التصوير الفوتوغرافي بسرعة كبيرة
الكاميرات المتخصصة والمعنية بالتصوير الفوتوغرافي بالغ السرعة أدت إلى فتح الباب على مجالات جديدة من الدراسات العلمية ، بحيث صار بالإمكان الكشا على مواضيع مجهرية وحركات دقيقة للغاية باسلوب يتجاوز الأساليب المعروفة سابقاً .
منذ اختراع التصوير الفوتوغرافي ، والناس يحاولون التقاط الـحـركـة على فيلم . وباستطاعـة اية كـاميـرا تقريباً ان تلتقط الحركة التي تتم بسـرعـة تتجـاوز مقدرة العين البشرية على مشاهدتها ـ الصور الفوتوغرافية لأشخاص يسيرون وارجـلـهم مـجـمـدة بـاوضـاع مستغربة وهي مثال واضح على ذلك ـ ولو اخذنا هذا المنهج إلى اقصاه ، وذلك بصور تلتقط خلال اصغر جزء من الثانية ، فستـاتي النتائج دراماتيكية ولها قيمتها العلمية معاً .
في هذه الأيام ، يمكن استعمال كـاميـرات السـرعـة الكبـيـرة للمساعدة على إجراء الدراسات وتحليل اي شيء يتحرك بسرعة تتجاوز مقدرة العين البشرية على ملاحقته . تستعمل هذه الكاميرات في المجال الصناعي لدراسة عمل آلات سريعة الحركة ، او للكشف على كيفيـة تـاثـر البـلاستيك والمعدن بالأحوال الجوية . أما في الطب ، فمن الممكن استعمالها لدراسة العملية الجراحية التي تجرى على صمامات قلبية أو تدفق الدم . واما في الأبـحـاث الحكومية ، فهي تستعمل لدراسة تفجيرات ذرية وتأثير التلوث كما تُستخدم لدراسة و الحركة ، على اختلاف أنواعها .
هذا ، وعلى الرغم من ان كاميرات اليـوم ذات السرعة البالغة هي كاميرات سينمائية اساساً ، حدث أن بعض الأعمال المبكرة وذات الأهمية في مجـال اكتشاف طبيعة الحركة ، صنعت بكاميرات ساكنة ، ذلك ان اكثر ما هو مذهل من تجارب أواخر القرن التاسع عشر كان دراسات جرت على الحركة عند بشر وحيوانات اجـراهـا إدوارد مـايبـريـدج في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي .
كـان مايبريدج هذا مصـوراً فوتوغرافياً بريطانيا يعيش في الولايات المتحدة طلب منه ليلاند ستانفورد - وهـو حـاكم سابق لولاية كاليفورنيا ـ أن يساعده على اختبار رهان اجراه حول ما إذا كان الحصان يرفع حوافره الأربعة عن الأرض معا وهو يعدو ام لا ، استعان مايبريدج بمجموعة من ٢٤ كاميرا ، تعمل كل منها على الإلتقاط بواسطة سلك تشغيل ( * ) بينما الحصان يعدو مجتازا هـذه الأسلاك ؛ وقد أثبت بشكل مؤكد هكذا ان الحصان يعلو في الهواء فعلا عند نقطة ما وهو يعدو . ثم بعد نجاح هذه التجربة ، تابع مايبريدج إجراء مزيد من الأبحاث على الحركة .
استعمـل مايبريدج سـرعـات مغلاق تصل حتى ١/١٠٠٠ من الثانية لإلتقاط صورة - وهذه سرعة لم تصبـح شائعـة إلا في الأونة الأخيرة - إلا أن هذه الصور كثيراً ما كانت غير واضحة لأنه حتى في كاليفورنيا ، لم يستطع مـايبريدج أن يؤمن نـوراً كافياً للطبـقـات الفـوتـوغـرافـيـة اللاحساسة حينذاك وبالفعـل ، تبقى قلة النور مشكلة يعاني منها التصـويـر الفـوتـوغـرافـي بـالغ السرعة حتى اليوم ، على الرغم من السرعة الأكبر كثيراً للأفـلام الحديثة . أمـا الوسيلة الأنجـع لتجنب هذه المشكلة فكانت تلك التي اعتمدها للمرة الأولى احد رواد فن التصوير الفوتوغرافي هو هنري ويليام فوكس تالبوت .
في ذلك الوقت جعلت المغلاقات البطيئة والعدسات والطبـقـات الفـوتـوغـرافـيـة اللاحسـاسـة ، من التـصـويـر الفوتوغرافي للحركة مستحيلا ، حتى ولو كانت هذه الحـركـة بطيئة . لحل هذه المعضلة ، عمد فوكس تـالـبـوت إلى اختراع التصوير الفوتوغرافي القائم على ومضة ضوئية ( * ) . وكـانـت الومضة التي استعملها هي ومضة فلاش كهربائي تنتج من بطارية ه أجـرار لايدن . تعمـل هـذه كمكثف ، أو وعاء خزن كهربائي .
فقـد انتـج تـالبـوت الكهـربـاء باستعمال آلة كهروستاتيكية . وخزنها في اجـرار لايدن ، إلى حين تراكم منها ما يكفي لانتاج شرارة ضوئية براقة جداً .
كانت تجربة تالبوت الأكثر نجاحاً هي التي قام بها لتصوير صفحة من صحيفة و التـايمـز ، اللندنية فوتوغرافيا ، بعدما وصل هذه الصفحة إلى اسطوانة تدور بسرعة . تركزت الكاميرا على الاسطوانـة مـع تـرك المغـلاق مفتوحاً . وبلغت ومضة الفلاش البراقة ۱/۱۰۰۰۰۰ م الثـانيـة تقـريبـاً ، حيث جمـدت حـركـة الاسطوانة الدوارة بالفعل .
على ان نجاح تالبوت هذا لم يتابع حتى العام ١٨٨١ ، عندما قام ایرنست مانش ـ الذي أعطى اسمـه لتعبيـر وصـف سـرعـة الصوت - بتحسين التصـويـر الفوتوغرافي بالشرارة الضوئية ووصل به إلى حد متقدم جـداً . حيث استطاع تصوير رصاصـة عند انطلاقها من فوهة مسدس . فقد حدث أن انطلاق الرصاصـة أطلق الشرارة الضوئية التي رمت بظل الرصـاصـة على صفيحـة فوتوغرافية وخلفت ظلية واضحة هناك ، انها صورة فوتوغرافية لم تظهر الرصاصة وحدها فقط ، بل وظلال الأمواج الصوتية المتحركة من الرصاصة إلى الخارج أيضاً .
هـذا المبـدا لتنميـة شحنـة كهربائية قوية في سبيل انتاج ومـضـة فـلاش ، هـي الـفـكـرة الأسـاسيـة وراء معظم انـواع التصوير الفوتوغرافي الحديث بالغ السرعة ، ولكنه لم يوضع قيد الممارسة على نطاق واسع حتى ثلاثينيات هذا القرن ، ففي هـذا الوقت ، توصل هارولد إدجيرتون - وهو تلميذ دراسات عليا شاب في الهندسة الكهربائية يدرس في كلية ماساتشوسيتس .
للتكنولوجيا ـ إلى إحداث تطور كبير في التصوير الفوتوغرافي بـالـغ السـرعـة بـاخـتـراعـه و الستروب .
كان هذا التطور هو البساطة بحد ذاتها لو نظرنا إليه في وقته فقد أخذ الشرارة الكهربائية المجردة التي استعملها تالبوت وماتش وآخرون ، ووضعها داخل مصباح أو أنبوية مليئة بغاز - غاز الأرغون أو الكريبتون أو الكينون عـادة ـ فكانت النتيجة ومضة ضوئية براقة وقصيرة للغاية إلى جانب انها ممكنة الضبط .
ستروب ، إدغرتون هذا وهو اکثر بريقاً من اشعة الشمس عدة مرات ، له قوة توازي تقريباً قوة ٤٠ ألف مصباح منزلي ٦٠ واط إلا أن فترة وميضه قصيرة جدا إلى حد أن المشاهد قد لا يلحظ بريقه .
تتكثف الكهرباء في مكثف إلى حين بلوغها ذروة حرجة فتطلق إلى الغاز فجاة ، وهكذا باستعمال مكثفات تجمع الكهرباء وتطلقها بسرعة كبيرة ، كان إدغرتون قادراً .
على انتاج ومضات ضوئية متكررة وقوية جدا خلال فترات قصيرة جدا ومحددة تماماً . اطلق على مصباح الوميض الضوئي النابض هذا اسم « ستروبوسکوب ، ثم أصبحت كلمة ستروب تستعمل لتسمية حصيلة كاملة من مصابيح الفلاش الاليكترونية السريعة ، إذا كانت هذه تعطي ومضات ضوئية متكررة أو ومضة واحدة فقط .
. ستروب إدغرتـون ، هذا . بإنتاجـه ومضة ضوئية براقة للغاية وقصيرة للغاية في ذات الوقت ، حل إثنتين من معضلات التصـويـر الفـوتـوغـرافـي بـالغ السرعة فقد قتل فترة التعريض الضوئي وامن نوراً كافياً للفيلم حتى يتعرض ضوئيا بشكل سليم . رغم هذا التعريض الضـونـي القصير .
الخاص الذي احتاجـه الأمر هو ضوء الستروب نشير هنا إلى أن التصوير الفوتوغرافي السريع جدا يشمل على وجـه العمـوم تـعـريـضـات ضوئية تقل عن ١/١٠٠٠٠ من الثانية ، بالمقارنة مع تلك المعنية بكاميرات عـاديـة سـاكنـة حيث التعريض الضوئي الأدنى المعتاد هو ۱/۱۰۰۰ من الثانيـة . فقد حدث ان ظهور « ستروب ادغرتون » جعل هذه السرعات ممكنة باستعمـال مجرد كاميرات وفيلم عاديين ، الشيء الوحيد .
ظل إدغرتون طوال ثلاثينيات هذا القرن منكباً على استعمـال اسلوبه الجديد لاستكشاف العالم الجديد الذي انفتـح للدراسة .
عملت ستروباته كنوع من مجهر للوقت . فتماماً مثلما أن المجاهـر مكروسكوبات ، العادية تكثر المادة بحيث ان الصغير اللامرئي منها يصبح كبيراً مرئياً ، كذلك هو الستروب الكهربائي ، والكاميرات ذات السرعة الكبيرة التي ظهرت فيما بعد ، تکبر احداثاً قصيراً او سريعة لامرئية فتبطئها أو تجمدها لتصبح مرثية .
قبل ظهور التـصـويـر الفوتوغرافي الفعال ذي السرعة الكبيـرة ، كـان المـعـروف عن الأحداث بالغة السرعة قليلا . وقد اشرف إدغرتون على عدد كبير من الاستقصاءات الفـوتـوغـرافيـة لمعرفة مجرد ما يحدث عندما تتحرك الأشياء بسرعة كبيرة فبكشفه أن الرصاصة تكون قد ابتعدت أكثر من ٣،٥ بوصة عن فوهة المسدس قبل ان يرتد هـذا المسدس إلى الوراء ، أظهـر ان هذه الارتدادة لا تستطيع التأثير على دقة تصويب الطلقة أظهر كذلك أن الرصاصة لم تأخـذ إلى الإزدياد سرعة لبعض الوقت بعد مغادرتها المسدس كما كان مزعوماً من قبـل ، بل بلغت سرعتهـا .. القصوى وهي على بعـد مجـرد بضع بوصات من الفوهة .
تحدى إدغرتون بعض المزاعم الأخرى التي كان مسلما بها في مجالات أخرى أيضاً ، فلم يكتف بتحليل الاشياء المتحركة فقط . بل وصل إلى حـركـات اللاعبين الريـاضـييـن وإذ بسيـل من الشخصيات الرياضية البارزة تقوم بزيارة مختبر إدغـرتـون لتحليـل أساليبهم . فقد سبق لللاعبي الغولف المحترفين على سبيل المثال أن تعلمـوا بـان اللحظات اللاحقة مباشرة للضربة التي يمارسونها هي الأهمية كل الأهمية . فأظهر لهم إدغـرتـون بصور ستـروب التـعـريض الضوئي ، المشـكـرر أن فتـرة التلامس بين مضـرب الغولف والكرة كانت مجرد ٦/١٠٠٠ من الثانية ، وهكذا تعرفوا إلى إن إمكانية استعمال المضرب لتوجيه خط الكرة هو أمر أبطلته شواهد التصـويـر الفـوتـوغـرافـي بـالغ السرعة .
ثم للتأكيد على أن « ستروبه يومض لحظة إصـابـة مضـرب الغولف أو راكيت التنس ، للكرة تماماً : او ما هو أكثر حيوية ، أي لحظة خروج الرصاصة من فوهة مسدس أو اختراقها لهدف مـا توصل إدغرتون إلى ابتكار عدد من الحلول . فالرصـاصـة تنطلق بسرعات خارقة ـ ٢٦١٠ ميـل في الساعة - مما يعني أن الأمر يحتاج إلى تعريض ضوئي قصير إلى حد واحـد على مليون من الثـانيـة لتصويرها .
عمد إدغرتون أحياناً إلى وصل تلامس كهربائي بسيط مع الهدف الذي يتم تصويره فوتوغرافيا . وفي بعض الحالات ، اسـتـعـمـال مـكـرفـون لإعـداد الومضات الضوئية ، أو خليـة . كهـروفـوتـوغـرافيـة . تضبط التقطع لشعاع ضوئي متواصل .
كان من نتائج هذه التحسينات العديدة التي حققها إدغرتون في مجال تطوير اسلوبه هذا ، أنها جعلت مختبرة الملتقى لكل أولئك المهتمين بالتصوير الفوتوغرافي لأحداث سريعة الحركة ، من هؤلاء كـان مـصـورا لايف الفوتوغرافيان الشهيران غاجـون ميلي وكروفورد غرينوولت اللذان التقطا في الخمسينيات سلسلة صور فوتوغرافية مذهلة لطيـور الرنان ، اثناء تحليقها .
المـصـور الفـوتـوغـرافـي البريطاني ستيفن دالتون هـو نـصـيـر احـدث للتـصـويـر الفوتوغرافي للطبيعة ، حصلت صوره للحـشـرات الدقيقة والعصافير المحلقة على شهرة عالمية .
اشرنا إلى أن أعمال إدغرتـون و آخرین سمحت للأحداث السريعة أن تتجمـد بـاستـعمـال فـلاشـات ضوئية تتوالى بسرعة فائقة . ثم حدث بعد ذلك أن أصبـحـت اللفافات التي تعمل على الطاقة ومحركات الدفع متوفرة تجارياً وقادرة على انتاج من ١/٢ ٢ إلى عشرة إطارات من الثانية ، الأمر الذي جعل استمرارية الإطلاق السريع في متناول عدد أكبر ممن يخوضون التجارب . مع ذلك . ظلت المتتاليات الناتجة محدودة جدا ولا تكفي لإجراء التحليـل الأكثـر اكتمـالا للحـركـة ، ذلك التحليل الذي يطلبه علماء . لهذا السبب كان على المصـوريـن الفوتوغرافيين ان يتحولوا إلى الكاميرات السينمائية ، فهي كاميرات تعمل على أسس زمنية . مما يعني انها تعطي المصور الفـوتـوغـرافي فـرصـة التحكم بالوقت .
تعمل الكاميرا السينمـائيـة بمعدل ٢٤ إطاراً في الثانية عادة . ويعرض الفيلم بالمعـدل ذاتـه عموماً . على أنه لو تم تعديل معدل الإطارات التي تلتقـطهـا الكاميرا في الثانية بينما ظل معدل الـعـرض ثـابتـاً ، يمكن للوقـت حينذاك أن يبطيء أو يسـرع .
الحالة الأولى - تصوير بطيء - تسمـح لفترات زمنية طويلة ان تنضغط إلى ثوان - أمـا الحـالة الثانية - تصوير فـوتـوغـرافي سريع جدا - فتسمح لكسور زمنية ضئيلة جدا ان تتوسع إلى ثوان .
هذا ، وتستـطيـع كـاميـرات التصوير السينمـائـي عـادة أن تـلـتـقـط حـتـى ١٢٨ إطاراً مـن الثـانـيـة ، ولكـن الـتـصـويـر الفوتوغرافي بالغ السرعة بحق يبدأ من معدل ٣٠٠ إطار في الثانية تقريباً على أن سرعة التشغيل اللازمـة سـتتوقف على نوع التحليل الذي يـريـد المصـور الفوتوغرافي انجازه . وتوجد كاميرات اختصاصية ، تعمـل بمعدل يزيد على ٦٠٠ مليون إطار في الثانية .
تعمل الكاميرات السينمائيـة التقليدية بتحريك الفيلم من بكرة إلى أخـرى بسلسلة من القفزات الدقيقة القصيرة ، حيث يتوقف الفيلم مؤقتاً عند كل إطار ، ليبقى هكذا في مكانه بواسطة نتوءات ممكنـة السحـب تعـرف بـاسم دبابيس تسجيـل ( * ) . ومعـظم كاميرات النوع الأساسي بالغة السرعة تعمل بالمبدأ ذاته . هذه تعرف باسم كـاميـرات الـعمـل المتقطع ( * ) ، إلا انها بسبب طبيعة ميكانيكيتهـا المـعـقـدة ، فهي مقصورة على سرعات تصل حتى ٥٠٠ إطار في الثانية .
توجد هذه الكاميرات بانمـاط ١٦ ملم و ٣٥ ملم و ۷۰ ملم ، وهي تنتج صوراً رائعة النوعية ، ثم لما كانت تستعمل الفيلم عند معدل أبطأ ، فهي تسمح بفترات تسجيل أطول ، إلا أن المعـدل البطيء لصنع الإطارات فيها يجعلها غير مناسبة للتصوير الفوتوغرافي لأحداث بالغة السرعة . تستطيع بلوغ سرعات مغـلاق تصل حتى مائة ألف في الثـانيـة ، ولكن السيئة الرئيسية هنا هي الحركة التي قد تحدث في الفسحـة بين الإطارات .
من الأساليب البديلة للتصوير بسرعات أكبر ذلك الذي يقوم على استعمال كاميرات عدسة منشورية دوارة ( * ) . هذه تحقق معـدل ٢٥ الف إطار في الثانية باستعمالهـا .
لفيلم يتحرك بشكل متواصل خلال الكاميرا . فالعدسـة المنشوريـة الدوارة داخـل الـكـامـيـرا تـدور بالسرعة ذاتها تماماً كمعدل انتقال الفيلم حيث تعمل الكـامـيـرا تبادليا على نقل ومنع النور الذي يمر من خلال العدسة . وهكذا فإن الصورة بالنتيجة تلحق بإطار الفيلم وهو يتحرك داخل الكاميرا .
وعلى الرغم من أن المعـدل السريع لهذه الكاميرات أدى إلى استعمالها في أبحـاث القذائف وابحاث صناعية وعلمية أخرى . تبقى نوعية صورها اضعف كما أن الكاميرات تستهلك الكثيـر من الأفلام .
هاتان الكاميرتان هما كاميرات صنع إطار ( * ) تسجلان سلسلة من الصور أو الإطارات المتتالية على الفيلم . وهـنـاك نوع ثـالث من الكاميرات بـالـغـة السـرعـة هي كاميرا الشريط الضـوئي الضيق ( * ) التي بدلا من تسجيلها سلسلة من الصور الإفراديـة . تسجـل صورة غير متقـطـعـة ( * ) تنصب على الفيلم بنور يدخل من شق . ففي كاميرا الفيلم المتحرك يـحـل الشق مـحـل العـدسـة المنشورية ، إلا أن هذا النوع هو كاميرات سرعة كبيرة تستعمل طولا ثابتاً من الفيلم يظل متوقفاً على مسـار ثابت أو طبلة دوارة بينما الصورة تنصب عليه .
في ، كاميرا المرأة الدوارة . يسقط الضوء الداخل إلى الكاميرا على المرآة الدوارة التي يشغلها توربين غـازي . أمـا فـي كاميرا الطبلة الدوارة ، فالطبلة التي يتثبت عليها الفيلم هي التي تدور آنهـا كـاميـرات تتصنف ككاميرات هائلة السرعة ، طالما أنها عادة ما تعمل بسرعات بین ۲۰ ألف وأكثر من مليـون إطار في الثانية .
ثم لبلوغ سرعات اكبـر ، علی الكاميرا عدم شمول أجزاء متحركة على الإطلاق ، بدلا من ذلك تتحول الصورة من إطار واحد في الفيلم إلى إطار آخـر بـاسـاليب اليكترونية .
هذه الآلات التي تعرف باسم كاميرات تحويل الصورة . تعمل إلى حد ما ككاميرا تلفزيونية عـاديـة فـالنـور الذي يـدخـل الكاميرا يصيب احد وجهي كاثود فوتوغرافي ( photocathode ) صفيحة تتحسس النور - فيحول هذا النور إلى جدول اليكترونات .
وهذه بدورها تتسارع على مدى انبوبة زجاجية مفرغة من الهواء - انبـوبـة الصـورة - وحيث ان الاليكترونات لا كتلة لها ، تنحرف عمودياً أو أفقياً بسهولة وبسرعة فائقة بإعطاء شحنة مناسبة إلى سلسلة من صفـائـح التحـريف الكهرومغناطيسيـة ، وبعـد الانحراف ، يـحـدث لجـدول الاليكترونات ان يصيب شـاشـة فوسفورية تحولهـا ثـانيـة إلى فوتونات ( photoIs ) ضوئية تنطبع بعد ذلك على فيلم .
على الرغم من أن تحويل النور إلى اليكـتـرونـات ثـم إعـادة الاليكترونات إلى نور يبدو إزعاجاً لا طائـل منـه ، يحقق الأسلوب غرضه لأن التـعـامـل مـع الاليكتـرونـات أسهل كثيراً من التعامل مع فوتونات ضوئية .
واللعبة الجوهرية التي يقـوم عليها التصوير الفوتوغرافي بالغ السرعة هي تحريك صورة ما بسرعة هائلة على إطارات مختلفة من قطعة فيلم .
أسرع كاميرا تجارية في العالم حاليا هي كاميرا تحويل صورة صنعتها الشركة البريطانية هـاد لانـد المحدودة ، ، فكاميرتها المسماة . ايماكون ( 790 ) ، تستطيع التقاط الصور بمعدل يصل حتى بليون فـوتـونـيـكس إطار في الثانية .
ومثلما هي الحال مع الكاميرات الأخرى بالغة السرعة نجد كاميرا تحويل الصورة وهي تلتقط هذا القدر من الإطارات في الحقيقة . فالأفلام التي تنتجها ليست عادة من أنواع الأفلام التي تعرض على شاشة . بل هي بدلا من ذلك تنتج طولا قصيراً من الفيلم عليـه عدد صغير من الصور المتعاقبة أو تسجيل شريط ضوئي ضيق .
سبب ذلك أن الأحداث التي تسجلها لا تدوم إلا لاقصر لحظة .
والصور الناتجة هي سوداء بيضاء رغم انها تعطي رموزاً لونية اصطناعيـة فيمـا بعـد احيـانـاً . ومن الممكن استعمال افلام ستاندر بولارويد -Stan ) ( dered Polaroid او افـلام مـن أنواع أخرى وقفاً على التنوير .
معنى هذا كله أن التصوير الفوتوغرافي بالغ السرعة ابتعد كثيراً عن صور إدغرتون المضاءة بالستروب ، منطلقا إلى حدود حديثة فتعـريضات إدغـرتـون الضوئية ذات فترة الواحد على مليون من الثانية هي لا شيء بالمقارنة مع مقدرة ، لايماكون - على صنع تعريض ضوئي يدوم لمجرد واحد على مليون مليون من الثانية .
ثم على الرغم من أن إدغرتون جمد واظهـر أحـداثـاً لامـرئـيـة اساساً , كانت معظم مواضيعه مألوفة على الأقل ، أما التصوير الفوتوغرافي بواحد على مليون مليون من الثانية ، من ناحية أخرى فهو مجال الأبحاث المحنكة المعقدة في الكيمياء الحيـويـة والبصـريـات الليفية والإلتحـام النووي ومجالات خفيـة أخرى .
أما الصور الناتجة فهي غريبة وتجريدية في ظاهرهـا كتلك التي تحققها مجاهـر اليكترونية تكبر إلى حد هائل ، هذا وعند أقصى ما يـمـكـن بلوغـه مـن وقت مـمـكـن التصوير فوتوغرافيا ، نجد أن الأحـداث الوحيدة التي تعرض أية حركة على الإطلاق هي تلك التي تجري داخل جزيئات وذرات . فخلال واحد على مليون مليون من الثانية ، تتقدم طائرة الكونكورد وهي في أقصى سرعة لها مسافة تساوي قطر ١٠ ذرات هيدروجين⏹
الكاميرات المتخصصة والمعنية بالتصوير الفوتوغرافي بالغ السرعة أدت إلى فتح الباب على مجالات جديدة من الدراسات العلمية ، بحيث صار بالإمكان الكشا على مواضيع مجهرية وحركات دقيقة للغاية باسلوب يتجاوز الأساليب المعروفة سابقاً .
منذ اختراع التصوير الفوتوغرافي ، والناس يحاولون التقاط الـحـركـة على فيلم . وباستطاعـة اية كـاميـرا تقريباً ان تلتقط الحركة التي تتم بسـرعـة تتجـاوز مقدرة العين البشرية على مشاهدتها ـ الصور الفوتوغرافية لأشخاص يسيرون وارجـلـهم مـجـمـدة بـاوضـاع مستغربة وهي مثال واضح على ذلك ـ ولو اخذنا هذا المنهج إلى اقصاه ، وذلك بصور تلتقط خلال اصغر جزء من الثانية ، فستـاتي النتائج دراماتيكية ولها قيمتها العلمية معاً .
في هذه الأيام ، يمكن استعمال كـاميـرات السـرعـة الكبـيـرة للمساعدة على إجراء الدراسات وتحليل اي شيء يتحرك بسرعة تتجاوز مقدرة العين البشرية على ملاحقته . تستعمل هذه الكاميرات في المجال الصناعي لدراسة عمل آلات سريعة الحركة ، او للكشف على كيفيـة تـاثـر البـلاستيك والمعدن بالأحوال الجوية . أما في الطب ، فمن الممكن استعمالها لدراسة العملية الجراحية التي تجرى على صمامات قلبية أو تدفق الدم . واما في الأبـحـاث الحكومية ، فهي تستعمل لدراسة تفجيرات ذرية وتأثير التلوث كما تُستخدم لدراسة و الحركة ، على اختلاف أنواعها .
هذا ، وعلى الرغم من ان كاميرات اليـوم ذات السرعة البالغة هي كاميرات سينمائية اساساً ، حدث أن بعض الأعمال المبكرة وذات الأهمية في مجـال اكتشاف طبيعة الحركة ، صنعت بكاميرات ساكنة ، ذلك ان اكثر ما هو مذهل من تجارب أواخر القرن التاسع عشر كان دراسات جرت على الحركة عند بشر وحيوانات اجـراهـا إدوارد مـايبـريـدج في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي .
كـان مايبريدج هذا مصـوراً فوتوغرافياً بريطانيا يعيش في الولايات المتحدة طلب منه ليلاند ستانفورد - وهـو حـاكم سابق لولاية كاليفورنيا ـ أن يساعده على اختبار رهان اجراه حول ما إذا كان الحصان يرفع حوافره الأربعة عن الأرض معا وهو يعدو ام لا ، استعان مايبريدج بمجموعة من ٢٤ كاميرا ، تعمل كل منها على الإلتقاط بواسطة سلك تشغيل ( * ) بينما الحصان يعدو مجتازا هـذه الأسلاك ؛ وقد أثبت بشكل مؤكد هكذا ان الحصان يعلو في الهواء فعلا عند نقطة ما وهو يعدو . ثم بعد نجاح هذه التجربة ، تابع مايبريدج إجراء مزيد من الأبحاث على الحركة .
استعمـل مايبريدج سـرعـات مغلاق تصل حتى ١/١٠٠٠ من الثانية لإلتقاط صورة - وهذه سرعة لم تصبـح شائعـة إلا في الأونة الأخيرة - إلا أن هذه الصور كثيراً ما كانت غير واضحة لأنه حتى في كاليفورنيا ، لم يستطع مـايبريدج أن يؤمن نـوراً كافياً للطبـقـات الفـوتـوغـرافـيـة اللاحساسة حينذاك وبالفعـل ، تبقى قلة النور مشكلة يعاني منها التصـويـر الفـوتـوغـرافـي بـالغ السرعة حتى اليوم ، على الرغم من السرعة الأكبر كثيراً للأفـلام الحديثة . أمـا الوسيلة الأنجـع لتجنب هذه المشكلة فكانت تلك التي اعتمدها للمرة الأولى احد رواد فن التصوير الفوتوغرافي هو هنري ويليام فوكس تالبوت .
في ذلك الوقت جعلت المغلاقات البطيئة والعدسات والطبـقـات الفـوتـوغـرافـيـة اللاحسـاسـة ، من التـصـويـر الفوتوغرافي للحركة مستحيلا ، حتى ولو كانت هذه الحـركـة بطيئة . لحل هذه المعضلة ، عمد فوكس تـالـبـوت إلى اختراع التصوير الفوتوغرافي القائم على ومضة ضوئية ( * ) . وكـانـت الومضة التي استعملها هي ومضة فلاش كهربائي تنتج من بطارية ه أجـرار لايدن . تعمـل هـذه كمكثف ، أو وعاء خزن كهربائي .
فقـد انتـج تـالبـوت الكهـربـاء باستعمال آلة كهروستاتيكية . وخزنها في اجـرار لايدن ، إلى حين تراكم منها ما يكفي لانتاج شرارة ضوئية براقة جداً .
كانت تجربة تالبوت الأكثر نجاحاً هي التي قام بها لتصوير صفحة من صحيفة و التـايمـز ، اللندنية فوتوغرافيا ، بعدما وصل هذه الصفحة إلى اسطوانة تدور بسرعة . تركزت الكاميرا على الاسطوانـة مـع تـرك المغـلاق مفتوحاً . وبلغت ومضة الفلاش البراقة ۱/۱۰۰۰۰۰ م الثـانيـة تقـريبـاً ، حيث جمـدت حـركـة الاسطوانة الدوارة بالفعل .
على ان نجاح تالبوت هذا لم يتابع حتى العام ١٨٨١ ، عندما قام ایرنست مانش ـ الذي أعطى اسمـه لتعبيـر وصـف سـرعـة الصوت - بتحسين التصـويـر الفوتوغرافي بالشرارة الضوئية ووصل به إلى حد متقدم جـداً . حيث استطاع تصوير رصاصـة عند انطلاقها من فوهة مسدس . فقد حدث أن انطلاق الرصاصـة أطلق الشرارة الضوئية التي رمت بظل الرصـاصـة على صفيحـة فوتوغرافية وخلفت ظلية واضحة هناك ، انها صورة فوتوغرافية لم تظهر الرصاصة وحدها فقط ، بل وظلال الأمواج الصوتية المتحركة من الرصاصة إلى الخارج أيضاً .
هـذا المبـدا لتنميـة شحنـة كهربائية قوية في سبيل انتاج ومـضـة فـلاش ، هـي الـفـكـرة الأسـاسيـة وراء معظم انـواع التصوير الفوتوغرافي الحديث بالغ السرعة ، ولكنه لم يوضع قيد الممارسة على نطاق واسع حتى ثلاثينيات هذا القرن ، ففي هـذا الوقت ، توصل هارولد إدجيرتون - وهو تلميذ دراسات عليا شاب في الهندسة الكهربائية يدرس في كلية ماساتشوسيتس .
للتكنولوجيا ـ إلى إحداث تطور كبير في التصوير الفوتوغرافي بـالـغ السـرعـة بـاخـتـراعـه و الستروب .
كان هذا التطور هو البساطة بحد ذاتها لو نظرنا إليه في وقته فقد أخذ الشرارة الكهربائية المجردة التي استعملها تالبوت وماتش وآخرون ، ووضعها داخل مصباح أو أنبوية مليئة بغاز - غاز الأرغون أو الكريبتون أو الكينون عـادة ـ فكانت النتيجة ومضة ضوئية براقة وقصيرة للغاية إلى جانب انها ممكنة الضبط .
ستروب ، إدغرتون هذا وهو اکثر بريقاً من اشعة الشمس عدة مرات ، له قوة توازي تقريباً قوة ٤٠ ألف مصباح منزلي ٦٠ واط إلا أن فترة وميضه قصيرة جدا إلى حد أن المشاهد قد لا يلحظ بريقه .
تتكثف الكهرباء في مكثف إلى حين بلوغها ذروة حرجة فتطلق إلى الغاز فجاة ، وهكذا باستعمال مكثفات تجمع الكهرباء وتطلقها بسرعة كبيرة ، كان إدغرتون قادراً .
على انتاج ومضات ضوئية متكررة وقوية جدا خلال فترات قصيرة جدا ومحددة تماماً . اطلق على مصباح الوميض الضوئي النابض هذا اسم « ستروبوسکوب ، ثم أصبحت كلمة ستروب تستعمل لتسمية حصيلة كاملة من مصابيح الفلاش الاليكترونية السريعة ، إذا كانت هذه تعطي ومضات ضوئية متكررة أو ومضة واحدة فقط .
. ستروب إدغرتـون ، هذا . بإنتاجـه ومضة ضوئية براقة للغاية وقصيرة للغاية في ذات الوقت ، حل إثنتين من معضلات التصـويـر الفـوتـوغـرافـي بـالغ السرعة فقد قتل فترة التعريض الضوئي وامن نوراً كافياً للفيلم حتى يتعرض ضوئيا بشكل سليم . رغم هذا التعريض الضـونـي القصير .
الخاص الذي احتاجـه الأمر هو ضوء الستروب نشير هنا إلى أن التصوير الفوتوغرافي السريع جدا يشمل على وجـه العمـوم تـعـريـضـات ضوئية تقل عن ١/١٠٠٠٠ من الثانية ، بالمقارنة مع تلك المعنية بكاميرات عـاديـة سـاكنـة حيث التعريض الضوئي الأدنى المعتاد هو ۱/۱۰۰۰ من الثانيـة . فقد حدث ان ظهور « ستروب ادغرتون » جعل هذه السرعات ممكنة باستعمـال مجرد كاميرات وفيلم عاديين ، الشيء الوحيد .
ظل إدغرتون طوال ثلاثينيات هذا القرن منكباً على استعمـال اسلوبه الجديد لاستكشاف العالم الجديد الذي انفتـح للدراسة .
عملت ستروباته كنوع من مجهر للوقت . فتماماً مثلما أن المجاهـر مكروسكوبات ، العادية تكثر المادة بحيث ان الصغير اللامرئي منها يصبح كبيراً مرئياً ، كذلك هو الستروب الكهربائي ، والكاميرات ذات السرعة الكبيرة التي ظهرت فيما بعد ، تکبر احداثاً قصيراً او سريعة لامرئية فتبطئها أو تجمدها لتصبح مرثية .
قبل ظهور التـصـويـر الفوتوغرافي الفعال ذي السرعة الكبيـرة ، كـان المـعـروف عن الأحداث بالغة السرعة قليلا . وقد اشرف إدغرتون على عدد كبير من الاستقصاءات الفـوتـوغـرافيـة لمعرفة مجرد ما يحدث عندما تتحرك الأشياء بسرعة كبيرة فبكشفه أن الرصاصة تكون قد ابتعدت أكثر من ٣،٥ بوصة عن فوهة المسدس قبل ان يرتد هـذا المسدس إلى الوراء ، أظهـر ان هذه الارتدادة لا تستطيع التأثير على دقة تصويب الطلقة أظهر كذلك أن الرصاصة لم تأخـذ إلى الإزدياد سرعة لبعض الوقت بعد مغادرتها المسدس كما كان مزعوماً من قبـل ، بل بلغت سرعتهـا .. القصوى وهي على بعـد مجـرد بضع بوصات من الفوهة .
تحدى إدغرتون بعض المزاعم الأخرى التي كان مسلما بها في مجالات أخرى أيضاً ، فلم يكتف بتحليل الاشياء المتحركة فقط . بل وصل إلى حـركـات اللاعبين الريـاضـييـن وإذ بسيـل من الشخصيات الرياضية البارزة تقوم بزيارة مختبر إدغـرتـون لتحليـل أساليبهم . فقد سبق لللاعبي الغولف المحترفين على سبيل المثال أن تعلمـوا بـان اللحظات اللاحقة مباشرة للضربة التي يمارسونها هي الأهمية كل الأهمية . فأظهر لهم إدغـرتـون بصور ستـروب التـعـريض الضوئي ، المشـكـرر أن فتـرة التلامس بين مضـرب الغولف والكرة كانت مجرد ٦/١٠٠٠ من الثانية ، وهكذا تعرفوا إلى إن إمكانية استعمال المضرب لتوجيه خط الكرة هو أمر أبطلته شواهد التصـويـر الفـوتـوغـرافـي بـالغ السرعة .
ثم للتأكيد على أن « ستروبه يومض لحظة إصـابـة مضـرب الغولف أو راكيت التنس ، للكرة تماماً : او ما هو أكثر حيوية ، أي لحظة خروج الرصاصة من فوهة مسدس أو اختراقها لهدف مـا توصل إدغرتون إلى ابتكار عدد من الحلول . فالرصـاصـة تنطلق بسرعات خارقة ـ ٢٦١٠ ميـل في الساعة - مما يعني أن الأمر يحتاج إلى تعريض ضوئي قصير إلى حد واحـد على مليون من الثـانيـة لتصويرها .
عمد إدغرتون أحياناً إلى وصل تلامس كهربائي بسيط مع الهدف الذي يتم تصويره فوتوغرافيا . وفي بعض الحالات ، اسـتـعـمـال مـكـرفـون لإعـداد الومضات الضوئية ، أو خليـة . كهـروفـوتـوغـرافيـة . تضبط التقطع لشعاع ضوئي متواصل .
كان من نتائج هذه التحسينات العديدة التي حققها إدغرتون في مجال تطوير اسلوبه هذا ، أنها جعلت مختبرة الملتقى لكل أولئك المهتمين بالتصوير الفوتوغرافي لأحداث سريعة الحركة ، من هؤلاء كـان مـصـورا لايف الفوتوغرافيان الشهيران غاجـون ميلي وكروفورد غرينوولت اللذان التقطا في الخمسينيات سلسلة صور فوتوغرافية مذهلة لطيـور الرنان ، اثناء تحليقها .
المـصـور الفـوتـوغـرافـي البريطاني ستيفن دالتون هـو نـصـيـر احـدث للتـصـويـر الفوتوغرافي للطبيعة ، حصلت صوره للحـشـرات الدقيقة والعصافير المحلقة على شهرة عالمية .
اشرنا إلى أن أعمال إدغرتـون و آخرین سمحت للأحداث السريعة أن تتجمـد بـاستـعمـال فـلاشـات ضوئية تتوالى بسرعة فائقة . ثم حدث بعد ذلك أن أصبـحـت اللفافات التي تعمل على الطاقة ومحركات الدفع متوفرة تجارياً وقادرة على انتاج من ١/٢ ٢ إلى عشرة إطارات من الثانية ، الأمر الذي جعل استمرارية الإطلاق السريع في متناول عدد أكبر ممن يخوضون التجارب . مع ذلك . ظلت المتتاليات الناتجة محدودة جدا ولا تكفي لإجراء التحليـل الأكثـر اكتمـالا للحـركـة ، ذلك التحليل الذي يطلبه علماء . لهذا السبب كان على المصـوريـن الفوتوغرافيين ان يتحولوا إلى الكاميرات السينمائية ، فهي كاميرات تعمل على أسس زمنية . مما يعني انها تعطي المصور الفـوتـوغـرافي فـرصـة التحكم بالوقت .
تعمل الكاميرا السينمـائيـة بمعدل ٢٤ إطاراً في الثانية عادة . ويعرض الفيلم بالمعـدل ذاتـه عموماً . على أنه لو تم تعديل معدل الإطارات التي تلتقـطهـا الكاميرا في الثانية بينما ظل معدل الـعـرض ثـابتـاً ، يمكن للوقـت حينذاك أن يبطيء أو يسـرع .
الحالة الأولى - تصوير بطيء - تسمـح لفترات زمنية طويلة ان تنضغط إلى ثوان - أمـا الحـالة الثانية - تصوير فـوتـوغـرافي سريع جدا - فتسمح لكسور زمنية ضئيلة جدا ان تتوسع إلى ثوان .
هذا ، وتستـطيـع كـاميـرات التصوير السينمـائـي عـادة أن تـلـتـقـط حـتـى ١٢٨ إطاراً مـن الثـانـيـة ، ولكـن الـتـصـويـر الفوتوغرافي بالغ السرعة بحق يبدأ من معدل ٣٠٠ إطار في الثانية تقريباً على أن سرعة التشغيل اللازمـة سـتتوقف على نوع التحليل الذي يـريـد المصـور الفوتوغرافي انجازه . وتوجد كاميرات اختصاصية ، تعمـل بمعدل يزيد على ٦٠٠ مليون إطار في الثانية .
تعمل الكاميرات السينمائيـة التقليدية بتحريك الفيلم من بكرة إلى أخـرى بسلسلة من القفزات الدقيقة القصيرة ، حيث يتوقف الفيلم مؤقتاً عند كل إطار ، ليبقى هكذا في مكانه بواسطة نتوءات ممكنـة السحـب تعـرف بـاسم دبابيس تسجيـل ( * ) . ومعـظم كاميرات النوع الأساسي بالغة السرعة تعمل بالمبدأ ذاته . هذه تعرف باسم كـاميـرات الـعمـل المتقطع ( * ) ، إلا انها بسبب طبيعة ميكانيكيتهـا المـعـقـدة ، فهي مقصورة على سرعات تصل حتى ٥٠٠ إطار في الثانية .
توجد هذه الكاميرات بانمـاط ١٦ ملم و ٣٥ ملم و ۷۰ ملم ، وهي تنتج صوراً رائعة النوعية ، ثم لما كانت تستعمل الفيلم عند معدل أبطأ ، فهي تسمح بفترات تسجيل أطول ، إلا أن المعـدل البطيء لصنع الإطارات فيها يجعلها غير مناسبة للتصوير الفوتوغرافي لأحداث بالغة السرعة . تستطيع بلوغ سرعات مغـلاق تصل حتى مائة ألف في الثـانيـة ، ولكن السيئة الرئيسية هنا هي الحركة التي قد تحدث في الفسحـة بين الإطارات .
من الأساليب البديلة للتصوير بسرعات أكبر ذلك الذي يقوم على استعمال كاميرات عدسة منشورية دوارة ( * ) . هذه تحقق معـدل ٢٥ الف إطار في الثانية باستعمالهـا .
لفيلم يتحرك بشكل متواصل خلال الكاميرا . فالعدسـة المنشوريـة الدوارة داخـل الـكـامـيـرا تـدور بالسرعة ذاتها تماماً كمعدل انتقال الفيلم حيث تعمل الكـامـيـرا تبادليا على نقل ومنع النور الذي يمر من خلال العدسة . وهكذا فإن الصورة بالنتيجة تلحق بإطار الفيلم وهو يتحرك داخل الكاميرا .
وعلى الرغم من أن المعـدل السريع لهذه الكاميرات أدى إلى استعمالها في أبحـاث القذائف وابحاث صناعية وعلمية أخرى . تبقى نوعية صورها اضعف كما أن الكاميرات تستهلك الكثيـر من الأفلام .
هاتان الكاميرتان هما كاميرات صنع إطار ( * ) تسجلان سلسلة من الصور أو الإطارات المتتالية على الفيلم . وهـنـاك نوع ثـالث من الكاميرات بـالـغـة السـرعـة هي كاميرا الشريط الضـوئي الضيق ( * ) التي بدلا من تسجيلها سلسلة من الصور الإفراديـة . تسجـل صورة غير متقـطـعـة ( * ) تنصب على الفيلم بنور يدخل من شق . ففي كاميرا الفيلم المتحرك يـحـل الشق مـحـل العـدسـة المنشورية ، إلا أن هذا النوع هو كاميرات سرعة كبيرة تستعمل طولا ثابتاً من الفيلم يظل متوقفاً على مسـار ثابت أو طبلة دوارة بينما الصورة تنصب عليه .
في ، كاميرا المرأة الدوارة . يسقط الضوء الداخل إلى الكاميرا على المرآة الدوارة التي يشغلها توربين غـازي . أمـا فـي كاميرا الطبلة الدوارة ، فالطبلة التي يتثبت عليها الفيلم هي التي تدور آنهـا كـاميـرات تتصنف ككاميرات هائلة السرعة ، طالما أنها عادة ما تعمل بسرعات بین ۲۰ ألف وأكثر من مليـون إطار في الثانية .
ثم لبلوغ سرعات اكبـر ، علی الكاميرا عدم شمول أجزاء متحركة على الإطلاق ، بدلا من ذلك تتحول الصورة من إطار واحد في الفيلم إلى إطار آخـر بـاسـاليب اليكترونية .
هذه الآلات التي تعرف باسم كاميرات تحويل الصورة . تعمل إلى حد ما ككاميرا تلفزيونية عـاديـة فـالنـور الذي يـدخـل الكاميرا يصيب احد وجهي كاثود فوتوغرافي ( photocathode ) صفيحة تتحسس النور - فيحول هذا النور إلى جدول اليكترونات .
وهذه بدورها تتسارع على مدى انبوبة زجاجية مفرغة من الهواء - انبـوبـة الصـورة - وحيث ان الاليكترونات لا كتلة لها ، تنحرف عمودياً أو أفقياً بسهولة وبسرعة فائقة بإعطاء شحنة مناسبة إلى سلسلة من صفـائـح التحـريف الكهرومغناطيسيـة ، وبعـد الانحراف ، يـحـدث لجـدول الاليكترونات ان يصيب شـاشـة فوسفورية تحولهـا ثـانيـة إلى فوتونات ( photoIs ) ضوئية تنطبع بعد ذلك على فيلم .
على الرغم من أن تحويل النور إلى اليكـتـرونـات ثـم إعـادة الاليكترونات إلى نور يبدو إزعاجاً لا طائـل منـه ، يحقق الأسلوب غرضه لأن التـعـامـل مـع الاليكتـرونـات أسهل كثيراً من التعامل مع فوتونات ضوئية .
واللعبة الجوهرية التي يقـوم عليها التصوير الفوتوغرافي بالغ السرعة هي تحريك صورة ما بسرعة هائلة على إطارات مختلفة من قطعة فيلم .
أسرع كاميرا تجارية في العالم حاليا هي كاميرا تحويل صورة صنعتها الشركة البريطانية هـاد لانـد المحدودة ، ، فكاميرتها المسماة . ايماكون ( 790 ) ، تستطيع التقاط الصور بمعدل يصل حتى بليون فـوتـونـيـكس إطار في الثانية .
ومثلما هي الحال مع الكاميرات الأخرى بالغة السرعة نجد كاميرا تحويل الصورة وهي تلتقط هذا القدر من الإطارات في الحقيقة . فالأفلام التي تنتجها ليست عادة من أنواع الأفلام التي تعرض على شاشة . بل هي بدلا من ذلك تنتج طولا قصيراً من الفيلم عليـه عدد صغير من الصور المتعاقبة أو تسجيل شريط ضوئي ضيق .
سبب ذلك أن الأحداث التي تسجلها لا تدوم إلا لاقصر لحظة .
والصور الناتجة هي سوداء بيضاء رغم انها تعطي رموزاً لونية اصطناعيـة فيمـا بعـد احيـانـاً . ومن الممكن استعمال افلام ستاندر بولارويد -Stan ) ( dered Polaroid او افـلام مـن أنواع أخرى وقفاً على التنوير .
معنى هذا كله أن التصوير الفوتوغرافي بالغ السرعة ابتعد كثيراً عن صور إدغرتون المضاءة بالستروب ، منطلقا إلى حدود حديثة فتعـريضات إدغـرتـون الضوئية ذات فترة الواحد على مليون من الثانية هي لا شيء بالمقارنة مع مقدرة ، لايماكون - على صنع تعريض ضوئي يدوم لمجرد واحد على مليون مليون من الثانية .
ثم على الرغم من أن إدغرتون جمد واظهـر أحـداثـاً لامـرئـيـة اساساً , كانت معظم مواضيعه مألوفة على الأقل ، أما التصوير الفوتوغرافي بواحد على مليون مليون من الثانية ، من ناحية أخرى فهو مجال الأبحاث المحنكة المعقدة في الكيمياء الحيـويـة والبصـريـات الليفية والإلتحـام النووي ومجالات خفيـة أخرى .
أما الصور الناتجة فهي غريبة وتجريدية في ظاهرهـا كتلك التي تحققها مجاهـر اليكترونية تكبر إلى حد هائل ، هذا وعند أقصى ما يـمـكـن بلوغـه مـن وقت مـمـكـن التصوير فوتوغرافيا ، نجد أن الأحـداث الوحيدة التي تعرض أية حركة على الإطلاق هي تلك التي تجري داخل جزيئات وذرات . فخلال واحد على مليون مليون من الثانية ، تتقدم طائرة الكونكورد وهي في أقصى سرعة لها مسافة تساوي قطر ١٠ ذرات هيدروجين⏹
تعليق