هذه هي قصيدة بدوي الجبل عن الأحزان إنها قصيدة بحر الأحزان يصور فيها حزنا عميقا بشاعرية قل نظيرها، قصيدة خمرة الأحزان وكأنه شرب من خمرا من كرمة الأحزان فترنح خزنا وانتشى ألماً:
لا الحقد خمرة أحزاني و لا الحسد
من جوهر الله صيغ الشاعر الغرد
سقيت أحزان قلبي من غقيدته
فأسكر الحزن ما أغلي و أعتقد
و الهمّ يعرف كيف اختاره كبدي
و كيف تكرم جمر اللوعة الكبد
نعم العطاء و حسبي أنّها انغمست
تمزّق العطر من جرحي يد و يد
يا من ألحّ على قلبي يقطّعه
ألحّ منه عليك الخمر و الشهد
دام و يعبق صهباء و غالية
سجيّة في الأراك العطر و الملد
عندي الوسيم من الغفران أسكبه
عطرا على كلّ من آذوا و من حقدوا
أكبرت عن أدمعي من كان مضطهدا
و رحت أبكي لمن يطغى و يضطهد
الحاصدون من الدنيا شماتتها
لولا الذي زرعوا بالأمس ما حصدوا
ظمئت و الشمس من كبر و من أنف
و رحت و الشمس لا نعنو و لا نرد
أعلّها من فؤادي بعض لوعته
فرنّح الشمس ما أشكو و ما أجد
للشعر و الشمس هذا الكون لا عدد
يطغى على النّور في الدنيا و لا عدد
لقد حلفنا على الجلّى و زحمتها
أن لا يفارقنا عزّ و لا صيد
قرى الخطوب إذا ضجّت زعازعها
صبر الكريم على البأساء و الجلد
و ضاق قوم بأشعاري و موكبها
في موكب الشمس يخزى الحقد و الرمد
يؤنّق الظلم من أعذاره نفرا
كأنّهم من هوان الذلّ ما وجدوا
الشّاتمين من الأعراض ما مدحوا
و الثالبين من الطغيان ما حمدوا
البائعين لدى الجلّى و ليّهم
و الرائجين و لولا ذلّهم كسدوا
إذا المغانم لاحت و هي آمنة
هبّوا فإن حميت نار الوغى همدوا
إذا تبلّج فجر النّصر بعد دجى
و قرّ بعض الضراب الصارم الفرد
طوى الشجاع على صمت بطولته
و جرجرت ناقة و استأسدت نقد
سكبت في الكأس أشجاني فتلك يدي
من عبء ما حملته الكأس ترتعد
أين الذوائب من قومي و ما اقتحموا
من الفتوح و ما حلّوا و ما عقدوا
أفدي القبور الني طاف الرجاء بها
يا للقبور غدت ترجى و تفتقد
و لي قبور على الصحراء موحشة
فلا تزار و لا يدري بها أحد
الحاليات و لا ماء و لا زهر
و الثاكلات و لا ثأر و لا قود
طوت جفون الردى بيضا غطارفة
لو أنّهم ما وجدوا شمس الضحى مجدوا
لم أعرف الحقد إلاّ في مصارعهم
و لم أجز قبلها أعذار من حقدوا
تلك القبور و قلبي لا يضيق بها
ضاقت بزحمتها الأغوار و النجد
مصارع الصيد من قومي فكلّ ثرى
بدر و كلّ أديم موحش أحد
لو كان يعلم سعد الله ما ابتدعت
بي الخطوب تنزّى الفارس النجد
و لو درى هاشم حزني لدلّلني
و ردّ عني العوادي الصيغم الحرد
أحبّتي الصيد شلّ الموت سرحهم
و قد حننت إلى الورد الذي وردوا
السّالكون من العلياء أخشنها
و القاحمون و غير الشمس قصدوا
أكذّب الموت فيهم حرمة و هوى
و للأماني طريق هيّن جدد
لعلّهم من عناء الفتح قد نزلوا
عن الصّوافن فوق الرّمل و اتّسدوا
لعلّها غفوة الواني فإن رويت
جفونهم من لبانات الكرى نهدوا
ترفّقي يا خطوب الدّهر و اتّئدي
لا تجفلي النّوم في أجفان من سهدوا
و حاذري أن تثيري من مواجدهم
لم يصرعوا بالرّدى لكنّهم رقدوا
يصونهم من حتوف النّاس مجدهم
كأنّهم من جلال المجد ما فقدوا
طال انتظار المذاكي في مرابطها
ألا يرقّ لها فرسانها النجد
يا شاعرا زحم الدنيا بمنكبه
كالسيل يهدأ حينا ثمّ يطّرد
تراقصت في لهيب من فريحته
ثلوج لبنان و الأمواج و الزبد
حلو الشمائل لم يجهد بشاشتها
عبئ السنين و لا أزرى بها الكمد
عرار نجد شميم من سلافته
و الحور و الدعج المخمور و الغيد
و للهوى ألف قصر في جوانحه
و كلّ قصر له من عبقر رصد
و في العقيق على الوادي و ضفّته
حنت و حنّت قواف كالضحى شرد
فمن نسيب كما ناحت مطوّقة
و الفجر يسرع و الظلماء تتّئد
ألمسكر القدّ حتّى كلّه هبف
و المسكر الريق حتّى كلّه برد
على نهود العذارى من فرائده
عطر و في الجيد من أغزاله جيد
و من حماس إذا ريعت عرينته
كما زمجر دون الغابة الأسد
من كلّ مبرقة بالحقّ مرعدة
كالموج في العاصف المجنون يحتشد
يجلجل الهول فيها فالظبى مزق
من الحديد المدمّى و القناقصد
و الصّافنات و قد ضجّت سناكبها
و ضجّ فوق الجياد الضمّر الزرد
أبا الكوكب من شعر و من ولد
تقاسم النّور منك الشعر و الولد
فمن قواف على أنغامها عبق
و من قواف على غرّاتها رأد
بيني و بينك عهد الأوفياء فهل
أدّى المحبّون للأحباب ما وعدوا
عهد على إهدن الخضراء .. نبعتها
و الشعر و البدر حفّاظ لما شهدوا
بتنا صفّيين لم نسلف قديم هوى
بشاشة النور تغري كلّ من يرد
أبا الكواكب عهدي أنت تعرفه
لا ينطوي العهد حتّى ينطوي الأبد
من شاعر رنّح الدنيا فما ازدحمت
إلاّ به و له الأخبار و البرد
غضون وجه .. سطور خطفها قلم
لاه فيسرف أحيانا و يقتصد
و قامة تحمل التسعين لا وهن
فيها على الرحلة الكبرى و لا أود
و للعيون بريق كاد يحسده
زهو الشباب و أبراد الصبا الجدد
و العبقريّ شباب عمره و هوى
و جذوة في زوايا قلبه ودد
تلك الطيوف كنوز من رؤى و منى
ألروح مثرية و المملق الجسد
لبنان يا حلم الفردوس أبدعه
على غرار ذراك الواحد الصمد
و زاهدين بحسن أنت غرّته
لو آمنوا بجمال الله ما زهدوا
حسن أتمّ على لبنان نعمته
محسّد و تمام النعمة الحسد
يا جنّة الفكر يسمو كبف شاء و لا
أفق يحدّ و لا شأو و لا أحد
يا مكرم النجم في معسول غربته
لكلّ نجم ذراك الأهل و البلد
كأنّما الشمّ من لبنان في سفر
البدر يقرب و الغبراء تبتعد
أرائك لنجيمات مدلّلة
ينازع النوم في أجفانها السهد
كأنّها من ملوك الجنّ قد سحروا
و هم قيام فما همّوا و لا قعدوا
كأنّها هجّد طال الوقوف بهم
حتّى انجلى للقلوب الواحد الأحد
كأنّهم من جلال الله قد شدهوا
عند اللقاء فما خرّوا و لا سجدوا
ألحسن منسجم فيه ز مختلف
و الحسن مجتمع فيه و منفرد
جرى سنى البدر ماء في خمائله
فرحت بالموجة الزهراء أبترد
صانت مسوحكم الفصحى و كان لها
منكم بمحنتها الأركان و العمد
قرّت بأديرة الرّهبان يغمرها
شوق البنين و حبّ مترف رغد
الزاحمون بها الدنيا إذا انتهبوا
و الزاحمون بها الأخرى إذا هجدوا
ألمنزلوها على أندى سرائرهم
كأنّها عطر ما صلّوا و ما عبدوا
لم يخذلوا لغة القرآن أمّهم
و كيف يخذل قربى كفّه العضد
و للأذان و للنّاقوس من قدم
عهد على الحبّ و الغفران ينعقد
تعانقت مريم فيه و آمنة
و حنّ للرشد الإيمان و الرشد
أبا الكواكب في الخلد مكرمة
أو نعمة كنت ترجوها و تفتقد
تنحّت الحوار إجلالا لشاعرها
و استقبلتك عذارى شعرك الخرد
من كلّ سمراء معسول مراشفها
و لا تلوّح بالسقيا و لا تعد
لا تخطئ العين أنّ الأرز منبتها
و أنّ والدها قحطان أو أدد
و نسمة من صبا لبنان أوفدها
لك الأحبّة و الأنباء و الحفد
هل في ربى الخلد ما ينسيك أرزته
و النور و الحسن في أفيائها بدد
أحقّ بالشوق للأوطان من نزحوا
و بالحنين لريّاها من ابتعدوا
يزيدها ألف حسن بعد فرقتها
قلب و يفتنّ في تلوينها خلد
هل جنّة الله عن لبنان مغنية
أستغفر الله لا كفر و لا فند
حملت من بردى للأرز مرقصة
فيها الصّبابة و الأشواق تحتشد
عروبة الشام يا لبنان صافية
سمحاء كالنّور لا مكر و لا عقد
تنزّه الحبّ عن منّ و عن نكد
و قد ينغّص حسن النعمة النكد
نحن المحبّين نهواكم و نؤثركم
هل كان من دلّلوا بالقربى كمن و أدوا
نحن الظماء و نسقي الحبّ أرزكم
ألحبّ في الشام لا نزر و لا ثمد