هنري جيمس (جيمز) Henry James هو سيد الرواية الأمريكية بلا منازع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هنري جيمس (جيمز) Henry James هو سيد الرواية الأمريكية بلا منازع

    جيمس (هنري)

    James (Henry-) - James (Henry-)

    جيمس (هنري ـ)
    (1843ـ1916)
    هنري جيمس (جيمز) Henry James هو، كما يجمع النقاد، سيد الرواية الأمريكية بلا منازع. ولد في نيويورك، وهو الابن الثاني لهنري جيمس الأب ووالدته ماري وولش. شقيقه الأكبر هو الفيلسوف الأمريكي المعروف وليم جيمس[ر]. وكان لهذا الترتيب تأثير كبير في حياته، مما جعل الهاجس الرئيس عنده الخلاص من هذه الثانوية، فكانت ريادته الروائية تحقيقاً لرغبته في التفوق والفوز بالأولية، وعبر عن ذلك في معظم رواياته التي يدور الصراع فيها عادة بين فنان ناشئ يبحث عن موقع وفنان كبير يستأثر بالاهتمام.
    لم يكن جيمس ميالاً للدراسة، لكنه كان يعشق المكتبات ويمضي الكثير من وقته فيها. كانت أسرته ميسورة مادياً، وكان يسافر معها منذ طفولته. وليس غريباً أنه قرر عام 1875 الاستقرار النهائي في أوربا، إذ عاش في لندن وحدها نحو عشرين عاماً. كانت غايته الأساسية من السفر معرفة الفن ولقاء الفنانين، وخاصة أنه كرس حياته للإبداع والتأليف محققاً لنفسه شهرة عالمية.
    ترك جيمس أكثر من عشرين رواية ومئة واثنتي عشرة قصة قصيرة إضافة إلى عدد من المسرحيات والمؤلفات الأخرى. أُعجب بأعمال الكاتبة الإنكليزية جورج إليوت[ر] والكاتب الأمريكي هوثورن[ر]، كما تأثر بتورغينيف[ر] وفلوبير[ر]، وأثّر هو بدوره في جيمس جويس[ر] وجوزيف كونراد[ر] وفرجينيا وولف[ر] وغراهام غرين[ر].
    يتفق النقاد عموماً على تقسيم مسيرة جيمس الأدبية إلى ثلاث مراحل سيطر على الأولى منها الموضوع العالمي، إذ تقوم شخصيات أمريكية بزيارة القارة الأوربية وتتفاعل مع الحضارة العريقة، ويحاول جيمس مقاربة المفارقات الناتجة عن اختلاط الحديث بالقديم والبراءة بالسفسطة والأحادية بالتعددية والتسطح بالتقعر، وتظهر في هذه الروايات بوادر الصراع بين ما هو أوربي وما هو أمريكي. وتكمن الخصوصية الفنية في تعدد الأصوات (الرواة) للسرد، إذ يمتنع المؤلف عن اقتحام الحلبة الروائية ويترك الشخصيات تشكل نفسها بنفسها في منظور موضوعي. ولعل أبرز المبدعين الذين تميزوا بهذا الأسلوب هم هوميروس[ر] وشكسبير[ر] ودستويفسكي[ر]. ومن أشهر روايات جيمس في هذه المرحلة «رودريك هدسون» (1867) Roderick Hudson التي تتحدث عن فنان أمريكي يسافر إلى إيطالية بحثاً عن بيئة خصبة لفنه، فيجد فساداً كبيراً، فينتحر نتيجة للصراع بين فنه وعواطفه ولخوفه من الفشل. وتليها رواية «الأمريكي» (1877) The American التي تتحدث عن ثري أمريكي عصامي صادق ونزيه، يسافر إلى أوربة لمعرفة الحضارة والقيم الجمالية. يحب فتاة جميلة من عائلة أرستقراطية، فيُصدم بتعجرف وأنانية هذه العائلة، ويحاول التمسك بتفوقه الأخلاقي عليها. وتصور روايته القصيرة «ديزي ميلر» (1878) Daisy Miller التي اشتُهر بها جيمس، فتاة أمريكية بريئة ومعتزة بحريتها تصطدم بالمجتمع الأوربي الذي تراه مغرقاً بالتزمت في تقاليده، فتواجهه بشدة وإصرار يؤديان إلى موتها. ووصل الموضوع العالمي ذروته في رواية «صورة سيدة» (1881) The Portrait of a Lady التي تعد من أفضل روايات جيمس، وحكى فيها قصة الفتاة الأمريكية إيزابيل آرتشر Isabel Archer التي تسافر مع عمتها إلى أوربة فتصادف الكثير من المعجبين ولكنها ترفضهم جميعاً، وترث ثروة عمها فيتوفر لها استقلال مادي طالما طمحت إليه، وتُذعن لمحاولات صديقة لها تقنعها بالزواج من رجل مُسن وعاجز، فتدرك بهذا أنها مسيّرة وعديمة الشخصية، فتعيد النظر في حياتها وتقويمها لأفعالها. ويُبرز جيمس في هذه الرواية بأسلوب الرمزية[ر] والتأمل الذاتي أهمية التطور النفسي للشخصية الرئيسية.
    ركز جيمس في المرحلة المتوسطة، في نهاية القرن التاسع عشر، على قضيتين الأولى تحليل الشخصية الإنكليزية مبتعداً عن الموضوع العالمي، والثانية الإشكاليات الفنية والقضايا السردية أو الميتا رواية (ما وراء الرواية) meta-novel. فمعظم شخصيات أعماله في هذه المرحلة هم من الفنانين والمبدعين الذين يعتقدون أنهم مصلحون اجتماعيون. وكان جيمس يريد أن يؤطر المؤسسة الإبداعية ويعيد صياغة الأسئلة الفنية ويحدد ماهية التخييل وأصول الكتابة ومعايير الأدب، خاصة أن التسعينات شهدت عملقة السوق ومتطلبات التسويق على حساب الكلمة والإبداع. ومما زاد في إعطاء المحور الفني أهمية في هذه المرحلة أن جيمس حاول كتابة عدد من المسرحيات التي فشلت فشلاً ذريعاً، فتحولت هذه الإشكاليات الإبداعية إلى أسئلة فنية كبرى تتعلق بهوية الفنان وماهية الخطاب وقضية التلقي. من أهم روايات هذه المرحلة «الأميرة كاساماسيما» (1886) The Princess Casamassima التي تحدث فيها عن العنف الفوضوي والإنسان الذي يعبث بالثورة فتدمره، و«البوسطونيون» (1886) The Bostonians التي تمثل مع «الأمريكي» و«صورة سيدة» و«الأوربيون» (1887) The Europeans المواجهة الأوربية ـ الأمريكية على أشدها، و«ربة الشعر الحزينة» (1890) The Tragic Muse ويصور فيها جيمس محيط الفن والفنانين في باريس ولندن، و«غنائم بوينتون» (1890) The Spoils of Poynton، و«العصر الحرج» (1899) The Awkward Age. واستطاع جيمس في هذه المؤلفات استثمار تجربته المسرحية من خلال هجانة شكلانية بين المسرح والرواية وتناصٍ تقني بين الجنسين فتولد عنده مسرحَةَ الرواية ومشهدية السرد.
    كتب جيمس في المرحلة الثالثة والأخيرة «جناحا الحمامة» (1902) The Wings of the Dove التي تعد من أفضل مؤلفاته في هذه المرحلة وأكثرها حداثة، وتصور ملاحقة شبح المرأة المريضة، بعد موتها، لزوجها الذي خانها مع أقرب صديقاتها، و«السفراء» (1903) The Ambassadors و«الطاس الذهبي» (1909) The Golden Bowl. وقد أخذ أسلوب جيمس في هذه الروايات أكثر أشكاله رهافة وتجريبية. وأراد أن يترجم منظوره عن الرواية العضوية التي تتكون من مجموعة من اللوحات الفنية من دون أن يؤثر ذلك في وحدتها البنائية. وهكذا تصير الرواية الواحدة مجموعة من الروايات يؤطِّرها التناص الداخلي في عالم أشبه بعالم باختين[ر] متعدد الأصوات. ويمكن القول إن القضايا الفكرية الكبرى التي لم يتوقف هنري جيمس عن معالجتها في نتاجه الفني هي ضرورة الحرية وأهمية الملاحظة والتركيز على إبراز الألمعية، إضافة إلى أخلاقية السلوك والحضارة.
    آمن جيمس بأن الإنسان أكبر من المعاناة، وبأنه قادر على التحكم بحياته وقدره من خلال الوعي ومواجهة الواقع. صحيح أن النماذج المجتمعية التي صورها قد اختفت ولكن الإشكاليات الإنسانية التي عالجها والمواقف التي جسدها ما تزال باقية. ولا شك أنه يستحق لقب «سيد الرواية» فقد تجاوزت ملكاته الإبداعية وكتاباته الأعراف الأدبية السائدة وأسست للمرحلة الحداثية في الرواية الأمريكية.
    تم نشر روايات هنري جيمس في طبعة واحدة هي طبعة نيويورك (1907-1909) وكتب بنفسه مقدمات المجلدات، وجمعت هذه المقدمات فيما بعد في كتاب مستقل هو «فن الرواية» (1934) The Art of the Novel.
    توفي جيمس في لندن ونقلت رفاته إلى الولايات المتحدة.
    أحمد العيسى

يعمل...
X