أظهرت الكثير من الدراسات لعقودٍ أن الحميات الغذائية القاسية التي تتميّز بعدد سعراتٍ حراريةٍ قليلةٍ يمكن أن تكون مفتاحًا للحصول على حياةٍ أطول وأكثر صحة.
لكن لماذا هذا على كل حال؟
يبدو أن الدراسة الجديدة التي اختبرت تأثيرات الصيام عند الفئران لديها جوابٌ واحد، إذ وجدت أن تقييد السعرات الحرارية لمدة أربع وعشرين ساعةً فقط ينفض الغبار عن مفتاحٍ استقلابيٍّ يمكنه أن يعزّز تجدد الخلايا الجذعية في الأمعاء.
تفشل الخلايا المعوية الجذعية هذه في التجدد بشكلٍ فعّالٍ عندما تكبر بالعمر، وكون هذه الخلايا مُهمّةً لمساعدتنا في الحفاظ على نسيجٍ صحيٍّ ومحاربة الأمراض، فإن معرفة ذراع هذا المفتاح الخلوي هو شيءٌ ثمينٌ للغاية.
يقول (عمر يلماز – Omer Yilmaz) عالم الأحياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT: «للصيام تأثيراتٌ على الأمعاء، تتضمن دعم التجدد بالإضافة للاستخدامات المُحتملة في أي مجالٍ يمس الأمعاء كالالتهابات أو السرطان».
«أمّنت هذه الدراسة الدليل على أن الصيام يدفع مفتاحًا استقلابيًا في الخلايا المعوية الجذعية من استخدام الكربوهيدرات إلى حرق الدهون».
عُضياتٌ معويةٌ مُعزّزةٌ من الفئران الصائمة، اليمين (Maria Mihaylova/Chia-Wei Cheng)
في هذه الدراسة لم يقتصر ذلك التحويل فقط على استخدام الخلايا للدهون كمصدرٍ للطاقة بدلًا من الكربوهيدرات، وإنّما عزَّز أيضًا وظائفها.
تقوم الخلايا الجذعية المعوية التي وصفها الباحثون بأنها «أعمدة العمل في الأمعاء» بشكلٍ أساسيٍّ بتجديد بطانة الأمعاء في حوالي خمسة أيام، ولكن عندما يُفعَّل المفتاح الاستقلابي يمكن لهذا التجديد أن يتم بأسرع طريقة.
أخذ فريق يلماز في المختبر الخلايا المعوية الجذعية من الفئران التي صامت أربعًا وعشرين ساعةً وزرعها في الاستنبات لتُشكّل كُتلًا من الخلايا تُدعى العُضيات (نوع من الأعضاء كالمعويات (الأمعاء الصغيرة)).
لاحظوا أن السعة التجدّدية للخلايا الجذعية في الفئران الصائمة قد تضاعفت عن التي في الفئران العادية التي لم تَصُم.
وقالت الباحثة الطبية ماريا ميهلوفا إحدى أعضاء الفريق: «كان من الواضح أن للصيام تأثيرًا هائلًا على قدرة الخبايا المعوية (الغدد) لتُشكّل المزيد من العُضيات، والتي تعتمد على الخلايا الجذعية.
لاحظنا هذا الشيء لدى كُلٍّ من الفئران الشابة والكبيرة، ونُريد حقًا أن نفهم الآليات الجُزيئية التي تدفع هذا الشيء».
لاكتشاف ذلك، أخرج الفريق تسلسل (الحمض النووي الريبي المرسال – RNA (Messenger للخلايا الجذعية من الفئران الصائمة ووجدوا أن الصيام قد نشّط عوامل النسخ التي تُدعى (المُستقبلات المُنشّطة بالنواشر البيروكسية – PPARs) والتي تُشغّل الجنيات المسؤولة عن استقلاب الأحماض الدهنية.
في هذه الحالة حثّ تنشيط الخلايا على تفكيك الأحماض الدهنية بدلًا من الجلوكوز، وعزّز في الوقت نفسه قدرة الخلايا على تجديد نفسها.
عندما قام الفريق بتثبيط نشاط PPAR توقف دعم التجديد، ولكن لم يكن هذا كُلَّ ما اكتشفوه.
بمعالجة الفئران بجُزيءٍ يُدعى GW501516 والذي يقوم بتفعيل تأثيرات PPARs، تمت إعادة إنتاج بعض التأثيرات المُفيدة للصيام عند الفئران.
قال أحد الباحثين (شيا وي تشينج –Chia-Wei Cheng): «وكان ذلك مُفاجئًا جدًا أيضًا، فتفعيل مسارٍ استقلابيٍّ واحدٍ فقط هو كافٍ لعكس ظواهر عمرية مُعينة».
ولا يزال هناك الكثير ليقوم الباحثون بفحصه قبل أن نفهم بشكلٍ كاملٍ حجم هذا المفتاح (التحول الاستقلابي) ووظائفه، ناهيك عما إذا كان الأمر سهلًا للتلاعب بالبشر كما هو الحال لدى الفئران.
ولكنه بالتأكيد يُقرّبُنا بشكلٍ بطيءٍ من الأمل المحتمل بتنشيط هذا المفتاح الاستقلابي بطريقةٍ ما في حبة دواءٍ أو في العلاجات الدوائية الأخرى، ما يُعزز صحة الأمعاء لدى المرضى دون أن تكون هناك حاجةٌ للصيام، وربما – ربما فقط – تُساعدنا في العيش لفترةٍ أطول.
ربما لا تُقفل هذه النتائج فيما بعد، ولكنها بدأت تبدو أكثر قابليةً للتطبيق من أي وقتٍ مضى.
يقول عالم الكيمياء الحيوية (جارد روتر – Jared Rutter) من (جامعة يوتا، الذي لم يشارك في البحث: «يقوم المؤلفون في مجموعةٍ من التجارب الحسنة بتخريب النظام من خلال التسبب بالتغيرات الاستقلابية دون الصيام ويرون الآثار المُشابهة.
يتناسب هذا العمل مع مجالٍ سريع النمو، ويُثبت أن التغذية والاستقلاب لهما تأثيراتٌ عميقةٌ على سلوك الخلايا ويمكن لهذا أن يجعلها عُرضةً (يُهيئها) للأمراض البشرية».