قصيدة البلبل الغريب لبدوي الجبل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصيدة البلبل الغريب لبدوي الجبل

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	16538563631.jpg 
مشاهدات:	3 
الحجم:	11.1 كيلوبايت 
الهوية:	124316
    سلي الجمر هل غالى وجنّ و عذّبا

    كفرت به حتّى يشوق و يعذبا

    و لا تحرميني جذوة بعد جذوة

    فما اخضلّ هذا القلب حتّى تلهّبا

    و ما نال معنى القلب إلاّ لأنّه

    تمرّغ في سكب اللّظى و تقلّبا

    هبيني حزنا لم يمرّ بمهجة

    فما كنت أرضى منك حزنا مجرّبا

    و صوغيه لي وحدي فريدا و أشفقي

    على سرّه المكنون أن يتسرّبا

    مصونا كأغلى الدرّ عزّ يتيمه

    فأودع في أخفى الكنوز و غيّبا

    و صوغيه مشبوب اللّظى و تخيّري

    لآلامه ما كان أقسى و أغربا

    و صوغيه كالفنّان يبدع تحفه

    و يرمقها نشوان هيمان معجبا

    فما الحزن إلاّ كالجمال ، أحبّه

    و أترفه ، ما كان أنأى و أصعبا

    خيالك يا سمراء ، مرّ بغربتي

    فحيّا و رحّبنا طويلا و رحّبا

    جلاك لعيني مقلتين و ناهدا

    و ثغرا كمطول الرياحين أشنبا

    فصانك حبّي في الخيال كرامة

    و همّ بما يهواه لكن تهيّبا

    و بعض الهوى كالغيث إن فاض تألّق

    و بعض الهوى كالغيث إن فاض خرّبا

    أرى طيفك المعسول في كلّ ما أرى

    وحدت و لكن لم أجد منه مهربا

    سقاني الهوى كأسين : يأسا و نعمة

    فيالك من طيف أراح و أتعبا

    و خالط أجفاني على السّهد و الكرى

    فكان إلى عيني من الجفن أقربا

    شكونا له السّمراء حتّى رثى لنا

    و جرّأنا حتّى عتبنا فأعتبا

    و ناولني من أرز لبنان نفحة

    فعطّر أحزاني و ندّى و خضّبا

    و ثنّى بريّا الغوطتين يذيعها

    فهدهد أحلامي وأغلى و طيّبا

    و هل دلّلت لي الغوطتان لبانة

    أحبّ من النعمى و أحلى و أعذبا

    وسيما من الأطفال لولاه لم أخف

    _ على الشيب_ أن أنأى و أن أتغرّبا

    تودّ النّجوم الزهر لو أنّها دمى

    ليختار منها المترفات و يلعبا

    و عندي كنوز من حنان و رحمة

    نعيمي أن يغرى بهنّ و ينهبا

    يجور و بعض الجور حلو محبّب

    و لم أر قبل الطفل ظلما محبّبا

    و يغضب أحيانا و يرضى و حسبنا

    من الصفو أن يرضى علينا و يغضبا

    و إن ناله سقم تمنّيت أنّني

    فداء له كنت السقيم المعذّبا

    و يوجز فيما يشتهي و كأنّه

    بإيجازه دلاّ أعاد و أسهبا

    يزفّ لنا الأعياد عيدا إذا خطا

    و عيدا إذا ناغى و عيدا إذا حبا

    كزغب القطا لو أنّه راح صاديا

    سكبت له عيني و قلبي ليشربا

    و أوثر أن يروى و يشبع ناعما

    و أظمأ في النعمى عليه و أسغبا

    و ألثم في داج من الخطب ثغره

    فأقطف منه كوكبا ثمّ كوكبا

    ينام على أشواف قلبي بمهده

    حريرا من الوشي اليمانيّ مذهبا

    و أسدل أجفاني غطاء يظلّه

    و ياليتها كانت أحنّ و أحدبا

    و حمّلني أن أقبل الضيم صابرا

    و أرغب تحنانا عليه و أرهبا

    فأعطيت أهواء الخطوب أعنّتي

    كما اقتدت فحلا معرق الزّهو مصعبا

    تأبّى طويلا أن يقاد .. و راضه

    زمان فراخى من جماح و أصحبا

    تدلّهت بالإيثار كهلا و يافعا

    فدلّلته جدّا و أرضيته أبا

    و تخفق في قلبي قلوب عديدة

    لقد كان شعبا واحدا فتشعّبا

    و يا ربّ من أجل الطفولة وحدها

    أفض بركات السلم شرقا و مغربا

    و ردّ الأذى عن كلّ شعب و إن يكن

    كفورا و أحببه و إن كان مذنبا

    و صن ضحكة الأطفال يا ربّ إنّها

    إذا غرّدت في موحش الرمل أعشبا

    ملائك لا الجنّات أنجبن مثلهم

    و لا خلدها _ أستغفر الله _ أنجبا

    و يا ربّ حبّب كلّ طفل فلا يرى

    و إن لجّ في الإعنات وجها مقطّبا

    و هيّئ له في كلّ قلب صبابة

    و في كلّ لقيا مرحبا ثمّ مرحبا

    و يا ربّ : إنّ القلب ملكك إن تشأ

    رددت محيل القلب ريّان مخصبا

    و يا ربّ في ضيق الزّمان و عسره

    أرى الصّبر آفاقا أعزّ و أرحبا

    صليب على غمز الخطوب و عسفها

    و لولا زغاليل القطا كنت أصلبا

    و لي صاحب أعقيته من موّدتي

    و ما كان مجنون الغرور ليصحبا

    غريبان لكنّي وفي و ما وفى

    و نازع حبل الودّ حتّى تقضّبا

    و با ربّ هذي مهجتي و جراحها

    سيبقين إلاّ عنك سرّا محجّبا

    فما عرفت إلاّ قبور أحبّتي

    و إلاّ لداتي في دجى الموت غيّبا

    و ما لمت في سكب الدّموع فلم تكن

    خلقت دموع العين إلاّ لتسكبا

    و لكنّ لي في صون دمعي مذهبا

    فمن شاء عاناه و من شاء نكّبا

    و يا ربّ لأحزاني وضاء كأنّني

    سكبت عليهنّ الأصيل المذهّبا

    ترصّد نجم الصبح منهنّ نظرة

    و أشرف من عليائه و ترقّبا

    فأرخيت آلاف الستور كأنّني

    أمدّ على حال من النّور غيهبا

    فغوّر نجم الصّبح يأسا و ما أرى

    على طهره _ حتّى بنانا مخضّبا

    و قد تبهر الأحزان و هي سوافر

    و لكنّ أحلاهنّ حزن تنقّبا

    و يا ربّ : درب الحياة سلكته

    و ما حدت عنه لو عرفت المغيّبا

    و لي وطن أكبرته عن ملامة

    و أغليه أن يدعى _ على الذّنب مذنبا

    و أغليه حتّى قذ فتحت جوانحي

    أدلّل فيهنّ الرّجاء المخيّبا

    تنكّر لي عند المشيب _ و لا قلى _

    فمن بعض نعماه الكهولة و الصبا

    و من حقّه أن أحمل الجرح راضيا

    و من حقّه أن لا ألوم و أعتبا

    و ما ضقت ذرعا بالمشيب فإنّني

    رأيت الضحى كالسّيف عريان أشيبا

    يمزّق قلبي البعد عمّن أحبّهم

    و لكن رأيت الذلّ أخشن مركبا

    و أستعطف التاريخ ضنّا بأمّتي

    ليمحو ما أجزى به لا ليكتبا

    و يا ربّ : عزّ من أميّة لا انطوى

    و يا ربّ : نور وهّج الشرق لا خبا

    و أعشق برق الشام إن كان ممطرا

    حنونا بسقياه و إن كان خلّبا

    و أهوى الأديم السّمح ريّان مخصبا

    سنابله نشوى و أهواه مجدبا

    مآرب لي في الرّبوتين و دمّر

    فمن شمّ عطرا شمّ لي فيه مأربا

    سقى الله عند اللاذقيّة شاطئا

    مراحا لأحلامي و مغنى و ملعبا

    و أرضى ذرى الطّود الأشمّ فطالما

    تحدّى و سامى كلّ نجم و أتعبا

    و جاد ثرى الشهباء عطرا كأنّه

    على القبر من قلبي أريق و ذوّبا

    و حيّا فلم يخطئ حماة غمامه

    وزفّ لحمص العيش ريّان طيّبا

    و نضّر في حوران سهلا و شاهقا

    و باكر بالنّعمى غنّيا و متربا

    و جلجل في أرض الجزيرة صيّب

    يزاحم في السّقيا و في الحسن صيّبا

    سحائب من شرق و غرب يلمّها

    من الريح راع أهوج العنف مفضبا

    له البرق سوط لا تندّ غمامة

    لتشرد إلاّ حزّ فيها و ألهبا

    يؤلفها حينا و تطفر جفّلا

    و حاول لم يقنط إلى أن تغلّبا

    أنخن على طول السماء و عرضها

    يزاحم منها المنكب الضخم منكبا

    فلم أدر هل أمّ السماء قطيعه

    من الغيم أو أمّ الخباء المطنّبا

    تبرّج للصحراء قبل انسكابه

    فلو كان للصحراء ريق تحلّبا

    و تعذر طلّ الفجر لم يرو صاديا

    و لكنّه بلّ الرّمال و رطّبا

    و يسكرها أن تشهد الغيم مقبلا

    و أن تتملاّه و أن تترقّبا

    كأنّ طباع الغيد فيه فإن دنا

    قليلا . نأى حتّى لقد عزّ مطلبا

    و يطمعها حتّى إذا جنّ شوقها

    إليه انثنى عن دربها و تجنّبا

    تعدّ ليالي هجره و سجيّة

    بكلّ مشوق أن يعدّ و يحسبا

    و يبده بالسقيا على غير موعد

    فما هي إلاّ لمحة وتصبّبا

    كذلك لطف الله في كلّ محنة

    و إن حشد الدّهر القنوط و ألّبا

    إلى أن جلاها كالكعاب تزيّنت

    لتحسد من أترابها أو لتخطبا

    و مرّت على سمر الخيام غمامة

    تجرّ على صاد من الرّمل هيدبا

    نطاف عذاب رشّها الغيم لؤلؤا

    وتبرا فما أغنى و أزهى و أعجبا

    حبت كلّ ذي روح كريم عطائها

    فلم تنس آراما و لم تنس أذؤبا

    و جنّت مهاة الرّمل حتّى لغازلت

    و جنّ حمام الأيك حتّى لشبّبا

    و طاف الحمام السمح في البيد ناسكا

    إلى الله في سقيا الظماء تقرّبا

    عواطل مرّ المزن فيهنّ صائغا

    ففضّض في تلك السّهول و ذهّبا

    و ردّ الرّمال السمر خضرا و حاكها

    سماء و أغناها و رشّ و كوكبا

    و ردّ ضروع الشاء بالدرّ حفّلا

    لترضع حملانا جياعا و تحلبا

    و حرّك في البيد الحياة و سرّها

    فما هامد في البيد إلا توثّبا

    و لا عب في حال من الرّمل ربربا

    و ضاحك في غال من الوشي ربربا

    و جمّع ألوان الضياء و رشّها

    فأحمر ورديّا و أشقر أصهبا

    و أخضر بين الأيك و البحر حائرا

    و أبيض بالوهج السماوي مشربا

    و لونا من السّمراء صيغت فتونه

    بياضا نعم لكن بياضا تعرّبا

    أتدري الرّبى أنّ السماوات سافرت

    لتشهد دنيانا فأغفلت على الربى

    ألمّ بكفي النجوم و أنتقي

    مزرّرها في باقتي و المعصّبا

    دياري و أهلي بارك الله فيهما

    و ردّ الرّياح الهوج أحنى من الصبا

    و أقسم أنّي ما سألت بحبّها

    جزاء و لا أغليت جاها و منصبا

    و لا كان قلبي منزل الحقد و الأذى

    فإنّي رأيت الحقد خزيان متعبا

    تغرّب عن مخضلّة الدوح بلبل

    فشرّق في الدنيا وحيدا و غرّبا

    و غمّس في العطر الإلهيّ جانحا

    و زفّ من النّور الإلهيّ موكبا

    تحمّل جرحا داميا في فؤاده

    و غنّى على نأي فأشجى و أطربا
يعمل...
X