كرت Keret - Keret
كِـرِت
(القرن 14 ق.م)
كشفت أعمال التنقيب في مدينة أُغاريت منذ ثلاثينيات القرن العشرين عن آثار عمرانية ومصنوعات مختلفة، وكذلك عن آثار كتابية، جلّها بالخط المسماري. إلا أن ما عُثر عليه في مكتبة كبير الكهنة والمؤلف من عشرين رقيماً، بعضها كامل والآخر ناقص بسبب التشوهات، فقد كُتب بالأبجدية الأغاريتية المؤلفة من ثلاثين حرفاً؛ مما يدل على المكانة الدينية التي تتميز بها هذه النصوص التي تعارف الباحثون في تاريخ أغاريت وحضارتها على تسميتها «ملاحم أغاريت» وهي: 1- دورة بعل، 2- مولد الفجر والغروب أو ولادة الآلهة، 3- أنشودة نِنكال أو أعراس القمر، 4- رفآم، 5- قصة دانيل، 6- قصة كِرِت وتعود كلها إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وترتبط بطقوس الخصب ودورة الطبيعة.
تروي الملحمة الأخيرة حكاية الرجل كِرِت Keret الذي كان ملكاً على مدينة خُبُر Khubur (التي لا وجود لها في الواقع)، ومن المحتمل أن يكون كِرِت ابناً لرب الأرباب إيل El؛ مما قد يعني أنه بشري محظوظ. ولأمرٍ ما كان كِرِت غائباً عن مملكته عندما تعرضت للغزو المدمر الذي كانت نتيجته مقتل جميع زوجاته وأبنائه ونهب ممتلكاته، وقد بلغه النبأ وهو على طريق العودة. وما إن وصل حتى دخل مخدعه الملكي وأخذ يستعيد في ذاكرته صور ماضيه السعيد، وبدأت الدموع تنهمر من عينيه كالبَرَد الغزير حتى سقط نائماً والهموم تثقل كاهله والحزن يملأ جوانحه. إلا أن إيل أبا البشر الحكيم الرحيم لم يتخل عنه في محنته، بل زاره في الحلم سائلاً عن سبب كربه وقنوطه، وعرض عليه الثروة والسلطان تعويضاً عن أحزانه وخسارته. وعلى الرغم من تشوه النص هنا، يُفهم من السياق العام أن كِرِت لم يأبه بتعويضٍ عن ثروة عابرة قوامها الذهب والعبيد والغلمان والخيول والمركبات، فما فقده حقيقة هو الوارث، وهو ما يتوق إليه من دون سواه، فيطيِّب إيل خاطره ويأمره بأن يغتسل ويجهز أطايب اللحوم وفاخر النبيذ في البرج؛ قرباناً لرب الأرباب إيل ولبعل مبتهلاً إلى السماء راجياً رضاها. وعليه من ثم أن يجهز جيشاً جراراً يضم جميع صنوف الأسلحة، يحملها الجنود النجباء والمرتزقة والعوام. وقبل أن يغادر على رأس الجيش لابد من أن يوجه تعليماته إلى سكان مملكته، فعلى العازب أن يقفل باب داره، وعلى الأرملة أن تغلقه، وليلازم المريض سريره والضرير منزله، ولتُنقل العروس الجديدة إلى مخبأ ناءٍ.
وبعد أن يزحف الجيش الجرار مدة ستة أيام، عليه عند شروق شمس اليوم السابع أن يضرب الحصار حول مدينة أُدْم Udm (التي لا وجود لها في الواقع أيضاً) ستة أيام أخرى مانعاً الناس في أثنائها من الوصول إلى الينابيع والآبار والبيادر والحقول. وعند صبيحة اليوم السابع يُثقل التعب والأرق كاهل الملك بابيل Pabil؛ في أُدم من قلة النوم وارتفاع أصوات الحيوانات الجائعة، وقلق الحاشية والسكان نتيجة ضغط الحصار، فيرسل إلى كرت رسلاً عارضاً الذهب والفضة والعبيد والغلمان والخيول والمركبات، مقابل سلامة المدينة وملكها. يرفض كرت هذا العرض الذي لا يلبي رغبته الحقيقية، فما ينقصه ليس الثروة بل الزوجة التي ستنجب له الخلف الصالح وارثَ المُلك، ويطالب بابيل بأن يزوجه ابنته الجميلة حورَي Huray التي تشبه الإلهة عشترة (عشتار) أم البشر وزوجة إيل، واعداً في حال انتصاره أن يقدم لها مهراً عظيماً.
يعود كرت برفقة حورَي إلى مملكته خُبُر، ويتلقى في زفافه بركات رب الأرباب إيل بوساطة بعل، إذ يُبَشَّر بثمانية أبناء، وستكون الإلهتان أثيرة وعنات مرضعتين حاضنتين للبكر يَصَب Yassab. إضافة إلى ذلك ستنجب له حورَي ثماني أميرات، لكل منهن بركة الطفل الأول. وعندما يُنجَز ذلك كله تذكّر الإلهة أثيرة كرت بوعد المهر الذي قطعه على نفسه تجاه حورَي ولم يُلبِّه بعد، فيغضب كرت ويطالب حورَي بتحضير مأدبة فخمة لسادة المملكة، وفي أثناء تناول الطعام يمرض كرت فجأة وتتدهور حالته، فتخبر حورَي الضيوف متنبئة بأنهم سيبكون عَهده، ولاسيما أن بكره يَصَب سيخلفه على العرش وهو حي يرزق، وبعد تأسفٍ وحزن ونواح يطلب كرت من ابنه إلحو Elhu أن يتصل بابنته ثيتْمَنات Thitmanat (الثامنة) الرقيقة العطوفة لكي ترفع له قرباناً على جبل صَفّون، من دون أن يخبرها بحقيقة وضعه كيلا تدوي صيحاتها عبر السهول والجبال. إلا أنها حين تعلم بواقع الأمر تسرع إلى أبيها متسائلة «وهل يموت ابن إيل؟» ثم تغسله وتعالجه بمعونة الإلهة الطبيبة شَعْتقة التي خلقها إيل لهذا الغرض، وحالما يستعيد صحته ويأكل ويجلس على العرش يطالبه بكره يَصَب بالتنحي عن العرش لمصلحته، جاهلاً تحسن وضع أبيه، ومنطلقاً من سوء حال البلد بسبب القحط الذي أصابها، وسوء إدارة أبيه لها، لكن كرت يصدّه ويلعنه.
أما بقية أحداث الملحمة فهي مجهولة بسبب تشوه النص.
نبيل الحفار
كِـرِت
(القرن 14 ق.م)
كشفت أعمال التنقيب في مدينة أُغاريت منذ ثلاثينيات القرن العشرين عن آثار عمرانية ومصنوعات مختلفة، وكذلك عن آثار كتابية، جلّها بالخط المسماري. إلا أن ما عُثر عليه في مكتبة كبير الكهنة والمؤلف من عشرين رقيماً، بعضها كامل والآخر ناقص بسبب التشوهات، فقد كُتب بالأبجدية الأغاريتية المؤلفة من ثلاثين حرفاً؛ مما يدل على المكانة الدينية التي تتميز بها هذه النصوص التي تعارف الباحثون في تاريخ أغاريت وحضارتها على تسميتها «ملاحم أغاريت» وهي: 1- دورة بعل، 2- مولد الفجر والغروب أو ولادة الآلهة، 3- أنشودة نِنكال أو أعراس القمر، 4- رفآم، 5- قصة دانيل، 6- قصة كِرِت وتعود كلها إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وترتبط بطقوس الخصب ودورة الطبيعة.
تروي الملحمة الأخيرة حكاية الرجل كِرِت Keret الذي كان ملكاً على مدينة خُبُر Khubur (التي لا وجود لها في الواقع)، ومن المحتمل أن يكون كِرِت ابناً لرب الأرباب إيل El؛ مما قد يعني أنه بشري محظوظ. ولأمرٍ ما كان كِرِت غائباً عن مملكته عندما تعرضت للغزو المدمر الذي كانت نتيجته مقتل جميع زوجاته وأبنائه ونهب ممتلكاته، وقد بلغه النبأ وهو على طريق العودة. وما إن وصل حتى دخل مخدعه الملكي وأخذ يستعيد في ذاكرته صور ماضيه السعيد، وبدأت الدموع تنهمر من عينيه كالبَرَد الغزير حتى سقط نائماً والهموم تثقل كاهله والحزن يملأ جوانحه. إلا أن إيل أبا البشر الحكيم الرحيم لم يتخل عنه في محنته، بل زاره في الحلم سائلاً عن سبب كربه وقنوطه، وعرض عليه الثروة والسلطان تعويضاً عن أحزانه وخسارته. وعلى الرغم من تشوه النص هنا، يُفهم من السياق العام أن كِرِت لم يأبه بتعويضٍ عن ثروة عابرة قوامها الذهب والعبيد والغلمان والخيول والمركبات، فما فقده حقيقة هو الوارث، وهو ما يتوق إليه من دون سواه، فيطيِّب إيل خاطره ويأمره بأن يغتسل ويجهز أطايب اللحوم وفاخر النبيذ في البرج؛ قرباناً لرب الأرباب إيل ولبعل مبتهلاً إلى السماء راجياً رضاها. وعليه من ثم أن يجهز جيشاً جراراً يضم جميع صنوف الأسلحة، يحملها الجنود النجباء والمرتزقة والعوام. وقبل أن يغادر على رأس الجيش لابد من أن يوجه تعليماته إلى سكان مملكته، فعلى العازب أن يقفل باب داره، وعلى الأرملة أن تغلقه، وليلازم المريض سريره والضرير منزله، ولتُنقل العروس الجديدة إلى مخبأ ناءٍ.
وبعد أن يزحف الجيش الجرار مدة ستة أيام، عليه عند شروق شمس اليوم السابع أن يضرب الحصار حول مدينة أُدْم Udm (التي لا وجود لها في الواقع أيضاً) ستة أيام أخرى مانعاً الناس في أثنائها من الوصول إلى الينابيع والآبار والبيادر والحقول. وعند صبيحة اليوم السابع يُثقل التعب والأرق كاهل الملك بابيل Pabil؛ في أُدم من قلة النوم وارتفاع أصوات الحيوانات الجائعة، وقلق الحاشية والسكان نتيجة ضغط الحصار، فيرسل إلى كرت رسلاً عارضاً الذهب والفضة والعبيد والغلمان والخيول والمركبات، مقابل سلامة المدينة وملكها. يرفض كرت هذا العرض الذي لا يلبي رغبته الحقيقية، فما ينقصه ليس الثروة بل الزوجة التي ستنجب له الخلف الصالح وارثَ المُلك، ويطالب بابيل بأن يزوجه ابنته الجميلة حورَي Huray التي تشبه الإلهة عشترة (عشتار) أم البشر وزوجة إيل، واعداً في حال انتصاره أن يقدم لها مهراً عظيماً.
يعود كرت برفقة حورَي إلى مملكته خُبُر، ويتلقى في زفافه بركات رب الأرباب إيل بوساطة بعل، إذ يُبَشَّر بثمانية أبناء، وستكون الإلهتان أثيرة وعنات مرضعتين حاضنتين للبكر يَصَب Yassab. إضافة إلى ذلك ستنجب له حورَي ثماني أميرات، لكل منهن بركة الطفل الأول. وعندما يُنجَز ذلك كله تذكّر الإلهة أثيرة كرت بوعد المهر الذي قطعه على نفسه تجاه حورَي ولم يُلبِّه بعد، فيغضب كرت ويطالب حورَي بتحضير مأدبة فخمة لسادة المملكة، وفي أثناء تناول الطعام يمرض كرت فجأة وتتدهور حالته، فتخبر حورَي الضيوف متنبئة بأنهم سيبكون عَهده، ولاسيما أن بكره يَصَب سيخلفه على العرش وهو حي يرزق، وبعد تأسفٍ وحزن ونواح يطلب كرت من ابنه إلحو Elhu أن يتصل بابنته ثيتْمَنات Thitmanat (الثامنة) الرقيقة العطوفة لكي ترفع له قرباناً على جبل صَفّون، من دون أن يخبرها بحقيقة وضعه كيلا تدوي صيحاتها عبر السهول والجبال. إلا أنها حين تعلم بواقع الأمر تسرع إلى أبيها متسائلة «وهل يموت ابن إيل؟» ثم تغسله وتعالجه بمعونة الإلهة الطبيبة شَعْتقة التي خلقها إيل لهذا الغرض، وحالما يستعيد صحته ويأكل ويجلس على العرش يطالبه بكره يَصَب بالتنحي عن العرش لمصلحته، جاهلاً تحسن وضع أبيه، ومنطلقاً من سوء حال البلد بسبب القحط الذي أصابها، وسوء إدارة أبيه لها، لكن كرت يصدّه ويلعنه.
أما بقية أحداث الملحمة فهي مجهولة بسبب تشوه النص.
نبيل الحفار