الكومونةCommune تعبير

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكومونةCommune تعبير

    كومونه Commune - Commune
    الكومونة



    الكومونة Commune تعبير مختلف الدلالات، فهو في أوربا اللاتينية يطلق على أصغر وحدة في التقسيم الإداري. وفي روسيا القيصرية كانت الكومونة عبارة عن استثمارة زراعية جماعية تضم عدداً من الفلاحين تقوم على الملكية المشتركة وتوفر فيها الحاجيات والخدمات الحياتية على نحو مشترك. وهي عبارة عن شكل من أشكال الادارة الذاتية في مدن أوربا الغربية في القرون الوسطى.

    بعد انتفاضة العمال المسلحة في باريس عام 1871 أُقترن تعبير الكومونة بثورة العمال في باريس وأصبحت التسمية كومونة باريس. في 18 آذار/مارس 1871 استولت اللجان الثورية للكومونة على السلطة وحلت محل بلدية باريس في الثورة الفرنسية ثم شُكِلت حكومة باريس الاشتراكية مُسقِطة بذلك الحكومة البورجوازية.

    تعد كومونة باريس التي لم تعمر أكثر من 70 يوماً (من 18 آذار/مارس حتى 27 أيار/مايو 1871) ظاهرة فريدة في التاريخ فهي استمرار للحركات العمالية في أوربا 1830-1848 من ناحية، ومُبشِر يعلن عن الثورات الكبرى في القرن العشرين وخاصة الثورة الاشتراكية في روسيا عام 1917، من ناحية ثانية.

    كومونة باريس وقيمها

    كان العمال في باريس يتهيؤون للانقلاب على الحكومة البورجوازية للثورة الفرنسية، وكانت اللجنة الثورية للكومونة على صلة بكارل ماركس الذي نصح بعدم التورط بعمل مسلح في باريس بسبب عدم نضوج الظروف الاقتصادية والسياسية لنجاح ثورة بروليتارية. ولكنه ما إن حدثت الانتفاضة حتى أيَّدها ودعا إلى حمايتها.

    كانت كومونة باريس ثورة بكل معنى الكلمة ثورة قادتها الفئات المظلومة في فرنسا، وبالرغم من مرور قرابة مئة عام على الثورة الفرنسية بشعاراتها البراقة لم تشعر تلك الفئات بوصولها إلى الإخاء ولا إلى المساواة، ولم تجد وسيلة غير الانتفاضة المسلحة لإسقاط الحكومة البورجوازية ونقل السلطة المباشرة إلى الشعب، وقد سلَّحت الكومونة الشعب ليحل محل الجيش والشرطة، واستبدلت بالموظفين سلطة الشعب أو جعلتهم يعملون تحت إمرة مفوضي الشعب.

    ترجع جذور انتفاضة الكومونة إلى الحرب التي شنها نابليون الثالث على بروسيا في تموز/يوليو 1870 وقادت إلى كارثة عسكرية ومن ثم إلى حصار باريس بدءاً من 19 أيلول/سبتمبر. وفي الوقت الذي بدا أن الحكومة والجيش الوطني لم يرغبا في خوض الحرب قرر سكان باريس شن حرب إبادة. تطوع 380 ألف رجل في الحرس الوطني الذي انتظم على شكل مجالس عائلية تديرها لجنة مركزية. وأُسست في المقاطعات الفرنسية الأخرى لجان حراسة وتيقُّظ. وكانت اللجنة المركزية مؤلفة من العمال الأعضاء في الأممية L’Internationale. وأسهم في دعم اللجنة المركزية العمال الذين قُمِعوا في انتفاضة عام 1848 وأعطوا الانتفاضة توجهها الاجتماعي وحتى طابعها الاشتراكي مؤكدين على الطابع الديمقراطي السياسي والاقتصادي والاجتماعي الحقيقي.

    تأثرت الكومونة برابطة العمال الأممية في لندن التي صاغ كارل ماركس كلمة الافتتاح فيها، وبالفرع الفرنسي الذي أسسه العمال البرودونيون (نسبة إلى برودون) مضافاً إلى كل ذلك تأثير الثوري الفرنسي لويس بلانكي الذي كان يفكر بإمكان قلب الحكومة البورجوزاية باستيلاء عدد قليل من الثوريين على السلطة بالعنف المسلح.

    طالب قادة الكومونة بتملك العمال للمصانع كما فعلت الثورة الفرنسية عام 1789 وبتمليك الأرض للفلاحين، كما طالبوا بديمقراطية حقيقية ومساواة عادلة. وسعت الكومونة إلى تحقيق شعارات الثورة الفرنسية التي قيل إن البورجوازية التي سيطرت على الجهاز الحكومي تنكرت لها.

    عرفت فرنسا عشية انتفاضة الكومونة المسلحة حالة من الفوضى حتى إن المنتفضين انطلقوا عفوياً وتجمعوا في مبنى بلدية باريس يهتفون بشعارات الثورة الفرنسية ذاتها من دون قيادة محددة سواء من اللجنة المركزية أم من الأممية أم من لجان الحراسة والتيقُظ. لم تستطع كومونة باريس أن تواجه الفوضى بالتنظيم بل كانت هي بدورها شكلاً واضحاً من أشكال الفوضى في بداية أيامها.

    بعد مضيّ أيام معدودة أخذت اللجنة المركزية على عاتقها مسؤولية الإدارة لمرحلة انتقالية أعلنت فيها موعداً للانتخابات وألغت الأحكام العرفية، وحلَّت المجالس العسكرية، ومنحت العفو لكل المحكومين السياسيين وحررتهم من السجون. ولم ترغب اللجنة المركزية في اتخاذ أي تدابير عسكرية أو إشعال حرب أهلية، ولكنها لم تستطع تحقيق مصالحة بين الشعب المنتفض والبورجوازية التي تجمعت رموزها في حكومة فيرساي ودعت الفرنسيين إلى مقاتلة المنتفضين من جماعة الكومونة وأسمتهم «المجرمين».

    في عمر الكومونة القصير جداً حاول قادتها بناء مجتمع جمهوري جديد يقوم على الفيدرالية بين المقاطعات يعتمد على انتخاب المسؤولين والموظفين. يوفر الحرية الشخصية وحرية العمل وإشراك المواطنين مباشرة في إدارة الكومونة، وانتخاب قادة الحرس الوطني. فقد جاء في بيان الكومونة ما يأتي: «رسالتنا تتمثل في إتمام الثورة العصرية الأكثر اتساعاً والأكثر إثماراً من كل الثورات التي أنارت تاريخ البشرية».

    عملت الكومونة على نقل المجتمع من الفوضى إلى النظام، من الظلم إلى العدالة، ومن الظلام إلى النور. أعادت الكومونة تنظيم القضاء على أساس انتخاب القضاة وألغت رسوم التقاضي، وأعادت تنظيم القطاع الصحي وتوفير الطبابة المجانية، وفي مجال المالية أكدت العدالة الضريبية والحد من الهدر، وفي مجال التعليم كانت إدارة الكومونة أكثر حزماً إذ رأى قادتها أن بناء مجتمع المستقبل المرغوب يقتضي تحرير التعليم من سيطرة رجال الدين، وهذا يقتضي إقامة نظام تعليمي إلزامي مجاني وعلماني. ودُعيَ كل المؤهلين من المعلمين والأهالي إلى مناقشة إصلاحات التعليم من أجل الوصول إلى مقترحات تربوية موحدة تطبق في كل فرنسا.

    ولكن العمل الأهم في تاريخ الكومونة كان في مجال الإجراءات في مصلحة العمال؛ فقد أعلن مسؤول لجنة العمل والصناعة والمبادلات «إننا إذا لم نعمل شيئاً للعمال فلا مبرر لوجود الكومونة». وكان أول ما قامت به الكومونة هو معالجة الإيجارات، ففي 30 آذار/مارس أصدرت مرسوماً بتحرير المستأجرين من ديونهم المترتبة للمالكين لعامي 1870-1871، في 25 نيسان/إبريل صادرت المنازل المهجورة لمصلحة السكان الذين تضررت مساكنهم بسبب القصف، وقررت أن يبدأ بدفع الديون المستحقة بدءاً من 15 تموز/يوليو 1871 مقسطة لثلاث سنوات من دون فوائد، كما أمرت بإعادة المواد المرهونة التي قيمتها أقل من عشرين فرنكاً إلى أصحابها مجاناً.

    بدءاً من 20 نيسان/إبريل ألغت الكومونة العمل الليلي لعمال المخابز كما أنهت العمل بالغرامات التي كان يقتطعها أصحاب العمل من أجور العمال. وقد تم تشكيل لجنة تقصٍّ من النقابات العمالية لحصر المصانع المهجورة من أجل إعادة تشغيلها من قبل جمعيات تعاونية عمالية على أن يتم تعويض أصحاب المصانع لاحقاً إذا عادوا إليها. كما قدم الاتحاد النسائي مشروعاً لتنظيم عمل النساء وتأسيس اتحاد للعاملات من أجل حمايتهن من التمييز بالأجور.

    يصعب في الواقع حصر كل الاهتمامات الاجتماعية والديمقراطية التي دافعت عنها الكومونة، ولكن من المؤكد أن الكومونة على قصر عمرها كانت نقطة بارزة في تاريخ نضال الطبقة العاملة والفئات الشعبية المسحوقة؛ مما قد يكون في رأي بعضهم السبب في المعاملة الوحشية التي عاملت بها البورجوازية الفرنسية قادة الكومونة ومن سار في ركابهم. حتى إن كتب التاريخ تضمنت كثيراً من أوصاف هذه الوحشية مثل: تحول نهر السين إلى نهر من الدماء، وظهور مقابر جماعية، والتعذيب حتى الموت.

    دروس الكومونة وأهميتها التاريخية

    يختلف المؤرخون والثوريون في تقويم تجربة الكومونة. في الوقت الذي يرى المحللون العلميون أن قادة الكومونة أخطؤوا في أنهم لم يأخذوا الظروف الموضوعية بالحسبان وغلَّبوا الرغبات على الضرورات؛ وبالتالي فإن إخفاق الكومونة كان أمراً محتوماً، يرى الثوريون أن قادة الكومونة أخطؤوا في أنهم لم يتخذوا الإجراءات الضرورية لتنظيم الدفاع ضد السلطة البورجوازية التي تجمعت في فيرساي. يرى هؤلاء الثوريون أنه كان على الكومونة أن تمارس العنف الثوري ضد الطبقة البورجوازية المالكة والحاكمة في فرنسا حتى تقضي على قدرتها على المقاومة.

    وفي الحقيقة لم تكن القوى المنتجة قد تطورت بعد إلى المستوى الذي يمكن معه إقامة مجتمع يقوم على علاقات الإنتاج الاشتراكية، كما لم يكن مقبولاً إلغاء أسلوب تنظيم العمل القائم على معاقبة العاملين المهملين والمقصرين فلم يكن وعي الطبقة العاملة قد ارتقى بعد (في القرن التاسع عشر) إلى مستوى الانضباط الطوعي في العمل؛ فقد وقف كارل ماركس[ر] ذاته ضد الكومونة وإن كان وقف إلى جانبها بعد قيامها. وتجدر الإشارة إلى أن القادة الاشتراكيين في القرن العشرين لم يتعظوا من تجربة الكومونة واندفعوا لإطلاق الثورات الاشتراكية كلما سنحت لهم الفرصة في الدول الاقل نمواً. كما حدث في روسيا وفي الدول الآسيوية: الصين وڤييتنام وكذلك في كوبا.

    لقد أهمل عدد من المفكرين والقادة الاشتراكيون أساس تحليل ماركس في أن الانتقال إلى الاشتراكية سيكون عند حدوث التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج (أي تطوير القوى المنتجة) وبين الطابع الفردي لتملك وسائل الإنتاج (أي الملكية الفردية في النظام الرأسمالي) بحيث تقف علاقات الإنتاج الرأسمالية عائقاً أمام تطور القوى المنتجة وعندها يكون الانتقال إلى الاشتراكية ضرورة موضوعية وليست رغبة ذاتية لشخص أو لفئة أو طبقة.

    مطانيوس حبيب
يعمل...
X