قد لا يبدو على الماعز أنّها من الحيوانات الأكثر لطفًا ومودّة، لكن الباحثين وجدوا إثباتاتٍ تدل على أنّ الماعز ذكيةٌ كالكلاب، وقادرةٌ على بناء علاقاتٍ معنويةٍ مع البشر مثل كل الحيوانات الأليفة الأخرى التي أدخلناها قلوبنا ومنازلنا.
أظهرت دراسةٌ في عام 2016 أن الماعز تحدّقُ بإمعانٍ بمالكيها عندما تواجه صعوبةً في إتمام مهمّةٍ ما، وهي صفةٌ لوحظت أيضًا لدى الكلاب المروّضة، ولكن لم تُلاحَظ لدى الذئاب.
قال أحد الباحثين، كريستيان ناوروث – Christian Nawroth من جامعة الملكة ماري في لندن – Queen Mary University: «تحدّق الماعز بنفس الطريقة التي يحدّق بها الكلاب عندما يطلبون تحليةً بعيدةً عن متناولهم».
أضاف كريستيان: «تُقدّم نتائجنا دلائل قويّةً على وجود تواصلٍ معقدٍ موجّهٍ للبشر عند الفصائل التي كانت مروّضةً بشكلٍ أساسيّ من أجل الإنتاج الزراعي، وتُظهر تشابهًا مع الحيوانات التي تُولد لتصبح حيواناتٍ أليفة، أو حيواناتٍ عاملة مثل الكلاب والأحصنة».
في حين لم يُسمع بالماعز كحيواناتٍ أليفة، ولكن خلال العشرة آلاف سنة التي ربيّنا فيها الماعز، فقد استخدمناها بشكلٍ أساسي من أجل الزراعة.
وحتى وقتٍ قريب، اعتقد العلماء أنّه فقط الحيوانات التي تُولد كحيواناتٍ رفيقةٍ أو أليفة -مثل الكلاب، والقطط، والأحصنة- قادرةٌ على تشكيل علاقاتٍ مع البشر، لكن كانت هناك إشاراتٌ تدل على أنّ الماعز لديها قدراتٌ مُشابهة.
فمن ناحية، لا توجد عند الماعز مشكلةٌ في العيش خارج القطيع، وهذا الشيء بالنسبة للخراف -التي دُجّنت منذ وقتٍ قريب- ليس مُناسبًا.
في بحثٍ سابقٍ قام به ناوروث وفريقه ظهر أيضًا أن للماعز ذكاءً يعادل ذكاء منافسيها من الكلاب، إذ إن الماعز قادرةٌ على أن ترى إذا ما كانت هناك تحليةٌ في كأسٍ ما أم لا، وأن تستنتج من خلال ذلك فيما إذا كان هناك تحلية في كأسٍ آخر.
لفهمٍ أفضل حول كيفية قدرة الماعز على الترابط مع البشر، في الدراسة التي أُجريت عام 2016، درّب الفريق 34 ماعزًا من (محميّة باتركاب للماعز في مقاطعة كينت – (Buttercups sanctuary for Goats in Kent، على رفع الغطاء عن صندوقٍ ما من أجل الحصول على مكافأة.
أُطلقت الماعز إلى هذا الاختبار مرّاتٍ عديدة، ولكن في المرّة الأخيرة، جُعل الصندوق غير قابلٍ للفتح، وسُجلت ردة فعل الماعز.
وُجد أن الماعز أدارت رؤوسها نحو الشخص الذي يقوم بتنظيم الاختبار عندما أدركت أنها غير قادرةٍ على فتح الصندوق، وحدّقت لوقتٍ أطول عندما كان الشخص يواجهها، وعلى العكس من ذلك عندما أدار ظهره لها، وهذا يشير إلى أن الماعز كانت مدركةً لمكان نظر الشخص.
بتعبيرٍ آخر، كانت الماعز تعدّل سلوكها استنادًا على حضور أصحابها من البشر، وهذا الشيء كان يُعتقد سابقًا أنّ الكلاب، والقطط، والأحصنة فقط قادرةٌ على فعله.
قال (آلان مكيليغوت – Alan McElligot) وهو أحد الباحثين: «من بحثنا السابق، علمنا أن الماعز أذكى مما توحي لنا سُمعتها.
لكن هذه النتائج تُظهر الطريقة التي تتمكّن بها الماعز من التواصل والتفاعل مع رعاتها من البشر، حتى وإن كانت غير مروّضةٍ كحيواناتٍ أليفة أو حيوانات عاملة».
ولا يقتصر الأمر على اعتبار أن الماعز لديها إمكانية لتكون صديقةً رائعةً ومُحبّة كما الكلاب، بل يوضح البحث أيضًا أن العيش جنبًا إلى جنبٍ مع البشر لعشرات آلاف السنين -بغض النظر عمّا إذا كانت حيواناتٍ رفيقة أم لا- قد يكون له تأثيرٌ أكبر مما كنا نتوقعه على فصائل الحيوانات.
نُشر البحث في موقع (رسائل بيولوجية – Biology Letters)، ورغم النتائج الإيجابية، هذه ليست إلّا دراسة واحدة فقط، لذا نحتاج المزيد من الإثبات قبل أن يكون بوسعنا القول بالتأكيد إن الماعز تستطيع أن تترابط وتتواصل مع البشر.
سيُكمل الباحثون في الوقت الراهن التحقق من سلوك الماعز، على أمل فهمٍ أفضل لكيفيّة تأثير البشر على تطور الحيوانات الأليفة، وكذلك لمساعدتنا في التعامل مع الماعز بطريقةٍ أفضل مستقبلًا.
قال مكيليغوت: «إذا كان بإمكاننا أن نُظهر أنّها أكثر ذكاءً، عندها نأمل أنه بإمكاننا تقديم توجيهاتٍ أفضل للعناية بها».