الأعمال المسرحية الكاملة لممدوح عدوان
ممدوح عدوان ( 1941 ـ 2004) شاعر وكاتب درامي ومترجم وروائي وكاتب مسرحي سوري، صدر له أكثر من ثمانين كتابا في الشعر والرواية والترجمة والمسرح. ويعد واحدا من أكثر الأدباء السوريين غزارة وتنوعا في الإنتاج، وبعد رحيله الذي صادفت الذكرى الثانية له في ديسمبر 2006، أصدرت السيدة الهام عبد اللطيف زوجة الشاعر الأعمال المسرحية الكاملة له عن دار نشر أسستها باسم (ممدوح عدوان) وفاء وتكريما له.
ضمت الأعمال المسرحية الكاملة (سبعة وعشرين) مسرحية في ثلاثة مجلدات المجلد الأول(616) صفحة ضم المسرحيات: 1 ـ المخاض 2 ـ محاكمة الرجل الذي لم يحارب 3 ـ كيف تركت السيف 4 ـ ليل العبيد 5 ـ هملت يستيقظ متأخرا 6 ـ لو كنت فلسطينيا 7 ـ الوحوش لا تغني 8 ـ اللمبة.
المجلد الثاني(600) صفحة وضم المسرحيات:1 ـ زيارة الملكة2 ـ الخدامة 3ـ الميراث 4 ـ حكايات الملوك 5 ـ القناع 6 ـ حكي القرايا وحكي السرايا 7 ـ حال الدنيا 8 ـ القيامة 9 ـ الزبال 10 ـ أكلة لحوم البشر 11 ـ القبض على طريف الحاوي.
أما المجلد الثالث فوقع في(652) صفحة وضم المسرحيات :1 ـ سفر برلك (أيام الجوع) 2 ـ الغول(جمال باشا السفاح) 3 ـ الفارسة والشاعر 4 ـ كلب الأغا 5 ـ كلب شارد 6 ـ الكلبة المعضوضة 7 ـ كلب السفير 8 ـ صوت السيدة.
يتميز ممدوح عدوان بين الأدباء السوريين أنه كان يلزمه أكثر من حياة، كي يعيش الحياة، وعلى تنوع الأجناس الأدبية التي كتب فيها ـ كان يلزمه أكثر من جنس ـ وإذا لزم أيضا اخترع أجناسا جديدة لتتسع ما يود أن يقوله في الحياة، فلقد كان دائما على ( نفير) وكان رصيده من الأعداء أكثر من رصيده الذي يملكه من الأصدقاء. فوعيه النقدي كان يدفعه للفعل ـ فعل الحكي الذي لا ينفك عنه، وفعل الكتابة الذي يعدل فيه الحياة، يصحح لها مسارها.
وفي كل هذا كان جديا، حتى وان مازحك فهو جدي، هو يقرأ بجدية كما يحلل ويكتب بجدية. عن مسرحيته(المخاض) والتي يكشف لنا فيها عن عملية تفكيره، وكيف يستقي مادته الدرامية، وكيف يبني منها عمارته المسرحية ـ
يقول: إن مسرحيته (المخاض) تعتمد على قصة تمرد (شاهين) المشهورة التي جرت وقائعها في الساحل السوري إبان الاحتلال الفرنسي لسوريا حيث أن شاهين كان (لكمة) موجهة إلى نظام (سلطة) وناجمة عنه ، إذ نرى في المسرحية(الزند) الذي ضرب من المعصم إلى الإبط، ولا نرى اللكمة، فالمسرحية بلا شخصيات.
والناس الذين يظهرون على المسرح هم المسرح الحقيقي الذي يلعب عليه أبطال المسرحية أدوارهم.. الغيظ والقتل والإرهاق والاحتجاج والبكاء والدوران في الحلقة المفرغة، أولئك هم أبطال المسرحية الحقيقيون.
أما الناس فان كلا منهم ليس إلا ضربة ريشة لاستكمال ملامح الوجه الذي أرادت رسمه، ذلك الوجه المغطى بالغبار، والمليء بالتعب والإرهاق والألم. والذي يكمن الغيظ تحت جلده محاولا التفجر في حركة مخاض مؤلمة، دون أن يعرف الطريق، فينتفخ في العروق وتحت الجلد كالدمامل. ونحن في المسرحية تحت الجلد ننعكس مع الغيظ على السحنة.
أما كيف يبني ممدوح عدوان (مونودراماته) التي منها: الزبال، القيامة، حال الدنيا، أكلة لحوم البشر، ، فيكتب د. علي الراعي في تقديمه لمسرحية(حال الدنيا) بأن (المونودراما) خرجت عن كونها طرفة مسرحية تعتمد على الممثل الواحد، وأصبحت تحقيقا نفسيا وذهنيا في عقل شخص واحد، لا ينفصل عن الشخوص الذين لا يظهرون ،
بل يزيد هذه الشخوص قيمة أن الممثل الفرد الدائم الذكر لها، غير قادر على الانفصال عنها، فتكسب هذه الشخوص حضورا قادرا وان لم تظهر قط. ونحن إذا دققنا النظر في أفضل ما أخرجه فن المونودراما لوجدنا أن ثمة فنا مسرحيا جديدا قد أخذ في الظهور، وأنه فن يسعى إلى التكثيف، لا إلى الاختزال.
من الكلام المتقدم نرى أن مسرحية (حال الدنيا) للمسرحي السوري ممدوح عدوان تعتبر واحدا من أنضج أعمال المونودراما، وليس ممدوح عدوان بحاجة إلى تقديم، فمسرحياته الحافلة بالفكر اللماح، والفن المسرحي القادر تتحدث عن نفسها. مسرحيات مثل: كيف تركت السيف، وليل العبيد، وهاملت يستيقظ متأخرا. وفيها يتأمل الكاتب مصير الثورة والثوار حين يخطئ الثائر الهدف فيقع في أيدي خصومه (كيف تركت السيف .و.. هاملت يستيقظ متأخرا).
وحين يسرق الأغنياء ثورة الفقراء ويحولونها من ثورة إلى دولة، ومن دولة إلى ثروة. وكلها موضوعات تلتفت أشد الالتفات إلى قضايا الفقراء المطحونين، وتنشغل بمصيرهم التعس، ولا تفقد ـ مع ذلك ـ الأمل في أن يهب المعدمون ذات يوم ليرثوا الأرض ومن عليها.
وفي المونودراما الفاتنة التي نحن يصددها (حال الدنيا) لا يزال ممدوح عدوان اهتمامه الحنون بالمضطهدين، ولكنه يختار في هذه المرة موضوعا اجتماعيا في المقام الأول، ينظر من خلاله إلى مصائر الأفراد، إذ يضطربون في إطار مجتمع ظالم، السيادة فيه للغني على الفقير،
وللرجل على المرأة، ويلقي ممدوح عدوان بنور كاشف على الظلم الفادح الذي يصبه مجتمع صنعه الرجال لأنفسهم وجعلوا فيه المرأة مواطنة من الدرجة الثانية، مستعينين بالأعراف والفكر المتجمّد في إطاري الدين و الأخلاق. في (حال الدنيا) أنفاس من تشيخوف: وقفة المتحّير التي يقفها الفنان الروسي أمام الضعف البشري : يدينه، أم يعطفه عليه لأنه يفهم أسبابه؟.
عن مسرحية (سفربرلك ـ أيام الجوع) التي يقف فيها ممدوح عدوان مع تجربة شعبنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الربع الأول من القرن العشرين . يقول ممدوح بأن مسرحيته هذه هي صياغة درامية غنائية لمعاناة الفلاحين، وهي تشمل على المجاعة والعلاقة بالأرض وبالدولة والدين والإقطاع والعشائر والطوائف، وتحاول استقراء انعكاسات هذه المعاناة على حكمة الشعب وفولكلوره، وعلى تشكله الاجتماعي والاقتصادي.
أما عن مسرحيته (الفارسة والشاعر) فيقول ممدوح عدوان بأنه كتبها تكريما للشاعر محمد الماغوط، وقد كان الدافع لذلك هو أنه طلب إلى ممدوح أن يقوم بإعداد مسرحية (العصفور الأحدب) للماغوط، كي يقدمها المسرح القومي في دمشق ـ ولما قرأها وجد أنها تحتوي على قدر كبير من الشعر، فيما الجانب المسرحي فيها ضعيف، والإعداد قد يدفع ممدوح للتضحية بالشعر وإدخال حواريات درامية غير شعرية.
فقرر أن يأخذ منها مشهد المحاكمة وحده ويحوّله إلى مسرحية إلا انه عزف عنها، فمحاولته هذه كمن يقوم بتحويل اللبن إلى عيران، وهذه العملية تتم بإضافة كمية كبيرة من الماء إلى اللبن. هذا هو العيران المرتجل في منازل المدينة، أما العيران الحقيقي عند الفلاحين فلا يكتفي بذلك. بل يبدأ بتخليص اللبن من دسمه (سحب الزبدة منه) ثم إضافة كميات الماء إليه.
يقول ممدوح عدوان: ثم قلت في نفسي: ولماذا نسحب خير القصيدة؟ ألكي نحولها إلى مسرحية؟ ولماذا نقسر النوع أن يتغير إلى نوع آخر؟ فلتبق القصيدة قصيدة، ولنكتب نصا مسرحيا جديدا، فكانت هذه النصوص التي بين أيدينا في طبعتها الكاملة.