Fareed Zaffour
21 يونيو 2022 · ·
Saad Alkassem
21 يونيو 2022 ·
خبر المليوني دولار
سعد القاسم
منذ نحو عشر سنوات – أو أكثر بقليل - انتشر اسم الفنان التشكيلي المصري بشكل واسع بين القراء العرب، إثر انتشار خبر بيع إحدى لوحاته في مزاد علني بمبلغ مليوني دولار، وهو أكبر مبلغ يدفع ثمن لوحة لفنان من الشرق الأوسط (حتى لا يقال فنان عربي).
جاء في متن الخبر أيضاً أن محمود سعيد قد ولد عام 1897 في مصر (الإسكندرية)، وتوفي عام 1964، وأقام عدة معارض في مصر والخارج، ويعتبر عنصرا هاما من التاريخ المعاصر للفنون المصرية، وأحد رواد الفن التشكيلي الحديث في مصر.
الحقيقة أن الجزء الثاني من الخبر هو الأكثر أهمية مع أن الجزء الأول هو الأكثر جذباً، ذلك أن قسماً كبيراً من أفراد مجتمعاتنا العربية تدهشه الأرقام الكبيرة التي يعلن عنها بين حين وآخر ثمناً للوحة، وتتضاعف دهشته حين يكون صانعها عربياً، فيما أن القسم الأعظم من أفراد تلك المجتمعات ذاتها يجهلون كلياً أسماء الفنانين العرب خارج كيانات دولهم، وحتى ضمن دولهم في معظم الأحيان، ويشمل ذلك الكثير من النخب المثقفة. وهو ما يعيد الحديث إلى مشكلة الأمية الفنية في الوطن العربي التي تمتد على مستويات عدة بدءاً من جهل عامة الجمهور بالمبدعين التشكيليين في دولهم، إلى جهل المعنيين بالثقافة بالمبدعين التشكيليين في باقي البلاد العربية، وهو جهل قد لا ينجو منه أيضاً كثيرون من العاملين في الوسط التشكيلي، الذين يعرفون بالمقابل أسماء وأعمال الكثير من الفنانين الغربيين!!
ما سبق ليس اتهاماً، وإن كان من الصعب نفي التقصير الشخصي، فللمشكلة أسبابها الكثيرة بعضها ما يسبب الأمية الفنية العامة، وبعضها الآخر يفسر عدم معرفة الجمهور المثقف في بلد عربي ما بالفنانين التشكيليين في بلد عربي آخر، ففي الأولى تتشارك في المسؤولية المؤسسة الاجتماعية مع المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية ،وفي الثانية ينضم إليهم التعتيم الإعلامي الغربي على الفن التشكيلي العربي الحديث والمعاصر بحيث تكاد تخلو معظم المصادر التشكيلية الغربية - التي هي المصدر الأساس للمعارف الفنية - من أي شيء عن هذا الفن، ومنها موسوعات فنية عملاقة، وفي حين تدرج بعض الموسوعات بشكل خجول تجارب عدد قليل للغاية من الفنانين العرب المعاصرين، فإن بعضها الآخر يتجاهل كلياً الفن العربي الحديث في كل البلدان العربية، فيما بعضها الثالث يكتفي بإيراد تجارب الفنانين الشعبيين الفطريين العرب لتأكيد مقولة أن الشعوب المتخلفة لا تنتج إلا فناً متخلفاً!!
وإذا قال أحد ما معلقاً على ما سبق أن تعرف العرب على نتاجا تهم الثقافية والإبداعية هي مسؤوليتهم هم أولاً، يكون على حق ، فمع وفرة الحديث النظري عن وحدة وتنوع الثقافة العربية، فإن الواقع العملي يشير إلى اهتمام بالتنوع وحده دون الوحدة، بمعنى أن معظم الدول العربية تجد نفسها معنية بمبدعيها دون باقي المبدعين العرب – باستثناء المناسبات الاحتفالية – وبالتالي فإن مؤسساتها المعنية بالثقافة لا تجد نفسها معنية بما هو خارج حدود دولها، وفي حين تقتحم الثقافة الغربية مجتمعاتنا بما توفره لها مجتمعاتها من إمكانات، لا يجد المبدعون العرب من يساعدهم في وصول تجاربهم إلى أشقائهم، ويصبح حلمهم الأكبر أن تهتم جهات إعلامية أو ثقافية غربية بهم. فهذا وحده ما قد يمنحهم فرصة التواصل مع أشقائهم أبناء الثقافة الواحدة!!
عودة إلى محمود سعيد فهو – مع ما سبق - قد يكون أكثر من كتب عنه من الفنانين المصريين، لوفرة أعماله وتنوع مواضيعها، ولأسلوبيتها المميزة التي تسمح بوصفه بأنه فنان الضوء، وقد كان كما - كتب عنه الباحث المصري عصمت داوستاشي قبل عدة سنوات -: "محبوباً في شخصه، وأعماله التي تخاطفتها أيدي محبي جمع الأعمال الفنية فوصلت أسعارها الآن لمبالغ لم يحلم بها فنان مصري معاصر على الإطلاق وهي على وشك الدخول في البورصة العالمية للفن حيث يتسابق على اقتنائها كل محبي الفن في مصر وخارجها. "
قد تحققت توقعات داوستاشي فيما يخص البورصة العالمية، فيما لا يزال الحديث عن محمود سعيد يحتاج إلى وقفة ثانية.
https://thawra.sy/?p=374028
الصورة : محمود سعيد - الشادوف