سويات الإضاءة: لما كان الضوء الساقط على السطح المضاء هو العامل الوحيد الذي يؤثر في عين الإنسان تأثيراً مباشراً ويحدد قدرته على الرؤية فقد وجد مهندسو الإضاءة أن حساب الضياء والاستضاءة والانعكاس عند السطح المذكور، أي ما يعرف بسويات الإضاءة، هو الأساس في تصميمها، وأن هذه السوية تتناسب ـ كما أشير إلى ذلك في فقرة الأسس المعتمدة في الإضاءة ـ طرداً مع الضياء وعكساً مع عامل الانعكاس على أن تؤخذ في الحسبان العوامل التالية عند حساب سوية الإضاءة المطلوبة:
ـ توافر إضاءة كافية للرؤية وغير متعبة للعين وفق المتطلبات التي يفرضها علم البصريات الفيزيولوجي وهندسة الصحة العامة.
ـ مراعاة شروط العمل انطلاقاً من راحة البصر وفاعلية الرؤية لمدة طويلة.
ـ ثبات الإضاءة واستقرار الضوء باستمرار واختيار الطيف المناسب للرؤية.
ـ تجنيب الإبهار وسقوط الضوء المباشر في العين، ومنع اللمعان المزعج على السطوح المضاءة.
ـ توزع الضوء توزعاً متساوياً على سطوح العمل وفي المجال المتاخم لها.
ـ مراعاة تكلفة الأجهزة والأدوات المستعملة في الإضاءة ونفقات استهلاك الطاقة.
ولكل دولة من الدول شروطها التي تحدد سويات الإنارة في مؤسساتها ومنشآتها المختلفة، إضافة إلى النظم العامة التي تحددها اللجان والمنظمات الدولية المعنية.
ويبين الجدول 1 بعض سويات الإضاءة المعمول بها في الدول الكبرى واللجنة الدولية للإضاءة.
الجدول 1: سوية الإضاءة مقدرة باللكس LX | |||||
المنشأة | روسية الاتحادية | بريطانية | فرنسة | ألمانية | اللجنة الدولية للإضاءة |
مكاتب | 300 | 500 | 320 | 250-500 | 500 |
قاعات عامة، مصارف، واجهات العرض | 500 | 750 | 800 | 1000 | 1000 |
قاعات مطالعة، مكتبات | 300 | 300 | 400 | 500 | 500 |
قاعات مؤتمرات | 500 | 500 | 160 | 250 | 300 |
صالات طعام في المطاعم | 200 | 100 | 240 | 120 | 200 |
أدراج الأبنية | 75 | 150 | 160 | 120 | 150 |
مطابخ في الفنادق والمطاعم | 200 | 500 | 200 | 500 | 500 |
قاعات الاستقبال | - | 50 | 150 | - | 100 |
غرف النوم | - | 50 | 56 | - | 50 |
غرف الأطفال | - | - | 160 | 120 | 150 |
الحمامات | - | 100 | 80 | 120 | 100 |
غرف الجلوس والمطالعة | - | 300 | 320 | 500 | 500 |
الإضاءة الداخلية: تميل معظم البلدان إلى تبني نماذج متشابهة تقريباً في الإضاءة الداخلية من حيث مصادر الضوء وطراز العمارة واحتياجات الإضاءة في أماكن الراحة والعمل، ولقد أثبتت الدراسة أن متطلبات الإضاءة في الوقت الحاضر أكبر بكثير مما كانت عليه قبل عقد من الزمن، وأنها ازدادت خمسين ضعفاً عنها في النصف الأول من القرن العشرين، وليس السبب في ذلك ضعف الرؤية أو تلف البصر عند الإنسان المعاصر، وإنما ميل الناس إلى الرؤية الواضحة حيثما كانوا من دون أن يضطروا إلى الاقتراب من منبع الضوء أو انتظار بزوغ الشمس للقيام بأعمالهم. وغدت الإضاءة المركبة أو المختلطة هي الأكثر قبولاً في الإضاءة الداخلية، الأمر الذي يتطلب تعاوناً بين مهندس الإضاءة ومهندس التزيين الداخلي أو ما يسمى «الديكور» من أجل توفير بيئة داخلية مفيدة ومريحة.
1- في دور السكن: ما يزال الضوء المركزي المتدلي من السقف، وسواء كان مصباحاً مفرداً أو ثريا متعددة المصابيح، هو الأسلوب الأكثر شيوعاً في إضاءة المنازل العادية، وغالباً ما يكمله ضوء جداري واحد أو ضوءان مع ضوء أرضي محجوب على منضدة العمل أو قائم في أحد الزوايا، وتعد هذه الإضاءة من أفضل الطرائق المعتمدة لراحة البصر وأكثرها اقتصاداً، إذ تكون العين أكثر فاعلية وأقل إجهاداً عندما تكون الإضاءة في مكان العمل (عند القراءة مثلاً) أكثر بقليل منها فيما يحيط بذلك المكان، ولكن من غير الجائز أبداً الاكتفاء بضوء منضدة واحد في الغرفة لأنه يجعل الغرفة أشد إظلاماً ويؤدي إلى إرهاق البصر. وثمة مصابيح تنثر ضوءاً عاماً مع تركيز حزمة من الضوء على مكان محدد في آن واحد، وهي من أفضل مصادر الضوء اقتصاداً لإضاءة أماكن العمل ضمن المنازل. ويعد المصباح الكهربائي المتوهج ذو السلك المعدني أكثر المصابيح ملاءمة لجو المسكن الاجتماعي بسبب لون ضيائه المائل للصفرة لأنه يشعر الإنسان بالدفء والراحة. أما مصابيح التألق الغازية (الفلورسنت) فهي المفضلة في بعض الأماكن من المنزل كالمطابخ، وغير مرغوب فيها في غرف الجلوس والنوم بسبب حجم مصباحها من جهة ولمشابهة ضوئها ضوء النهار الذي قد يرغب الناس عنه.
وأما الإضاءة المفضلة لمشاهدة التلفزيون فهي مثار جدل كبير، ويفضل معظم الناس أن تكون الإضاءة عادية من دون أن يلحق ذلك أي أذى بالعين، غير أن الضوء الأبيض المسلط على الشاشة الملونة مباشرة يشوه ألوانها، وتتوقف سوية الإضاءة عند مشاهدة التلفزيون على الإحساس الشخصي مع تجنب انعكاسات الضوء المزعجة، ويفضل في معظم الأحوال أن تكون الإضاءة خلفية وأن تكون سويتها أقل بقليل من تلك المستعملة في القراءة أو العمل.
2- في المدارس: تميل بعض الدول إلى جعل الإضاءة في المدارس شبيهة بإضاءة المنازل، في حين تصر دول أخرى على وضع مصدر الضوء فوق ساحة العمل كمقاعد الدرس والسبورة، وتفضل إضاءة المدارس بمصابيح التألق الغازية المثبتة في السقف، أو بإضاءة السقف إضاءة شديدة لا تترك ظلالاً على سطح العمل.
3- في المكاتب: كان الضوء الطبيعي الداخل من النوافذ أساس الإضاءة في المكاتب في النهار لذا وجب أن تكون النوافذ عريضة وموجهة، في حين كانت الإضاءة الصنعية مخصصة للعمل بعد حلول الظلام أو في المكاتب التي لا يدخلها الضوء الطبيعي. وقد أظهرت الدراسات اللاحقة ميزات التكامل بين الإضاءتين الطبيعية والصنعية من أجل تحسين نوعية العمل، فلم تعد ثمة ضرورة لجعل النوافذ كافية لتوفير الضوء اللازم في ساعات النهار، غير أن وجودها مهم جداً لأنها تربط العاملين في المكتب بالعالم الخارجي، وقد اعتمد هذا المبدأ في معظم البلدان، ولم يؤخذ به في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يفضل العمل بالإضاءة الصنعية ليلاً ونهاراً ولو بإسدال الستائر لتخفيف وهج الضوء الطبيعي.
وتعتمد إضاءة المكاتب عادة على مصابيح التألق المثبتة في السقف، ظاهرة أو مخفية، لكي تعطي ضوءاً متجانساً فوق ساحة العمل كلها، وتسمح بترتيب حجرة المكتب بحسب مقتضيات العمل وذوق شاغله، ولا تقل سوية الإضاءة في المكتب عادة عن 10% إلى 20% من الضوء الطبيعي، إذ يعتقد أن هذه هي الدرجة المثلى للإضاءة عند استعمال الورق الأبيض.
4- في المشافي: يميل الأمريكيون إلى عدم استعمال الألوان في طلاء الجدران، والإقلال من استعمال المعلقات (لوحات أو صور) مع توفير مستويات عالية من الإضاءة بمصابيح التألق ظاهرة أو مخفية في السقف وفوق رؤوس الأسرة مباشرة، في حين يأخذ معظم البلدان الأخرى، وفي أوربة خاصة، بمبدأ توفير الإضاءة المريحة بسويات منخفضة نسبياً مع تلوين الجدران والستائر بأسلوب يمنح المرضى شعوراً بالراحة كما لو كانوا في منازلهم. أما غرف العمليات فتتطلب بطبيعة الحال تركيز إضاءة بسوية عالية خالية من الظلال فوق سطوح العمل بصرف النظر عن مكان وقوف الجراح أو حركته. وغالباً ما يوفر ذلك من مصدر ضوئي كبير جداً ومتعدد الأضواء معلق فوق طاولة العمليات، وهو الحل الأقل تكلفة، أو من سقف إهليلجي عاكس مضيء إضاءة كلية يضم عدداً من المنابع الضوئية الصغيرة الموجهة إلى ساحة العمل يتحكم الجراح نفسه في توزيع ضوئها أو اتجاهه بأزرار في متناول يده، ومن المهم جداً أن تتمم هذه الإضاءة بإضاءة عامة لغرفة العمليات خالية من الظلال كي يتمكن مساعدو الجراح من القيام بعملهم بكفاية من غير إجهاد للبصر.
يتبع في إضاءة المصانع أسلوبان أساسيان أولهما الإضاءة من علو مع ترك فرجات ومسافات متناظرة بين الأضواء، وثانيهما الإضاءة المتتابعة والمستمرة على صفوف.
والأسلوب الأول أكثر مواءمة للعنابر الكبيرة المرتفعة الأسقف كحظائر الطائرات، حيث تكون الإضاءة متجانسة من غير تداخل نظراً لسعة المكان. أما الأسلوب الثاني فيمكن من تركيب الأضواء فوق خطوط العمل على ارتفاع مناسب لكي تتكامل مع ضوء النهار أو تحل محله تماماً في الليل. وقد يستخدم بعض المصانع السقوف المضيئة كلية ولاسيما تلك التي تتطلب تحكماً دقيقاً في مناخها الداخلي.
6- في المتاجر والحوانيت: تعتمد الإضاءة بحسب وظيفة المتجر ومكوناته. فتضاء صالات العرض ومخازن البضاعة إضاءة كافية تمكن من رؤية محتوياتها بوضوح مع توفير التأثير الضوئي الملائم للإعلان عنها، وغالباً ما ترتب مصابيح الإضاءة متناظرة ومنسجمة مع التزيين الداخلي للمتجر وتصميمه. ويراعى فيها تجنب الوهج الشديد واختيار سوية تتناسب مع نوعية البضاعة المعروضة، كأن تضاء المفروشات مثلاً إضاءة منخفضة وموزعة توزيعاً مناسباً في حين تضاء الألبسة والطنافس والسجاد إضاءة بهيجة متألقة. وتهتم المتاجر خاصة بتزيين واجهات العرض وإضاءتها للدعاية لمعروضاتها لكي تبرز عما يجاورها وتظهر النواحي الجمالية فيها، ويراعى هنا إخفاء مصادر الضوء عن النظر المباشر واستعمال المصابيح الملونة واستعمال المصابيح المتغيرة الشدة والمرايا العاكسة وغير ذلك.
الإضاءة الخارجية: تقسم الإضاءة الخارجية إلى إضاءة استثمارية (خدمية) إلزامية وإضاءة تأثيرية أو تزيينية، والغاية الأساسية للإضاءة الاستثمارية هي توفير الأمن والشروط الملائمة للعمل والحركة في الخارج. وتتطلب الإضاءة الخارجية الاستثمارية في معظمها خبرة خاصة لا تتوافر إلا في مهندس الإضاءة المختص، فإضاءة المطارات والملاعب والشوارع عمل اختصاصي يحتاج إلى مهارة ودراية، وقد يكون من الخطر تركه لممارس غير ذي خبرة، لأن إضاءة مهبط في مطار ما لا تحدد موقعه وبعده فحسب وإنما تمكن الطيار من معرفة طريقه، وكيفية هبوطه بدقة متناهية ومن مسافة كبيرة. أما إضاءة الشوارع فهدفها الرئيس تحقيق أمن حركة وسائل النقل والمشاة والإقلال من حوادث الطرق، فالمعروف أن حوادث الطرق في الشوارع الجيدة الإضاءة تقل بنسبة 30% عنها في الطرق غير المضاءة. وتخضع الإضاءة الاستثمارية عموماً لمعدلات محددة توفر الوضوح والتوجه الصحيحين مع تجنب التأثير الباهر للأضواء المستعملة.
تهتم الإضاءة التأثيرية lighting for effect أو التزيينية decorative lighting بإحداث تأثيرات معينة في العين البشرية وإضفاء ظلال وانعكاسات وبقع شديدة الضياء على الأشياء التي تسلط عليها الأضواء، فتمنحها منظراً خلاباً بغض النظر عن قدرة العين على تمييز تفصيلاتها أو قراءة ما هو مكتوب عليها كإضاءة الآثار والحدائق العامة.
1- إضاءة المدن والشوارع: تعتمد هذه الإضاءة اعتماداً كبيراً على مخطط المدن وعلى أجهزة الإضاءة ومواضعها. ولقد أدرك الإنسان منذ القدم أهمية إضاءة الطرق بوصفها عامل أمن وعائقاً للجريمة، وقد عرفت شوارع المدن الكبرى الإضاءة منذ قرون، وكان الناس في دمشق والقاهرة في العصر المملوكي يلزمون بوضع مصابيح على أبواب دورهم، وبحمل مصابيح عند تجولهم ليلاً، وشاع استعمال مصابيح الغاز في عواصم العالم منذ أواخر القرن التاسع عشر ثم حلت محلها مصابيح القوس الكهربائية فالمصابيح ذات السلك. ومع تطور صناعة السيارات وازدياد حركة المرور على الطرق ليلاً اكتسبت إضاءة الشوارع أهمية جديدة وتطلب الأمر استعمال مصابيح شديدة التوهج كمصابيح بخار الزئبق والصوديوم.
وتبنت الدول المختلفة مبادئ متباينة لإضاءة مدنها وشوارعها لعل أفضلها ما تم تبنيه في القارة الأوربية من اعتماد مبدأ الرؤية الطبيعية بإضاءة السطوح المطلوبة مع إبقاء الخلفية مظلمة، وقد تضاف إليها أو تكملها إضاءة تزيينية عامة وأضواء واجهات المحال التجارية.
ويراعى عند إضاءة الشارع عرضه واتجاه السير فيه، فقد تكون الإضاءة على أحد الجانبين إذا كان عرض القسم المخصص للمرور أقل من 12 متراً، وتكون الإضاءة على محور الشارع إذا لم يزد عرضه على 18 متراً وتصبح الإضاءة على كلا الجانبين عندما يصل العرض إلى 48 متراً، ويجب ألا تزيد المسافة الفاصلة بين القنديل أو المصباح والآخر على 4-5 أضعاف ارتفاعه عن سطح الشارع، ويضاف إلى هذا كله مؤشرات الطرق المضيئة والإشارات الضوئية التي تنظم السير.
2- إضاءة الملاعب وحلبات الرياضة: كانت الألعاب الرياضية مقتصرة على ضوء النهار في تاريخها الطويل، غير أن تطور مصادر الطاقة ومنابع الضوء وفر الجدوى الاقتصادية الضرورية لإضاءة حلبات الرياضة وملاعبها. وكانت الإضاءة في البدء تعتمد على أضواء معلقة فوق الملعب مباشرة إلا أن الأسلوب الأساسي المتبع اليوم هو استخدام صفوف من المناوير الضخمة projectors في زوايا الملعب أو على محيطه. وتستعمل في هذه الحالة مصابيح خاصة ذات مردود ضوئي مرتفع وحياة طويلة نسبياً مثل مناوير التنغستين ـ هالوجين tungsten-hologen projectors. وربما شهدت الملاعب قريباً مصابيح أكثر فاعلية من نوع مصابيح الزنون التي يجري العمل على تطويرها.
3- إضاءة المنشآت الأثرية والعامة: إن الغاية الأساسية من إضاءة هذه المنشآت هي الإضاءة التأثيرية التزيينية وغالباً ما يكون الأسلوب المتبع هو «إضاءة الغمر»، والقصد منها إضاءة الواجهات والنصب والنوافير والرايات واللافتات والمساحات الخضراء بمناوير وكشافات متعددة الألوان متباينة الشدة.
والمبدأ العام هنا، كما في إضاءة الملاعب هو تسليط الضوء على الشيء المراد إبرازه من مسافة كافية، فتنار المنشأة من دون ما يجاورها. والغاية من «إضاءة الغمر» توزيع الضوء بالاتجاه وبالكمية اللازمين لإنارة جميع أجزاء الواجهة فتبرز منحوتاتها ورسوماتها وأشكالها كما تبدو في وضح النهار. وقد يلجأ إلى تعليم حواف الأبنية بمصابيح التألق أو بالمصابيح الملونة الظاهرة أو المخفية، وإلى إبراز معالم البناء المعمارية بأضواء تنبعث من الداخل من خلال السطوح الزجاجية أو بوضع أضواء خلف المنشأة تضفي عليها ظلالاً خاصة، ويضاف إلى ذلك كله تنوع الإعلانات واللوحات المضيئة التي تعطي المشاهد التأثير المطلوب.
وأخيراً فإن الجمع بين الإضاءة الاستثمارية والإضاءة التزيينية جمعاً ماهراً مدروساً يؤلف عنصراً مهماً في إعطاء المدينة والشارع والمنشآت جميعها مسحة جمالية منسجمة تمنحها طابعها الخاص.
محمد موسى، محمد وليد الجلاد
سويات الإضاءة: لما كان الضوء الساقط على السطح المضاء هو العامل الوحيد الذي يؤثر في عين الإنسان تأثيراً مباشراً ويحدد قدرته على الرؤية فقد وجد مهندسو الإضاءة أن حساب الضياء والاستضاءة والانعكاس عند السطح المذكور، أي ما يعرف بسويات الإضاءة، هو الأساس في تصميمها، وأن هذه السوية تتناسب ـ كما أشير إلى ذلك في فقرة الأسس المعتمدة في الإضاءة ـ طرداً مع الضياء وعكساً مع عامل الانعكاس على أن تؤخذ في الحسبان العوامل التالية عند حساب سوية الإضاءة المطلوبة:
ـ توافر إضاءة كافية للرؤية وغير متعبة للعين وفق المتطلبات التي يفرضها علم البصريات الفيزيولوجي وهندسة الصحة العامة.
ـ مراعاة شروط العمل انطلاقاً من راحة البصر وفاعلية الرؤية لمدة طويلة.
ـ ثبات الإضاءة واستقرار الضوء باستمرار واختيار الطيف المناسب للرؤية.
ـ تجنيب الإبهار وسقوط الضوء المباشر في العين، ومنع اللمعان المزعج على السطوح المضاءة.
ـ توزع الضوء توزعاً متساوياً على سطوح العمل وفي المجال المتاخم لها.
ـ مراعاة تكلفة الأجهزة والأدوات المستعملة في الإضاءة ونفقات استهلاك الطاقة.
ولكل دولة من الدول شروطها التي تحدد سويات الإنارة في مؤسساتها ومنشآتها المختلفة، إضافة إلى النظم العامة التي تحددها اللجان والمنظمات الدولية المعنية.
ويبين الجدول 1 بعض سويات الإضاءة المعمول بها في الدول الكبرى واللجنة الدولية للإضاءة.
الجدول 1: سوية الإضاءة مقدرة باللكس LX | |||||
المنشأة | روسية الاتحادية | بريطانية | فرنسة | ألمانية | اللجنة الدولية للإضاءة |
مكاتب | 300 | 500 | 320 | 250-500 | 500 |
قاعات عامة، مصارف، واجهات العرض | 500 | 750 | 800 | 1000 | 1000 |
قاعات مطالعة، مكتبات | 300 | 300 | 400 | 500 | 500 |
قاعات مؤتمرات | 500 | 500 | 160 | 250 | 300 |
صالات طعام في المطاعم | 200 | 100 | 240 | 120 | 200 |
أدراج الأبنية | 75 | 150 | 160 | 120 | 150 |
مطابخ في الفنادق والمطاعم | 200 | 500 | 200 | 500 | 500 |
قاعات الاستقبال | - | 50 | 150 | - | 100 |
غرف النوم | - | 50 | 56 | - | 50 |
غرف الأطفال | - | - | 160 | 120 | 150 |
الحمامات | - | 100 | 80 | 120 | 100 |
غرف الجلوس والمطالعة | - | 300 | 320 | 500 | 500 |
الإضاءة الداخلية: تميل معظم البلدان إلى تبني نماذج متشابهة تقريباً في الإضاءة الداخلية من حيث مصادر الضوء وطراز العمارة واحتياجات الإضاءة في أماكن الراحة والعمل، ولقد أثبتت الدراسة أن متطلبات الإضاءة في الوقت الحاضر أكبر بكثير مما كانت عليه قبل عقد من الزمن، وأنها ازدادت خمسين ضعفاً عنها في النصف الأول من القرن العشرين، وليس السبب في ذلك ضعف الرؤية أو تلف البصر عند الإنسان المعاصر، وإنما ميل الناس إلى الرؤية الواضحة حيثما كانوا من دون أن يضطروا إلى الاقتراب من منبع الضوء أو انتظار بزوغ الشمس للقيام بأعمالهم. وغدت الإضاءة المركبة أو المختلطة هي الأكثر قبولاً في الإضاءة الداخلية، الأمر الذي يتطلب تعاوناً بين مهندس الإضاءة ومهندس التزيين الداخلي أو ما يسمى «الديكور» من أجل توفير بيئة داخلية مفيدة ومريحة.
1- في دور السكن: ما يزال الضوء المركزي المتدلي من السقف، وسواء كان مصباحاً مفرداً أو ثريا متعددة المصابيح، هو الأسلوب الأكثر شيوعاً في إضاءة المنازل العادية، وغالباً ما يكمله ضوء جداري واحد أو ضوءان مع ضوء أرضي محجوب على منضدة العمل أو قائم في أحد الزوايا، وتعد هذه الإضاءة من أفضل الطرائق المعتمدة لراحة البصر وأكثرها اقتصاداً، إذ تكون العين أكثر فاعلية وأقل إجهاداً عندما تكون الإضاءة في مكان العمل (عند القراءة مثلاً) أكثر بقليل منها فيما يحيط بذلك المكان، ولكن من غير الجائز أبداً الاكتفاء بضوء منضدة واحد في الغرفة لأنه يجعل الغرفة أشد إظلاماً ويؤدي إلى إرهاق البصر. وثمة مصابيح تنثر ضوءاً عاماً مع تركيز حزمة من الضوء على مكان محدد في آن واحد، وهي من أفضل مصادر الضوء اقتصاداً لإضاءة أماكن العمل ضمن المنازل. ويعد المصباح الكهربائي المتوهج ذو السلك المعدني أكثر المصابيح ملاءمة لجو المسكن الاجتماعي بسبب لون ضيائه المائل للصفرة لأنه يشعر الإنسان بالدفء والراحة. أما مصابيح التألق الغازية (الفلورسنت) فهي المفضلة في بعض الأماكن من المنزل كالمطابخ، وغير مرغوب فيها في غرف الجلوس والنوم بسبب حجم مصباحها من جهة ولمشابهة ضوئها ضوء النهار الذي قد يرغب الناس عنه.
وأما الإضاءة المفضلة لمشاهدة التلفزيون فهي مثار جدل كبير، ويفضل معظم الناس أن تكون الإضاءة عادية من دون أن يلحق ذلك أي أذى بالعين، غير أن الضوء الأبيض المسلط على الشاشة الملونة مباشرة يشوه ألوانها، وتتوقف سوية الإضاءة عند مشاهدة التلفزيون على الإحساس الشخصي مع تجنب انعكاسات الضوء المزعجة، ويفضل في معظم الأحوال أن تكون الإضاءة خلفية وأن تكون سويتها أقل بقليل من تلك المستعملة في القراءة أو العمل.
2- في المدارس: تميل بعض الدول إلى جعل الإضاءة في المدارس شبيهة بإضاءة المنازل، في حين تصر دول أخرى على وضع مصدر الضوء فوق ساحة العمل كمقاعد الدرس والسبورة، وتفضل إضاءة المدارس بمصابيح التألق الغازية المثبتة في السقف، أو بإضاءة السقف إضاءة شديدة لا تترك ظلالاً على سطح العمل.
3- في المكاتب: كان الضوء الطبيعي الداخل من النوافذ أساس الإضاءة في المكاتب في النهار لذا وجب أن تكون النوافذ عريضة وموجهة، في حين كانت الإضاءة الصنعية مخصصة للعمل بعد حلول الظلام أو في المكاتب التي لا يدخلها الضوء الطبيعي. وقد أظهرت الدراسات اللاحقة ميزات التكامل بين الإضاءتين الطبيعية والصنعية من أجل تحسين نوعية العمل، فلم تعد ثمة ضرورة لجعل النوافذ كافية لتوفير الضوء اللازم في ساعات النهار، غير أن وجودها مهم جداً لأنها تربط العاملين في المكتب بالعالم الخارجي، وقد اعتمد هذا المبدأ في معظم البلدان، ولم يؤخذ به في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يفضل العمل بالإضاءة الصنعية ليلاً ونهاراً ولو بإسدال الستائر لتخفيف وهج الضوء الطبيعي.
وتعتمد إضاءة المكاتب عادة على مصابيح التألق المثبتة في السقف، ظاهرة أو مخفية، لكي تعطي ضوءاً متجانساً فوق ساحة العمل كلها، وتسمح بترتيب حجرة المكتب بحسب مقتضيات العمل وذوق شاغله، ولا تقل سوية الإضاءة في المكتب عادة عن 10% إلى 20% من الضوء الطبيعي، إذ يعتقد أن هذه هي الدرجة المثلى للإضاءة عند استعمال الورق الأبيض.
4- في المشافي: يميل الأمريكيون إلى عدم استعمال الألوان في طلاء الجدران، والإقلال من استعمال المعلقات (لوحات أو صور) مع توفير مستويات عالية من الإضاءة بمصابيح التألق ظاهرة أو مخفية في السقف وفوق رؤوس الأسرة مباشرة، في حين يأخذ معظم البلدان الأخرى، وفي أوربة خاصة، بمبدأ توفير الإضاءة المريحة بسويات منخفضة نسبياً مع تلوين الجدران والستائر بأسلوب يمنح المرضى شعوراً بالراحة كما لو كانوا في منازلهم. أما غرف العمليات فتتطلب بطبيعة الحال تركيز إضاءة بسوية عالية خالية من الظلال فوق سطوح العمل بصرف النظر عن مكان وقوف الجراح أو حركته. وغالباً ما يوفر ذلك من مصدر ضوئي كبير جداً ومتعدد الأضواء معلق فوق طاولة العمليات، وهو الحل الأقل تكلفة، أو من سقف إهليلجي عاكس مضيء إضاءة كلية يضم عدداً من المنابع الضوئية الصغيرة الموجهة إلى ساحة العمل يتحكم الجراح نفسه في توزيع ضوئها أو اتجاهه بأزرار في متناول يده، ومن المهم جداً أن تتمم هذه الإضاءة بإضاءة عامة لغرفة العمليات خالية من الظلال كي يتمكن مساعدو الجراح من القيام بعملهم بكفاية من غير إجهاد للبصر.
يتبع في إضاءة المصانع أسلوبان أساسيان أولهما الإضاءة من علو مع ترك فرجات ومسافات متناظرة بين الأضواء، وثانيهما الإضاءة المتتابعة والمستمرة على صفوف.
والأسلوب الأول أكثر مواءمة للعنابر الكبيرة المرتفعة الأسقف كحظائر الطائرات، حيث تكون الإضاءة متجانسة من غير تداخل نظراً لسعة المكان. أما الأسلوب الثاني فيمكن من تركيب الأضواء فوق خطوط العمل على ارتفاع مناسب لكي تتكامل مع ضوء النهار أو تحل محله تماماً في الليل. وقد يستخدم بعض المصانع السقوف المضيئة كلية ولاسيما تلك التي تتطلب تحكماً دقيقاً في مناخها الداخلي.
6- في المتاجر والحوانيت: تعتمد الإضاءة بحسب وظيفة المتجر ومكوناته. فتضاء صالات العرض ومخازن البضاعة إضاءة كافية تمكن من رؤية محتوياتها بوضوح مع توفير التأثير الضوئي الملائم للإعلان عنها، وغالباً ما ترتب مصابيح الإضاءة متناظرة ومنسجمة مع التزيين الداخلي للمتجر وتصميمه. ويراعى فيها تجنب الوهج الشديد واختيار سوية تتناسب مع نوعية البضاعة المعروضة، كأن تضاء المفروشات مثلاً إضاءة منخفضة وموزعة توزيعاً مناسباً في حين تضاء الألبسة والطنافس والسجاد إضاءة بهيجة متألقة. وتهتم المتاجر خاصة بتزيين واجهات العرض وإضاءتها للدعاية لمعروضاتها لكي تبرز عما يجاورها وتظهر النواحي الجمالية فيها، ويراعى هنا إخفاء مصادر الضوء عن النظر المباشر واستعمال المصابيح الملونة واستعمال المصابيح المتغيرة الشدة والمرايا العاكسة وغير ذلك.
الإضاءة الخارجية: تقسم الإضاءة الخارجية إلى إضاءة استثمارية (خدمية) إلزامية وإضاءة تأثيرية أو تزيينية، والغاية الأساسية للإضاءة الاستثمارية هي توفير الأمن والشروط الملائمة للعمل والحركة في الخارج. وتتطلب الإضاءة الخارجية الاستثمارية في معظمها خبرة خاصة لا تتوافر إلا في مهندس الإضاءة المختص، فإضاءة المطارات والملاعب والشوارع عمل اختصاصي يحتاج إلى مهارة ودراية، وقد يكون من الخطر تركه لممارس غير ذي خبرة، لأن إضاءة مهبط في مطار ما لا تحدد موقعه وبعده فحسب وإنما تمكن الطيار من معرفة طريقه، وكيفية هبوطه بدقة متناهية ومن مسافة كبيرة. أما إضاءة الشوارع فهدفها الرئيس تحقيق أمن حركة وسائل النقل والمشاة والإقلال من حوادث الطرق، فالمعروف أن حوادث الطرق في الشوارع الجيدة الإضاءة تقل بنسبة 30% عنها في الطرق غير المضاءة. وتخضع الإضاءة الاستثمارية عموماً لمعدلات محددة توفر الوضوح والتوجه الصحيحين مع تجنب التأثير الباهر للأضواء المستعملة.
تهتم الإضاءة التأثيرية lighting for effect أو التزيينية decorative lighting بإحداث تأثيرات معينة في العين البشرية وإضفاء ظلال وانعكاسات وبقع شديدة الضياء على الأشياء التي تسلط عليها الأضواء، فتمنحها منظراً خلاباً بغض النظر عن قدرة العين على تمييز تفصيلاتها أو قراءة ما هو مكتوب عليها كإضاءة الآثار والحدائق العامة.
1- إضاءة المدن والشوارع: تعتمد هذه الإضاءة اعتماداً كبيراً على مخطط المدن وعلى أجهزة الإضاءة ومواضعها. ولقد أدرك الإنسان منذ القدم أهمية إضاءة الطرق بوصفها عامل أمن وعائقاً للجريمة، وقد عرفت شوارع المدن الكبرى الإضاءة منذ قرون، وكان الناس في دمشق والقاهرة في العصر المملوكي يلزمون بوضع مصابيح على أبواب دورهم، وبحمل مصابيح عند تجولهم ليلاً، وشاع استعمال مصابيح الغاز في عواصم العالم منذ أواخر القرن التاسع عشر ثم حلت محلها مصابيح القوس الكهربائية فالمصابيح ذات السلك. ومع تطور صناعة السيارات وازدياد حركة المرور على الطرق ليلاً اكتسبت إضاءة الشوارع أهمية جديدة وتطلب الأمر استعمال مصابيح شديدة التوهج كمصابيح بخار الزئبق والصوديوم.
وتبنت الدول المختلفة مبادئ متباينة لإضاءة مدنها وشوارعها لعل أفضلها ما تم تبنيه في القارة الأوربية من اعتماد مبدأ الرؤية الطبيعية بإضاءة السطوح المطلوبة مع إبقاء الخلفية مظلمة، وقد تضاف إليها أو تكملها إضاءة تزيينية عامة وأضواء واجهات المحال التجارية.
ويراعى عند إضاءة الشارع عرضه واتجاه السير فيه، فقد تكون الإضاءة على أحد الجانبين إذا كان عرض القسم المخصص للمرور أقل من 12 متراً، وتكون الإضاءة على محور الشارع إذا لم يزد عرضه على 18 متراً وتصبح الإضاءة على كلا الجانبين عندما يصل العرض إلى 48 متراً، ويجب ألا تزيد المسافة الفاصلة بين القنديل أو المصباح والآخر على 4-5 أضعاف ارتفاعه عن سطح الشارع، ويضاف إلى هذا كله مؤشرات الطرق المضيئة والإشارات الضوئية التي تنظم السير.
2- إضاءة الملاعب وحلبات الرياضة: كانت الألعاب الرياضية مقتصرة على ضوء النهار في تاريخها الطويل، غير أن تطور مصادر الطاقة ومنابع الضوء وفر الجدوى الاقتصادية الضرورية لإضاءة حلبات الرياضة وملاعبها. وكانت الإضاءة في البدء تعتمد على أضواء معلقة فوق الملعب مباشرة إلا أن الأسلوب الأساسي المتبع اليوم هو استخدام صفوف من المناوير الضخمة projectors في زوايا الملعب أو على محيطه. وتستعمل في هذه الحالة مصابيح خاصة ذات مردود ضوئي مرتفع وحياة طويلة نسبياً مثل مناوير التنغستين ـ هالوجين tungsten-hologen projectors. وربما شهدت الملاعب قريباً مصابيح أكثر فاعلية من نوع مصابيح الزنون التي يجري العمل على تطويرها.
3- إضاءة المنشآت الأثرية والعامة: إن الغاية الأساسية من إضاءة هذه المنشآت هي الإضاءة التأثيرية التزيينية وغالباً ما يكون الأسلوب المتبع هو «إضاءة الغمر»، والقصد منها إضاءة الواجهات والنصب والنوافير والرايات واللافتات والمساحات الخضراء بمناوير وكشافات متعددة الألوان متباينة الشدة.
والمبدأ العام هنا، كما في إضاءة الملاعب هو تسليط الضوء على الشيء المراد إبرازه من مسافة كافية، فتنار المنشأة من دون ما يجاورها. والغاية من «إضاءة الغمر» توزيع الضوء بالاتجاه وبالكمية اللازمين لإنارة جميع أجزاء الواجهة فتبرز منحوتاتها ورسوماتها وأشكالها كما تبدو في وضح النهار. وقد يلجأ إلى تعليم حواف الأبنية بمصابيح التألق أو بالمصابيح الملونة الظاهرة أو المخفية، وإلى إبراز معالم البناء المعمارية بأضواء تنبعث من الداخل من خلال السطوح الزجاجية أو بوضع أضواء خلف المنشأة تضفي عليها ظلالاً خاصة، ويضاف إلى ذلك كله تنوع الإعلانات واللوحات المضيئة التي تعطي المشاهد التأثير المطلوب.
وأخيراً فإن الجمع بين الإضاءة الاستثمارية والإضاءة التزيينية جمعاً ماهراً مدروساً يؤلف عنصراً مهماً في إعطاء المدينة والشارع والمنشآت جميعها مسحة جمالية منسجمة تمنحها طابعها الخاص.
محمد موسى، محمد وليد الجلاد