مطيع اياس
Muti’ ibn Iyas - Muti’ ibn Iyas
مطيع بن إياس
(85 ـ 169هـ/704 ـ 785م)
مطيع بن إياس بن مسلم بن أبي قرعة سلمى بن نوفل الكناني البكري، أبو سلمى أو سلم الشاعر المشهور بالمجون والتهتك. ولد في مدينة الكوفة، ونشأ في أسرة عربية شريفة مناصرة لبني أمية، وكان أبوه إياس شاعراً، وقصد بشعره ولاة بني أمية، فورث عنه مطيع موهبة الشعر، وربما دربه على قوله في صغره. وكان مطيع جميل الصورة حسن الوجه أبيض أشقر، ظريفاً حلو العشرة، جمع أدوات المنادمة من رواية الأشعار والأخبار والنوادر، وسرعة البديهة وحضور الجواب، وإتقان لعب الشطرنج، إلى الإلمام بمعارف عصره والاطلاع على ثقافات الأمم القديمة وعقائدها، فضلاً عن موهبته الشعرية وبراعته في التصرف بالشعر.
وصل خبر مطيع بن إياس وشعره إلى الخليفة الأموي الوليد بن يزيد ابن عبد الملك (125-126هـ)، فأحضره من الكوفة إلى دمشق، واتخذه نديماً له، وأقبل عليه أهل الدولة الأموية بعد الوليد، يدعونه إلى مجالسهم ليمتعهم بحديثه وشعره ونوادره، إلى أن ثار عبد الله بن معاوية بن جعفر ابن أبي طالب، وخرج على الأمويين، فالتحق به مطيع ونادمه. وعندما قامت الدولة العباسية وفد على معن ابن زائدة والي العباسيين في اليمن، فمدحه ونادمه، ثم اتصل بالخليفة أبي جعفر المنصور، وانقطع إلى ابنه جعفر لما تولى الموصل ونادمه، وحين صارت الخلافة إلى المهدي حضر مجالس أنسه، وتولى في أيامه صدقات البصرة، وفيها توفي.
وكان مطيع بن إياس كثير الترحال والوفود على الولاة والقادة وأعيان الدولة، مقبولاً عندهم، يمدحهم وينادمهم. واستقر مدة في بغداد، واتخذ بالكرخ بستاناً، يجتمع فيه مع ثلة من أصدقائه الأدباء والشعراء الذين يميلون مثله إلى المجون والتهتك، ويعقدون مجالس اللهو والشراب في بيوتهم والمتنزهات، ويقصدون الأديرة للشرب والقصف، فاشتهروا جميعاً بالخلاعة والمجون، ورموا بالزندقة والخروج عن الدين.
يعد مطيع بن أياس من أشهر الشعراء الذين عاصروا الدولتين الأموية والعباسية، وإن لم يكن من فحولهم، وله شعر كثير حوى معظم الموضوعات المعروفة في الشعر العربي، فمدح الخلفاء والولاة والقادة، فأجاد ونال أعطياتهم، وهجا الناس فقسا فحشاً وسخرية، ورثى أصدقاءه فأحسن، وتغزل بالجواري المتهتكات وبالغلمان فانتشر غزله وأقبل عليه الناس، ولكنه اشتهر بشعر الخمر والمجون والتهتك في ذكر المحرمات، يجهر بارتكابه المعاصي وبإقباله على الفواحش من غير تستر ولا مواربة، ويصرح بذكر العورات وإظهار الشذوذ، فظهر في هذا الجانب من شعره منحرف السلوك، غير مبالٍ في الدين وتعاليمه؛ لذلك رمي بكل الموبقات، واتهم في خلقه ودينه حتى وصل به الأمر إلى الزندقة. وأساء بذلك إلى قومه، فدأبوا على لومه ونهيه عما هو فيه، وهو سادر في غيه، لا يهتم في فضحهم وإلحاق العار بهم، ولا يلتفت إلى لوم أو تعنيف.
وأظهر في شعره رغبة كبيرة في صداقة أصحابه، وحرصاً كبيراً على استمالة أصدقائه وإرضائهم، فهو يعد من أفضل الشعراء الذين تناولوا موضوع الصداقة وأبانوا حقوقها وواجباتها، وبرع أيضاً في وصف مجالس اللهو والدعوة إلى انتهاب الملذات واغتنام فرصها قبل انقضاء العمر.
وشعر مطيع بن إياس سهل الأسلوب واضح المعاني، خفيف الصنعة والوقع في النفس، ويبتعد فيه عن الحوشي والغريب، يسترسل فيه بدقة متناهية، ويهذبه وينمقه ويقترب به من الشعبية ولغة الحياة المتداولة، فكان من رواد الشعراء المولدين الذين ظهر أثر الحياة المترفة في شعرهم. ومال في نظمه نحو استخدام الأوزان القصيرة والمجزوءة ليوفر لشعره إيقاعاً ظاهراً، فأقبل عليه أهل الغناء والموسيقا، وصنعوا من شعره أصواتاً كثيرة، ساعدت على انتشار شعره في زمنه، وشهرته عند أهل الأدب. ومع ذلك لم يصل شعره مجموعاً في ديوان، وإنما وصل متفرقاً في كتب الأدب والتراجم. وربما كانت كثرة المجون فيه وراء الانصراف عنه والعناية به. وقد جمع بعضَه في العصر الحديث المستشرقُ غوستاف غرنباوم، ونشره ضمن مجموعته «شعراء عباسيون».
ومن شعره قوله يسترضي صديقاً:
ولئن كــنت لا تصـاحـب إلا
صـــاحباً لا تــزل ما عاش نعله
لا تجده وإن جهدت وإنـــي
بالذي لا يـــكـاد يـــوجد مثله
إنما صاحبي الذي يغفر الذنـــ
ب ويكفيه مـن أخــيه أقـلـــه
الذي يحفــظ القديم من العهــ
د وإن زل صاحب قــل عـــذله
ليس من يـظهر المــودة إفكـاً
وإذا قال خالف القــول فــعـلـه
وصله للصديق يوم فإن طـــا
ل فــيومـان ثم يـنـبـتّ حـبـله
محمود سالم محمد
Muti’ ibn Iyas - Muti’ ibn Iyas
مطيع بن إياس
(85 ـ 169هـ/704 ـ 785م)
مطيع بن إياس بن مسلم بن أبي قرعة سلمى بن نوفل الكناني البكري، أبو سلمى أو سلم الشاعر المشهور بالمجون والتهتك. ولد في مدينة الكوفة، ونشأ في أسرة عربية شريفة مناصرة لبني أمية، وكان أبوه إياس شاعراً، وقصد بشعره ولاة بني أمية، فورث عنه مطيع موهبة الشعر، وربما دربه على قوله في صغره. وكان مطيع جميل الصورة حسن الوجه أبيض أشقر، ظريفاً حلو العشرة، جمع أدوات المنادمة من رواية الأشعار والأخبار والنوادر، وسرعة البديهة وحضور الجواب، وإتقان لعب الشطرنج، إلى الإلمام بمعارف عصره والاطلاع على ثقافات الأمم القديمة وعقائدها، فضلاً عن موهبته الشعرية وبراعته في التصرف بالشعر.
وصل خبر مطيع بن إياس وشعره إلى الخليفة الأموي الوليد بن يزيد ابن عبد الملك (125-126هـ)، فأحضره من الكوفة إلى دمشق، واتخذه نديماً له، وأقبل عليه أهل الدولة الأموية بعد الوليد، يدعونه إلى مجالسهم ليمتعهم بحديثه وشعره ونوادره، إلى أن ثار عبد الله بن معاوية بن جعفر ابن أبي طالب، وخرج على الأمويين، فالتحق به مطيع ونادمه. وعندما قامت الدولة العباسية وفد على معن ابن زائدة والي العباسيين في اليمن، فمدحه ونادمه، ثم اتصل بالخليفة أبي جعفر المنصور، وانقطع إلى ابنه جعفر لما تولى الموصل ونادمه، وحين صارت الخلافة إلى المهدي حضر مجالس أنسه، وتولى في أيامه صدقات البصرة، وفيها توفي.
وكان مطيع بن إياس كثير الترحال والوفود على الولاة والقادة وأعيان الدولة، مقبولاً عندهم، يمدحهم وينادمهم. واستقر مدة في بغداد، واتخذ بالكرخ بستاناً، يجتمع فيه مع ثلة من أصدقائه الأدباء والشعراء الذين يميلون مثله إلى المجون والتهتك، ويعقدون مجالس اللهو والشراب في بيوتهم والمتنزهات، ويقصدون الأديرة للشرب والقصف، فاشتهروا جميعاً بالخلاعة والمجون، ورموا بالزندقة والخروج عن الدين.
يعد مطيع بن أياس من أشهر الشعراء الذين عاصروا الدولتين الأموية والعباسية، وإن لم يكن من فحولهم، وله شعر كثير حوى معظم الموضوعات المعروفة في الشعر العربي، فمدح الخلفاء والولاة والقادة، فأجاد ونال أعطياتهم، وهجا الناس فقسا فحشاً وسخرية، ورثى أصدقاءه فأحسن، وتغزل بالجواري المتهتكات وبالغلمان فانتشر غزله وأقبل عليه الناس، ولكنه اشتهر بشعر الخمر والمجون والتهتك في ذكر المحرمات، يجهر بارتكابه المعاصي وبإقباله على الفواحش من غير تستر ولا مواربة، ويصرح بذكر العورات وإظهار الشذوذ، فظهر في هذا الجانب من شعره منحرف السلوك، غير مبالٍ في الدين وتعاليمه؛ لذلك رمي بكل الموبقات، واتهم في خلقه ودينه حتى وصل به الأمر إلى الزندقة. وأساء بذلك إلى قومه، فدأبوا على لومه ونهيه عما هو فيه، وهو سادر في غيه، لا يهتم في فضحهم وإلحاق العار بهم، ولا يلتفت إلى لوم أو تعنيف.
وأظهر في شعره رغبة كبيرة في صداقة أصحابه، وحرصاً كبيراً على استمالة أصدقائه وإرضائهم، فهو يعد من أفضل الشعراء الذين تناولوا موضوع الصداقة وأبانوا حقوقها وواجباتها، وبرع أيضاً في وصف مجالس اللهو والدعوة إلى انتهاب الملذات واغتنام فرصها قبل انقضاء العمر.
وشعر مطيع بن إياس سهل الأسلوب واضح المعاني، خفيف الصنعة والوقع في النفس، ويبتعد فيه عن الحوشي والغريب، يسترسل فيه بدقة متناهية، ويهذبه وينمقه ويقترب به من الشعبية ولغة الحياة المتداولة، فكان من رواد الشعراء المولدين الذين ظهر أثر الحياة المترفة في شعرهم. ومال في نظمه نحو استخدام الأوزان القصيرة والمجزوءة ليوفر لشعره إيقاعاً ظاهراً، فأقبل عليه أهل الغناء والموسيقا، وصنعوا من شعره أصواتاً كثيرة، ساعدت على انتشار شعره في زمنه، وشهرته عند أهل الأدب. ومع ذلك لم يصل شعره مجموعاً في ديوان، وإنما وصل متفرقاً في كتب الأدب والتراجم. وربما كانت كثرة المجون فيه وراء الانصراف عنه والعناية به. وقد جمع بعضَه في العصر الحديث المستشرقُ غوستاف غرنباوم، ونشره ضمن مجموعته «شعراء عباسيون».
ومن شعره قوله يسترضي صديقاً:
ولئن كــنت لا تصـاحـب إلا
صـــاحباً لا تــزل ما عاش نعله
لا تجده وإن جهدت وإنـــي
بالذي لا يـــكـاد يـــوجد مثله
إنما صاحبي الذي يغفر الذنـــ
ب ويكفيه مـن أخــيه أقـلـــه
الذي يحفــظ القديم من العهــ
د وإن زل صاحب قــل عـــذله
ليس من يـظهر المــودة إفكـاً
وإذا قال خالف القــول فــعـلـه
وصله للصديق يوم فإن طـــا
ل فــيومـان ثم يـنـبـتّ حـبـله
محمود سالم محمد