غيبون (ادوارد)
Gibbon (Edward-) - Gibbon (Edward-)
غيبون (إدوارد -)
(1737-1794)
إدوارد غيبون (غِبَن) Edward Gibbon مؤرخ إنكليزي عُرف بكتابه «تاريخ انحطاط الإمبراطورية الرومانية وسقوطها». ولد في بلدة بَتني Putney لعائلة برجوازية، وكانت لوالدته أصول ألمانية، وبسبب إهمالها له قامت خالته على تربيته. درس في مدارس كنسنغتون ووستمنستر على أيدي أساتذة خصوصيين، وتعلَّم اللاتينية. كان ضعيف البنية منطوياً على نفسه محباً للقراءة، فاطَّلع في وقت مبكر على عديد من حقول المعرفة التي كانت منهلاً له في مؤلَّفه الكبير. تحسَّنت صحته مع انتسابه إلى جامعة أكسفورد وهو في الخامسة عشرة، إلا أن إقامته هناك لم تطل. تحول عام 1753 نحو الكنيسة الكاثوليكية فأبعده والده إلى سويسرا لتصحيح مساره على يد القس الكالفيني دانيَل باڤيار D.Pavillard، الذي صار معلمه ومرشده، وإليه يرجع الفضل في تكوين شخصيته وفي إرساء الصفات التي مكَّنته من البحث والكتابة، فدرس الأدب اللاتيني وتعلَّم اللغة الفرنسية، وعاد بعد فترة وجيزة إلى كنف الكنيسة البروتستنتية. تعرَّف في سويسرا جورج ديفردان G.Deyverdun وصارا صديقين مدى الحياة، وتعرَّف أيضاً كبار أدباء عصره ومفكريهم أمثال فولتير وديدرو ودالامبير وصموئيل جونسون وبوزويل والممثل والمخرج ديفيد غاريك، وصار عضواً في البرلمان. كان بديناً دميماً غريب الملبس، مما جعله هدفاً سهلاً لهجاء مناوئيه وسخريتهم، وكانت وفاته في لندن.
كانت أُولى كتابات غيبون «مقالة حول دراسة الأدب» Essay on the Study of Literature عام (1764)، نشرها بالفرنسية قبل ثلاثة أعوام. وكتب مشاركة مع ديفردان «مذكرات أدبية بريطانية» Mémoires littéraires de la Grande Bretagne في مجلدين (1768-1769). حاول لفت الأنظار إليه حين كتب «ملاحظات نقدية حول الكتاب السادس في الإنيادة» Critical Observations on the Sixth Book of the Aeneid عام (1770). وفي أثناء زيارة للكابيتول في روما أتته فكرة كتابة تاريخ المدينة، الذي تحول في ما بعد إلى تاريخ الإمبراطورية بأكملها، فنشر المجلد الأول من «تاريخ انحطاط الإمبراطورية الرومانية وسقوطها» The History of the Decline and Fall of the Roman Empire بين أعوام (1776-1781) وحقق نجاحاً باهراً، وأتبعه بالمجلدين الثاني والثالث. رحل غيبون إلى سويسرا عام 1782 واستقر في منزل يعود لصديقه ديفردان وتفرَّغ لكتابة ما تبقى من مشروعه فكتب بين أعوام 1782-1787 المجلدات الثلاثة الأخيرة من «الانحطاط» ونشرت في لندن عام 1788.
في كتابه «الانحطاط» أخذ غيبون على عاتقه مهمة شبه مستحيلة، إلا أن تقسيمه المهمَّة إلى جزأين ومعالجته للامبراطورية كلّها و«الثيمة» الأساسية المتكررة في المؤلف كله جعلت مقاربته الموضوع ممكنة، فقد غطَّى في الجزء الأول (المجلدات 1-3) تاريخ روما عبر القرون الثلاثة التي سبقت الهجمات البربرية التي أسقطتها في أثناء حكم الامبراطور أغسطولوس Augustulus عام 476م. أما الجزء الثاني (المجلدات 4-6) فقد غطى فيه ألف عام تلت سقوط روما في الغرب حتى سقوط القسطنطينية عام 1453 بيد الأتراك العثمانيين في الشرق.
على الرغم من النجاح الذي لاقاه المجلد الأول من «الانحطاط» إلا أن الفصلين الخامس عشر والسادس عشر اللذين عالج فيهما المسيحية، حيث رأى أن واجب المؤرخ الأول هو إيلاء اهتمامه للتاريخ في حين أن الدين ما هو إلا «أحداث في التجربة الإنسانية»، أثارا سخط كثيرين مما جعله عرضة لتهجمهم واتُّهم بالإلحاد فكتب «دفاع» A Vindication عام (1779) حول بعض فقرات الفصلين المذكورين. ويعود في الفصول التالية من الكتاب بأسباب سقوط الامبراطورية إلى ظهور الديانات السماوية المسيحية ثم الإسلام، وانتشار حياة الرهبنة والتنسك، وتطور علم اللاهوت الذي تزامن كله والتَّفتُّت التدريجي للامبراطورية. وقد رأى في «انتصار الدين» تقهقراً، وفي الامبراطورية انحطاطاً مستمراً وانحرافاً عن طريق الحرية الفكرية السياسية وعن العقلانية. فالخراب المادي الذي كان أول ما لفت نظره عند زيارته للكابيتول ما هو إلا رمز للانحطاط الفكري والأخلاقي.
سبب عدم احتكاك غيبون بالمصادر اليونانية وعدم تمكُّنه من لغتها شرخاً كبيراً في الجزء الثاني من مؤلفه، إذ حدّ من إمكانية مقاربته الامبرطورية في الشرق. مع ذلك يمكن عدّ هذا الجزء أفضل ما كتب، إذ يبحث في الأسباب المباشرة وغير المباشرة لسقوط الامبراطورية هناك؛ مثل الصراعات اللاهوتية حول طبيعة السيد المسيح التي عالجتها المجمعات المسكونية المتعاقبة، من خلقيدونية Chalcedon وأفسس Ephesus ونيقية Nicaea التي حاولت كلها رأب الصدع الذي كان يتسع بين الفئات كلها: شرقيها وغربيها، روما والقسطنطينية، البابا والامبراطور، آريوسيين موحدين (نسبة إلى آريوس Arius الإسكندري) وكاثوليك، وأيضاً الاضطهاد الديني الذي كانت تمارسه الفئات المختلفة الواحدة ضد الأخرى: فاندال شمالي إفريقيا والغوط (القوط) الشرقيين والغربيين في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا. كذلك يتضمن الجزء الثاني من المؤلف فصولاً حول الامبراطور جستنيان Justinianus، وتاريخ القانون الروماني، وحول روما في العصور الوسطى وعصر النهضة لا تخلو من بصيص أمل بانحسار عصر الانحطاط الطويل وبزوغ فجر عصر الحرية والعقل.
كتب غيبون سيرته الذاتية مرات عديدة، ونُشرت رسائله ويومياته التي غطَّت مراحل حياته المختلفة Memoirs of My life and Writing عام (1796). كان باحثاً علمياً تنويرياً، وكان للحرية الفكرية الدور الأساسي في عمله. تميز بالدقة والاهتمام بالحقائق وليس بالمسببات وحسب، كذلك أعطى للتفاصيل والأرقام أهميتها. تمتع بقدرة فائقة على السرد وعلى تنظيم الفوضى وأخذ المعلومة من مصدرها ووضعها في سياقها المناسب، كما تميزت كتابته باللغة المتوازنة وبالنظرة الثاقبة إلى العالم من حوله.
طارق علوش
Gibbon (Edward-) - Gibbon (Edward-)
غيبون (إدوارد -)
(1737-1794)
كانت أُولى كتابات غيبون «مقالة حول دراسة الأدب» Essay on the Study of Literature عام (1764)، نشرها بالفرنسية قبل ثلاثة أعوام. وكتب مشاركة مع ديفردان «مذكرات أدبية بريطانية» Mémoires littéraires de la Grande Bretagne في مجلدين (1768-1769). حاول لفت الأنظار إليه حين كتب «ملاحظات نقدية حول الكتاب السادس في الإنيادة» Critical Observations on the Sixth Book of the Aeneid عام (1770). وفي أثناء زيارة للكابيتول في روما أتته فكرة كتابة تاريخ المدينة، الذي تحول في ما بعد إلى تاريخ الإمبراطورية بأكملها، فنشر المجلد الأول من «تاريخ انحطاط الإمبراطورية الرومانية وسقوطها» The History of the Decline and Fall of the Roman Empire بين أعوام (1776-1781) وحقق نجاحاً باهراً، وأتبعه بالمجلدين الثاني والثالث. رحل غيبون إلى سويسرا عام 1782 واستقر في منزل يعود لصديقه ديفردان وتفرَّغ لكتابة ما تبقى من مشروعه فكتب بين أعوام 1782-1787 المجلدات الثلاثة الأخيرة من «الانحطاط» ونشرت في لندن عام 1788.
في كتابه «الانحطاط» أخذ غيبون على عاتقه مهمة شبه مستحيلة، إلا أن تقسيمه المهمَّة إلى جزأين ومعالجته للامبراطورية كلّها و«الثيمة» الأساسية المتكررة في المؤلف كله جعلت مقاربته الموضوع ممكنة، فقد غطَّى في الجزء الأول (المجلدات 1-3) تاريخ روما عبر القرون الثلاثة التي سبقت الهجمات البربرية التي أسقطتها في أثناء حكم الامبراطور أغسطولوس Augustulus عام 476م. أما الجزء الثاني (المجلدات 4-6) فقد غطى فيه ألف عام تلت سقوط روما في الغرب حتى سقوط القسطنطينية عام 1453 بيد الأتراك العثمانيين في الشرق.
على الرغم من النجاح الذي لاقاه المجلد الأول من «الانحطاط» إلا أن الفصلين الخامس عشر والسادس عشر اللذين عالج فيهما المسيحية، حيث رأى أن واجب المؤرخ الأول هو إيلاء اهتمامه للتاريخ في حين أن الدين ما هو إلا «أحداث في التجربة الإنسانية»، أثارا سخط كثيرين مما جعله عرضة لتهجمهم واتُّهم بالإلحاد فكتب «دفاع» A Vindication عام (1779) حول بعض فقرات الفصلين المذكورين. ويعود في الفصول التالية من الكتاب بأسباب سقوط الامبراطورية إلى ظهور الديانات السماوية المسيحية ثم الإسلام، وانتشار حياة الرهبنة والتنسك، وتطور علم اللاهوت الذي تزامن كله والتَّفتُّت التدريجي للامبراطورية. وقد رأى في «انتصار الدين» تقهقراً، وفي الامبراطورية انحطاطاً مستمراً وانحرافاً عن طريق الحرية الفكرية السياسية وعن العقلانية. فالخراب المادي الذي كان أول ما لفت نظره عند زيارته للكابيتول ما هو إلا رمز للانحطاط الفكري والأخلاقي.
سبب عدم احتكاك غيبون بالمصادر اليونانية وعدم تمكُّنه من لغتها شرخاً كبيراً في الجزء الثاني من مؤلفه، إذ حدّ من إمكانية مقاربته الامبرطورية في الشرق. مع ذلك يمكن عدّ هذا الجزء أفضل ما كتب، إذ يبحث في الأسباب المباشرة وغير المباشرة لسقوط الامبراطورية هناك؛ مثل الصراعات اللاهوتية حول طبيعة السيد المسيح التي عالجتها المجمعات المسكونية المتعاقبة، من خلقيدونية Chalcedon وأفسس Ephesus ونيقية Nicaea التي حاولت كلها رأب الصدع الذي كان يتسع بين الفئات كلها: شرقيها وغربيها، روما والقسطنطينية، البابا والامبراطور، آريوسيين موحدين (نسبة إلى آريوس Arius الإسكندري) وكاثوليك، وأيضاً الاضطهاد الديني الذي كانت تمارسه الفئات المختلفة الواحدة ضد الأخرى: فاندال شمالي إفريقيا والغوط (القوط) الشرقيين والغربيين في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا. كذلك يتضمن الجزء الثاني من المؤلف فصولاً حول الامبراطور جستنيان Justinianus، وتاريخ القانون الروماني، وحول روما في العصور الوسطى وعصر النهضة لا تخلو من بصيص أمل بانحسار عصر الانحطاط الطويل وبزوغ فجر عصر الحرية والعقل.
كتب غيبون سيرته الذاتية مرات عديدة، ونُشرت رسائله ويومياته التي غطَّت مراحل حياته المختلفة Memoirs of My life and Writing عام (1796). كان باحثاً علمياً تنويرياً، وكان للحرية الفكرية الدور الأساسي في عمله. تميز بالدقة والاهتمام بالحقائق وليس بالمسببات وحسب، كذلك أعطى للتفاصيل والأرقام أهميتها. تمتع بقدرة فائقة على السرد وعلى تنظيم الفوضى وأخذ المعلومة من مصدرها ووضعها في سياقها المناسب، كما تميزت كتابته باللغة المتوازنة وبالنظرة الثاقبة إلى العالم من حوله.
طارق علوش