سيناء (تاريخياً)
كانت سيناء، ولا زالت، حلقة اتصال بين قارتي آسيا وأفريقيا، فموقعها الاستراتيجي أشبه بجسر عبرت من فوقه قوافل التجارة ما بين الشرق الآسيوي والغرب الإفريقي حاملة معها توابل الهند وعطورها، وحرير الصين وحلّيها، أما قوافل الشام فكانت تأتي بثيران الحثيين والخيل والملح والخشب والنبيذ، في حين كان يُؤتى من العراق بالجلود والحصر والزيوت، أما قوافل بلاد العرب فكانت بضائعها قاصرة على المرّ والعطور، ومقابل ذلك كانت هذه القوافل تعود من مصر بالطريق نفسها محملة بالحبوب والمنسوجات الدقيقة والأواني الفخارية ونحوها.
أما عسكرياً، فكانت سيناء ممراً لا يقل أهمية عن ممر خيبر في أفغانستان، فمن خلالها عبرت جيوش مصر الفرعونية لتأديب الحثيين في آسيا. والذي يؤكد أهمية سيناء العسكرية أن الصليبيين في العصور الوسطى لم يتمكنوا من فصل مصر عن الشام، لأنهم لم يستطيعوا احتلال سيناء، فكانت دائرة الاتصال مكتملة مابين مصر والمشرق العربي كما لو أنهما جبهة واحدة، وهو ما يفسر انتصار صلاح الدين على الصليبيين في حطين عام 583هـ/1187م، وانتصار قطز وبيبرس على المغول في عين جالوت عام 658هـ/1259م، وفي العصور الحديثة استخدمت سيناء لأهميتها من قبل نابليون في أثناء حملته على فلسطين عام 1799م، ومن سيناء أيضاً تقدم إبراهيم باشا إلى سورية عام 1831م، واستخدمتها القوات العثمانية للوصول إلى قناة السويس إبان الحرب العالمية الأولى، ولأهمية سيناء قامت بريطانيا بمد سكة حديد ربطت مصر بفلسطين عام 1917م، وفي العصر الحالي بذل الكيان الصهيوني ما في وسعه كما هو معروف للسيطرة على سيناء حينما قام بعدوانه على مصر وسورية عام 1967م.
أما من الناحية الدينية، فلسيناء مكانتها المقدسة منذ القديم، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أنها كانت مركزا لعبادة روحية قديمة في منطقة «سرابيط الخادم» التي كان يؤمها المصريون القدماء ويمارسون فيها عبادتهم الوثنية قبل ظهور النبي موسى ودعوته بأجيال، ويقول الباحث نعوم شقير: إن جبل سربال أصل تسميته (سرب بعل)، ومعناها نخلة الإله بعل، في إشارة إلى ما يحيط بهذا الجبل من أشجار النخيل. أما إقليم الطور فهو سلسلة من الجبال شديدة الوعورة أشهرها جبل موسى، وجبل المناجاة، وجبل الصفصافة، وجميعها ترتبط بذكريات تاريخية تعتمد على الرواية، منها أن موسى ناجى ربه من فوق جبل المناجاة، وألقى وصاياه العشر من فوق جبل الصفصافة المقابل لسهل الراحة الذي وقف فيه بنو إسرائيل عند تلقيهم تلك الوصايا، وعند نهاية هذا السهل من جهة الغرب ثمة تل صغير يقوم عليه كوخ من الحجارة يقال أنه مقام لهارون النبي، تذكر القصص المقدسة أنه التل الذي عبد عليه بنو إسرائيل العجل الذهبي في أثناء غيبة موسى. أما إقليم التيه فهو هضبة إلى الشمال من إقليم الطور، هي صحراء التيه نفسها التي يقال إن بني إسرائيل استمروا تائهين فيها على مدى أربعين سنة. وعند ظهور دعوة السيد المسيح كانت سيناء ملاذاً آمناً للنساك المسيحيين الهاربين من جلاديهم الرومان، فإلى سيناء توجهت السيدة العذراء مع الطفل يسوع المسيح من بيت لحم هاربة إلى مصر بصحبة ابن عمها يوسف النجار، فيما يعرف بـ «رحلة العائلة المقدسة»، هرباً من الحاكم الروماني هيرودس. وقد سلكت العائلة طريقها في وسط الصحراء بعيداً عن الطريق الساحلي المكشوف، وانتهت رحلتها بالقوصية عند أسوان حيث الدير المحروق وكنيسة السيدة العذراء اليوم. وحينما تعرض أتباع السيد المسيح إلى الملاحقة من قبل الرومان، لجأ هؤلاء إلى مجاهل سيناء وأقاموا بداية في الكهوف، ثم تحولوا إلى الصوامع التي تحولت فيما بعد إلى أديرة ذات أسوار حصينة، لتصبح عند المتأخرين محجا للتبرك والتقديس، ثم أنشئت من حولها أو على أنقاضها كنائس كتلك التي تقع في وادي فيران ووادي سدر، وعلى قمم الجبال، كجبل موسى وجبل المناجاة وجبل القديسة كاترينا (من أوائل المؤمنات بدعوة السيد المسيح، استشهدت في الإسكندرية عام 307م على يد الرومان وحمل جثمانها إلى هذا المكان لاحقاً، وأنشئت فيه كنيسة باسمها يعود تاريخ بنائها إلى عهد الامبراطور جستنيان في منتصف القرن السادس الميلادي). ومن الكنائس المهمة كنيسة العليقة التي أمرت ببنائها القديسة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين، أواخر القرن الثالث وبداية الرابع الميلادي، وقد تكون هذه الكنيسة من أقدم الكنائس في التاريخ، وقد تناولت أيدي الحكام مسيحين ومسلمين هذه الكنائس بالرعاية والعناية على الدوام، وفي دير طور (سيناء اليوم) صورة عن وثيقة تعرف بـ «العهدة النبوية»، يزعم القائمون على شؤون الدير أن النبيr أعطاها لرهبان إيلات وسانت كاترين في أثناء وجوده في تبوك، وأن أصل هذه الوثيقة أخذه السلطان العثماني سليم عند فتح مصر، وعاد به إلى الأستانة بعد أن ترك لهم هذه الصورة ومعها ترجمتها التركية.
مصطفى الخطيب
كانت سيناء، ولا زالت، حلقة اتصال بين قارتي آسيا وأفريقيا، فموقعها الاستراتيجي أشبه بجسر عبرت من فوقه قوافل التجارة ما بين الشرق الآسيوي والغرب الإفريقي حاملة معها توابل الهند وعطورها، وحرير الصين وحلّيها، أما قوافل الشام فكانت تأتي بثيران الحثيين والخيل والملح والخشب والنبيذ، في حين كان يُؤتى من العراق بالجلود والحصر والزيوت، أما قوافل بلاد العرب فكانت بضائعها قاصرة على المرّ والعطور، ومقابل ذلك كانت هذه القوافل تعود من مصر بالطريق نفسها محملة بالحبوب والمنسوجات الدقيقة والأواني الفخارية ونحوها.
أما عسكرياً، فكانت سيناء ممراً لا يقل أهمية عن ممر خيبر في أفغانستان، فمن خلالها عبرت جيوش مصر الفرعونية لتأديب الحثيين في آسيا. والذي يؤكد أهمية سيناء العسكرية أن الصليبيين في العصور الوسطى لم يتمكنوا من فصل مصر عن الشام، لأنهم لم يستطيعوا احتلال سيناء، فكانت دائرة الاتصال مكتملة مابين مصر والمشرق العربي كما لو أنهما جبهة واحدة، وهو ما يفسر انتصار صلاح الدين على الصليبيين في حطين عام 583هـ/1187م، وانتصار قطز وبيبرس على المغول في عين جالوت عام 658هـ/1259م، وفي العصور الحديثة استخدمت سيناء لأهميتها من قبل نابليون في أثناء حملته على فلسطين عام 1799م، ومن سيناء أيضاً تقدم إبراهيم باشا إلى سورية عام 1831م، واستخدمتها القوات العثمانية للوصول إلى قناة السويس إبان الحرب العالمية الأولى، ولأهمية سيناء قامت بريطانيا بمد سكة حديد ربطت مصر بفلسطين عام 1917م، وفي العصر الحالي بذل الكيان الصهيوني ما في وسعه كما هو معروف للسيطرة على سيناء حينما قام بعدوانه على مصر وسورية عام 1967م.
أما من الناحية الدينية، فلسيناء مكانتها المقدسة منذ القديم، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أنها كانت مركزا لعبادة روحية قديمة في منطقة «سرابيط الخادم» التي كان يؤمها المصريون القدماء ويمارسون فيها عبادتهم الوثنية قبل ظهور النبي موسى ودعوته بأجيال، ويقول الباحث نعوم شقير: إن جبل سربال أصل تسميته (سرب بعل)، ومعناها نخلة الإله بعل، في إشارة إلى ما يحيط بهذا الجبل من أشجار النخيل. أما إقليم الطور فهو سلسلة من الجبال شديدة الوعورة أشهرها جبل موسى، وجبل المناجاة، وجبل الصفصافة، وجميعها ترتبط بذكريات تاريخية تعتمد على الرواية، منها أن موسى ناجى ربه من فوق جبل المناجاة، وألقى وصاياه العشر من فوق جبل الصفصافة المقابل لسهل الراحة الذي وقف فيه بنو إسرائيل عند تلقيهم تلك الوصايا، وعند نهاية هذا السهل من جهة الغرب ثمة تل صغير يقوم عليه كوخ من الحجارة يقال أنه مقام لهارون النبي، تذكر القصص المقدسة أنه التل الذي عبد عليه بنو إسرائيل العجل الذهبي في أثناء غيبة موسى. أما إقليم التيه فهو هضبة إلى الشمال من إقليم الطور، هي صحراء التيه نفسها التي يقال إن بني إسرائيل استمروا تائهين فيها على مدى أربعين سنة. وعند ظهور دعوة السيد المسيح كانت سيناء ملاذاً آمناً للنساك المسيحيين الهاربين من جلاديهم الرومان، فإلى سيناء توجهت السيدة العذراء مع الطفل يسوع المسيح من بيت لحم هاربة إلى مصر بصحبة ابن عمها يوسف النجار، فيما يعرف بـ «رحلة العائلة المقدسة»، هرباً من الحاكم الروماني هيرودس. وقد سلكت العائلة طريقها في وسط الصحراء بعيداً عن الطريق الساحلي المكشوف، وانتهت رحلتها بالقوصية عند أسوان حيث الدير المحروق وكنيسة السيدة العذراء اليوم. وحينما تعرض أتباع السيد المسيح إلى الملاحقة من قبل الرومان، لجأ هؤلاء إلى مجاهل سيناء وأقاموا بداية في الكهوف، ثم تحولوا إلى الصوامع التي تحولت فيما بعد إلى أديرة ذات أسوار حصينة، لتصبح عند المتأخرين محجا للتبرك والتقديس، ثم أنشئت من حولها أو على أنقاضها كنائس كتلك التي تقع في وادي فيران ووادي سدر، وعلى قمم الجبال، كجبل موسى وجبل المناجاة وجبل القديسة كاترينا (من أوائل المؤمنات بدعوة السيد المسيح، استشهدت في الإسكندرية عام 307م على يد الرومان وحمل جثمانها إلى هذا المكان لاحقاً، وأنشئت فيه كنيسة باسمها يعود تاريخ بنائها إلى عهد الامبراطور جستنيان في منتصف القرن السادس الميلادي). ومن الكنائس المهمة كنيسة العليقة التي أمرت ببنائها القديسة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين، أواخر القرن الثالث وبداية الرابع الميلادي، وقد تكون هذه الكنيسة من أقدم الكنائس في التاريخ، وقد تناولت أيدي الحكام مسيحين ومسلمين هذه الكنائس بالرعاية والعناية على الدوام، وفي دير طور (سيناء اليوم) صورة عن وثيقة تعرف بـ «العهدة النبوية»، يزعم القائمون على شؤون الدير أن النبيr أعطاها لرهبان إيلات وسانت كاترين في أثناء وجوده في تبوك، وأن أصل هذه الوثيقة أخذه السلطان العثماني سليم عند فتح مصر، وعاد به إلى الأستانة بعد أن ترك لهم هذه الصورة ومعها ترجمتها التركية.
مصطفى الخطيب