صورة للمفكر د. طيب تيزيني في مرحلة الشباب والدراسة في ألمانيا، برلين 1967
مما كتبه الصحفي سامر إسماعيل حول مرحلة تيزيني الألمانية نقتطف الآتي:
((قرر الطيّب السفر إلى تركيا عام 1962 ومنها إلى بريطانيا فألمانيا، وكان ميله الأدبي الذي توضّح منذ سنوات دراسته وكتابته بعض القصص القصيرة، جعلاه يتطلع إلى دراسة الأدب الإنكليزي، مذهولاً بشكسبير الذي زار ضريحه في ستارتفورد، لكنه اكتشف أن الأدب ليس مصيره ولم يقترن به، مما جعله ينحو باتجاه الفلسفة مرةً أخرى، ليكمل دراسته في جامعة لايبزغ، فاشتغل بكثافة على قراءاته وتعلم الألمانية واللاتينية، ليصبح من أبرز طلاب الأكاديمية الألمانية، متتلمذاً على أساتذة كبار كان على رأسهم هيرمان لاي، وانتزع درجة الماجستير ومن ثم الدكتوراه، وبعدها شهادة الأستاذية، وقدم رسالته حول “التيارات الكبرى في الفلسفة العربية”، منقّباً في مؤلفات فلاسفة العرب الكبار كابن سينا والفارابي وابن رشد، وكان عمله مذهلاً في ما قدم في جامعة لايبزغ حول التراث والحداثة.
عاش الفيلسوف الحمصيّ بين برلين ولايبزغ ومعظم المدن الألمانية الشرقية منها والغربية آنذاك، وعُرِض عليّه وقتها أن يحصل على الجنسية الألمانية فرفض كما يرفض هذا العرض في ظل سنوات الحرب الحالية، إذ كان يردّد على الدوام في غربته ما كان قرأه منذ سنوات بعيدة لشاعر حمصي مات في الغربة، ولم يحقّق حلمه في العودة إلى مدينته فكتب مناجياً: “خذني إلى حمصٍ ولو حشوَ الكفن”.
قرأ الطيب تحولّات الشرق من وراء سور برلين الشرقية، وكتب لاحقاً مؤلفات عدة عن فترة دراسته في ألمانيا، ومنها الموقف الروحي من الإسلام، وثم وصل إلى مرحلة نقاش الصراع بين الظلامية والتنوير، فكان ضرورياً أن يحيط بالإسلام تاريخاً ومشكلات، فوصل إلى فكرة التمييز بين المطلق والنسبيّ في قراءة النص الإسلامي. ووجد أن هذه الفكرة قد تحرر كتلة كبيرة من الإسلاميين، فناقش مسألة احتكار الحقيقة من طرف على حساب آخر. وقدم أخيراً في بيروت محاضرات في هذا الصدد، في الجامعة الأميركية أو في مؤسسة “أديان” الدولية، طارحاً فكرة مهمة في هذه المحاضرات، هي ضرورة التمييز بين المطلق والنسبيّ. فالمطلق عند التيزيني هو “الله الإسلامي”، والنسبيّ هو “المغلق الذي ليس له نفق تصل إليه إلا عبر نفقك، أي عبر نفسكَ؛ وبأنك تعرفُ الله عبر معرفة نفسكَ”.
وإغراقاً في الإطلاق عبر قراءة جديدة، كتب الطيّب في مفهوم القراءات، وأن قراءة النصوص تبدأ في كونك تقرأها من حيث قدرتك على اختراقها، لكن هذه المكوّنات لا تمنحك شيئاً، فأنت يجب أن تأخذ من حيث تراه، من ثلاثة مستويات بحسب المفكر السوري وهي: المستوى المعرفي والمستوى المتصل بالمصالح، أما المستوى الثالث فمتصل بالقوة. ثلاث قراءات تضبط قراءتك للنص، لأن لا أحد يملك الحقيقة؛ إن الجميع يملك الحقيقة من حيث هم، وهذا ما أثاره في محاضراته الأخيرة في طنجة في المغرب. وقف الطيّب موقفاً حاسماً من حركة “داعش” معتبراً إياها سليل مرجعيتين اثنتين، أولاً الدواخل التي ترفض فكرة القراءات ولديها شيء ثابت، ومن يخالف ذلك يعتبر آبقاً، أما الثانية فقد تشكلت برأيه مع بزوغ النظام الرأسمالي العالمي ونشأة السوق، وفي ضوء هذه السوق نشأ النظام العولميّ، مدعّماً هذه الرؤية بما قاله ماركس “كلما ارتفعت قيمة الأشياء هبطت قيمة الإنسان”.))