يعرف علم الجنين embryologie بأنه دراسة التبدلات التي تطرأ على البيضة الملقحة،

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يعرف علم الجنين embryologie بأنه دراسة التبدلات التي تطرأ على البيضة الملقحة،

    جنين (علم)

    Embryology - Embryologie

    الجنين (علم ـ)

    يعرف علم الجنين embryologie بأنه دراسة التبدلات التي تطرأ على البيضة الملقحة، والتي تؤدي بها إلى تشكل متعضية جديدة تشبه الأبوين. وهو علم شاب ازدهر في بداية القرن التاسع عشر، واستمر في التطور سريعاً بسبب التطبيقات البيولوجية والطبية. وكان علم الجنين في بداياته وصفياً، يقتصر على وصف حادثات التشكل في متعضية من المتعضيات، وخاصة عند الإنسان. ولكن سرعان ما انتقل هذا العلم إلى المرحلة المقارنة، حيث وازن الباحثون بين حادثات التشكل في متعضيات مختلفة، للتوصل إلى القوانين العامة في التنامي، والكشف عن صلات القربى الموجودة بين الزمر الحيوانية المعنية. وفي مطلع القرن التاسع عشر صار علم الجنين علماً تجريبياً، ولم يكتف الباحث بملاحظة ما يحدث، إنما دفعه فضوله لأن يبدل في ظروف الحادثة. أما في الوقت الحاضر فيحاول علم الجنين تفسير معطيات علم الجنين الوصفي وعلم الجنين التجريبي على أساس جزيئي. وتقع الدراسات التي تجري اليوم في نطاق علم الجنين بمفهومه الحالي تحت عنوان بيولوجية التنامي.
    علم الجنين الوصفي
    شغلت فكرة التنامي الجنيني عند الإنسان أذهان المفكرين منذ زمن بعيد جدا، فقد اعتقد أرسطو Aristotle عام 340 قبل الميلاد أن الجنين يتشكل من «بذرة» تأتي من الأب، وأن وظيفة الأم هي فقط حضن هذه «البذرة».
    وفي العصور الوسطى دفعت الملاحظات البسيطة المفكرين إلى صياغة نظرية التشكل المسبق داخل البيضة. وهذا يعني وجود جنين بشكل مصغر داخل البيضة، وليست حادثات التنامي سوى نمو وتوسع وامتداد البنى الموجودة أصلاً في هذا الجنين. وعندما اكتشف لوفنهوك Leuwenhoek عام 1674 نطفة الإنسان، رسم أصحاب هذه النظرية ضمن النطفة طفلاً صغيراً يضم أطرافه الأربعة إلى صدره. وفي عام 1745 اكتشف بونييه Bonnet التكون البكري الطبيعي parthénogenèse naturel في حشرات المن، وغدا جلياً أن البيضة تستطيع أن تشكل الجنين بمعزل عن النطفة. إلا أن وولف Wolff وجد عام 1759 أن هذه النظرية كانت من السذاجة والسطحية بحيث لا يمكنها إطلاقاً أن تفسر عدداً كبيراً من الملاحظات التي كان يسجلها خلال دراسته تنامي جنين الدجاج.
    وبالاعتماد على وسم مجموعة من القطاعات على سطح البيضة بمحلول ملون حيوي، تم متابعة مصيرها بالملاحظة المباشرة. وسمحت هذه الطريقة الطويلة، بصعوبة، متابعة تسلسل التطورات التي تجري في بداية تكون الفرد. لذلك درست حركة الخلايا وتشكل بداءات الأعضاء بوسم نقاط معينة يرغب الباحث بتتبع مصير خلاياها. وطبقاً لهذا فإن المكان الذي ستتوضع فيه الخلايا الملونة يحدد تحديداً أكيداً مصير الخلايا التي كان قد تم تلوينها، ويعين أقسام الجنين التي اشتقت منها. وقدمت هذه الطريقة معلومات قيمة عن بداية تكون المضغة، إذ كشفت عن التنقلات التي تنجزها عناصر البيضة، التي تبدأ منذ الإلقاح، على شكل موجات سيتوبلاسمية، وتأخذ أهمية كبيرة في لحظة تَكَوُّن المعيدة عندما تتخذ شكل تنقلات خلوية أطلق عليها اسم الحركات المؤدية للتنامي. وسمحت هذه الطريقة للعلماء بالبرهان على طبغرافيةٍ لأجزاء من البيضة مخصصة لإعطاء الوريقات الثلاث، الخارجية ectoderme والوسطى mesoderme والداخلية endoderme، ووضع حجر الأساس الأول في بناء نظرية التنامي المتدرج epigenèse.
    وعندما تشكلت لدى الإنسان فكرة واضحة عن مراحل التنامي، التي تؤدي إلى الفرد البالغ، لم يعد يكتف بالملاحظة، وإنما أصبح أشد فضولاً لفهم أفضل لآلية حادثات التنامي. ليظهر فرع آخر من فروع علم الجنين، ألا وهو علم الجنين التجريبي.
    علم الجنين التجريبي
    بدءاً من عام 1880 تقريباً أخذ علم الجنين يدخل المرحلة التجريبية على أيدي كل من فايسمان Weismann ودريش Driesch وروكس W.Roux وآخرين غيرهم. وتصدى روكس في عام 1888 لنظرية التشكل المسبق وأخضعها للتجربة. وبعد أن قتل إحدى الخليتين الأصليتين لبيضة الضفدع الملقحة بوخزها بإبرة عرّض رأسها للّهب، شكلت الخلية الأصلية المتبقية جنيناً مشوهاً. ولكن وجد دريش في عام 1891 أن كل خلية من الخليتين الأصليتين الناجمتين عن انقسام بيضة قنفذ البحر الملقحة قادرة على أن تشكل جنيناً سوياً، حجمه نصف حجم الجنين العادي. وتوصل أيضاً أندريه Endres في عام 1895 إلى نتائج مشابهة فيما يتعلق ببيوض عدد من المتعضيات. وأعاد شميدت Schmidt في عام 1933 تجربة روكس إنما بفصل الخليتين الأصليتين بعضهما عن بعض فصلاً تاماً، بوساطة عروة شعرية، فأعطت كل منهما جنيناً سوياً. ولقد تبين حينئذ أن الخطأ في تجربة روكس أتى من إبقاء الخلية المقتولة ملتصقة بالخلية الحية. وهكذا قضي على نظرية التشكل المسبق قضاء مبرماً. ورأى الباحثون أن التشكل الفردي هو تشكل متدرج متكامل. ثم سمح التحليل الشكلي للمراحل المتتالية للتنامي الجنيني بالبرهان على أن التنامي الجنيني لا يتم بطريقة مستمرة، وإنما كانت تتميز بتبدلات يتم خلالها ظهور أعضاء وتلاشي أعضاء أخرى، تاركة فقط آثاراً شاهدة على وجود عابر. ولفهم الآليات التي تسبق تسلسل التبدلات المتتالية، التزم علم الجنين السبيل الجزيئي.
    علم الجنين الجزيئي
    يعد نيدهام Needham وبراكيت Brachet في الباحثين الأوائل، الذين أسهموا في المحاولات الأولى لنشوء علم الجنين الجزيئي، وذلك من خلال الدراسات الكيميائية الحيوية لحادثات استقلاب البيضة والجنين. ولكن كان على علم الجنين الجزيئي أن ينتظر عام 1932 حتى تتضح هويته وضوحاً كافياً. إذ يعد تاريخ علم الجنين الجزيئي منذ عام 1932 - 1945 هو تاريخ تحديد هوية المادة المُحَرِّضة، التي توجد في خلايا المنظم، باعتبارها جزيئات كيميائية.
    ففي مطلع الثلاثينات سمحت التجارب الشهيرة لسبيمان Spemann من وضع مفهومي «المُنَظِّم» organisateur و«التحريض» induction، لينقل علم الجنين من مستوى الخلايا إلى مستوى الجزيئات. وتم التوصل إلى أن جميع أحداث التنامي منوطة بإشارات كيميائية تمر بين طبقات الخلايا الجنينية والخلايا المجاورة. ويؤدي التحريض دوراً عظمياً في التنامي المبكر للنسج والأعضاء، اعتباراً من الوريقة الخارجية والوريقة الداخلية والوريقة المتوسطة. ويتمثل تأثيره في تحريض مجموعة من الجينات، مما يؤدي إلى تمايز الخلايا المستقبلة لهذه الإشارات إلى نسج محددة. وفي الوقت الحالي، أفادت التطورات الهائلة في علم الحياة[ر] البيولوجية، علمَ الجَنين لتوضيح الأحداث الحيوية الكيميائية التي تسبق التمايز والتراجع النوعي للنسج التي تقوم بدور مهم في إنشاء وقولبة الجنين. تنتج هذه الأحداث من تحريض تركيب بروتينات جديدة، نوعية تخص التمايز الخلوي. هذا وتعد هجرة الخلايا، خلال التنامي الجنيني، أساسية في عملية التمايز، إذ تتبع الخلايا المهاجرة آثاراً كيميائية تفرزها خلايا تقع قرب مصيرها النوعي. وتسهم البروتينات السطحية للخلايا المهاجرة في التعرف على خلايا مماثلة للبحث عن مصيرها. فتتجاور هذه الخلايا بعضها مع بعض وتفرز بروتينات سكرية تلصقها في مكانها. وأخيراً تتمايز هذه الخلايا لتعطي خصائص محددة للنسيج. وتشكل حادثة الموت المبرمج للخلية apoptose، أو الانتحار المبرمج للخلايا المتزامن، المفتاح الثاني لسيرورة التنامي، إذ تمتلك بعض الحيوانات، وربما جميعها، جينات للانتحار، ترمز بروتينات تقتل الخلية التي أنتجت هذه البروتينات، فيؤدي الموت المبرمج للخلايا النوعية خلال تنامي الذراع والساق عند الإنسان مثلاً إلى تشكل مسافات فاصلة بين الأصابع والأباخس orteils. كما يعد الموت الخلوي أساسياً أيضاً للتنامي السوي للجهاز العصبي والجهاز المناعي. فعند موت الخلايا التي تعمل فيها جينات الانتحار، ترسل هذه الخلايا إشارات إلى الخلايا المجاورة لتتحول هذه الأخيرة إلى خلايا بلعمية. وتؤدي بلعمة وهضم الخلايا الميتة، إلى تخلص الجنين من الأنزيمات الضارة وبقايا الخلايا. إن التقدم الكبير الذي أنجز في معرفة التنامي السوي يشكل أساساً قوياً للتصدي للمشكلة الناجمة عن التشوهات الولادية. إذ يبدو أن مراحل التنامي محددة سلفاً منذ بداية تَكَوُّن المضغة، والشيء ذاته فيما يتعلق بالاضطرابات في التنامي التي يبدو أيضاً أنها محددة سلفا وبشكل مبكر جداً. مع ذلك فإن علم الجنين المطبق من قبل الطب البشري سيكون قادراً على التصدي للكثير من المشكلات المتوقعة. ومهما يكن فإن علم الجنين الذي كان قديما علماً إحصائياً بحتاً، أصبح الآن أحد الفروع الأكثر فاعلية في علم البيولوجية.
    سعاد العقلة
يعمل...
X