غورفيتش (جورج)
Gurvitch (Georges-) - Gurvitch (Georges-)
غورفيتش (جورج -)
(1894-1965)
ولد جورج غورفيتش Georges Gurvitch في نوفوروسيسك Novorossisk بروسيا لعائلة يهودية، وخصَّص السنوات الأولى في دراساته العليا للدراسات الحقوقية والقراءة عن المؤسسين الأوائل للمذاهب السياسية. حصل في عام 1915 على الميدالية الذهبية في مسابقة جامعية تتناول المذهب السياسي لتيوفان بروكوفيتش Theophan Prokovitch ومشاربه الأوربية، وقد حددت هذه الجائزة مجرى حياته المهنية فيما بعد وجعلتها في إطار الفلسفة الاجتماعية، التي تجمع الفلسفة بالقانون وعلم الاجتماع.
انصب اهتمام غورفيتش بالدرجة الأولى على التمييز بين ما هو فردي، وما هو اجتماعي، بغية التأكيد على أن الحقيقة الاجتماعية حقيقة لا تقهر. انتسب في عام 1917 إلى التنظيم السوڤييتي، وقابل لينين وتروتسكي، وراقب تأثير كل منهما في التنظيمات المركزية العمالية، التي كان لها أثر كبير في نفسه فيما بعد، ودفعت به إلى العمل في مجال العلوم الاجتماعية.
اجتمعت لديه ثقافة مزدوجة تقوم على القانون والفلسفة، وعلى الأخص اهتمامه بالفلسفة الألمانية، نتيجة متابعته جزءاً من دراسته الجامعية في ألمانيا، مما أثر في أعماله اللاحقة، كما هو الحال في كتاباته الأولى «روسو وإعلان الحقوق» Rousseau et la déclaration des droits عام (1917)، و«فلسفة القانون» لأوتوفون غيركه Otto von Gierke عام (1922)، و«مدخل لنظرية القانون الدولي» Introduction à la théorie du droit international عام (1923).
تنقَّل بين مجموعة الدول الأوربية، والولايات المتحدة، فعمل أستاذاً في براغ وأخذ يدرس الحقوق فيها حتى عام 1924، واستقر في عام 1925 في فرنسا وحصل فيها على الجنسية، وأخذ يدّرس في جامعة السوربون إضافة إلى متابعة اهتمامه بالفلسفة الألمانية، وقد تمكن من إصدار كتابه الأول بالفرنسية بعنوان «التيارات المعاصرة للفلسفة الألمانية» Les Tendances actuelles de la philosophie allemande عام (1930)، وكان لهذا الكتاب تأثير كبير في الشباب في تلك الفترة، كما كان مقدمة أساسية لأطروحتين مهمتين بالنسبة إليه؛ «فكرة القانون الاجتماعي» L’idée du droit social عام (1932)، و«الزمن الحاضر وفكرة القانون الاجتماعي» Le Temps présent et l’idée du droit social عام (1932).
دفعه اهتمامه بالنظرية الاجتماعية والقانون إلى المشاركة في وضع أرشيف فلسفة القانون وعلم الاجتماع القانوني، فصدر عدده الأول سنة 1931، واستمر حتى عام 1940، وشغل في أثنائها منصب نائب مدير لجنة النشر عام 1936، وشارك في تأسيس المعهد العالي لفلسفة القانون وعلم الاجتماع القانوني وشغل منصب أمينه العام.
نشر في عام 1937 كتاباً يبحث في العلاقة بين الحياة الأخلاقية وفلسفة الأخلاق، «الأخلاق النظرية وعلم الأخلاق» Morale théorique et science des mœurs، واتجه بعد ذلك كليّاً إلى علم الاجتماع النظري بمقالته الشهيرة «دراسة في تصنيف نظري للأشكال الاجتماعية» Essais d’une classification théorique des formes de sociabilité عام (1938).
سافر غورفيتش في عام 1940 إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأصدر عام 1942 وبتأثير من علم الاجتماع القانوني الأمريكي كتابه «علم اجتماع القانون» Sociology of law الذي أُعيدت طباعته مرات عدة، وقد شارك في هذه الفترة في تأسيس المدرسة الحرة للدراسات العليا في نيويورك، وأدار فيها المعهد الفرنسي لعلم الاجتماع، إلا أنه ما لبث أن عاد إلى فرنسا عام 1945 ليزاول عمله من جديد في تدريس علم الاجتماع.
إن اطلاع غورفيتش على علم الاجتماع الأمريكي بيّن له ضرورة الالتقاء بين علم الاجتماع النظري والبحث التجريبي الأمريكي الذي كان ينتقده، وصدر تحت إشرافه في كل من الولايات المتحدة وفرنسا كتاب «علم الاجتماع في القرن العشرين» La Sociologie au XXe S.
في عام 1950 نشر كتاب «النزعات المعاصرة لعلم الاجتماع» La Vocation actuelle de la sociologie عن نظريته العامة في علم الاجتماع، تبعه في عام 1955 كتابه «الحتمية الاجتماعية والحرية الإنسانية» Déterminismes sociaux et liberté humaine.
لم يؤيد غورفيتش أفكار تالكوت بارسونز[ر] T.Parsons، بينما اتفقت آراؤه مع أفكار بيترم سورُكين[ر] Sorokine، ولاسيما موقفه ضد العلوم الاجتماعية الكمية بالتوازي مع أبحاثه في علم الاجتماع.
إن نشاط غورفيتش العلمي المهم لم يبعده عن اهتماماته الاجتماعية، إذ اتخذ موقفاً معلناً لمصلحة البلاد المستعمرة، وعلى الأخص الجزائر مما عرضه في عام 1962 لمحاولة اغتيال أثرت فيه صحياً وأدت إلى وفاته بعد ثلاث سنوات، وصدر له بعد وفاته عام 1966 كتابان «الأطر الاجتماعية للمعرفة» Les Cadres sociaux de la connaissance و«دراسات حول الطبقات الاجتماعية» Études sur les classes socials.
اهتمَّ غورفيتش اهتماماً كبيراً بالواقع الاجتماعي بكل مظاهره وكل فروعه المتعذر تبسيطها إلى أشكال أخرى، ووجد أن الوقائع الاجتماعية قابلة للتقسيم إلى ثلاثة مستويات هي العلاقات الميكرواجتماعية، والتجمعات الاجتماعية، والمجتمعات الكلية.
اهتم أيضاً بتحليل الروابط بين العلاقات الاجتماعية والمعرفة، وميز بين ثمانية أشكال خاصة بها، هي المعرفة النظرية للعالم الخارجي، والمعرفة الرشيدة، والمعرفة السياسية، ومعرفة الأنا والآخر، والمعرفة التقنية، والمعرفة العلمية، والمعرفة الفلسفية، والمعرفة الأسطورية اللاهوتية، وأفسح هذا التقسيم أمامه المجال لتحليل العلاقة بين طبيعة المعرفة وأشكال التجمعات الإنسانية المتنوعة، (العائلة، المصالح، الدول، الكنائس، الطبقات الاجتماعية، المجتمعات الكلية، كالثيوقراطية، والفاشستية، والشيوعية) وسلط الضوء على الخصوصيات والاختلافات الأساسية بين هذه الجماعات، وأعطى لكل منها تعريفات محددة، ولم يهتم بتقديم نموذج اجتماعي مثالي محدد، إنما حاول تقديم صورة لمجتمع وسط بين الديمقراطية الشعبية القديمة وبين الفيدرالية الحرة، واهتم أيضاً بمعرفة المجتمع لتغييره، ورأى أن الثورات ما هي إلا مظاهر للعدالة الإنسانية، فكل ثورة لها نقطة انطلاق من ثورة سابقة، ومن يقول بالثورة يقول بالتقدم وبالمحافظة في آن معاً، فالثورة تجدد التنظيم الاجتماعي وتجدد العالم كله، ولكنها حين تجدده تحافظ عليه وتنقذه، ورفض أن تكون الثورة على كل شيء، ذلك أن قلب كل شيء في الثورة لا يناسب إلا المثاليين والديكتاتوريين، والخطوات المثالية تؤدي منطقياً إلى التطبيق الديكتاتوري.
هزار الجندي
Gurvitch (Georges-) - Gurvitch (Georges-)
غورفيتش (جورج -)
(1894-1965)
ولد جورج غورفيتش Georges Gurvitch في نوفوروسيسك Novorossisk بروسيا لعائلة يهودية، وخصَّص السنوات الأولى في دراساته العليا للدراسات الحقوقية والقراءة عن المؤسسين الأوائل للمذاهب السياسية. حصل في عام 1915 على الميدالية الذهبية في مسابقة جامعية تتناول المذهب السياسي لتيوفان بروكوفيتش Theophan Prokovitch ومشاربه الأوربية، وقد حددت هذه الجائزة مجرى حياته المهنية فيما بعد وجعلتها في إطار الفلسفة الاجتماعية، التي تجمع الفلسفة بالقانون وعلم الاجتماع.
انصب اهتمام غورفيتش بالدرجة الأولى على التمييز بين ما هو فردي، وما هو اجتماعي، بغية التأكيد على أن الحقيقة الاجتماعية حقيقة لا تقهر. انتسب في عام 1917 إلى التنظيم السوڤييتي، وقابل لينين وتروتسكي، وراقب تأثير كل منهما في التنظيمات المركزية العمالية، التي كان لها أثر كبير في نفسه فيما بعد، ودفعت به إلى العمل في مجال العلوم الاجتماعية.
اجتمعت لديه ثقافة مزدوجة تقوم على القانون والفلسفة، وعلى الأخص اهتمامه بالفلسفة الألمانية، نتيجة متابعته جزءاً من دراسته الجامعية في ألمانيا، مما أثر في أعماله اللاحقة، كما هو الحال في كتاباته الأولى «روسو وإعلان الحقوق» Rousseau et la déclaration des droits عام (1917)، و«فلسفة القانون» لأوتوفون غيركه Otto von Gierke عام (1922)، و«مدخل لنظرية القانون الدولي» Introduction à la théorie du droit international عام (1923).
تنقَّل بين مجموعة الدول الأوربية، والولايات المتحدة، فعمل أستاذاً في براغ وأخذ يدرس الحقوق فيها حتى عام 1924، واستقر في عام 1925 في فرنسا وحصل فيها على الجنسية، وأخذ يدّرس في جامعة السوربون إضافة إلى متابعة اهتمامه بالفلسفة الألمانية، وقد تمكن من إصدار كتابه الأول بالفرنسية بعنوان «التيارات المعاصرة للفلسفة الألمانية» Les Tendances actuelles de la philosophie allemande عام (1930)، وكان لهذا الكتاب تأثير كبير في الشباب في تلك الفترة، كما كان مقدمة أساسية لأطروحتين مهمتين بالنسبة إليه؛ «فكرة القانون الاجتماعي» L’idée du droit social عام (1932)، و«الزمن الحاضر وفكرة القانون الاجتماعي» Le Temps présent et l’idée du droit social عام (1932).
دفعه اهتمامه بالنظرية الاجتماعية والقانون إلى المشاركة في وضع أرشيف فلسفة القانون وعلم الاجتماع القانوني، فصدر عدده الأول سنة 1931، واستمر حتى عام 1940، وشغل في أثنائها منصب نائب مدير لجنة النشر عام 1936، وشارك في تأسيس المعهد العالي لفلسفة القانون وعلم الاجتماع القانوني وشغل منصب أمينه العام.
نشر في عام 1937 كتاباً يبحث في العلاقة بين الحياة الأخلاقية وفلسفة الأخلاق، «الأخلاق النظرية وعلم الأخلاق» Morale théorique et science des mœurs، واتجه بعد ذلك كليّاً إلى علم الاجتماع النظري بمقالته الشهيرة «دراسة في تصنيف نظري للأشكال الاجتماعية» Essais d’une classification théorique des formes de sociabilité عام (1938).
سافر غورفيتش في عام 1940 إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأصدر عام 1942 وبتأثير من علم الاجتماع القانوني الأمريكي كتابه «علم اجتماع القانون» Sociology of law الذي أُعيدت طباعته مرات عدة، وقد شارك في هذه الفترة في تأسيس المدرسة الحرة للدراسات العليا في نيويورك، وأدار فيها المعهد الفرنسي لعلم الاجتماع، إلا أنه ما لبث أن عاد إلى فرنسا عام 1945 ليزاول عمله من جديد في تدريس علم الاجتماع.
إن اطلاع غورفيتش على علم الاجتماع الأمريكي بيّن له ضرورة الالتقاء بين علم الاجتماع النظري والبحث التجريبي الأمريكي الذي كان ينتقده، وصدر تحت إشرافه في كل من الولايات المتحدة وفرنسا كتاب «علم الاجتماع في القرن العشرين» La Sociologie au XXe S.
في عام 1950 نشر كتاب «النزعات المعاصرة لعلم الاجتماع» La Vocation actuelle de la sociologie عن نظريته العامة في علم الاجتماع، تبعه في عام 1955 كتابه «الحتمية الاجتماعية والحرية الإنسانية» Déterminismes sociaux et liberté humaine.
لم يؤيد غورفيتش أفكار تالكوت بارسونز[ر] T.Parsons، بينما اتفقت آراؤه مع أفكار بيترم سورُكين[ر] Sorokine، ولاسيما موقفه ضد العلوم الاجتماعية الكمية بالتوازي مع أبحاثه في علم الاجتماع.
إن نشاط غورفيتش العلمي المهم لم يبعده عن اهتماماته الاجتماعية، إذ اتخذ موقفاً معلناً لمصلحة البلاد المستعمرة، وعلى الأخص الجزائر مما عرضه في عام 1962 لمحاولة اغتيال أثرت فيه صحياً وأدت إلى وفاته بعد ثلاث سنوات، وصدر له بعد وفاته عام 1966 كتابان «الأطر الاجتماعية للمعرفة» Les Cadres sociaux de la connaissance و«دراسات حول الطبقات الاجتماعية» Études sur les classes socials.
اهتمَّ غورفيتش اهتماماً كبيراً بالواقع الاجتماعي بكل مظاهره وكل فروعه المتعذر تبسيطها إلى أشكال أخرى، ووجد أن الوقائع الاجتماعية قابلة للتقسيم إلى ثلاثة مستويات هي العلاقات الميكرواجتماعية، والتجمعات الاجتماعية، والمجتمعات الكلية.
اهتم أيضاً بتحليل الروابط بين العلاقات الاجتماعية والمعرفة، وميز بين ثمانية أشكال خاصة بها، هي المعرفة النظرية للعالم الخارجي، والمعرفة الرشيدة، والمعرفة السياسية، ومعرفة الأنا والآخر، والمعرفة التقنية، والمعرفة العلمية، والمعرفة الفلسفية، والمعرفة الأسطورية اللاهوتية، وأفسح هذا التقسيم أمامه المجال لتحليل العلاقة بين طبيعة المعرفة وأشكال التجمعات الإنسانية المتنوعة، (العائلة، المصالح، الدول، الكنائس، الطبقات الاجتماعية، المجتمعات الكلية، كالثيوقراطية، والفاشستية، والشيوعية) وسلط الضوء على الخصوصيات والاختلافات الأساسية بين هذه الجماعات، وأعطى لكل منها تعريفات محددة، ولم يهتم بتقديم نموذج اجتماعي مثالي محدد، إنما حاول تقديم صورة لمجتمع وسط بين الديمقراطية الشعبية القديمة وبين الفيدرالية الحرة، واهتم أيضاً بمعرفة المجتمع لتغييره، ورأى أن الثورات ما هي إلا مظاهر للعدالة الإنسانية، فكل ثورة لها نقطة انطلاق من ثورة سابقة، ومن يقول بالثورة يقول بالتقدم وبالمحافظة في آن معاً، فالثورة تجدد التنظيم الاجتماعي وتجدد العالم كله، ولكنها حين تجدده تحافظ عليه وتنقذه، ورفض أن تكون الثورة على كل شيء، ذلك أن قلب كل شيء في الثورة لا يناسب إلا المثاليين والديكتاتوريين، والخطوات المثالية تؤدي منطقياً إلى التطبيق الديكتاتوري.
هزار الجندي