المسرحية (الدراما)drama أحد مصطلحات الأدب المسرحي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المسرحية (الدراما)drama أحد مصطلحات الأدب المسرحي

    مسرحيه (دراما)

    Drama - Drame

    المسرحية (الدراما)

    الدراما drama أحد مصطلحات الأدب المسرحي، دخل على العربية بلفظه الأصلي في القرن العشرين. يعود أصل الكلمة إلى اللغة اليونانية[ر] بمعنى الفعل، وقد استخدمها أرسطو[ر] في كتابه «فن الشعر» للدلالة على إحدى الوحدات الثلاث الرئيسية في العمل المسرحي، وهي الزمان والمكان والفعل (أو الموضوع أو الحكاية). وصارت تعني منذئذٍ أيضاً أي نص مسرحي كُتب ليُعرض في المسرح وليشاهده الجمهور نابضاً بالحياة في أداء الممثلين. وبهذا المعنى تكون الدراما ـ إضافة إلى مكان العرض المسرحي والجمهور ـ أحد أهم ركائز الفن المسرحي theatre art. وهدف الدراما هو الإمتاع بالمعنى الجمالي فنياً وفكرياً، ويتم تحقيق ذك بتحويل النص الدرامي إلى معادِله البصري السمعي ـ الماثل أمام الجمهور طوال وقت العرض متطوراً بتناقضات الأفعال ـ في أداء الممثلين. ومن أبرز سمات العرض المسرحي أنه غير قابل للتكرار، مقارنة بالعرض السينمائي أو التلفزيوني، ومن ثم تتولد خصوصية العرض المسرحي من حميمية التعايش بين الأداء الحي للممثلين والتلقي الحي لحظياً من قبل الجمهور، مما ينتج مِزاج العرض الخاص والمتغير في كل مرة. ومن حيث كون الدراما ـ في أحد معانيها ـ شكلاً فنياً ونتاجاً أدبياً وجوهراً لما هو درامي dramatic عامة، فهي تجسيد للماثل الكلي بتناقض أفعال شخصياته، بحيث يدرك الجمهور ما أمكن الحدث المركَّب، والذي ليس ضرورياً دائماً أن يكون تاماً مكتملاً في ذاته. وهذا يتعلق على نحو خاص بموقف الكاتب المسرحي من الواقع وأسلوب تعبيره عنه في نصه، بمعنى كيفية صياغته لتفاعل الذاتي والموضوعي في حكاية حيوية مؤثرة هي قوام العرض المسرحي.

    "إلكترا" لسوفوكليس من مهرجان لاروشيل عام 1976
    إن أهم عناصر الدراما هي الفعل/الحكاية Action التي تتألف من مجموع أفعال مختلف الشخصيات. وانطلاقاً من ذلك ترصد الدراما الواقعية[ر] الأفعال البشرية كونها عند تحديد الهدف واتخاذ القرار متأثرة بجدلية الذاتي والموضوعي، أو الفردي والمجتمعي، والتي تحتّم سيرورة العملية الاجتماعية. فالدراما تعني الفعل في عملية تشابك المصالح والمواقف والقناعات، وتبرزها في الفعل ورد الفعل، في الخطاب والجواب، وفي الفرضية ونقيضها، أي في الصراع بين الشخصيات. ومن ثم يكتسب الفعل الدرامي خصوصيته من كون ما هو واقعي وذو صلاحية عامة يبدو شخصياً صرفاً يحدث في شروط خاصة جداً. وإذا طرحت الحالة الدرامية dramatic situation خيارات أو بدائل يصير الجهد المبذول بغرض تغيير الحالة أو الصراع من أجل الحسم هو الفعل/الحكاية، بما يعني أن الدراما التركيبية synthetic drama هي الحكاية المبنية على فعل بغرض تحقيق هدف، مثل «إلكترا» لسوفوكليس[ر]. وعندما يؤدي تغيير الحالة الدرامية في الوقت نفسه إلى إزاحة الخيارات يصير الكشف عن سبب سقوط الشخصية هو سياق الفعل، كما في الدراما التحليلية analytic drama، بمعنى الكشف عن حدث وقع قبل بدء الفعل المسرحي، مثل «أوديب ملكاً» لسوفوكليس أيضاً. ولكن عندما لا تتيح الحالة الدرامية أي خيار يصير سلوك الشخصية ـ كما في المسرح الملحمي غالباً ـ أو وضعها ـ كما في مسرح العبث[ر] غالباً ـ هو سياق الفعل. فالحالة الدرامية هي فضاء الفعل الدرامي الذي ينطوي على احتمالات متعددة متباينة، وتحقيق هذه الاحتمالات أو عدم تحقيقها من قبل الشخصيات الفاعلة هو ما يخلق التوتر أو التشويق الدرامي.
    إن الوسيط اللغوي للتعبير عن ذلك كله ولتحقيقه هو الحوار dialogue الدرامي. وعلى نقيض الحوار الملحمي أو كنوع أدبي يُعدّ الحوار الدرامي الوسيلة الفنية الجوهرية لاستيعاب الفعل وجعله ينمو بالكشف عن المشكلات المستترة ماوراء الخطاب وجوابه. فهو يتضمن ـ بمشاركة جميع الشخصيات فيه ـ معطيات عن الزمان والمكان، إضافة إلى الإرشادات الإخراجية الضرورية لتحقيق المعادل البصري السمعي للنص الأدبي في المسرح. فالحوار يجعل الحالة الدرامية والصراع الدرامي ملموسين، كما أنه يُظهر دوافع الشخصيات ويبيِّن سماتها الخاصة والعامة، وهو الذي يبني سياق الفعل في بنية متكاملة، تتطابق مع جزئياته، بحيث يمكن القول إن الحوار الدرامي هو الدراما؛ والعنصر الأساسي فيه هي اللغة الدرامية التي ازدهرت في منطقة وادي الرافدين. فقد عُثر في منطقة الحضارة السومرية جنوبي العراق على نص بعنوان «رثاء أور» يعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، ويحكي عن الصراع ما بين الآلهة المتنافسة على فرض سلطتها على المخلوقات البشرية على الأرض التي صارت مسرح معاركها الطاحنة، مما أدى إلى خراب مدينة أور ومقتل أهلها وبوار أراضيها. واللافت في هذا النص القديم أنه مؤلف من أربع جوقات تتناوبن الابتهال والتضرع تارة والندب تارة أخرى في لغة شعرية غنية المفردات إيقاعية الموسيقى، وفي أثناء ذلك تحكي الجوقات قصة الصراع وأفعال الآلهة ومآل البشر وأرضهم. وهناك من مرحلة الحضارة البابلية نص يعود إلى نحو 1600ق.م بعنوان «السيد والعبد» أثار دهشة الباحثين المسرحيين والمستشرقين بسبب بنيته الدرامية وموضوعه ومقولته الفكرية. يتضمن النص إرشادات إخراجية إلى المنظر المسرحي (الديكور) وتفاصيل موجودات القاعة في منزل شاعر البلاط، حيث تدور الأحداث بين العبد المثقف الذي يدوِّن قصائد الشاعر حفراً في الرُقم وبين الشاعر الحائر في أمره ومستقبله بعد سقوط مدينته في الحرب. وقد كشفت التنقيبات الآثارية عن نموذجين لعمارتين مسرحيتين من وادي الرافدين تتألفان من مدرج عرضي يسمح بجلوس نحو ألف مشاهد، ومنصة حجرية عرضية أيضاً تقابل المدرج، ويفصل بينهما ممر بعرض مترين، في طرفيه بوابتان. وهذا يدل لاشك على وجود نصوص مسرحية أخرى كانت تقدم في مثل هذه المنشآت في ذلك العصر. وكلا النصين المذكورين لا يحمل اسم المؤلف، كما في ملاحم المنطقة عامة.
    والجدير بالذكر أن مصر الفرعونية قد أنجبت منذ الألف الثانية قبل الميلاد ظاهرة المسرحية الدينية المحجَّبة التي كانت تعرض داخل المعابد المقدسة فقط ولا يسمح بمشاهدتها إلا للكهنة، ويؤدي أدوارَها الكهنةُ أنفسهم. كما أنجبت المواكب المسرحية الهائلة التي كانت تمثل انتصار الإله حوروس (الخير) على أخيه سيث (الشر). ويمتد الموكب على مسافة 25كم براً ونهراً ـ في النيل وعلى ضفتيه ـ من مدينة ممفيس إلى ميناء أبيدوس. وهذه الظاهرة تشبه احتفالات العرس الإلهي المقدس التي كانت تقام في قصر الملك البابلي على نهر دجلة منذ الألف الثانية قبل الميلاد.
    عادت الدراما لتظهر بقوة في منطقة الحضارة الأوربية في اليونان القديمة مع تشكل الدولة أو المدينة الدولة polis؛ علماً أن عبادات المجتمع المشاعي بقيت سارية المفعول فيها، مثل طقوس عبادة الإله ديونيسوس[ر] واحتفالات الديثيرامبوس[ر. اليونان (الأدب في ـ)]. ومنذ ولادة الدراما الإغريقية في القرن الخامس ق.م كانت اللغة الدرامية في أوج ازدهارها شعراً إيقاعياً موزوناً، ودليل ذلك هو الاستخدام الحاذق للتناشد الشعري stichomythia حواراً بين شخصين منذ أسخيلوس[ر]، وهو دليل أيضاً على الأصل الديني المقدس للدراما وعلى طبيعتها المتناقضة بين الأصل الديني والتوجه الدنيوي. وقد تمكنت اللغة في الحوار الدرامي كذلك من تحديد القيم الأخلاقية ـ الاجتماعية والجمالية البناءة في سيرورة العملية الاجتماعية.
    إن تضافر العناصر الدرامية وتشابك وظائفها على نحو منسجم يقدم للباحث ما يكفي من المعلومات لتتبع جذور الأنواع genres المسرحية، ولم يعرف العصر الكلاسيكي منها سوى الملهاة (الكوميديا) والمأساة (التراجيديا) وفواصل الساتير satyr التهكمية من موضوعات المسرحيات المأساوية الجادة. لكن التطور المتسارع لفن الإيماء[ر] mimos والتمثيل الإيمائي pantomimos أدى إلى تطوير تجسيد الحياة اليومية للإنسان، وكذلك الحوار النثري في جميع الأنواع المسرحية.
    وعن طريق التركيب والمزج توالدت الأنواع المسرحية الجديدة متساوقة مع التطورات الاجتماعية والثقافية والسياسية والفنية في تاريخ الدراما الأوربية. وتباينت آراء النقاد والمنظِّرين في معايير تصنيفها، إما بحسب المضمون تاريخياً (مسرحية تاريخية، مسرحية معاصرة، مسرحية موجهة دينياً أو سياسياً)، وإما بحسب شكل التواصل اللغوي (مسرحية شعرية، مسرحية نثرية، مسرحية مختلطة شعراً ونثراً)، وإما فلسفياً (مسرحية ذهنية، مسرحية دينية)، وإما بحسب الأسلوب الجمالي (مسرحية تراجيكوميدية)، مسرحية ميلودرامية (مشجاة)، مسرحية فارْس farce (هزلية)، مسرحية غروتسكية grotesque (ساخرة)، وإما بحسب الموقف الاجتماعي (مأساة برجوازية، ملهاة برجوازية، مسرحية بروليتارية، مسرحية شعبية) إلخ. أما فيما يتعلق بالتوصيف العلمي لعلاقة الشكل بالمضمون فقد ثبت أن التصنيف بحسب المراحل الزمنية كان ناجعاً، وكذلك الاعتماد في هذا الإطار على تحليل بنية العمل الدرامي، إذ إن العلاقة المتبادلة بين بنية العمل الدرامي والهدف منه قد حفّزت المؤلفين والمنظرين عبر التاريخ على تدبيج آرائهم ونظرياتهم.
    إن أقدم نظرية في موضوع الدراما وأبلغها تأثيراً عبر العصور اللاحقة تعود إلى أرسطو في «فن الشعر» ـ الفقرات 6ـ 18 ـ حيث قدّم تعريفاً دقيقاً وتحليلاً لبنية الدراما، اعتماداً على أدوات العرض المسرحي وأغراضه وأساليبه. وبحسبه تقوم المأساة على محاكاة[ر] فعلٍ جليل تام، وتؤدي إلى التطهير katharsis بإثارة انفعالات الخوف والشفقة عند الجمهور؛ وذلك بنسج معطيات الحكاية في حبكة متماسكة. وينتج هذا التماسك من التقسيم الثنائي المدروس إلى مرحلة تعقيد الحدث ثم إلى حلّ عقدته، إضافة إلى نبالة الشخصيات وجدارتها بالقيام بالفعل الجليل. وقد نتج من تفسير طبعة عام 1506 في ڤينيسيا أن هيمن تأويل تيار الأرسطوية الجديدة neo aristotelianism؛ مما ولَّد التمسك الأعمى بقاعدة الوحدات الثلاث three unities شكلاً، وبنبالة الشخصيات من حيث الانتماء الطبقي مضموناً. وبعد قرن من الزمن صدر الموقف النقيض من إسبانيا بقلم دي بيغا[ر] حول الكتابة المسرحية المتلائمة مع العصر، لكنها في حينها لم تلق قبولاً أوربياً حتى بروز «نزاع حول (مسرحية) السيْد» Querelle du Cid لكورني[ر] في النزاع مع «الأكاديمية الفرنسية» التي أسسها رئيس الوزراء الكاردينال ريشِليو[ر] الذي فرض «مصلحة دولة الحكم المطلق» شرطاً للكتابة المسرحية المعترف بها من طرف الدولة، مؤكداً حصر الأفعال الجليلة بالطبقة الأرستقراطية الحاكمة، مدعوماً في ذلك بآراء الناقدين الجماليين دي لاتاي J. de la Taille في «كتاب فن الشعر» Poetices libri ت(1572) وبوالو[ر] ـ معاصره ـ في كتابه «فن الشعر» L’Art poétique ت(1674).

    "ألاعيب سكابان" لموليير على مسرح الكوميدي فرانسيز عام 1977
    وقد بقيت قواعد الكلاسيكية الجديدة Néoclassicisme الفرنسية مهيمنة في معظم أوربا الإقطاعية حتى القرن الثامن عشر، بما في ذلك مسرح ڤولتير[ر]. وفي الوقت نفسه عندما عرض موليير[ر] مسرحيته «كاره البشر» Le Misanthrope ت(1666) ظهر مفهوم جديد للدراما، تطور من ثم على نحو ملحوظ في أفكار ميرسييه L.-S.Mercier وفي تنظيرات ديدرو[ر]، ولاسيما في مؤلفه «عن المسرح، أو مقالة جديدة في الفن الدرامي» Du Théâtre, ou Nouvel essai de l’art dramatique ت(1773) حيث قال: «في الكتابة الدرامية الجديدة تمتزج سمات المأساة بسمات الملهاة كما في الحياة الواقعية لتعالج جميع أنواع البؤس والمعاناة الإنسانية» وقد مال النقد إلى تسميتها الدراما البرجوازية؛ لأن موضوعاتها وشخصياتها الرئيسية مستمدة من واقع حياة هذه الطبقة. أما الألماني لسينغ[ر] في مجموعة مقالاته «فن المسرح في هامبورغ» Die Hamburgische Dramaturgie ت(1767 - 1769) فقد استند إلى مسرح شكسبير[ر] عندما عدَّل مفهوم التطهير katharsis الأرسطوي، ليعني تكوين وعي ذاتي بالمواطنة والانتماء القومي، وأكَّد في الوقت نفسه أن الدراما الجديدة تتركز في الصدام بين الشخصية والظروف المحيطة بها في الواقع. ولكن بقوله إن حرية قرار الشخصية تتعلق بموقفها الأخلاقي فقد تراجعت أهمية الانتماء الاجتماعي للشخصيات إلى موقع ثانوي، في حين كان ديدرو قد أبرز في مقالته «في الشعر المسرحي» De la Poésie dramatique ت(1758) دور الطبقة الاجتماعية، ووصَف الشخصية بكونها عرضية خاضعة للمصادفة. وقد أضاف عدد من الكتاب الألمان في القرن الثامن عشر ملامح جديدة إلى مفهوم الدراما وسمات شخصياتها. فغوته[ر] وشيلر[ر] مثلاً عالجا شخصية الفرد العبقري، لكنهما وضعاها في سياق الحتمية التاريخية. لقد استوعب شيلر جماليات الفيلسوف كانْت[ر] وفلسفة التاريخ عند هردر[ر] ووضع مقولتي الأدب الطبيعي والأدب العاطفي ـ بصدد تحليله تطورات الدراما الأوربية ـ متجاوزاً التقسيم التقليدي للأنواع المسرحية، وصادراً عن تصور مادي لدور الفرد في التاريخ. ورأى غوته أن الضرورة هي التي تملي عزل الأجناس الأدبية (الشعر، الملحمة، المسرح) عن بعضها أو المزج فيما بينها، بغض النظر عن القواعد المتعارف عليها. أما هيغل[ر] فقد توصل في علم «الجمال» Ästhetik ت(1832) إلى أن الدراما هي توحيد موضوعية الملحمة[ر] مع ذاتية الشعر. أما رأيه في «الشخصية الوحيدة الفاعلة» فقد وجد صداه في القرنين التاسع عشر والعشرين على نحو مبالغ في ذاتيته، بمعنى التركيز على «مصير الفرد» إلى أن ظهر مسرح العبث وقلب هذا التوجه رأساً على عقب.

    "الأم شَجاعة وأطفالها" لبريشت على مسرح بوبينو عام 1969
    أما بريشت[ر] في تنظيره للمسرح الملحمي[ر] فقد وضع قاعدة مادية ـ جدلية لنظرية الأنواع المسرحية والأجناس الأدبية، مؤكداً ضرورة تجديد مضمون هدف المسرح ـ الإمتاع والتعليم ـ انطلاقاً من «مسرح العصر العلمي الذي يجعل الإنتاجية productivity مصدراً رئيسياً للإمتاع»، والذي يبرز إمكانية تغيير الأوضاع القائمة بكشف تناقضاتها وتحليل أسبابها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حسبما ورد في «الأورغانون الصغير للمسرح» Das kleine Organon für das Theater ت(1949).
    إن تطورات مفاهيم الدراما في الحضارات الغربية عامة لا تسري بالضرورة على الحضارات الشرقية، وإن كان الأصل الأسطوري ـ الديني للمسرح هو نفسه في جميع الحضارات الإنسانية. فانطلاقاً من مفاهيم الفلسفات الهندوسية[ر] والبوذية[ر] والجاينية عن موقع الإنسان في الكون وعلاقته بعالم الآلهة وموقفه من الموت، وتأسيساً على نظام الطبقات الاجتماعية المغلقة المهيمن منذ الألف الأولى ق.م لا تميِّز الدراما السنسكريتية[ر] بين مأساة وملهاة وغيرها من الأنواع التي ظهرت في الغرب، بل هي تعرض مسيرة حياة الإنسان في تقلباتها المتناوبة بين السعادة والتعاسة وبين الخير والشر، وبغض النظر عن الانتماءات الاجتماعية للشخصيات سواء كانت نسائية أم ذكورية، بحيث يحتمل أن يكون ابن الملك شريراً دنيئاً، والمنبوذ إنساناً كريم النفس. والدراما الهندية القديمة تنطوي دائماً على موسيقى وغناء ورقص، ولغتها ليست ذات مستوى واحد بل تنبع من واقع الشخصية والموقف الدرامي، فهي تتدرج بين أرقى درجات الشعر وكلام العامة.

    أوبرا بكين
    أما الصينيون فقد طوروا في تاريخهم الطويل العريق مسرحاً غنائياً يشتمل على النص الشعري والنثري السردي والرقص المرمَّز بدلالات مألوفة عند الجمهور، مع تركيز كبير على القدرات البهلوانية الخارقة لجسد المؤدي في عرض مُؤَسْلَبٍ stylized من ألفِه إلى يائه، أطلق عليه الغربيون تسمية «أوبرا بكين» Peking Opera في حين أن لا علاقة لهذا المسرح بفن الأوبرا[ر] سوى الغناء. وهي تسمية مجحفة، لربط الظاهرة بمدينة بكين وحدها متجاهلة الفوارق الجوهرية بين شمالي الصين وجنوبيها في إطار الظاهرة الفنية نفسها. أما المسرح الدرامي بمفهومه الأوربي المتعارف عليه ـ ولاسيما من حيث الأداء التمثيلي ـ فلم تعرفه الصين إلا مع مطلع القرن العشرين، وصار له كتّابه وفرقه من المحترفين والهواة، لدرجة أن صار فن «أوبرا بكين» ظاهرة وطنية تقليدية تنتمي إلى التراث، في حين صارت الدراما هي المعبِّر الرئيسي مسرحياً عن قضايا الماضي والحاضر والمستقبل، ولاسيما في مرحلة ما سمي «الثورة الثقافية» التي حاولت أن تقضي على ما أسمته مخلفات الماضي الإقطاعي واستخدمت فن الدراما للترويج دعائياً لإيديولوجيتها الماوية[ر. ماوتسي تونغ]، من دون نجاح يذكر.

    مسرح بونراكو
    وفي مجموعة الجزر اليابانية تطور فن مسرحي ذو خصوصية متميزة محلياً، على الرغم من الانتماء إلى حضارة الديانة البوذية والشنتوية[ر]. وقد تجسدت هذه الخصوصية في مسرح نو Nô-theatre ذي الطابع المأساوي ـ غير الأوربي ـ بتناوله موضوعات أسطورية وبطولية ودينية وعاطفية وروحية في عروض ذات خمسة أجزاء غالباً، لكل جزء موضوعه المحدد مع تغير القصة والحبكة والشخصيات، ومع فواصل ساخرة ترفيهية، بحيث يمتد العرض بفقراته التسع التقليدية ليحتل ساعات النهار كلها. كما تجسدت الخصوصية اليابانية في مسرح الكابوكي Kabuki الذي رعته برجوازية المدن منذ القرن السادس عشر مصدراً ترفيهياً، إذ إن مكان العرض يشكل مزيجاً من المسرح والمقهى في الوقت نفسه؛ فهو مسرح شعبي ذو مضمون درامي ـ معاصر غالباً ـ غني ومشوق وفي قالب فكاهي يعتمد إلى حد كبير على المهارات الجسدية التي تدرب عليها المؤدون منذ الثامنة من عمرهم. وفي كلا النوعين من المسرح مازال الرجال يؤدون الأدوار النسائية. والنوع الثالث في المسرح الياباني هو البونراكو Bunraku أي مسرح العرائس التي يقارب حجم كل منها نحو 150سم، يحركها لاعبون مهرة، تدربوا على توظيف مختلف طبقاتهم الصوتية وفق الحالة الدرامية للشخصية. وما يلفت النظر هنا هو أن هذا المسرح ليس موجهاً إلى الأطفال بحسب العرف السائد عالمياً بل إلى الكبار أولاً والصغار ثانياً، من حيث موضوعاته ولغته وأهدافه، معتمداً على العنصر الدرامي الغني للحكايات التي يقدمها ببذخ عالٍ في الأزياء، إضافة إلى مؤثرات الإضاءة والأصوات. وتعتمد المادة الدرامية في هذا المسرح على الخيال الجامح المرتبط غالباً بالبطولات الشعبية لشخصيات من التاريخ الياباني.
    كان للدراما تجليات متنوعة في مختلف الحضارات منذ ما قبل الألف الثالثة ق.م حتى اليوم، وذلك بحسب التطور الحضاري ـ الثقافي في هذا أو ذاك البلد، وكذلك بحسب تطور التطبيقات التقانية في الفن المسرحي ولاسيما منذ نهايات القرن التاسع عشر مع فرقة ماينِينغْن Die Meininger الألمانية، ثم مع تجارب ماكس راينهارت[ر] على صعيد تقانات الإضاءة وتحريك أجزاء جسم المنصة واستخدام الجسور المعلقة والقرص الدوار. ومنذ نهايات القرن العشرين هيمنت عالمياً ومحلياً ظاهرة المخرج/المؤلف التي أدت إلى إقصاء الأدب الدرامي الجديد، مع ما يمثله من فكر اجتماعي فلسفي سياسي، ليُحل محله النظرة الفنية للمخرج/المؤلف لكون العرض المسرحي فرجة بصرية في المقام الأول. إن الأسماء المهمة في ميدان الأدب الدرامي مازالت تظهر هنا أو هناك، وإن على استحياء، ولاسيما في المواجهة التنافسية غير العادلة مع الدراما السينمائية والتلفزيونية ذات الانتشار والتأثير الواسعين.
    نبيــل الحفــار

يعمل...
X