السَّلَم أو السَلَف (عقد ـ)
السَّلَمُ لغةً: هو التقديم والتسليم وهو معنى السَلَف، وأسلم بمعنى أسلف أي قدّم وسلَّم. والسَّلَمُ شرعاً: عقد يوجب الملك في الثمن عاجلاً وفي المُثّمَّن (الذي قدر ثمنه أي المبيع)، أو هو بيع عاجل بآجل، وعرفه السرخسي بقوله: «أن يسلم عوضاً حاضراً في عوض موصوف في الذمة إلى أجل»، وهو عند الشافعية والحنابلة: «عقد على موصوف بذمة مؤجل بثمن مقبوض بمجلس العقد»، وعرّفه المالكية بأنه: «بيع يتقدم فيه رأس المال ويتأخر المثمَّن لأجل».
وجميع التعريفات تحمل معنى واحداً هو معنى السَّلم أي تعجيل الثمن وتأخير المثمَّن، إلا أن بعضها نص على العقد والآخر اكتفى بذكر البيع، وهو يتضمن معنى العقد. ومعنى «موصوف في الذمة» أي معروف مقداره ووصفه وهو في ذمة قابض الثمن مقدماً يتسلمه المشتري عند حصوله.
وصورته أن يدفع رجل مبلغ ألف دينار مثلاً ثمناً لمئة قنطار من القمح يسلِّمها له المزارع عندما ينضج القمح ويحصده، ويكون عادة ثمن القنطار أقل من ثمنه المتوقع عند حصد الزرع، لكنه يختلف عن الربا[ر] لأن السعر مستقبلاً على خطر أن يكون أقل من السعر المُشتَرى به، فالبيع فيه خطر الربح والخسارة، بخلاف الربا، فإن الربح فيه مضمون من دون سلعة مشتراة ومن دون عمل.
ويسمى السَّلَم أيضاً بيع المحاويج، هو من أنواع بيوع الاستحسان التي أجازها الرسول صلى الله عليه وسلم مستثناة من عدم جواز بيع المعدوم، والتي يشترط فيها قبض أحد العِوَضَين في المجلس، وهو خلاف الصرف الذي يشترط فيه قبض العوضين جميعاً، وكذا بيع الأموال الربوية (النقود والحبوب)، وخلاف البيع الذي لا يشترط فيه قبض العوضين أو أحدهما في المجلس. وللسَلَم أهمية في زيادة الإنتاج وخفض البطالة، والتيسير على الناس، لأن صاحب المال قد يكون محتاجاً إلى السلعة، والسلعة غير موجودة عند من يستطيع تحصيلها، لكنه في حاجة إلى مال لينفقه على زرعه، فيشتري صاحب المال السلعة غير الموجودة ليتسلمها مؤخراً ويدفع ثمنها مقدماً.
شُرع السَّلم بالكتاب والسنة والإجماع
أما الكتاب: ففي قوله تعالى: ]يَا أَيُها الذين آَمَنُوا إِذا تَدَاينتُم بِدَينٍ إلى أَجَلً مُسمَّى فَاكتُبُوه[ (البقرة 282)، قال ابن عباس «اشهد أن الله تعالى أجاز السلم وأنزل فيه أطول آية في كتابه»، وتلا هذه الآية.
وأما السنة: ففي ما روي عن النبيr أنه قال: «من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم»، وروي عنه أنه نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورَخصّ في السلم. وروى البخاري عن محمد بن أبي المجالد، قال: أرسلني أبو بُردة وعبد الله بن شّداد إلى عبد الرحمن بن أبي أَبْزي وعبد الله بن أبي أَوفى، فسألهما عن السلف فقالا: كنا نصيب مغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام، فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب، فقلت: أكان لهم زرع أم لم يكن لهم زرع؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك.
وقد أجمعت الأمة على جوازه من غير إنكار.
والحكمة فيه: التيسير على الناس، ذلك أن أغلب من يعقد السلم لا يكون المسلم فيه في ملكه، إذ لو كان في ملكه لباعه بأوفر الثمن، وذلك أن أرباب الزروع والثمار والتجارات والصناعات يحتاجون إلى نفقات الزراعة أو التجارة أو الصناعة، ولا يملكونها فيلجؤون إلى السلم دفعاً للحاجة، ولذلك يسمى بيع المفاليس.
ركنا السلم: الإيجاب والقبول، ولفظهما: أسلمت إليك مئة دينار في طن قمح أو شعير أو زبيب مثلاً، فيقول الآخر: قبلت. ولا ينعقد السلم عند الشافعية إلا بلفظ السلم أو السلف لأن الشرع أورده بهذين اللفظين.
ويسمى المشتري «ربّ السلم» أو «المسلَّم» ويسمى البائع «المسلَّم إليه» والمبيع «المسلَّم فيه» والثمن «رأس مال السَّلَم».
يشترط لصحة بيع السلم:
1- أن يكون المبيع من الأموال التي يمكن تعيينها بالوصف، ويتوافر وجودها عادة وقت التسليم.
2- أن يتضمن العقد بيان جنس المبيع ونوعه وصفته ومقداره وزمان إيفائه ومكان تسليمه، إذا كان لحمله مؤونة ونفقة. واختلف الفقهاء في تحديد أدنى الأجل، فعند الحنفية والحنابلة: شهر، وعند المالكية نصف شهر، والأصح أن الأجل يقدر بحسب العرف.
3- إذا لم يعين في العقد مكان التسليم لزم البائع تسليم المبيع في مكان العقد.
ويشترط في الثمن بيان جنسه، دراهمَ أو دنانيرَ منتقدة، أو أي نوع من العملات، وأن يقبض كله قبل المفارقة، وإذا أُجِّل فلا يزيد على بضعة أيام (كاليومين أو الثلاثة)، وإلا لم يكن سلمَّاً، لأنه سمي كذلك، لأن فيه تسليم المال، ولأن حكمته التيسير على البائع بتقديم رأس المال.
ويشترط في العقد أن يكون باتّاً لا خيار شرط فيه، إذ لا حاجة إلى السَّلم فيه، ولأنه قائم بطبيعته على اللزوم في الحال.
القاعدة التي يبنى عليها أكثر مسائل السلم: «أن كل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه، لأنه لا يؤدي إلى المنازعة، وما لا فلا ، لأنه يكون مجهولاً فيؤدي إلى المنازعة فيه». ويجوز في المكيلات والموزونات والمزروعات والذرعيات والمعدودات المتقاربة كالجوز والبيض، لأنه يمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره، ولا يجوز في العدديات المتفاوتة كالبطيخ والرمان إلا وزناً بوزن كما هو حاصل اليوم.
ويجوز السلم في جنسين، أي دراهم ودنانير، ولا يجوز بالدَّين إلا إذا سلِّم الدين، لأن التسليم واجب حالاً. ويجوز في الثياب إذا سميت طولاً وعرضاً استحساناً لحاجة الناس إليها.
ولا يجوز السلم في الحيوان ولحمه عند أبي حنيفة، إلا إذا كان العقد بالوزن والصفة والجنس، فأجازه الصاحبان والمالكية والشافعية، ولا يجوز بأطرافه وجلوده، لأنها تتفاوت.
وأجاز المالكية والشافعية والحنابلة السَّلمَ في الحيوان قياساً على جواز القرض فيه، ويشترط ذكر النوع والسن واللون والقدر طولاً وقصراً، والذكورة والأنوثة، ويجوز في السمك الملح والطريّ عند الجمهور، وعند الحنفية: يصح إذا كان السمك صغيراً وفي الكبير وزناً. وقد فصَّل الفقهاء أحكام السلم، واقتصرت على ذكر الأحكام الرئيسة فيه.
وفي ضوء ما تقدم من قواعد: «يجوز السلم في كل شيء بالشروط المذكورة، وأما إذا كان فيما يصنع فيكون استصناعاً، لذا قال الفقهاء: إن الاستصناع شبه السلم».
وإذا توفي رب السلم حلَّ وارثه محلَّه، وإذا توفي المسَّلم إليه بطل الأجل، وعلى وارثه أن يشتري المسلَّم فيه من تركته في الحال أو يرد الثمن الذي دفعه إلى مورثه.
عبد العزيز الخياط
السَّلَمُ لغةً: هو التقديم والتسليم وهو معنى السَلَف، وأسلم بمعنى أسلف أي قدّم وسلَّم. والسَّلَمُ شرعاً: عقد يوجب الملك في الثمن عاجلاً وفي المُثّمَّن (الذي قدر ثمنه أي المبيع)، أو هو بيع عاجل بآجل، وعرفه السرخسي بقوله: «أن يسلم عوضاً حاضراً في عوض موصوف في الذمة إلى أجل»، وهو عند الشافعية والحنابلة: «عقد على موصوف بذمة مؤجل بثمن مقبوض بمجلس العقد»، وعرّفه المالكية بأنه: «بيع يتقدم فيه رأس المال ويتأخر المثمَّن لأجل».
وجميع التعريفات تحمل معنى واحداً هو معنى السَّلم أي تعجيل الثمن وتأخير المثمَّن، إلا أن بعضها نص على العقد والآخر اكتفى بذكر البيع، وهو يتضمن معنى العقد. ومعنى «موصوف في الذمة» أي معروف مقداره ووصفه وهو في ذمة قابض الثمن مقدماً يتسلمه المشتري عند حصوله.
وصورته أن يدفع رجل مبلغ ألف دينار مثلاً ثمناً لمئة قنطار من القمح يسلِّمها له المزارع عندما ينضج القمح ويحصده، ويكون عادة ثمن القنطار أقل من ثمنه المتوقع عند حصد الزرع، لكنه يختلف عن الربا[ر] لأن السعر مستقبلاً على خطر أن يكون أقل من السعر المُشتَرى به، فالبيع فيه خطر الربح والخسارة، بخلاف الربا، فإن الربح فيه مضمون من دون سلعة مشتراة ومن دون عمل.
ويسمى السَّلَم أيضاً بيع المحاويج، هو من أنواع بيوع الاستحسان التي أجازها الرسول صلى الله عليه وسلم مستثناة من عدم جواز بيع المعدوم، والتي يشترط فيها قبض أحد العِوَضَين في المجلس، وهو خلاف الصرف الذي يشترط فيه قبض العوضين جميعاً، وكذا بيع الأموال الربوية (النقود والحبوب)، وخلاف البيع الذي لا يشترط فيه قبض العوضين أو أحدهما في المجلس. وللسَلَم أهمية في زيادة الإنتاج وخفض البطالة، والتيسير على الناس، لأن صاحب المال قد يكون محتاجاً إلى السلعة، والسلعة غير موجودة عند من يستطيع تحصيلها، لكنه في حاجة إلى مال لينفقه على زرعه، فيشتري صاحب المال السلعة غير الموجودة ليتسلمها مؤخراً ويدفع ثمنها مقدماً.
شُرع السَّلم بالكتاب والسنة والإجماع
أما الكتاب: ففي قوله تعالى: ]يَا أَيُها الذين آَمَنُوا إِذا تَدَاينتُم بِدَينٍ إلى أَجَلً مُسمَّى فَاكتُبُوه[ (البقرة 282)، قال ابن عباس «اشهد أن الله تعالى أجاز السلم وأنزل فيه أطول آية في كتابه»، وتلا هذه الآية.
وأما السنة: ففي ما روي عن النبيr أنه قال: «من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم»، وروي عنه أنه نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورَخصّ في السلم. وروى البخاري عن محمد بن أبي المجالد، قال: أرسلني أبو بُردة وعبد الله بن شّداد إلى عبد الرحمن بن أبي أَبْزي وعبد الله بن أبي أَوفى، فسألهما عن السلف فقالا: كنا نصيب مغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام، فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب، فقلت: أكان لهم زرع أم لم يكن لهم زرع؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك.
وقد أجمعت الأمة على جوازه من غير إنكار.
والحكمة فيه: التيسير على الناس، ذلك أن أغلب من يعقد السلم لا يكون المسلم فيه في ملكه، إذ لو كان في ملكه لباعه بأوفر الثمن، وذلك أن أرباب الزروع والثمار والتجارات والصناعات يحتاجون إلى نفقات الزراعة أو التجارة أو الصناعة، ولا يملكونها فيلجؤون إلى السلم دفعاً للحاجة، ولذلك يسمى بيع المفاليس.
ركنا السلم: الإيجاب والقبول، ولفظهما: أسلمت إليك مئة دينار في طن قمح أو شعير أو زبيب مثلاً، فيقول الآخر: قبلت. ولا ينعقد السلم عند الشافعية إلا بلفظ السلم أو السلف لأن الشرع أورده بهذين اللفظين.
ويسمى المشتري «ربّ السلم» أو «المسلَّم» ويسمى البائع «المسلَّم إليه» والمبيع «المسلَّم فيه» والثمن «رأس مال السَّلَم».
يشترط لصحة بيع السلم:
1- أن يكون المبيع من الأموال التي يمكن تعيينها بالوصف، ويتوافر وجودها عادة وقت التسليم.
2- أن يتضمن العقد بيان جنس المبيع ونوعه وصفته ومقداره وزمان إيفائه ومكان تسليمه، إذا كان لحمله مؤونة ونفقة. واختلف الفقهاء في تحديد أدنى الأجل، فعند الحنفية والحنابلة: شهر، وعند المالكية نصف شهر، والأصح أن الأجل يقدر بحسب العرف.
3- إذا لم يعين في العقد مكان التسليم لزم البائع تسليم المبيع في مكان العقد.
ويشترط في الثمن بيان جنسه، دراهمَ أو دنانيرَ منتقدة، أو أي نوع من العملات، وأن يقبض كله قبل المفارقة، وإذا أُجِّل فلا يزيد على بضعة أيام (كاليومين أو الثلاثة)، وإلا لم يكن سلمَّاً، لأنه سمي كذلك، لأن فيه تسليم المال، ولأن حكمته التيسير على البائع بتقديم رأس المال.
ويشترط في العقد أن يكون باتّاً لا خيار شرط فيه، إذ لا حاجة إلى السَّلم فيه، ولأنه قائم بطبيعته على اللزوم في الحال.
القاعدة التي يبنى عليها أكثر مسائل السلم: «أن كل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه، لأنه لا يؤدي إلى المنازعة، وما لا فلا ، لأنه يكون مجهولاً فيؤدي إلى المنازعة فيه». ويجوز في المكيلات والموزونات والمزروعات والذرعيات والمعدودات المتقاربة كالجوز والبيض، لأنه يمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره، ولا يجوز في العدديات المتفاوتة كالبطيخ والرمان إلا وزناً بوزن كما هو حاصل اليوم.
ويجوز السلم في جنسين، أي دراهم ودنانير، ولا يجوز بالدَّين إلا إذا سلِّم الدين، لأن التسليم واجب حالاً. ويجوز في الثياب إذا سميت طولاً وعرضاً استحساناً لحاجة الناس إليها.
ولا يجوز السلم في الحيوان ولحمه عند أبي حنيفة، إلا إذا كان العقد بالوزن والصفة والجنس، فأجازه الصاحبان والمالكية والشافعية، ولا يجوز بأطرافه وجلوده، لأنها تتفاوت.
وأجاز المالكية والشافعية والحنابلة السَّلمَ في الحيوان قياساً على جواز القرض فيه، ويشترط ذكر النوع والسن واللون والقدر طولاً وقصراً، والذكورة والأنوثة، ويجوز في السمك الملح والطريّ عند الجمهور، وعند الحنفية: يصح إذا كان السمك صغيراً وفي الكبير وزناً. وقد فصَّل الفقهاء أحكام السلم، واقتصرت على ذكر الأحكام الرئيسة فيه.
وفي ضوء ما تقدم من قواعد: «يجوز السلم في كل شيء بالشروط المذكورة، وأما إذا كان فيما يصنع فيكون استصناعاً، لذا قال الفقهاء: إن الاستصناع شبه السلم».
وإذا توفي رب السلم حلَّ وارثه محلَّه، وإذا توفي المسَّلم إليه بطل الأجل، وعلى وارثه أن يشتري المسلَّم فيه من تركته في الحال أو يرد الثمن الذي دفعه إلى مورثه.
عبد العزيز الخياط