفه من عدم تحقق الحلم الاشتراكي في الولايات المتحدة، انحاز إلى الحزب الديمقراطي ورشح نفسه لمنصب حاكم كاليفورنيا، معتمداً على شهرته في برنامج «أنهوا الفقر في كاليفورنيا» EPIC الذي دعا فيه الدولة إلى تحويل المزارع والمصانع الخاملة إلى نظام تعاونيات، فواجهته مجموعة قوية من الجمهوريين والديمقراطيين القدماء مما أدى إلى خسارته الانتخابات. وكان من نتائج ذلك على الصعيد الذاتي أن دخل سنكلير مرحلة إبداعية جديدة كتب فيها أكثر أعماله نجاحاً، وهي جميعها ذات موضوعات سياسية اقتصادية، وتكشف عن مجموعة من الفضائح في أوساط رجال السياسة والمال في الولايات المتحدة الأمريكية، من أهمها «نفط» (1927) Oil و«بوسطن» (1928) Bostonالتي عالجت الفضيحة القضائية السياسية الشهيرة في ولاية ماساتشوستس ضد الفوضويين ساكو وفانتستي Sacco-Vanzettiالمنحدرين من أصل إيطالي واللذين حكمت عليهما المحكمة عام 1927 بالإعدام بتهمة القتل دون ثبوت الأدلة، لدواع محض سياسية هدفها ردع التطرف اليساري. كما نشر سنكلير «نهاية العالم» (1940) World’s End و«أسنان التنين» (1942) Dragon’s Teeth التي عالجت وصول الحزب النازي بقيادة هتلر إلى السلطة وخطورة ذلك على السلام العالمي. وقد نالت هذه الرواية جائزة بوليتزر المرموقة عام 1943.
لقد حظيت روايات سنكلير بانتشار واسع في جمهوريات الاتحاد السوفييتي، لكن معارضته العنيفة لممارسات الحزب الشيوعي في عهد ستالين أدى إلى إهمالها، إلى أن عادت إلى مكانتها بعد الحرب العالمية الثانية في دول المعسكر الاشتراكي بسبب مواقفه المناهضة للفاشية. ومن أواخر أعماله التي حظيت برواج شعبي واسع سلسلة الروايات التاريخية الإحدى عشرة من أماكن وأحداث دولية صور فيها شخصية لاني بَدْLanny Budd المعادي للفاشية والابن غير الشرعي لصانع الذخائر الحربية. كما نشر سنكلير «سيرة أبتون سنكلير الذاتية» (1962) The Autobiography of Upton Sinclair.
ريما الحكيم
(1878ـ1968)
يُعد أبتون بيل سنكلير Upton Beall Sinclair من حيث غزارة إنتاجه أحد أشهر الكتاب الأمريكيين، إذ نشر في حياته تسعين كتاباً وآلاف المقالات التي يتمحور معظمها حول ضرورة اتخاذ إجراءات إصلاحية على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ولد سنكلير في مدينة بولتمور Baltimore في مريلاند وتوفي في مدينة باوند بروك Bound Brook في نيوجرسي. كان سنكلير في الرابعة عشرة من عمره عندما انتسب إلى كلية مدينة نيويورك، وأخذ ينشر بعض كتاباته الأدبية في عدة مجلات حتى قبل أن يتخرج. ثم بدأ بتحضير رسالة الماجستير في جامعة كولومبيا، لكنه تخلى عن المشروع في عام 1901 حين نشر أولى رواياته «زمن الربيع والحصاد» Springtime and Harvest. وحتى عام 1905 كان قد نشر ثلاث روايات أخرى، لم تحظ أي منها باهتمام النقد الأدبي، وكان يعمل آنذاك مراسلاً للصحيفة الأسبوعية «نداء إلى العقل» Appeal to Reason التي كلفته بكتابة تحقيق عن أوضاع المسالخ ومعامل تعليب اللحوم، فتنكر في زي عامل لعدة أسابيع جمع في أثنائها مادة وثائقية شكلت النواة لروايته الخامسة «الغاب» (1906) The Jungle أولى نجاحاته على صعيد النقد والانتشار بين القراء. وكان من نتائج هذه الرواية أن قابل سنكلير رئيس الجمهورية حينذاك ثيودور روزفلت الذي أصدر عام 1907 قانون «الطعام والعقاقير النقية» Pure Food and Drugs Act.
منذ عام 1903 صار سنكلير داعية للاشتراكية ولضرورة تطبيقها على الصعد كافة في الحياة الأمريكية، وقد عدّ روايته «الغاب» أرضية لاختبار الاستغلال الرأسمالي للعمال والعاملات، ولاسيما الأجانب منهم الذين لهثوا وراء الحلم الأمريكي هرباً من الاضطهاد والفاقة في أوطانهم التي هجروها. تدور أحداث الرواية في شيكاغو وتتمحور حول عائلة ليتوانية مهاجرة تمزقها شروط وظروف العمل في صناعة تعليب اللحوم، وتسحقها اقتصادياً وتدمرها أخلاقياً. وقد رأى النقد الأدبي في رواية «الغاب» امتداداً أمريكياً بامتياز لحركة المذهب الطبيعيnaturalism الفرنسية خاصة والأوربية عامة، ولاسيما في تبني سنكلير تشاؤمية إميل زولا باعتبارها حتمية، كما صنفها بعض النقاد في عداد الأدب البروليتاري من حيث موضوعها ومعالجته وتوجهها الفكري، وقارنوها مع روايته «كوخ العم توم» لهارييت بيتشر ستو مع اختلاف قيمة العبودية من لون البشرة إلى أجور العمل. كما قارنوها مع الرواية الثورية «العقل السليم» (1776) Common Sense للكاتب توماس بين Thomas Paine، والواقع هو أن «الغاب» قد مزجت بأسلوب مؤثر بين تشاؤمية الطبيعية وتفاؤلية الاشتراكية.
وفي حين ركزت «الغاب» على تأثير الرأسمالية في الطبقات الدنيا، فإن روايات سنكلير اللاحقة، مثل «المتروبوليس» (1908) The Metropolis و«الصرافون» (1908) The Moneychangers قد اختبرت الفساد الناتج عن النظام الرأسمالي في أوساط الطبقة العليا. وفي عام 1917 نشر سنكلير رواية «ملك الفحم» King Coal التي تفضح إجرامية استغلال أصحاب المناجم لعمالهم. إلا أن الرواية لم تلق ذاك الصدى الذي لاقته «الغاب» لا على صعيد النقد ولا على صعيد القراء.
حاول سنكلير أن يمارس نشاطه السياسي الاشتراكي ضمن مجموعة تعاونية، لكنه فشل، ومع ذلك فقد تابع نشاطه باحثاً وكاشفاً عن الفضائح الاقتصادية والسياسية. ولخوفه من عدم تحقق الحلم الاشتراكي في الولايات المتحدة، انحاز إلى الحزب الديمقراطي ورشح نفسه لمنصب حاكم كاليفورنيا، معتمداً على شهرته في برنامج «أنهوا الفقر في كاليفورنيا» EPIC الذي دعا فيه الدولة إلى تحويل المزارع والمصانع الخاملة إلى نظام تعاونيات، فواجهته مجموعة قوية من الجمهوريين والديمقراطيين القدماء مما أدى إلى خسارته الانتخابات. وكان من نتائج ذلك على الصعيد الذاتي أن دخل سنكلير مرحلة إبداعية جديدة كتب فيها أكثر أعماله نجاحاً، وهي جميعها ذات موضوعات سياسية اقتصادية، وتكشف عن مجموعة من الفضائح في أوساط رجال السياسة والمال في الولايات المتحدة الأمريكية، من أهمها «نفط» (1927) Oil و«بوسطن» (1928) Bostonالتي عالجت الفضيحة القضائية السياسية الشهيرة في ولاية ماساتشوستس ضد الفوضويين ساكو وفانتستي Sacco-Vanzettiالمنحدرين من أصل إيطالي واللذين حكمت عليهما المحكمة عام 1927 بالإعدام بتهمة القتل دون ثبوت الأدلة، لدواع محض سياسية هدفها ردع التطرف اليساري. كما نشر سنكلير «نهاية العالم» (1940) World’s End و«أسنان التنين» (1942) Dragon’s Teeth التي عالجت وصول الحزب النازي بقيادة هتلر إلى السلطة وخطورة ذلك على السلام العالمي. وقد نالت هذه الرواية جائزة بوليتزر المرموقة عام 1943.
لقد حظيت روايات سنكلير بانتشار واسع في جمهوريات الاتحاد السوفييتي، لكن معارضته العنيفة لممارسات الحزب الشيوعي في عهد ستالين أدى إلى إهمالها، إلى أن عادت إلى مكانتها بعد الحرب العالمية الثانية في دول المعسكر الاشتراكي بسبب مواقفه المناهضة للفاشية. ومن أواخر أعماله التي حظيت برواج شعبي واسع سلسلة الروايات التاريخية الإحدى عشرة من أماكن وأحداث دولية صور فيها شخصية لاني بَدْLanny Budd المعادي للفاشية والابن غير الشرعي لصانع الذخائر الحربية. كما نشر سنكلير «سيرة أبتون سنكلير الذاتية» (1962) The Autobiography of Upton Sinclair.
ريما الحكيم