غياب
Absence - Absence
الغياب
تعريف الغياب absence والفقدان والفرق بينهما
طبقاً للمواد 202 و203 من قانون الأحوال الشخصية السوري وعند عامة الفقهاء في الفقه الإسلامي؛ فإن الغائب هو واحد من ثلاثة:
1 - الشخص الذي لا تعرف حياته أو مماته، ويسمى مفقوداً.
2 - الشخص الذي تعرف حياته، ولكن ليس له محل إقامة ولا موطن معلوم.
3 - الشخص الذي يكون له محل إقامة أو موطن معلوم في الخارج، إنما استحال عليه أن يتولى شؤونه بنفسه أو أن يشرف عمن أنابه في إدارتها.
وهذا يعني أن الفقد هو أحد حالات الغياب، فكل مفقود غائب وتنطبق عليه أحكام الغياب، ولكن ليس كل غائب مفقوداً، فلا يأخذ أحكام الفقدان التي يختص بها المفقود.
أحكام المفقود في الشريعة والقانون
1- في الفقه الإسلامي: عند الأحناف والشافعية في الجديد: يبقى المفقود حياً في الحكم باستصحاب الحال، في حق زوجته وتركته، فلا تحل زوجته للزواج من سواه ولا توزع تركته، ما لم تثبت وفاته بشهادة شاهدين عدلين يشهدان وفاته، أو يُحكم بوفاته، بعد انقراض أقرانه، وهم من كان في سنه من أبناء حيه وقريته. وذهب الشافعي في القديم إلى أنه يحق لزوجته طلب الحكم بوفاته بعد أربع سنين، وهذا عند الأحناف والشافعية سواء أكان فقده في حال تغلب فيها السلامة كالغيبة لطلب العـلم أو الرزق، أم في حال يغلب فيها الهلاك كحرب أو زلزال أو حريق.
وذهب «أحمد» في الظاهر من مذهبه إلى موافقة أبي حنيفة والشافعي في الجديد إذا كان فقده في حال تغلب فيها السلامة، وإلى موافقة الشافعي في القديم إذا كان فقده في حال يغلب فيها الهلاك.
2- في القانون: نصت المادة 205 من قانون الأحوال الشخصية على أن الفقد ينتهي بعودة المفقود أو بموته أو بالحكم باعتباره ميتاً عند بلوغه الثمانين من العمر، هذا إذا لم يكن فقده بسبب عمليات حربية أو حالات مماثلة لها مما يغلب فيها الهلاك، فإنه يجوز الحكم بموته بعد مرور أربع سنوات من تاريخ فقده. وبهذا فقد وافق القانون مذهب الأحناف في حالات الفقد التي تغلب فيها السلامة، ووافق الحنابلة في الأحوال التي يغلب فيها الهلاك.
3- آثار الحكم بوفاة المفقود: يترتب على الحكم بوفاة المفقود انقضاء شخصيته القانونية، فتعتد زوجته عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام، وتحل بعدها للزواج وتقسم تركته على ورثته الموجودين وقت الحكم بوفاته. أما من مات من ورثته قبل ذلك فلا يرثه، لعدم تيقن وفاة المفقود قبل الحكم بوفاته، وهو شرط الإرث، ولكن لا يدخل في تركة المفقود الأموال التي أوقفت له من تركة أقربائه الذين ماتوا حال فقده، إنما ترد إلى ورثة مورثه، وذلك لعدم تيقن حياته حين ذاك، وهو شرط الإرث بالنسبة له. فإذا عاد المفقود حياً بعد الحكم بوفاته، أو ثبت بالبينة أنه كان حياً عند الحكم بوفاته فإنه ينفسخ الحكم بالوفاة، وتعود زوجته إلى عصمته، فإذا كانت زوجته قد تزوجت بعد عدتها من زوج آخر فإن زواجها ينفسخ إلا إذا كان الزوج في الزواج الثاني قد دخل بها ما لم يكن حين تزوجها يعلم بحياة زوجها الأول، أو تزوجها وهي في العدة[ر]، فإنها للزوج العائد لبطلان عقد الزواج من الثاني. وأما لتركته فإنه يسترد ما بقي قائماً منها لم يوزع أو ما وزع ولا يزال موجوداً في يد ورثته، أما ما هلك أو استهلك، فلا يضمنونه لا بمثله ولا بقيمته، لأنهم ملكوا التصرف فيه بحكم القضاء، ما لم يكن المتصرف بهذه الأموال أو المتصرف إليه بها يعلم بحياة المفقود فإنه يضمن. وهذه الأحكام لم ينص عليها قانون الأحوال الشخصية السوري، ولكن يؤخذ بها قانوناً عملاً بالمادة 305 منه، باعتبار أن هذه الأحكام تمثل الراجح من مذهب الأحناف التي ألزم هذا النص العمل بها عند خلو نص في قانون الأحوال الشخصية، وهم يوافقون فيها جماهير الفقهاء في بقية المذاهب.
أحكام الغياب وآثاره في شخص الغائب
اتفق الفقهاء جميعاً، ومعهم القانون،على عدم جواز الحكم بوفاة الغائب ما لم يصبح مفقوداً بالمعنى المتقدم. فلا توزع تركته على ورثته مطلقاً حتى يثبت موته، أو يعد مفقوداً وتطبق عليه أحكام المفقود المتقدمة.
أما في حق زوجته، فقد ذهب الأحناف والشافعية إلى أنه لا يجوز لزوجة الغائب أن تطلب التفريق للغياب، فلا تبين منه حتى تثبت وفاته بالبينة أو يحكم بموته باعتباره مفقوداً، إلا إذا لم يترك الغائب لزوجته مالاً تنفق منه، فقد أجاز لها بعض هؤلاء الفقهاء أن تطلب التفريق لعدم الإنفاق، وهو سبب للتفريق متميـز عن سبب الغياب.
أما المالكية والحنابلة فقد أجازوا التفريق للغيبة، ولو ترك الغائب لزوجته مالاً تنفق منه، بشروط وهي:
أ - أن تطول غيبة الزوج، وقد قدرها الحنابلة بستة أشهر على الأقل، وقدرها بعض المالكية بسنة.
ب - أن يلحق الزوجة من هذه الغيبة ضرر شديد، بأن تكون شابة تخشى على نفسها الفتنة، وإلا لم تجز إجابة طلبها في التفريق.
وقد عدَّ القانون غياب الزوج من دون عذر، وكذا الحكم على الزوج بالسجن أكثر من ثلاث سنوات مظنة ضرر لا تقبل إثبات العكس بعد مرور سنة على الغياب أو السجن.
ج - أن تكون غيبة الزوج من غير عذر مشروع، فإن كانت لطلب العلم أو الحج أو التجارة مثلاً، فليس للزوجة طلب التفريق، وهذا مذهب الحنابلة وبه أخذ قانون الأحوال الشخصية[ر]، أما المالكية فقد سووا بين الغيبة لعذر والغيبة لغير عذر، وأجازوا للزوجة طلب التفريق في كل الأحوال، لأن الضرر، وهو مناط الحق في طلب التفريق، واقع عليها في الحالين.
د - اشترط المالكية إعلام الزوج وإنذاره، بأن يُراسل ويُكتب إليه للرجوع إلى زوجته أو أن ينقلها إليه، فإذا عرض نقلها إليه أو رجع سقط حقها في التفريق، فإن لم يفعل أو امتنع عن الرد بعد مضي مدة كافية، أو تعذرت الكتابة إليه لجهالة موطنه أو محل إقامته، فإن القاضي يجيب الزوجة إلى طلب التفريق دون كتابة للزوج.
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بمذهب المالكية والحنابلة حين قرر للزوجة حق طلب التفريق للغياب، واستمد بعض الشروط من مذهب المالكية فلم يجز لها طلب التفريق إلا بعد مضي سنة على الغياب، كما لم يسمح لها بأن تطلب التفريق إلا إذا كان الغياب من دون عذر مقبول آخذاً بمذهب الحنابلة خلافاً للمالكية.
وخلافاً لما هو مقرر عند المالكية والحنابلة من أن التفريق للغياب هو طلاق بائن فقد نص قانون الأحوال الشخصية على عده طلاقاً رجعياً، بحيث يستطيع الزوج مراجعة زوجته إذا عاد من الغياب وهي لا تزال في العدة.
أحكام الغياب وآثاره في مال الغائب
متى مضت على الشخص مدة سنة وهو غائب، وترتب على غيابه تعطيل مصالحه أو مصالح غيره، يميز قانون الأحوال الشخصية هنا بين حالتين: أن يكون الغائب قد ترك وكيلاً عنه أو لم يترك، فإن كان ترك وكيلاً عاماً، وهو من تخوله وكالته أعمال الإدارة فقط حسب (المادة 667 من القانون المدني السوري)، فإن المحكمة تحكم بتثبيت هذا الوكيل متى توافرت فيه الشروط الواجب توافرها في الوصي، وهي العدل والأهلية الكاملة واتحاد الملة وعدم ارتكاب جريمة مخلة بالأخلاق والآداب وغير محكوم بإفلاسه، وأن لا يكون بينه وبين أحد أصوله أو فروعه أو زوجه نزاع قضائي أو خلاف عائلي يُخشى منه على مصلحة الغائب. وإذا لم يتوافر فيه أحد هذه الشروط، عُد الغائب وكأنه لم يترك وكيلاً عاماً، وعندئذ تقيم المحكمة وكيلاً قضائياً عن الغائب يسمى، عند بعضهم القيّم[ر: القوامة].
الوكالة القضائية عن الغائب وأحكامها في القانون
الوكيل القضائي هو النائب الشرعي عن المفقود والغائب، لعجزهما عن التصرف بأموالهما للغيبة والفقد، ولهذا نصت المادة (204) من قانون الأحوال الشخصية السوري على أنه: «إذا ترك المفقود وكيلاً عاماً تحكم المحكمة بتثبيته متى توافرت فيه الشروط الواجب توافرها في الوصي، وإلا عينت له وكيلاً قضائياً». وإن أحكام الوكيل القضائي في قانون الأحوال الشخصية السوري من حيث شروطه وصلاحياته وتعيينه وعزله وانتهاء نيابته، يسري عليه فيها ما يسري على الوصي من أحكام إلا ما يستثنى بنص صريح.
وبالرجوع إلى صلاحيات الأوصياء المقررة في المواد (180-182) من قانون الأحوال الشخصية السوري، يتبين أن القانون ألزم الوصي، ومثله في ذلك وكيل الغائب، أن يستأذن القاضي في كل تصرف من تصرفاته، مع بطلان التبرعات من مال الغائب مطلقاً.
أما عند الفقهاء فإنهم يتجهون نحو الحد من صلاحيات الوكيل القضائي وحصرها في التصرفات الضرورية المتعلقة بحفظ المال وإدارته، من دون تثميره والاتجار به، وعلى خلاف الوصي والقيّم في ذلك، وهو ما يفهم من نص المادة 573 من كتاب قدري باشا الآتي نصها: «إذا لم يكن المفقود ترك وكيلاً، ينصب له القاضي وكيلاً، يحصي أمواله المنقولة وغير المنقولة ويحفظها ويقوم عليها ويحصّل غلاته وريع عقاراته ويقبض ديونه التي أقرَّ بها غرماؤه».
ونصت المادة 574 منه «للقاضي أن يبيع ما يتسارع إليه الفساد من مال المفقود منقولاً كان أو عقاراً، ويحفظ ثمنه ليعطى له إن ظهر حياً، أو لمن يستحقه من ورثته بعد الحكم بموته، وليس له أن يبيع شيئاً مما لا يخشى عليه الفساد ولا لنفقة عياله ولا لغيرها»، فإذا حضر الشخص من الخارج انتهت غيبته وتولى شؤون نفسه بنفسه.
أيمن أبو العيال
Absence - Absence
الغياب
تعريف الغياب absence والفقدان والفرق بينهما
طبقاً للمواد 202 و203 من قانون الأحوال الشخصية السوري وعند عامة الفقهاء في الفقه الإسلامي؛ فإن الغائب هو واحد من ثلاثة:
1 - الشخص الذي لا تعرف حياته أو مماته، ويسمى مفقوداً.
2 - الشخص الذي تعرف حياته، ولكن ليس له محل إقامة ولا موطن معلوم.
3 - الشخص الذي يكون له محل إقامة أو موطن معلوم في الخارج، إنما استحال عليه أن يتولى شؤونه بنفسه أو أن يشرف عمن أنابه في إدارتها.
وهذا يعني أن الفقد هو أحد حالات الغياب، فكل مفقود غائب وتنطبق عليه أحكام الغياب، ولكن ليس كل غائب مفقوداً، فلا يأخذ أحكام الفقدان التي يختص بها المفقود.
أحكام المفقود في الشريعة والقانون
1- في الفقه الإسلامي: عند الأحناف والشافعية في الجديد: يبقى المفقود حياً في الحكم باستصحاب الحال، في حق زوجته وتركته، فلا تحل زوجته للزواج من سواه ولا توزع تركته، ما لم تثبت وفاته بشهادة شاهدين عدلين يشهدان وفاته، أو يُحكم بوفاته، بعد انقراض أقرانه، وهم من كان في سنه من أبناء حيه وقريته. وذهب الشافعي في القديم إلى أنه يحق لزوجته طلب الحكم بوفاته بعد أربع سنين، وهذا عند الأحناف والشافعية سواء أكان فقده في حال تغلب فيها السلامة كالغيبة لطلب العـلم أو الرزق، أم في حال يغلب فيها الهلاك كحرب أو زلزال أو حريق.
وذهب «أحمد» في الظاهر من مذهبه إلى موافقة أبي حنيفة والشافعي في الجديد إذا كان فقده في حال تغلب فيها السلامة، وإلى موافقة الشافعي في القديم إذا كان فقده في حال يغلب فيها الهلاك.
2- في القانون: نصت المادة 205 من قانون الأحوال الشخصية على أن الفقد ينتهي بعودة المفقود أو بموته أو بالحكم باعتباره ميتاً عند بلوغه الثمانين من العمر، هذا إذا لم يكن فقده بسبب عمليات حربية أو حالات مماثلة لها مما يغلب فيها الهلاك، فإنه يجوز الحكم بموته بعد مرور أربع سنوات من تاريخ فقده. وبهذا فقد وافق القانون مذهب الأحناف في حالات الفقد التي تغلب فيها السلامة، ووافق الحنابلة في الأحوال التي يغلب فيها الهلاك.
3- آثار الحكم بوفاة المفقود: يترتب على الحكم بوفاة المفقود انقضاء شخصيته القانونية، فتعتد زوجته عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام، وتحل بعدها للزواج وتقسم تركته على ورثته الموجودين وقت الحكم بوفاته. أما من مات من ورثته قبل ذلك فلا يرثه، لعدم تيقن وفاة المفقود قبل الحكم بوفاته، وهو شرط الإرث، ولكن لا يدخل في تركة المفقود الأموال التي أوقفت له من تركة أقربائه الذين ماتوا حال فقده، إنما ترد إلى ورثة مورثه، وذلك لعدم تيقن حياته حين ذاك، وهو شرط الإرث بالنسبة له. فإذا عاد المفقود حياً بعد الحكم بوفاته، أو ثبت بالبينة أنه كان حياً عند الحكم بوفاته فإنه ينفسخ الحكم بالوفاة، وتعود زوجته إلى عصمته، فإذا كانت زوجته قد تزوجت بعد عدتها من زوج آخر فإن زواجها ينفسخ إلا إذا كان الزوج في الزواج الثاني قد دخل بها ما لم يكن حين تزوجها يعلم بحياة زوجها الأول، أو تزوجها وهي في العدة[ر]، فإنها للزوج العائد لبطلان عقد الزواج من الثاني. وأما لتركته فإنه يسترد ما بقي قائماً منها لم يوزع أو ما وزع ولا يزال موجوداً في يد ورثته، أما ما هلك أو استهلك، فلا يضمنونه لا بمثله ولا بقيمته، لأنهم ملكوا التصرف فيه بحكم القضاء، ما لم يكن المتصرف بهذه الأموال أو المتصرف إليه بها يعلم بحياة المفقود فإنه يضمن. وهذه الأحكام لم ينص عليها قانون الأحوال الشخصية السوري، ولكن يؤخذ بها قانوناً عملاً بالمادة 305 منه، باعتبار أن هذه الأحكام تمثل الراجح من مذهب الأحناف التي ألزم هذا النص العمل بها عند خلو نص في قانون الأحوال الشخصية، وهم يوافقون فيها جماهير الفقهاء في بقية المذاهب.
أحكام الغياب وآثاره في شخص الغائب
اتفق الفقهاء جميعاً، ومعهم القانون،على عدم جواز الحكم بوفاة الغائب ما لم يصبح مفقوداً بالمعنى المتقدم. فلا توزع تركته على ورثته مطلقاً حتى يثبت موته، أو يعد مفقوداً وتطبق عليه أحكام المفقود المتقدمة.
أما في حق زوجته، فقد ذهب الأحناف والشافعية إلى أنه لا يجوز لزوجة الغائب أن تطلب التفريق للغياب، فلا تبين منه حتى تثبت وفاته بالبينة أو يحكم بموته باعتباره مفقوداً، إلا إذا لم يترك الغائب لزوجته مالاً تنفق منه، فقد أجاز لها بعض هؤلاء الفقهاء أن تطلب التفريق لعدم الإنفاق، وهو سبب للتفريق متميـز عن سبب الغياب.
أما المالكية والحنابلة فقد أجازوا التفريق للغيبة، ولو ترك الغائب لزوجته مالاً تنفق منه، بشروط وهي:
أ - أن تطول غيبة الزوج، وقد قدرها الحنابلة بستة أشهر على الأقل، وقدرها بعض المالكية بسنة.
ب - أن يلحق الزوجة من هذه الغيبة ضرر شديد، بأن تكون شابة تخشى على نفسها الفتنة، وإلا لم تجز إجابة طلبها في التفريق.
وقد عدَّ القانون غياب الزوج من دون عذر، وكذا الحكم على الزوج بالسجن أكثر من ثلاث سنوات مظنة ضرر لا تقبل إثبات العكس بعد مرور سنة على الغياب أو السجن.
ج - أن تكون غيبة الزوج من غير عذر مشروع، فإن كانت لطلب العلم أو الحج أو التجارة مثلاً، فليس للزوجة طلب التفريق، وهذا مذهب الحنابلة وبه أخذ قانون الأحوال الشخصية[ر]، أما المالكية فقد سووا بين الغيبة لعذر والغيبة لغير عذر، وأجازوا للزوجة طلب التفريق في كل الأحوال، لأن الضرر، وهو مناط الحق في طلب التفريق، واقع عليها في الحالين.
د - اشترط المالكية إعلام الزوج وإنذاره، بأن يُراسل ويُكتب إليه للرجوع إلى زوجته أو أن ينقلها إليه، فإذا عرض نقلها إليه أو رجع سقط حقها في التفريق، فإن لم يفعل أو امتنع عن الرد بعد مضي مدة كافية، أو تعذرت الكتابة إليه لجهالة موطنه أو محل إقامته، فإن القاضي يجيب الزوجة إلى طلب التفريق دون كتابة للزوج.
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بمذهب المالكية والحنابلة حين قرر للزوجة حق طلب التفريق للغياب، واستمد بعض الشروط من مذهب المالكية فلم يجز لها طلب التفريق إلا بعد مضي سنة على الغياب، كما لم يسمح لها بأن تطلب التفريق إلا إذا كان الغياب من دون عذر مقبول آخذاً بمذهب الحنابلة خلافاً للمالكية.
وخلافاً لما هو مقرر عند المالكية والحنابلة من أن التفريق للغياب هو طلاق بائن فقد نص قانون الأحوال الشخصية على عده طلاقاً رجعياً، بحيث يستطيع الزوج مراجعة زوجته إذا عاد من الغياب وهي لا تزال في العدة.
أحكام الغياب وآثاره في مال الغائب
متى مضت على الشخص مدة سنة وهو غائب، وترتب على غيابه تعطيل مصالحه أو مصالح غيره، يميز قانون الأحوال الشخصية هنا بين حالتين: أن يكون الغائب قد ترك وكيلاً عنه أو لم يترك، فإن كان ترك وكيلاً عاماً، وهو من تخوله وكالته أعمال الإدارة فقط حسب (المادة 667 من القانون المدني السوري)، فإن المحكمة تحكم بتثبيت هذا الوكيل متى توافرت فيه الشروط الواجب توافرها في الوصي، وهي العدل والأهلية الكاملة واتحاد الملة وعدم ارتكاب جريمة مخلة بالأخلاق والآداب وغير محكوم بإفلاسه، وأن لا يكون بينه وبين أحد أصوله أو فروعه أو زوجه نزاع قضائي أو خلاف عائلي يُخشى منه على مصلحة الغائب. وإذا لم يتوافر فيه أحد هذه الشروط، عُد الغائب وكأنه لم يترك وكيلاً عاماً، وعندئذ تقيم المحكمة وكيلاً قضائياً عن الغائب يسمى، عند بعضهم القيّم[ر: القوامة].
الوكالة القضائية عن الغائب وأحكامها في القانون
الوكيل القضائي هو النائب الشرعي عن المفقود والغائب، لعجزهما عن التصرف بأموالهما للغيبة والفقد، ولهذا نصت المادة (204) من قانون الأحوال الشخصية السوري على أنه: «إذا ترك المفقود وكيلاً عاماً تحكم المحكمة بتثبيته متى توافرت فيه الشروط الواجب توافرها في الوصي، وإلا عينت له وكيلاً قضائياً». وإن أحكام الوكيل القضائي في قانون الأحوال الشخصية السوري من حيث شروطه وصلاحياته وتعيينه وعزله وانتهاء نيابته، يسري عليه فيها ما يسري على الوصي من أحكام إلا ما يستثنى بنص صريح.
وبالرجوع إلى صلاحيات الأوصياء المقررة في المواد (180-182) من قانون الأحوال الشخصية السوري، يتبين أن القانون ألزم الوصي، ومثله في ذلك وكيل الغائب، أن يستأذن القاضي في كل تصرف من تصرفاته، مع بطلان التبرعات من مال الغائب مطلقاً.
أما عند الفقهاء فإنهم يتجهون نحو الحد من صلاحيات الوكيل القضائي وحصرها في التصرفات الضرورية المتعلقة بحفظ المال وإدارته، من دون تثميره والاتجار به، وعلى خلاف الوصي والقيّم في ذلك، وهو ما يفهم من نص المادة 573 من كتاب قدري باشا الآتي نصها: «إذا لم يكن المفقود ترك وكيلاً، ينصب له القاضي وكيلاً، يحصي أمواله المنقولة وغير المنقولة ويحفظها ويقوم عليها ويحصّل غلاته وريع عقاراته ويقبض ديونه التي أقرَّ بها غرماؤه».
ونصت المادة 574 منه «للقاضي أن يبيع ما يتسارع إليه الفساد من مال المفقود منقولاً كان أو عقاراً، ويحفظ ثمنه ليعطى له إن ظهر حياً، أو لمن يستحقه من ورثته بعد الحكم بموته، وليس له أن يبيع شيئاً مما لا يخشى عليه الفساد ولا لنفقة عياله ولا لغيرها»، فإذا حضر الشخص من الخارج انتهت غيبته وتولى شؤون نفسه بنفسه.
أيمن أبو العيال