مسلمي حصني
Al-Maslami al-Hasni - Al-Maslami al-Hasni
المَسْلَميُّ الحصْنِيُّ
(… ـ .… هـ/… ـ … م)
محمَّد بن يزيد بن مَسْلَمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم القُرشيُّ الأمويُّ أبو الأصبع أو الأصبغ المَسْلَميُّ الحصْنِيُّ، أديبٌ شاعرٌ، شعره حسنٌ، وصلَ إلينا قليل منه، عاصر الخليفةَ المأمون، ومدحَهُ.
كان ينزل بديار مُضَر بجزيرة الشَّام بالقرية المعروفة بحصن مَسْلمة، من كوُرة الرَّقة؛ فنُسب إليه، وشعره في المدح والهجاء والنقائض، عُرف بعروبيَّته وأظهرَ هذه النَّزعة في شعره، وساءه ما كان في عصره من أقوال الشُّعوبيِّين الذين لم يحفظوا فضل العرب عليهم.
للمَسْلَميِّ قصيدةً طويلةً يفخر فيها ببني أميَّة مطلعها:
أمَّا صفاتي فلها شَانُ
وقَدْ نَماني الشَّيخُ مروانُ
ولما افتخر عبد الله بن طاهر بقتل أبيه طاهرٍ الخليفةَ محمَّداً الأمينَ في قصيدة مطلعها:
مُدْمِنُ الإِغْضَاءِ مَوْصُولُ
ومُدِيمُ العَتْـبِ مَمْلُولُ
ومَدِينُ البِيضِ في تَعَـبٍ
وغَرِيمُ البِيضِ مَمْطُولُ
وأَخُو الوَجْهَيْنِ حَيْثُ وهَى
بَهَواهُ فَهْـوَ مَدْخـُولُ
ومما قاله فيها:
وأبي مَنْ لا نظيرَ لـــهُ
مَنْ يسامي مجدَهُ ؟ قولُوا
طحـــنَ المخلوعَ كَلْكَلَهُ
وحواليــــه المقاويلُ
تصدى له المسلمي، وعارضه بقصيدة هجاه فيها معرِّضاً بغدر أبيه طاهرٍ بالأمين، ومما قاله فيه:
أيُّها البادي بنســــبتِهِ
ما لِما قدْ قلتَ تحصيلُ
قاتلُ المخلوعِ مقتـــولٌ
ودمُ القاتلِ مَطْلُــولُ
بأخي المخلوعِ طلْتَ يـداً
لم يكنْ في باعِها طولُ
وبنعمـــاهُ الَّتي كُفِرَتْ
فُعِلَتْ تلكَ الأفاعيــلُ
وهجاهُ بنسبه، فكان ممَّا قال فيه:
يا بنَ بيتِ النَّار يوقدها
ما لحاذيـــهِ سراويلُ
نسبٌ في الفخرِ مُؤْتَشَبٌ
وأُبــــوَّات مراذيلُ
مَنْ حسينٌ؟ مَنْ أبوهُ؟ ومَنْ
طاهرٌ؟ غَالَتْهُـمُ غُولُ
مَنْ رُزَيْقٌ إذْ تُعَــدِّدُهُ؟
نَسَبٌ في الخَلْقِ مجهولُ
تلكَ دعوى لا يُناسِـبُها
لكَ آبــــاءٌ أراذيلُ
وحين تصدَّى المَسْلَميُّ لعبد الله بن طاهر ردَّ على المَسْلَميُّ واحدٌ من الشُّعوبيِّين هو علان الورَّاق المعروف بعلان الشُّعوبيِّ، وهو رجلُ سوءٍ أصله من الفرس كان منقطعاً إلى البرامكة ينسخ في بيت الحكمة للرَّشيد والمأمون وعمل كتاب «الميدان» في المثالب؛ وهو كتابُ سوءٍ هتكَ فيه العربَ، فقالَ علاَّنُ الشُّعوبيُّ قصيدةً ردَّ فيها على المَسْلَمي، وهجاه، ومدح عبد الله بن طاهر، وفضَّلَ العجم على العرب.
ولمَّا ولي عبد الله بن طاهر مصر، ورُدَّ إليه تدبير أمر الشَّام بأمر الخليفة المأمون؛ علمَ المَسْلَميُّ الأمويُّ أنَّه لا يفلت منه إن هرب، ولا ينجو من يده حيث حلَّ، فأحرز حُرَمَهُ، وترك أمواله ودوابَّه وكلَّ ما كان يملكه في موضعه، وفتح باب حصنه، وجلس عليه، وعلم أنَّ عبد الله بن طاهر سيوقع به، فلمَّا شارف ابن طاهر بلدَه أعدَّ فرسه، وركب في السَّحَر معه خمسة من خواصِّ رجاله، فسار حتَّى صبَّح المَسْلَمي، فرأى بابه مفتوحاً، ورآه جالساً عنده، فقصده، وسلَّم عليه، ونزل عنده، وقال له: «ما أجلسك هاهنا؛ وحملك على أن فتحت بابك، ولم تتحصَّن من هذا الجيش المقبل، ولم تتنحَّ عن عبد الله ابن طاهر مع ما في نفسه عليك وما بلغه عنك؟ فقال المَسْلَميُّ: تأمَّلت أمري، وعلمتُ أني إن هربتُ منه لم أفته، فباعدت البناتِ والحرم، واستسلمتُ بنفسي وكل ما أملك؛ فإنَّا أهل بيتٍ قد أسرع القتل فينا، ولي بمن مضى أسوة؛ فإنِّي أثق بأنَّ الرَّجل إذا قتلني، وأخذ مالي؛ شفى غيظه، ولم يتجاوز ذلك إلى الحرم، فقال ابن طاهر له: أتعرفني؟ ـ وكان المَسْلَمِيُّ هجاهُ من غير أن يراه ـ فقال: لا والله ، ولكني أظنُّك من قوَّاده. قال: لا، بل أنا هو، وقد أمَّن الله تعالى روعتك. قال: أمَّا أنا أيُّها الأمير فقد أجبتني عن قولي بفعلك، وما لي بعدها حاجة، فإنِّي في كفاف من معيشتي، فقال ابن طاهر: فلا بدَّ من عتاب، قلتُ شعراً في قومي أفخرُ بهم لم أطعن فيه على حَسَبِكَ، ولا ادَّعيت فضلاً عليك، وفَخَرْتُ بقتل رجلٍ هو وإنْ كانَ من قومِكَ؛ فَهُمُ القومُ الَّذين ثَأْرُكَ عندهم؛ فكانَ يَسَعُكَ السُّكوتُ. فقال: أيُّها الأمير، قد عفوتَ، فاجعله العفوَ الذي لا يخلطه تثريب، ولا يكدِّر صفوَهُ تأنيب. قال: قد فعلت».
لِلْمَسْلَمِيِّ شِعْرٌ رقيقٌ منه ما يخاطبُ به الصَّاحبَين على عادة الجاهليِّين:
عوجَــا معي للهِ درُّ أبيكُما
نَشْفِ القلوبَ منَ الجوَى المُتخامرِ
كفَّا الملامَ ولاتَ حينَ ملامةٍ
هذا أوانُ ترافدٍ وتنـــــاصرِ
أو فاصْرِما حبلَ المودَّةِ بيننا
هذا الطَّريقُ لِمُنْجِدٍ أو غائـــرِ
ومن شعره في الحماسة:
قال ابنُ عمِّي: ما ترى؟ قلتُ: اتئدْ
ليس الجهولُ بخطِّةٍ كالخابرِ
وعَلِمْــتُ أنَّ الأمـرَ ليسَ دواؤُهُ
إلا الجسورُ ليسَ حينَ تجاسُرِ
فخرجْتُ أقدمُ صاحبي متوشِّــحاً
بحمائلِ العَضْبِ الحسامِ الباترِ
اسْتُحسِنَتْ تشبيهاتُه، فمن تشبيهاتِهِ ما ذكره ابنُ عبدِ البر القُرْطُبِيُّ في «بهجة المجالس» قال: ما وُصِفَ بِرْذَون بأحسن من قول المَسْلَمي:
فإذا احْتَبَى قَرَبُوسَــه بِعنَانِهِ
عَلَكَ الشَّكِيمَ إلى انْصِرافِ الزَّائرِ
والقَرَبُوس: حِنْوُ السَّرْج، والشَّكِيمُ في اللِّجام: الحديدةُ المُعْتَرِضَة فـي فم الفرس.
وذكر ابن هذيل في «حلية الفرسان وشعار الشُّجعان»؛ قال: «قال كلابُ بن حمزة: لم نعلم أحداً من العرب في الجاهليَّة والإسلام وَصفَ خيل الحلبة بأسمائها، وذكَرَها على مراتبها غير محمد بن يزيد بن مَسْلمة بن عبد الملك بن مروان»، وأثبتَ له ابن هذيل في وصف الخيل في الكتاب المذكور قصيدةً طويلةً حسنةً، مطلعها:
شهِدْنا الرِّهانَ غداةَ الرِّهانِ
بمجمعةٍ ضمَّها الموسمُ
وما ذكره ابن هذيل من القصيدة في كتابه تضمَّن ذِكْرَ خيل الحَلْبَةِ فقط، والقصيدةُ رواها المسعوديُّ تامَّةً في «مروج الذَّهب» وهي مُتَمَّمَةُ الأغراض في معناها.
أسـامة اختيار
Al-Maslami al-Hasni - Al-Maslami al-Hasni
المَسْلَميُّ الحصْنِيُّ
(… ـ .… هـ/… ـ … م)
محمَّد بن يزيد بن مَسْلَمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم القُرشيُّ الأمويُّ أبو الأصبع أو الأصبغ المَسْلَميُّ الحصْنِيُّ، أديبٌ شاعرٌ، شعره حسنٌ، وصلَ إلينا قليل منه، عاصر الخليفةَ المأمون، ومدحَهُ.
كان ينزل بديار مُضَر بجزيرة الشَّام بالقرية المعروفة بحصن مَسْلمة، من كوُرة الرَّقة؛ فنُسب إليه، وشعره في المدح والهجاء والنقائض، عُرف بعروبيَّته وأظهرَ هذه النَّزعة في شعره، وساءه ما كان في عصره من أقوال الشُّعوبيِّين الذين لم يحفظوا فضل العرب عليهم.
للمَسْلَميِّ قصيدةً طويلةً يفخر فيها ببني أميَّة مطلعها:
أمَّا صفاتي فلها شَانُ
وقَدْ نَماني الشَّيخُ مروانُ
ولما افتخر عبد الله بن طاهر بقتل أبيه طاهرٍ الخليفةَ محمَّداً الأمينَ في قصيدة مطلعها:
مُدْمِنُ الإِغْضَاءِ مَوْصُولُ
ومُدِيمُ العَتْـبِ مَمْلُولُ
ومَدِينُ البِيضِ في تَعَـبٍ
وغَرِيمُ البِيضِ مَمْطُولُ
وأَخُو الوَجْهَيْنِ حَيْثُ وهَى
بَهَواهُ فَهْـوَ مَدْخـُولُ
ومما قاله فيها:
وأبي مَنْ لا نظيرَ لـــهُ
مَنْ يسامي مجدَهُ ؟ قولُوا
طحـــنَ المخلوعَ كَلْكَلَهُ
وحواليــــه المقاويلُ
تصدى له المسلمي، وعارضه بقصيدة هجاه فيها معرِّضاً بغدر أبيه طاهرٍ بالأمين، ومما قاله فيه:
أيُّها البادي بنســــبتِهِ
ما لِما قدْ قلتَ تحصيلُ
قاتلُ المخلوعِ مقتـــولٌ
ودمُ القاتلِ مَطْلُــولُ
بأخي المخلوعِ طلْتَ يـداً
لم يكنْ في باعِها طولُ
وبنعمـــاهُ الَّتي كُفِرَتْ
فُعِلَتْ تلكَ الأفاعيــلُ
وهجاهُ بنسبه، فكان ممَّا قال فيه:
يا بنَ بيتِ النَّار يوقدها
ما لحاذيـــهِ سراويلُ
نسبٌ في الفخرِ مُؤْتَشَبٌ
وأُبــــوَّات مراذيلُ
مَنْ حسينٌ؟ مَنْ أبوهُ؟ ومَنْ
طاهرٌ؟ غَالَتْهُـمُ غُولُ
مَنْ رُزَيْقٌ إذْ تُعَــدِّدُهُ؟
نَسَبٌ في الخَلْقِ مجهولُ
تلكَ دعوى لا يُناسِـبُها
لكَ آبــــاءٌ أراذيلُ
وحين تصدَّى المَسْلَميُّ لعبد الله بن طاهر ردَّ على المَسْلَميُّ واحدٌ من الشُّعوبيِّين هو علان الورَّاق المعروف بعلان الشُّعوبيِّ، وهو رجلُ سوءٍ أصله من الفرس كان منقطعاً إلى البرامكة ينسخ في بيت الحكمة للرَّشيد والمأمون وعمل كتاب «الميدان» في المثالب؛ وهو كتابُ سوءٍ هتكَ فيه العربَ، فقالَ علاَّنُ الشُّعوبيُّ قصيدةً ردَّ فيها على المَسْلَمي، وهجاه، ومدح عبد الله بن طاهر، وفضَّلَ العجم على العرب.
ولمَّا ولي عبد الله بن طاهر مصر، ورُدَّ إليه تدبير أمر الشَّام بأمر الخليفة المأمون؛ علمَ المَسْلَميُّ الأمويُّ أنَّه لا يفلت منه إن هرب، ولا ينجو من يده حيث حلَّ، فأحرز حُرَمَهُ، وترك أمواله ودوابَّه وكلَّ ما كان يملكه في موضعه، وفتح باب حصنه، وجلس عليه، وعلم أنَّ عبد الله بن طاهر سيوقع به، فلمَّا شارف ابن طاهر بلدَه أعدَّ فرسه، وركب في السَّحَر معه خمسة من خواصِّ رجاله، فسار حتَّى صبَّح المَسْلَمي، فرأى بابه مفتوحاً، ورآه جالساً عنده، فقصده، وسلَّم عليه، ونزل عنده، وقال له: «ما أجلسك هاهنا؛ وحملك على أن فتحت بابك، ولم تتحصَّن من هذا الجيش المقبل، ولم تتنحَّ عن عبد الله ابن طاهر مع ما في نفسه عليك وما بلغه عنك؟ فقال المَسْلَميُّ: تأمَّلت أمري، وعلمتُ أني إن هربتُ منه لم أفته، فباعدت البناتِ والحرم، واستسلمتُ بنفسي وكل ما أملك؛ فإنَّا أهل بيتٍ قد أسرع القتل فينا، ولي بمن مضى أسوة؛ فإنِّي أثق بأنَّ الرَّجل إذا قتلني، وأخذ مالي؛ شفى غيظه، ولم يتجاوز ذلك إلى الحرم، فقال ابن طاهر له: أتعرفني؟ ـ وكان المَسْلَمِيُّ هجاهُ من غير أن يراه ـ فقال: لا والله ، ولكني أظنُّك من قوَّاده. قال: لا، بل أنا هو، وقد أمَّن الله تعالى روعتك. قال: أمَّا أنا أيُّها الأمير فقد أجبتني عن قولي بفعلك، وما لي بعدها حاجة، فإنِّي في كفاف من معيشتي، فقال ابن طاهر: فلا بدَّ من عتاب، قلتُ شعراً في قومي أفخرُ بهم لم أطعن فيه على حَسَبِكَ، ولا ادَّعيت فضلاً عليك، وفَخَرْتُ بقتل رجلٍ هو وإنْ كانَ من قومِكَ؛ فَهُمُ القومُ الَّذين ثَأْرُكَ عندهم؛ فكانَ يَسَعُكَ السُّكوتُ. فقال: أيُّها الأمير، قد عفوتَ، فاجعله العفوَ الذي لا يخلطه تثريب، ولا يكدِّر صفوَهُ تأنيب. قال: قد فعلت».
لِلْمَسْلَمِيِّ شِعْرٌ رقيقٌ منه ما يخاطبُ به الصَّاحبَين على عادة الجاهليِّين:
عوجَــا معي للهِ درُّ أبيكُما
نَشْفِ القلوبَ منَ الجوَى المُتخامرِ
كفَّا الملامَ ولاتَ حينَ ملامةٍ
هذا أوانُ ترافدٍ وتنـــــاصرِ
أو فاصْرِما حبلَ المودَّةِ بيننا
هذا الطَّريقُ لِمُنْجِدٍ أو غائـــرِ
ومن شعره في الحماسة:
قال ابنُ عمِّي: ما ترى؟ قلتُ: اتئدْ
ليس الجهولُ بخطِّةٍ كالخابرِ
وعَلِمْــتُ أنَّ الأمـرَ ليسَ دواؤُهُ
إلا الجسورُ ليسَ حينَ تجاسُرِ
فخرجْتُ أقدمُ صاحبي متوشِّــحاً
بحمائلِ العَضْبِ الحسامِ الباترِ
اسْتُحسِنَتْ تشبيهاتُه، فمن تشبيهاتِهِ ما ذكره ابنُ عبدِ البر القُرْطُبِيُّ في «بهجة المجالس» قال: ما وُصِفَ بِرْذَون بأحسن من قول المَسْلَمي:
فإذا احْتَبَى قَرَبُوسَــه بِعنَانِهِ
عَلَكَ الشَّكِيمَ إلى انْصِرافِ الزَّائرِ
والقَرَبُوس: حِنْوُ السَّرْج، والشَّكِيمُ في اللِّجام: الحديدةُ المُعْتَرِضَة فـي فم الفرس.
وذكر ابن هذيل في «حلية الفرسان وشعار الشُّجعان»؛ قال: «قال كلابُ بن حمزة: لم نعلم أحداً من العرب في الجاهليَّة والإسلام وَصفَ خيل الحلبة بأسمائها، وذكَرَها على مراتبها غير محمد بن يزيد بن مَسْلمة بن عبد الملك بن مروان»، وأثبتَ له ابن هذيل في وصف الخيل في الكتاب المذكور قصيدةً طويلةً حسنةً، مطلعها:
شهِدْنا الرِّهانَ غداةَ الرِّهانِ
بمجمعةٍ ضمَّها الموسمُ
وما ذكره ابن هذيل من القصيدة في كتابه تضمَّن ذِكْرَ خيل الحَلْبَةِ فقط، والقصيدةُ رواها المسعوديُّ تامَّةً في «مروج الذَّهب» وهي مُتَمَّمَةُ الأغراض في معناها.
أسـامة اختيار