مصارف حيويه Biological banks تحسين وراثي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مصارف حيويه Biological banks تحسين وراثي





    - Banques biologiques

    المصارف الحيوية

    إن أعمال التحسين الوراثي للحيوان والنبات التي استمر تنفيذها منذ آلاف السنين، وتزايدت أنشطتها وآثارها في القرن الماضي تزايداً كبيراً، أدت - كما يرى كثير من العلماء - إلى تناقص التباين الوراثي genetic variation الذي يلاحظ جيداً في السلالات البرية، ولاسيما في بعض السلالات الجديدة المتقاربة وراثياً إلى حد كبير، ويخشى هؤلاء أن ذلك سيؤدي على المدى الطويل إلى إنقاص الإنتاج أو تدهور صنفه، أو إضعاف قدرة السلالات على مقاومة الآفات المختلفة. يُضاف إلى ذلك قضاء الإنسان على كثير من السلالات والأنواع لأغراض تجارية؛ مما أدى إلى جعل كثير من الأنواع والسلالات الحيوانية والنباتية معرضاً للانقراض، بل إن بعضها صار نادر الوجود، وانقرض فعلاً بعض آخر. وقد أوضحت دراسة للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة International Union for the Conservation of Nature أن نحو ربع أنواع الثدييات وثمن أنواع الطيور صارت اليوم مهددة بالانقراض، ولذلك صار حفظ الموارد الوراثية المهددة بالانقراض endangered genetic resources أمراً بالغ الأهمية، ويمكن ذكر عدد كبير منها، لعل من أشهرها دب الباندا Panda والنمور tigers والفيلة elephants (الشكل 1) والجمل ذا السنامين وحيوانات بحرية عدة، من أهمها الحوت؛ إضافة إلى كثير من أشجار الغابات الاستوائية المطرية tropical rainforests والغابات المختلفة في كثير من البلدان الأسيوية والإفريقية، وأشجار مثمرة ومحاصيل حقلية مختلفة، وكثير من الموارد البرية. وكل ذلك يشير إلى ضرورة الحفاظ على التباين الوراثي ذي الأهمية البالغة في تحسين الموارد الطبيعية النباتية والحيوانية المختلفة؛ واستخدامه بعناية فائقة.

    الشكل (1) نماذج من الحيوانات المهددة بالانقراض
    هنالك أسباب متعددة لتزايد الاهتمام بالحفاظ على الأنواع والعروق والسلالات الحيوانية والفصائل والأنواع النباتية؛ منها صيد كثير من الحيوانات لأغراض تجارية، وقيام المربين بالتركيز على أعداد محدودة منها ذات صفات متميزة، وتنفيذ التهجين على نطاق واسع بين الحيوانات المحلية والعروق المستوردة، وأيضاً التهجين بين النباتات المحلية وأخرى مستوردة محسَّنة وراثياً؛ مما أدى إلى تناقص أعداد أنواع وعروق وسلالات وأصناف محلية كثيرة تناقصاً حاداً ومستمراً، ونجم عن ذلك الشعور بأخطار تلك الأعمال، وضرورة الحفاظ على الأنواع المحلية التي تشكل جزءاً مهماً من التراث الوطني المتأقلم مع بيئات معينة؛ وحمايتها من الانقراض. يُضاف إلى ذلك حقيقة كون هذه الأنواع المحلية «خزَّانات» reservoirs وطنية مهمة للتباين الوراثي الذي يمكن أن تتزايد أهميته في المستقبل، ومن هذا نشأت فكرة المصارف «البنوك» الحيوية banks biological بأنواعها المختلفة.
    يحتم الحفاظ على العروق والسلالات اتخاذ قرارات مهمة، ولاسيما وأن هنالك ما لا يقلّ عن 3500 عرق وسلالة حيوانية ومئات الآلاف من الأنواع والأصناف النباتية، وأن الإمكانات الفنية والمالية المتاحة للحفاظ عليها ليست كبيرة؛ مما يستدعي تحديد أولويات دقيقة ومسبقة. ولابد من توافر تعاون دولي واسع لاستخدام هذه الموارد بكفاءة عالية؛ ومن جمع بيانات دقيقة حول الموارد الوراثية المحلية المتوافرة، وما هو مهدد منها بالانقراض، ومدى صلاحية بعضه الآخر للمحافظة عليه. ومنذ أواخر الثمانينيات من القرن العشرين تتعاون الرابطة الأوربية للإنتاج الحيواني European Association for Animal Production (EAAP) ومنظمة الأغذية والزراعة Food and Agriculture Organization (FAO) لتأسيس مصرف (قاعدة) بيانات حول الوراثة الحيوانية العالمية لجمع معلومات حول الآتي:
    - العروق والسلالات المتوافرة في كل دولة.
    - العروق والسلالات المنتشرة في أكثر من بلد.
    - الصفات الوراثية الخاصة بكل عرق، ومدى التشابه بين العروق.
    - إنتاجية العروق في بيئات معينة.
    - أهمية كل عرق أو سلالة للمجموعات البشرية المحلية.
    - مدى التغير العددي الحادث في كل من العروق والسلالات.
    - مدى توافر برامج منظَّمة للحفاظ على العروق والسلالات المهددة بالانقراض، ومدى نجاحها.
    تُساعد هذه البيانات على تحديد العروق والسلالات التي يتناقص عددها سريعاً، والأعداد الأساسية الضرورية للحفاظ عليها، فمثلاً في أوربا الغربية يقدر العدد الذي يجب الحفاظ عليه بنحو 150-1500 أنثى تربية، ويتوقف هذا على النوع والمعدلات التناسلية. وتشير منظمة الغذاء والزراعة إلى أن نقص العدد في مجموع حيواني ما في الدول النامية عن 5000 أنثى تربية يجعل هذا المجموع في حالة الخطر. ومن جهة أخرى فإن البيانات المذكورة تساعد على تحديد الاستخدام الأمثل للموارد الوراثية؛ إضافة إلى المحافظة عليها. فمثلاً يمكن باستخدامها تحديد أفضل العروق والسلالات لاصطفائها للتربية في مناطق متماثلة بيئية في دول مختلفة؛ وتحديد عروق وسلالات أخرى بعيدة عن بعضها لاستعمالها في برامج الخلط الوراثي crossbreeding.
    تُوفر التقانات الجزيئية molecular technologies الحديثة إمكانات نقل المورثات (الجينات) genes عبر الأنواع المختلفة، ولم يكن ذلك ممكناً باستخدام طرائق الاصطفاء selection والتربية breeding التقليدية، ولهذا يؤكد كثير من الباحثين ضرورة المحافظة على الموارد الوراثية المختلفة للاستعمال في المستقبل ـ سواء في الإنتاج الحيواني أم النباتي ـ واستخدام التقانات الحيوية الحديثة في هذا الصدد كأن تُنقل على سبيل المثال مورثات مقاومة الحشرات والأمراض إلى النباتات والحيوانات، أو مقاومة هذه الآفات وكذلك نقص المياه أو الملوحة أو الأعشاب الضارة إلى المحاصيل النباتية والأشجار المثمرة المهمة.
    وسائل الحفاظ على الموارد الوراثية
    1ـ الحفظ في البيئات الطبيعية: وهي وسيلة شائعة في أقطار عديدة، القصد منها المحافظة على الأنواع والسلالات من الزوال، وتتميز بسهولة التنفيذ وإمكان تتبع الكائنات الحية ومراقبتها في بيئاتها الطبيعية، وحيث قد تستطيع فيها اكتساب مقاومةٍ لآفات أو أمراض مستجدة، أو تتأقلم مع تغيرات في طرائق الرعاية والعناية. ولكن من أهم مساوئها احتمال حدوث تغيرات وراثية غير مرغوبة بسبب أعمال الاصطفاء والانحراف الوراثي genetic drift الذي ينجم من تغيرات تكرار المورثة gene frequency على مدى الأجيال بسبب صغر حجم المجموع، وكذلك خطر حدوث التربية الداخلية inbreeding وما ينجم عنها من ازدياد النقاوة الوراثية التي تسبب أضراراً متعددة، مثل نقص الخصوبة وانخفاض الإنتاج وضعف القدرة على مقاومة الأمراض المعدية، وازدياد حالات الأمراض الوراثية وغيرها. تُضاف إلى ذلك زيادة تكاليف هذه العملية في حال كون العرق أو السلالة المحتفظ بها منخفضة الإنتاج، فيلجأ المربون إلى التخلص منها بدلاً من الاحتفاظ بها. وفي بعض البلدان تُقدم منح مالية لمربي الكائنات النادرة لتشجيعهم على الاحتفاظ بعينات جيدة منها.
    2ـ حفظ الكائنات المهددة بالانقراض في الأسر: تشترك مع الوسيلة السابقة بكثير من المميزات والعيوب. ولكنها تتميز بإحكام الرقابة على الكائنات الحية المحتفظ بها وعلى الأعمال التي تجرى عليها. وقد انتشر استخدامها كثيراً في حدائق حيوانية ونباتية كثيرة في البلدان المتقدمة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
    ـ الحدائق النباتية الملكية في كيو Kew Royal Botanic Gardens في لندن (الشكل 2)، حيث تربى آلاف من الأنواع النباتية استُوردت من كثير من البلدان في أنحاء العالم، منها ما قد انقرض في موطنه الأصلي.

    الشكل (2) صور من الحدائق النباتية الملكية في كيو
    ـ حديقة الحيوان في سان دييغو San Diego Zoo في كاليفورنيا، ويهتم العاملون فيها بحفظ عينات حيوانية في الأَسْر، فمثلاً يُعدُّ نسر كاليفورنيا من أكبر الطيور حجماً في أمريكا الشمالية، وقد تناقصت أعداده البرية فيها على نحو خطير حتى كاد ينقرض، فجُمع ما تبقى منها، ونُقل إلى هذه الحديقة حيث رُبِّيت في الأسر، وقام فنّيّو الحديقة بإجراء التزاوج فيما بينها والعناية بها وبصغارها، فأمكن زيادة أعدادها تدريجياً. ومن ثم إعادة بعضها إلى الحياة البرية في كل من ولايتي كاليفورنيا وأريزونا الأمريكيتين. وقد اتُخذت جميع الاحتياطات لمنع حدوث التربية الداخلية في النسور المربَّاة في الحديقة، واستخدمت البصمة الوراثية[ر] لتحديد السلالات الثلاث التي انتمت إليها النسور المأسورة، فلم يُسمح بالتزاوج إلا بين طيور من سلالة واحدة. وللتماثل التام بين الذكور والإناث، ومن ثم تعذر التمييز المظهري بينهما؛ فقد استخدمت التحاليل الوراثية للتمييز بين الجنسين تمهيداً لتزاوجهما معاً. وقد جُمعت أيضاً عينات من دنا كل من هذه الطيور المأسورة وحفظها في مصرف للدنا في الحديقة.

    الشكل (3) أوعية الآزوت السائل للحفظ بالتجميد
    3ـ الحفظ بالتجميد: تنتشر تقانة الحفظ بالتجميد cryopreservation على نطاق واسع في معظم أرجاء العالم. وقد ساعد على تطويرها وانتشارها اكتشاف إمكان حفظ السائل المنوي للثور ـ بما يحتويه من نطاف ـ مجمداً مدة غير محدودة، ومن ثم تطورت هذه الطريقة منذ أواخر خمسينيات القرن العشرين لحفظ كثير من المواد الحية مجمَّدة (الشكل 3). تتميز هذه التقانة برخص تكاليف تشغيلها بعد توفير الأدوات والمستلزمات الضرورية لها. يُضاف إلى ذلك أن ما يُحفظ مجمَّداً لن يتعرض إلى أي تغيرات وراثية أو للإصابة بالأمراض طوال مدة حفظه، في حين تتعرض الكائنات الحية المختلفة لذلك في فترة حياتها. ولكن قد تتعرض الكائنات المحفوظة بالتجميد للتلف بسبب أعطال قد تطرأ على التجهيزات، ولذلك يُفضل أن توزَّع العينات على عدة مصارف بدلاً من حفظها في مصرف حيوي واحد.
    تستخدم هذه التقانة في حفظ نماذج حيوية كثيرة في مصارف متخصصة، من أهمها مايأتي:
    أـ مصارف حفظ النطاف sperm banks: يعمل مربو الحيوان على تحسين المورثات التي تمتلكها حيواناتهم، وذلك بغية تحسين منتجاتها كمّاً وصنفاً، وقد صارت تكاليف ذلك باهظة، ولاسيما التحسين الوراثي للذكور، وفي مقدمتها الثيران، واختبارها على نطاق واسع قبل استخدامها في التلقيح الاصطناعي لأعداد كبيرة من الأبقار. وقد تأسست شركات كبيرة ذوات رؤوس أموال كبيرة يعمل فيها فنيون متميزون؛ وذلك لاختبار الثيران وراثياً، ومن ثم بيع بعض ما يثبت امتيازه منها، وحفظ كميات كبيرة من نطاف الثيران المختبرة proven bulls مجمَّدة ضمن الآزوت السائل (-198 ْم) في مصارف للنطاف.
    من أهم الصعوبات التي تصادف العاملين في تجميد النطاف أن هذه التقانة لم تتطور على نحو جيد عند الأنواع الحيوانية كافة ـ مثلاً في الأغنام والماعزـ مقارنة مع التطور المذهل الذي حُقق في الماشية. كذلك فإن الأفراد التي تُكوَّن من نطاف مجمدة قد لا تستطيع العيش في بيئات مختلفة عن بيئات الحيوانات التي أنتجتها، وقد تكون مقاومتها أضعف لبعض الأمراض الجديدة. وإذا استخدم تجميد النطاف وسيلة وحيدة للحفظ، فإن أجيالاً عدة من التلقيحات الرجعية backcrosses قد تكون ضرورية لإعادة تكوين العرق أو السلالة المرغوبة. وعلى خلاف ذلك فإن استخدام الأجنة المجمدة frozen ova يكون أسرع في نتائجه من استخدام النطاف المجمدة.
    اقترح بعض الباحثين استخدام الدنا المحفوظ وسيلة لحفظ التنوع الوراثي، ولكن يرى آخرون أنه ليس عملياً أن تحفظ في الوقت الراهن أجزاء من جينوم genome الكائنات النادرة بدلاً من حفظه كاملاً.
    عندما تُقارن تكاليف طرائق حفظ الموارد الوراثية الحيوانية، ومدى كفاءتها في تحاشي التربية الداخلية فإن أفضلها هي حفظ حيوانات حية وسوائل منوية مجمَّدة. ولتحقيق حفظ قدر جيد من التنوع الوراثي، فإنه يُفضَّل:
    - بدء العمل بمجموع population كبير العدد.
    - استخدام أكبر عدد ممكن من الآباء (ولاسيما الذكور) لإبقاء مستوى التربية الداخلية منخفضاً قدر الإمكان.
    - تقسيم المجموع إلى مجموعات (عائلات) أصغر، وكثيراً ما يحتفظ بالإناث ضمنها، واستخدام ذكور أو سوائل منوية مجمدة من عائلات أخرى لتلقيحها.
    ب ـ مصارف النطاف للرجال: يتزايد استخدام التلقيح الاصطناعي في الإنسان في بلدان عدة، ومن أجل ذلك تنتشر مصارف النطاف على نطاق واسع فيها. ولذلك أسباب متعددة منها مايتعلق بانخفاض خصوبة بعض الرجال لأسباب وراثية أو بيئية، مثل تعرضهم لمستويات مرتفعة من الإشعاعات أو لمواد كيمياوية ضارة؛ أو لرغبة بعض الرجال ـ وربما زوجاتهن أيضاً ـ بتأخير الحمل إلى فترات مستقبلية يرونها أنسب لهم؛ أو لأن بعض الرجال لا ينتجون نطافاً بأعداد كافية، فتُجمع منهم عينات عدة لمزجها بغية زيادة أعداد النطاف إلى الحد المناسب لإحداث الإخصاب.
    تسجل مواصفات العينات المراد حفظها في مصارف النطاف، والرجال الذين أنتجوها، بعضهم أزواج لنساء سيُلقَّحن اصطناعياً؛ وبعض آخر واهبين donors لها، وبديهي أن تلقح الزوجات بنطاف أزواجهن حصراً؛ إلا أن ذلك لم يعد أمراً مهماً في كثير من البلدان ولاسيما عندما يكون الأزواج (أو الأصدقاء) عقيمين أو لديهم مشكلات تناسلية.
    وعلى الرغم من الشروط الصارمة التي وضعت في جميع البلدان لضمان استخدام النطاف المحفوظة استخداماً أخلاقياً وصحياً دقيقين، ومراعاة أقصى درجات السرية في هذه المصارف، إلا أن إساءة استخدام هذه الطريقة أمر شائع في كثير من المجتمعات، وينجم عنه مشكلات كثيرة دينية وأخلاقية واجتماعية وقانونية، وأحياناً صحية.
    وتجدر الإشارة إلى أن بعض الدول، مثل كندا، تسمح باستيراد سوائل منوية من بلدان أخرى وفقاً لمواصفات والتزامات معينة!!
    ج ـ مصارف البذور الزراعية: هنالك نحو 1400 مصرف للبذور في كثير من البلدان، تُحفظ فيها عينات وفيرة من بذور الحاصلات الحقلية والخضراوات وأشجار الفاكهة والنباتات البرية، ولاسيما المهدَّد منها بالانقراض (الشكل 4). وتتبادل هذه المصارف عينات من البذور مع مصارف متماثلة في المنطقة الجغرافية ذاتها أو في مناطق مختلفة.
    الشكل (4) بذور محفوظة في مصرف بذور
    تتفاوت شروط حفظ البذور في هذه المصارف بحسب أنواعها. وعموماً لابد من تجفيف البذور بحيث لاتزيد نسبة رطوبتها على 7%، وتعبأ في عبوات محكمة الإغلاق وخالية من الرطوبة، وتخزن في درجة حرارة – 18 ْم، وتراقب البذور المخزَّنة، وتُختبر حيويتها على نحو منتظم ومستمر، وتستبدل بأخرى إذا انخفضت حيويتها عن حد معين.
    تجدر الإشارة إلى أن النروج ستباشر في عام 2007 بناء مصرف للبذور في كهف جليدي ضخم سيحفر ضمن جبل في جزيرة سبتسبرغن Spitsbergen التي تبعد نحو 966كم من القطب الشمالي، وسيساعد استمرار وجود الجليد في هذه الجزيرة على حفظ البذور سليمة. وقد صُمم هذا المصرف بحيث يقاوم أعتى الكوارث البيئية؛ وحتى الحروب الذرية، وستكون جدرانه من الإسمنت المسلح بسماكة متر، وأبوابه مضادة لأشد الانفجارات. وستُحفظ فيه عينات من البذور من جميع أنحاء العالم، حيث يُحدد ذلك أساساً الدول التي ترغب في استخدامه.
    د ـ مصارف البصمة الوراثية[ر. البصمة الوراثية].
    هـ ـ المصارف البحثية: أدى نجاح عمليات «زرع» بعض الأنسجة والأعضاء إلى تأسيس «مصارف» خاصة بها. وقد ظهرت حديثاً مصارف «بحثية» research banks خاصة بالأدمغة البشرية والحيوانية؛ وذلك لأن الحصول على أنسجة دماغية مصابة بمرض ما، وأخرى سليمة؛ أمر مهم لإجراء البحوث العلمية الهادفة إلى تعرف المرض، والسعي إلى إيجاد علاج له أو وسائل ناجعة للوقاية منه. ومن أمثلة ذلك مرض هنتنغتون Huntington’s disease الذي تسببه مورثة طافرة mutant gene اكتُشِفت عام 1992. وتتوافر طرائق مخبرية لتحرِّيها عند الإنسان، ومن ثم تحديد إصابته بهذا المرض الذي لا يتوافر له علاج ناجع حتى اليوم. وتتلقى المصارف الحيوية المتخصصة «هِبات» الأدمغة المصابة بهذا المرض أو أنسجة منها بعد وفاة أصحابها. ويمكن توزيع عينات منها على الهيئات البحثية المهتمة بهذا المرض الخطير لدراسة كيف تتمكن المورثة الطافرة من إحداث تغيرات دماغية تؤدي إلى موت العصبونات في الدماغ، ومن ثم ظهور مرض هنتنغتون. ويأمل الباحثون أن يؤدي تفهم المسارات الجزيئية إلى تكوين معالجات مناسبة لإيقاف التدهور الدماغي، بل حفظه من التلف في مراحل مبكرة، وكذلك تعرف المسارات الوراثية للمرض في بعض الأسر.
    وللحفاظ على «خصوصية» المتوفَّين أو المرضى الواهبين؛ فإن مايهبونه لمصارف الأدمغة يُحفظ بسرية لايمكن كشفها على الإطلاق.

    الشكل (5) وعاء لتجميد جثة الإنسان
    و ـ مصارف الخلايا الجذعية: بعد اكتشاف الأهمية الفائقة للخلايا الجذعية stem cells؛ والمتمثلة أساساً بقدرتها على تكوين أنسجة أخرى مختلفة، فقد تأسست مصارف خاصة بها، وتتزايد الأبحاث الخاصة بها في دول عدة على الرغم من كثرة الاعتراضات التي يصادفها الباحثون بما يتعلق بالنواحي الأخلاقية لاستخدام هذه الخلايا وغيرها.
    ز ـ مصارف الدنا النباتي: يتميز مصرف الدنا في الحديقة النباتية في كيو بلندن بكونه أحد أكبر مصارف الدنا وأشهرها ضمن إحدى أشهر الحدائق النباتية في العالم، حيث تبنى المصرف شعاراً جيداً هو: «حفظ الماضي، وتشخيص الحاضر، وحماية المستقبل». وفي مطلع عام 2002 زاد عدد العينات المحفوظة بالتجميد فيه عن 22000 عينة من دنا أنواع كثيرة من النباتات، ويمكن لأي باحث أو هيئة بحثية طلب عينات منها بقصد الدراسة، وكثير من العينات مأخوذ من نباتات نادرة أو شارفت على الانقراض، أو انقرضت فعلاً. ولاشك أن حفظ عينات الدنا هو أمر أفضل اقتصادياً من حفظ عينات نباتية كاملة.
    ح ـ الحدائق المجمدة: تزداد أهمية تأسيس ما يُسمى الحدائق الحيوانية والنباتية المجمدة frozen zoo and gardens، وهي في الواقع مصارف جينومات genomes حيوانية ونباتية، تتميز بأنها لا تحتاج إلى مساحات كبيرة من الأرض والأبنية، وتتكون من بناء أو بضعة أبنية، تحتوي على أوعية للآزوت السائل لحفظ العينات التي أُعدَّت في مختبرات غير باهظة التكاليف. وتُحفظ فيها عينات من البذور والأبواغ والبادرات والأنسجة والأجنة النباتية، أما العينات الحيوانية فتتضمن نطافاً وبويضات غير مخصبة وأجنة. وكل من العينات النباتية والحيوانية المجمدة قادر على النمو إلى كائن حي كامل حالما تتاح له الفرصة المناسبة.
    ط ـ مصارف حفظ الموتى: وجدير بالذكر أن الحفظ بالتجميد بدأ بالانتشار لدى الإنسان ذاته (الشكل 5)، حيث أنشئت في الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى «مصارف ضخمة» لحفظ جسم الإنسان مجمَّداً لقاء رسوم كبيرة يدفعها ورثته أو من أموال كان خصصها هو نفسه لهذه الغاية؛ وذلك بأمل «إعادته» إلى الحياة إذا أمكن ذلك في المستقبل!!!!
    إن العالم مطالب بالحفاظ على التنوع الوراثي للحيوان والنبات، واستنباط طرائق جديدة لتحسين الكفاءة البيولوجية والتناسلية للإنسان والحيوان والنبات، وإن هذه أمور بالغة الأهمية ولاسيما في الدول العربية والنامية، حيث لا تتوافر بيانات دقيقة عن الأنواع والسلالات الحية، ـ نباتاً وحيواناًـ التي فُقدت فعلاً؛ أو التي هي مهددة بالانقراض، وقد تحتاج هذه البلدان إلى تطوير مخططاتها ـالمتواضعة في أغلب الأحيان ـ للحفاظ على ما تبقى من ثروات وراثية حية لديها، وربما لاستعادة بعض ما فُقد منها.
    أسامة عارف العوا


يعمل...
X