صدى "القباقيب"... انعكاس ذبذبات التراث الدمشقي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صدى "القباقيب"... انعكاس ذبذبات التراث الدمشقي

    صدى "القباقيب"... انعكاس ذبذبات التراث الدمشقي
    • أحمد ميزر


    دمشق
    تعود مهنة "القباقيب" إلى أيام العهد الفاطميّ والمماليك، ومازالت محافظةً على استمراريّتها إلى يومنا هذا، وبقيت "القباقيب" تُستخدم في المنازل، وحمّامات الأسواق وبعض المقاهي الشعبية، لتعبّر عن الطقوس الشامية القديمة، وعند ذكر "القباقيب" يتذكّر السوريّون مسلسلات "صحّ النوم" و"حمّام الهنا" وغيرها من المسلسلات للفنّان السوريّ المشهور "دريد لحّام" بدور"غوّار الطوشة". نالت هذه الحرفة اليدويّة إعجاب الكثير من العرب والأجانب الزائرين لسورية.

    موقع eDamascus زار سوق الصّاغة مكان انتشار محلات صناعة القبقاب وفي البداية التقى السائحة الأردنية "دينا المنصور" وعن دافعها لشراء "القبقاب" حدّثتنا: «في الحقيقة أنا أتسوّق لتحضيرات حفل زفافيّ بعد شهر، ومن الجميل جدّاً أن ترتدي العروس في أول أيام زواجها هذا النوع التراثيّ والمصنّع بطريقة محبّبة جدّاً، كان "القبقاب" ومازال الحذاء المميّز بالنسبة للكثير من السيدات، أنا طلبت من الحاج "عبد الله سيّالة" أن يصنع لي قالباً بطريقة تعايش روح العصر، طلبت منه أن يضيف بعض قطع الفضّة حتّى أحصل على "قبقاب" يتناسب مع إطلالة العروس، وسآخذ عدداً من "القباقيب" لأهديها لصديقاتي، لأنّ "القبقاب" يُعتبر شيئاً مُميّزاً ويعبّر عن الطقوس الشامية القديمة، وخاصّة التي نراها في مسلسلات "باب الحارة"، وأتمنّى أن تلاقي هذه المهنة توسّعاً أكثر مما كان حالها قديماً».
    الكثير من الناس يشترون "القبقاب" للذكرى أو يضعونه للزينة، لكن في الحقيقة نحن نشتريه للاستخدام اليوميّ ضمن المنزل، ولا نستطيع الاستغناء عنه، لأنّ الموضوع متعلقٌ براحتنا النفسيّة نحو الشيء الذي نرتديه في أقدامنا، وأنا متأكّد أنّ الذي يعتاد استخدام "القبقاب" لا يستطيع التخلّي عنه، أما أولادي فيحبّون هذا النوع كثيراً، لأنّ الصوت الصادر عنه ممتع بالنسبة لهم، ولكلّ فرد من عائلتي "قبقاب" خاصّ به، وهنالك مثل شاميّ يتعلّق "بالقبقاب" يُقال حين لم شمل المتخاصمين، وهو "لفّ السير على القبقاب صاروا الأعداء أحباب". والسير هو الزنار الذي يغلّف به الجسم الخشبي "للقبقاب"

    إقبال الناس مازال متوجّهاً نحو "القبقاب" رغم كلّ الأحذية الحديثة الموجودة في السوق، وبخصوص اختيارهم لهذا النوع التقليديّ، قال الزبون "أيهم الغاوي": «الكثير من الناس يشترون "القبقاب" للذكرى أو يضعونه للزينة، لكن في الحقيقة نحن نشتريه للاستخدام اليوميّ ضمن المنزل، ولا نستطيع الاستغناء عنه، لأنّ الموضوع متعلقٌ براحتنا النفسيّة نحو الشيء الذي نرتديه في أقدامنا، وأنا متأكّد أنّ الذي يعتاد استخدام "القبقاب" لا يستطيع التخلّي عنه، أما أولادي فيحبّون هذا النوع كثيراً، لأنّ الصوت الصادر عنه ممتع بالنسبة لهم، ولكلّ فرد من عائلتي "قبقاب" خاصّ به، وهنالك مثل شاميّ يتعلّق "بالقبقاب" يُقال حين لم شمل المتخاصمين، وهو "لفّ السير على القبقاب صاروا الأعداء أحباب". والسير هو الزنار الذي يغلّف به الجسم الخشبي "للقبقاب"».

    وعن تاريخ المهنة في الأسواق "الدمشقية" يحدّثنا البائع "أبو بشير" صاحب أحد المحلات وسط سوق "الحرير" قائلاً: «إنّ تاريخ هذه المهنة قديمٌ جداً، وأتذكّر سوق "الحرير" قبل حوالي عشرين عاماً، كان فيه أكثر من ثلاثين محلّاً، كانت هذه المحلاّت مخصّصة لتصنيع وبيع "القباقيب"، لكن الآن لا يوجد فيها سوى محلّ "السيالة" وبسطة قريبة منه، وهنالك بعض المحلات التي تبيع، إنّ عدد المصنعين يقلّ مع تقدّم الأيام، والسبب يعود إلى توفي الآباء وتوجّه الأبناء نحو مهن تتعلّق بالدراسة أو العصر الحديث، إذا لم تتصدَّ لحماية هذه الحرفة الشركات الكبرى فهي مهدّدة بالانقراض. إنّ محلات "القباقيب" تحوي أشكالاً جميلة جداً، ويتم تزيين "القبقاب" الخاصّ بالأطفال بأشكال محبّبة لقلوبهم، وللرجال يستخدمون الألوان الغامقة الرصينة مثل الأسود، البنّي، الكحليّ ومشتقّاته، أمّا للنساء فيستخدمون كلّ الألوان الزاهية ويضيفون الزينة حسب الرغبة».

    تلاشى معظم القباقبيه لكن الحاج "عبد الله محمود السيالة" ظّلّ محافظاً على العمل بهذه المهنة التي ورثها عن أبيه، وهو يعمل بهذه المهنة منذ أكثر من سبعين سنة، ضمن محلٍ لا تتجاوز مساحته المترين، وظل الصانع الوحيد "للقباقيب" في الشرق الأوسط، وفيما يتعلق بهذه المهنة اليدوية يقول: «يعود تاريخ هذا المحلّ إلى عام 1939، وأنا أعمل بهذه المهنة منذ أن كان عمري تسع سنوات، أصنع في اليوم الواحد حوالي ثلاثين "قبقاباً"، خلال سبع ساعات أداوم فيها بالمحلّ، لصناعة "القبقاب" نحتاج إلى خشب "الحور" وهذا النوع كنّا نجلبه من غوطة "دمشق"، أما الآن فمصدره بمحافظة "الرقة" وهنالك خشب الشوح والرومي أيضاً يُدخل في صناعته، كنا نستخدم لتقطيع الخشب أدوات حادة لتفصيل القوالب، ومع تطور الزمن تكفّلت بعض المنشآت بتفصيل القوالب المطلوبة، وعندما أستلم المجسمات الخشبية أغلفها بقشاطٍ من الجلد، باستخدام المطرقة والسندان وبعض المسامير التي تخصّ المهنة، وبناءً على رغبة الزبائن أُجري بعض التعديلات، فمنهم سكّان الأبنية الطبقية، ندخل المطاط من أسفل "القبقاب" لعدم إصدار أصوات تزعج الآخرين، كما أنّ النايلون والبلاستيك دخلا حديثاً إلى هذه المهنة، ولكن بالنهاية لكل شخص طلبه الخاصّ».

    مهنة "القباقيب" القديمة ورغم بساطتها تبقى لتشغل في حياتنا مكانتها الخاصة، ولنكون مطمئنين من أنّ "القبقاب" الذي نرتديه لا يضرّ بصحة أقدامنا، التقينا بالدكتورة الجلدية "نجوى محمود البطل" وبخصوص نظرتها الصحية "للقبقاب" قالت: «بما أنّ "القبقاب" مصنوعٌ من الخشب فهو بشكل عام أفضل من "الممشاة" التي تصنع من البلاستيك بالنسبة للأشخاص الذين لديهم حساسية في القدمين، أما مرضى السكّري الذين يتوقون لوضع أقدامهم على أرض باردة، فأنصحم باستخدام "القبقاب" لأنّ الخشب يبقى بارداً صيفاً ودافئا شتاءً، ولا أقول إنها تغني عن وظيفة "الممشاة" لكن لكلّ شخص رغبة نفسية معينة تخصّه، وإنّ ما لاحظته في قوالب "القبقاب" أنّ أصابع القدم تكون بوضعية مريحة، لأنّ القسم المخصّص للأصابع يكون مستديراً ومتّسعاً، ومن الخارج يتميز بالمتانة وإنّ الجلد المدخل في صناعة "القبقاب" يساعد أقدامنا على التنفّس، وفيه طوق العقب محشوّ وهذا يخفّف من احتكاك بشرة القدم، ومعاكس العقب يوفّر مرونة وضربة سليمة عند العقب، كما أنّ انحراف العقب والأصابع يوفّر مزيداً من الدعم والراحة، وينصح بشراء "القبقاب" للأطفال بعد تعلّمهم المشي تشجيعاً لمشيهم، لأنّ الأحذية التي تثير الأصوات تبني عند الطفل الرغبة في المشي واللعب».
يعمل...
X