كهنوتيه (القاب) -
الكهنوتية (ألقاب ـ)
الكهنوتية sacrament of order-ministry، سر تمنح به السلطة الكهنوتية إلى أناس بعينهم، كي يقوموا بخدمةٍ روحية للكنيسة[ر]، وهي السلطة التي سلّمها المسيح إلى تلاميذه حينما اختار منهم اثني عشر رسولاً وثقَّفهم تثقيفاً خاصاً، وأرسلهم للتبشير بالملكوت وشفاء المرضى (إنجيل مرقس 3: 14؛ 6: 7)، والقيام بالأعمال نفسها التي قام بها (مرقس 16: 14-20). ويستمر تناقل هذه السلطة حتى عودة المسيح في آخر الزمان. والكهنوتية أحد الأسرار المقدسة السبعة التي أقرّتها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية[ر] Roman Catholic Church في القرن الثاني عشر الميلادي (مجمع الثلاثين)، واعترفت به الكنيسة الأرثوذكسية[ر] Orthodox Church، بينمـا رفضته الكنيسـة البروتستنتية[ر] Protestant Church، وكان الرفض عاملاً أسـاسياً في الإصلاح الديني[ر] Reformation. وقد أسهم النظام الكهنوتي بدور بارز في تطوير الوعي الديني والتاريخي المسيحي، وفي تنظيم الشعائر والطقوس، ونُظمٍ كثيرة كالرهبنات[ر] والأعياد.
تعني «الكهنوتية» الوساطة بين الله والإنسان، وهي على نوعين: «كهنوت المؤمنين المشترك» و«كهنوت الخدمة». ويتم وسم السرّ الكهنوتي بثلاثة أسرار: المعمودية baptism والتثبيت confirmation-chrismation والخدمة الكهنوتية. ويتعلق وسم المعمودية والتثبيت بكيان المسيحي، ويشترك به كل المسيحيين. أمّا وسم الخدمة الكهنوتية فيتعلّق بمهمّة الكاهن وسلطته، ويمنح لبعض المسيحيين.
وتتكوّن رتبة سرّ الخدمة الكهنوتية من أمرين أساسيين: الرسامة بوضع اليد على رأس المرسوم، والصلاة الابتهالية بتلاوة نصوص مخصصة لمنح الروح القدس. ووضع اليد أمر تقليدي في الكنيسة منذ الرسل، وقد اتخذته الكنيسة الأولى عن التراث الشرقي القديم، وهو مرتبط بمنح البركة والسلطة. ويشترط أن يكون هذا في حال النعمة، مولوداً من زواج كاثوليكي، غير مرتبط بزواج، راشداً، حائزاً الثقافة المطلوبة، ناذراً النفس للتبتل والفقر والطاعة على مدى العمر. فقد ربطت الكنيسة الغربية الكهنوتية بالبتولية ، وأوصى المجمع الفاتيكاني الثاني 1962-1965 بالعزوبة الإكليريكية clerical في الحياة الكهنوتية، في حين سمحت الكنيسة الشرقية بقبول رجال متزوّجين في كهنوت الخدمة شرط ابتعاد الأسقف المتزوّج عن زوجته. أما الزواج بعد السيامة الكهنوتية فهو أمر محظَّر في كلتا الكنيستين الشرقية والغربية منذ القرن الرابع، حسب القانون 26 من القوانين الرسولية: «لا يجوز لأحد من الإكليريكيين، ما عدا القرّاء والمرتّلين، أن يتزوج بعد سيامته».
وقد نُظِّم سرّ الخدمة الكهنوتية منذ الرسل والكنيسة الرسولية الأولى لتشمل ثلاث درجات: الأسقف والكاهن (القس) والشمّاس. ثم تطور هذا التنظيم وفقاً للأمكنة والأزمنة، ففي الفترة الرسولية الأولى في أورشليم سنة (30- 43م) عيَّن الرسل، بالصلاة ووضع الأيدي، سبعة شمامسة للاعتناء بالفقراء (أعمال الرسل 1: 1- 6)، والكرازة (الوعظ الكنسي) والتعميد. ثم اقتدت الكنيسة في الفترة الرسولية (43- 95) بشهادة بولس الرسول (الرسالة الأولى كورنثوس 12: 27) فعينت: 1- الرسل للتبشير بالإنجيل وتأسيس الكنائس، ورسم الكهنة فيها، و2- الأنبياء للوعظ والصلاة، و3- المعلمين لتفسير الكتاب المقدس وتعليم الشعب العقيدة المسيحية والآداب المسيحية، 4- الكهنة (أو الشيوخ): لإدارة شؤون الكنيسة المادية والروحية (أعمال الرسل 11: 29- 30)، 5- الأساقفة: لإدارة الكنائس، 6- الشمامسة: للكرازة وترؤس الصلوات وإقامة الأسرار. (الرسالة الأولى إلى تيطس 4: 13؛ الرسالة الثانية تيطس 4: 2؛ الرسالة الأولى إلى كورنثوس 1: 17). وقد رفض مارتين لوثر [ر] Luther أن يُسمّى مترئّسو الكنائس «كهنة»، لأن لفظة «الكاهن» تذكِّر بكهنوت العهد القديم (الخروج: 1:29) ورأى أن يُدعَوا فقط «خدّام» الكلمة و«خدّام» الأسرار.
وفي عهد الآباء الرسل (95- 50م)، ثُبِّت سر الخدمة الكهنوتية في درجاتها الثلاث: الأسقف، الكاهن، الشمّاس. فوُجِد في كل كنيسة أسقف واحد وحوله مجلس من الكهنة وشمامسة، وامتد هذا التنظيم من أنطاكية إلى آسيا الصغرى ثم إلى الكنيسة جمعاء. فتوطدت في الكنيسة في القرنين الثاني والثالث سلطة الأسقف، وشملت جميع أمور الكنيسة الدينية والمادية، فصار الأسقف مسؤولاً عن صندوق الكنيسة وأموالها، وعن إعانة الفقراء ودفع مرتّبات الكهنة والشمامسة. وكان الأسقف يعين الكهنة والشمامسة مستشارين ومرافقين له. ثم لجأت الكنيسة فيما بعد لإحداث مناصب أخرى مثل: القراء والإيبوذياكون (أو ما يدعى: الشماس الرسائلي أو الشدياق).
واتبعت الكنيسة بعد قسطنطين، وإثر مرسوم ميلانو (313م) ومرسوم تسالونيكي (381م)، في تنظيمها الإدارة المدنية، فأتْبعت الكنائسَ المحلية إلى تنظيم الأقاليم والولايات المدنية: أسقف على مدينة، رئيس أساقفة على عاصمة إقليم، مطران (متروبوليت) على عاصمة ولاية، ثم بطريرك على ولاية.
وقد ركّز المجمع الفاتيكاني الأول 1870م على دور الأساقفة في الكنيسة، ولاسيّما على دور البابا، فأعلن عقيدة أوّليته على سائر الأساقفة وعصمته في أمور العقيدة. وتابع المجمع الفاتيكاني الثاني، في دستوره العقائدي في الكنيسة، تحديد مهمة الأساقفة واستقلالهم عن السلطات المدنية، وخدمة الكهنة، والمقتضيات الروحية، كما أعاد المجمع إنشاء «المجامع الأسقفية». ثم أصدر المجمع قراراً في «تنشئة الكهنة» يؤكّد فيه ضرورة إعداد الكهنة وتهيئتهم لخدمة الكلمة وخدمة الصلاة والأسرار وخدمة الرعية. ثم أكّد المجمع أهميّة «متابعة التثقيف الكهنوتي حتى بعد الانتهاء من مرحلة الدراسة في المعاهد الإكليريكية»؛ ليلائم التطوّر السريع الذي يعيشه المجتمع المعاصر.
ولايزال سرّ الخدمة الكهنوتية حتى اليوم موضوع نقاش، لاسيّما بين التقليدين الكاثوليكي والأرثوذكسي من جهة والتقليد البروتستنتي من جهة أخرى، ولكن مجلس الكنائس العالمي يعمل على تقريب وجهات النظر. وقد أصدرت لجنة «الإيمان والنظام» التابعة له وثيقة في «المعمودية والإفخارستيا (القربان المقدس) Eucharist والخدمة الكهنوتية»، عُرفت بوثيقة ليما (نسبة إلى مؤتمر عُقد في ليما عاصمة البيرو في كانون الثاني/يناير 1982)، التقى فيه أكثر من مئة لاهوتي من الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستنتية، وقد أُرسلت هذه الوثيقة إلى مختلف الكنائس لإبداء رأيها فيها. ويبدو من مقدّمة هذه الوثيقة «أنه على الرغم من الاختلاف الكبير بين الكنائس في التعبير اللاهوتي، تبقى هناك أمور كثيرة مشتركة في مفهومها للإيمان».
سوسن بيطار
الكهنوتية (ألقاب ـ)
الكهنوتية sacrament of order-ministry، سر تمنح به السلطة الكهنوتية إلى أناس بعينهم، كي يقوموا بخدمةٍ روحية للكنيسة[ر]، وهي السلطة التي سلّمها المسيح إلى تلاميذه حينما اختار منهم اثني عشر رسولاً وثقَّفهم تثقيفاً خاصاً، وأرسلهم للتبشير بالملكوت وشفاء المرضى (إنجيل مرقس 3: 14؛ 6: 7)، والقيام بالأعمال نفسها التي قام بها (مرقس 16: 14-20). ويستمر تناقل هذه السلطة حتى عودة المسيح في آخر الزمان. والكهنوتية أحد الأسرار المقدسة السبعة التي أقرّتها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية[ر] Roman Catholic Church في القرن الثاني عشر الميلادي (مجمع الثلاثين)، واعترفت به الكنيسة الأرثوذكسية[ر] Orthodox Church، بينمـا رفضته الكنيسـة البروتستنتية[ر] Protestant Church، وكان الرفض عاملاً أسـاسياً في الإصلاح الديني[ر] Reformation. وقد أسهم النظام الكهنوتي بدور بارز في تطوير الوعي الديني والتاريخي المسيحي، وفي تنظيم الشعائر والطقوس، ونُظمٍ كثيرة كالرهبنات[ر] والأعياد.
تعني «الكهنوتية» الوساطة بين الله والإنسان، وهي على نوعين: «كهنوت المؤمنين المشترك» و«كهنوت الخدمة». ويتم وسم السرّ الكهنوتي بثلاثة أسرار: المعمودية baptism والتثبيت confirmation-chrismation والخدمة الكهنوتية. ويتعلق وسم المعمودية والتثبيت بكيان المسيحي، ويشترك به كل المسيحيين. أمّا وسم الخدمة الكهنوتية فيتعلّق بمهمّة الكاهن وسلطته، ويمنح لبعض المسيحيين.
وتتكوّن رتبة سرّ الخدمة الكهنوتية من أمرين أساسيين: الرسامة بوضع اليد على رأس المرسوم، والصلاة الابتهالية بتلاوة نصوص مخصصة لمنح الروح القدس. ووضع اليد أمر تقليدي في الكنيسة منذ الرسل، وقد اتخذته الكنيسة الأولى عن التراث الشرقي القديم، وهو مرتبط بمنح البركة والسلطة. ويشترط أن يكون هذا في حال النعمة، مولوداً من زواج كاثوليكي، غير مرتبط بزواج، راشداً، حائزاً الثقافة المطلوبة، ناذراً النفس للتبتل والفقر والطاعة على مدى العمر. فقد ربطت الكنيسة الغربية الكهنوتية بالبتولية ، وأوصى المجمع الفاتيكاني الثاني 1962-1965 بالعزوبة الإكليريكية clerical في الحياة الكهنوتية، في حين سمحت الكنيسة الشرقية بقبول رجال متزوّجين في كهنوت الخدمة شرط ابتعاد الأسقف المتزوّج عن زوجته. أما الزواج بعد السيامة الكهنوتية فهو أمر محظَّر في كلتا الكنيستين الشرقية والغربية منذ القرن الرابع، حسب القانون 26 من القوانين الرسولية: «لا يجوز لأحد من الإكليريكيين، ما عدا القرّاء والمرتّلين، أن يتزوج بعد سيامته».
وقد نُظِّم سرّ الخدمة الكهنوتية منذ الرسل والكنيسة الرسولية الأولى لتشمل ثلاث درجات: الأسقف والكاهن (القس) والشمّاس. ثم تطور هذا التنظيم وفقاً للأمكنة والأزمنة، ففي الفترة الرسولية الأولى في أورشليم سنة (30- 43م) عيَّن الرسل، بالصلاة ووضع الأيدي، سبعة شمامسة للاعتناء بالفقراء (أعمال الرسل 1: 1- 6)، والكرازة (الوعظ الكنسي) والتعميد. ثم اقتدت الكنيسة في الفترة الرسولية (43- 95) بشهادة بولس الرسول (الرسالة الأولى كورنثوس 12: 27) فعينت: 1- الرسل للتبشير بالإنجيل وتأسيس الكنائس، ورسم الكهنة فيها، و2- الأنبياء للوعظ والصلاة، و3- المعلمين لتفسير الكتاب المقدس وتعليم الشعب العقيدة المسيحية والآداب المسيحية، 4- الكهنة (أو الشيوخ): لإدارة شؤون الكنيسة المادية والروحية (أعمال الرسل 11: 29- 30)، 5- الأساقفة: لإدارة الكنائس، 6- الشمامسة: للكرازة وترؤس الصلوات وإقامة الأسرار. (الرسالة الأولى إلى تيطس 4: 13؛ الرسالة الثانية تيطس 4: 2؛ الرسالة الأولى إلى كورنثوس 1: 17). وقد رفض مارتين لوثر [ر] Luther أن يُسمّى مترئّسو الكنائس «كهنة»، لأن لفظة «الكاهن» تذكِّر بكهنوت العهد القديم (الخروج: 1:29) ورأى أن يُدعَوا فقط «خدّام» الكلمة و«خدّام» الأسرار.
وفي عهد الآباء الرسل (95- 50م)، ثُبِّت سر الخدمة الكهنوتية في درجاتها الثلاث: الأسقف، الكاهن، الشمّاس. فوُجِد في كل كنيسة أسقف واحد وحوله مجلس من الكهنة وشمامسة، وامتد هذا التنظيم من أنطاكية إلى آسيا الصغرى ثم إلى الكنيسة جمعاء. فتوطدت في الكنيسة في القرنين الثاني والثالث سلطة الأسقف، وشملت جميع أمور الكنيسة الدينية والمادية، فصار الأسقف مسؤولاً عن صندوق الكنيسة وأموالها، وعن إعانة الفقراء ودفع مرتّبات الكهنة والشمامسة. وكان الأسقف يعين الكهنة والشمامسة مستشارين ومرافقين له. ثم لجأت الكنيسة فيما بعد لإحداث مناصب أخرى مثل: القراء والإيبوذياكون (أو ما يدعى: الشماس الرسائلي أو الشدياق).
واتبعت الكنيسة بعد قسطنطين، وإثر مرسوم ميلانو (313م) ومرسوم تسالونيكي (381م)، في تنظيمها الإدارة المدنية، فأتْبعت الكنائسَ المحلية إلى تنظيم الأقاليم والولايات المدنية: أسقف على مدينة، رئيس أساقفة على عاصمة إقليم، مطران (متروبوليت) على عاصمة ولاية، ثم بطريرك على ولاية.
وقد ركّز المجمع الفاتيكاني الأول 1870م على دور الأساقفة في الكنيسة، ولاسيّما على دور البابا، فأعلن عقيدة أوّليته على سائر الأساقفة وعصمته في أمور العقيدة. وتابع المجمع الفاتيكاني الثاني، في دستوره العقائدي في الكنيسة، تحديد مهمة الأساقفة واستقلالهم عن السلطات المدنية، وخدمة الكهنة، والمقتضيات الروحية، كما أعاد المجمع إنشاء «المجامع الأسقفية». ثم أصدر المجمع قراراً في «تنشئة الكهنة» يؤكّد فيه ضرورة إعداد الكهنة وتهيئتهم لخدمة الكلمة وخدمة الصلاة والأسرار وخدمة الرعية. ثم أكّد المجمع أهميّة «متابعة التثقيف الكهنوتي حتى بعد الانتهاء من مرحلة الدراسة في المعاهد الإكليريكية»؛ ليلائم التطوّر السريع الذي يعيشه المجتمع المعاصر.
ولايزال سرّ الخدمة الكهنوتية حتى اليوم موضوع نقاش، لاسيّما بين التقليدين الكاثوليكي والأرثوذكسي من جهة والتقليد البروتستنتي من جهة أخرى، ولكن مجلس الكنائس العالمي يعمل على تقريب وجهات النظر. وقد أصدرت لجنة «الإيمان والنظام» التابعة له وثيقة في «المعمودية والإفخارستيا (القربان المقدس) Eucharist والخدمة الكهنوتية»، عُرفت بوثيقة ليما (نسبة إلى مؤتمر عُقد في ليما عاصمة البيرو في كانون الثاني/يناير 1982)، التقى فيه أكثر من مئة لاهوتي من الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستنتية، وقد أُرسلت هذه الوثيقة إلى مختلف الكنائس لإبداء رأيها فيها. ويبدو من مقدّمة هذه الوثيقة «أنه على الرغم من الاختلاف الكبير بين الكنائس في التعبير اللاهوتي، تبقى هناك أمور كثيرة مشتركة في مفهومها للإيمان».
سوسن بيطار