الغائية teleology- finality هي علم الغايات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الغائية teleology- finality هي علم الغايات

    غاييه

    Teleology / Finality - Téléologie / Finalité


    الغائية



    الغائية teleology- finality هي النظرية التي تزعم أن كل ما في الطبيعة وما يجري فيها من عمليات إنما يتوجه إلى تحقيق غاية معينة، فالغائية هي علم الغايات؛ إذ ترى أن العلة هي الكامنة وراء أنواع التغيرات كلها، حتى السلوك الإنساني الأكثر عقلانية يفسر عامة بأنه خاضع لتأثير الغاية، والطبيعة أيضاً خاضعة للغاية، إلا أن الغاية فيها مزروعة بطريقة غير واعية، أما الإنسان فإنه يحدد غايته بطريقة واعية.

    وترتبط الغائية بمذهب حيوية المادة ونظرية الأرواحية ومذهب وحدة الوجود[ر]. وتزعم أن مبدأ الحياة والوجود يكمن في المادة كونها تتألف من ذرات حية لها قدرة غامضة على التخيل. إن الغائية تسعى لتفسير الرابطة الكامنة الكلية بين الظواهر الطبيعية جميعها التي تخضع للقانون، فالمذهب الغائي هو المذهب المقابل للمذهب الآلي، ويُطلق على كل نظرية تعلل ظواهر الوجود بالأسباب الغائية، فإذا تناولت ظواهر الحياة سُميت بالمذهب الحيوي، وإذا شمل التعليل الغائي ظواهر الوجود جميعها سمي بالمذهب الغائي الكلي.

    وكان أرسطو أول من عرّف الغائية، وقال إنها المبدأ الذي تتحرك الأشياء بمقتضاه نحو تمام صورها، التي هي وجودها بالفعل، وكل ما في الطبيعة يخضع لغاية واحدة أسمى. وبهذا وضع أرسطو أول مذهب غائي متماسك، وكان له أثر متميز في لاهوت الأكويني وفلسفة لايبنتز[ر] وهيغل[ر] وهايدغر[ر].

    المذهب الأرسطي يقوم تماماً على الغاية، فالفكرة المحورية في فلسفته هي الهيولى والصورة، وهي الفكرة الأساسية في مفهوم الجوهر[ر]، عماد الفلسفة الطبيعية والميتافيزيقية عند أرسطو، ويقوم على ثلاثة مبادئ، أهمها المبدآن المتمثلان في المادة والصورة، فالصورة التي ينبغي الوصول إليها في عالم ما بعد الطبيعة عند أرسطو هي ما يكون ماهية الأشياء الطبيعية، ومن ثم الصورة النهائية لكل هذه الماهيات هي صورة الصور أي المحرك الأول الذي لايتحرك.

    يسمي أرسطو الصورة بالكمال، والكلمة من حيث اشتقاقها باليونانية تدل على الغاية إذ تعني: ما يكون حاصلاً على الغاية أي ما يكون حاصلاً على الصورة، فالصورة هي الكمال بمعنى أنها غاية الحركة، والموضوع النهائي للحركة هو حصول المادة على الصورة متسلسلة من صورة إلى صورة أعلى حتى الوصول إلى صورة الصور. لقد فسر أرسطو الحركة بمعنى الانتقال من المادة إلى الصورة مستنداً إلى مفهوم الغائية، فغاية المادة الصورة، وتسعى المادة إلى الإتحاد بها والانتقال من صورة إلى صورة، من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، وتستمر المادة في الانتقال من صورة إلى صورة أعلى حتى تصل إلى الصورة النهائية، وفي هذه الحال لن يكون المحرك الحاصل على صورة الصور باطناً في الأشياء وإنما لابد أن يكون شيئاً تميل الأشياء إلى أن تتحقق على أساسه، ومن هنا كان المحرك الأول الذي لايتحرك عالياً، ويتصل بالعالم عن طريق عشق الموجودات إيّاه، ومن ثمّ فهو الغاية النهائية التي تسعى الموجودات إليها. فالغائية عند أرسطو لا تخص الكائنات الحية فحسب، وإنما الجمادات أيضاً لها نصيب من هذه الغائية، فالطبيعة بكل ما فيها من ظواهر وبكل ما تحتوي من كائنات حية وكائنات غير حية محكومة بالغائية، وهذه الغائية كامنة في طبيعة الشيء، فهي ليست شيئاً خارج الكائن الحي وغير الحي وإنما هي توجهه من الباطن.

    وتتجلى الغائية أيضاً في فلسفته الطبيعية في مبدَأي القوة والفعل، بوصف الفعل كمال القوة وغايتها.

    ويقوم مبدأ الغائية على أن كل ما هو موجود إنما هو موجود ويفعل من أجل غاية ما، والغايات الجزئية في العالم مرتبطة بغاية كلية واحدة، وقد استخدم هذا المبدأ لدى فلاسفة عدة لإثبات وجود الله، وهذا ما أطلق عليه اسم البرهان الغائي. ويقوم هذا البرهان في جوهره على الانطلاق من العالم الطبيعي وما فيه من ترتيب ونظام وعناية للتوصل إلى إثبات أن وراء هذا العالم غاية واحدة؛ إذ إنه من المستحيل أن تتوافق أشياء مختلفة في نظام واحد إذا لم توجد علة هي التي أحدثت التوافق، علة مدبرة للكون، ولما كان الكون متوافقاً على اختلاف أشيائه دوماً كان من الضروري الإقرار بوجود علة حكيمة مدبرة هي التي أوجدت هذا النظام وهي التي تحفظه عليه. ومن الفلاسفة الذين اعتمدوا على هذا البرهان في إثبات وجود الله «توما الأكويني»، فالموجودات عنده إنما تفعل لغاية، وهي لا تبلغ الغاية بصورة عرضية وإنما عن قصد، وبما أن هذه الموجودات عنده خالية من المعرفة كان لابد أن يكون هناك موجود عارف يوجهها نحو غايتها، وهذا الموجود هو الله، وقد أخذ الأكويني هذا الدليل من كتاب «السماع الطبيعي» لأرسطو، ويذهب في الاتجاه نفسه الكندي وابن سينا في البرهان على وجود الله.

    لقد جعل أصحاب مذهب الغائية العالم بكل ما فيه يتوجه نحو غاية غير واعية لدى الموجودات الطبيعية، وواعية بالنسبة الإنسان، لقد قدموا تفسيراً للعالم يقوم بمجمله على غاية نهائية تحدد أشكال التغيرات في العالم كلها، وإذا كان بعض الغائيين قد قصر ميدان الغائية على الأفعال الإنسانية فإن بعضهم الآخر قد وسّع هذا المفهوم ليشمل كل الموجودات، ومن ثمَّ أصبح هذا المفهوم عندهم منهجاً لتحصيل المعرفة حيث يميز بعضهم بين النشاط الغرضي والنشاط الوظيفي، على أساس أن النشاط الوظيفي، كنشاط الكبد مثلاً، نشاط له أثره في الكائنات الحية، ولكنه ليس نشاطاً يتوجه إلى الهدف ويصر عليه، مهما تغيرت الظروف، ويتسم بالحساسية للظروف التي تواجهه ويعدل نفسه بمقتضاها يتلاءم معها أو يتغلب عليها، وهي المواصفات الثلاث التي يتصف بها النشاط الغرضي. وقد جرَّ الخلط بين النشاطين إلى الحديث عن أيهما أحدث، واحتدم الجدل بين الفلاسفة للتفريق بين النشاطين. ويقترح فلاسفة العلوم حلاً يتمثل في الاستغناء عن اللغة الغائية بالكف عن اللجوء لتعبيرات مثل «وظيفة»، «غرض»، «هدف»، بترجمتها إلى لغة علمية، كأن نقول «الكلية جهاز لازم للتخلص من البول» بدلاً من «وظيفة الكلية هي التخلص من البول». وهذا ما جعل كثيراً من فلاسفة العلم يرفضون مبدأ الغائية لأنه يتناقض بجلاء مع العلم الذي ينطلق من مفهوم السببية والحتمية، فليست الغايات هي العلة الكامنة وراء التغيرات في الكون، وإنما إذا توافرت الأسباب نفسها في الظروف نفسها أدت إلى النتائج نفسها، وهذا ما أعطى العلم إمكانة التعميم ومن ثمَّ التوصل إلى القوانين، فمناهج العلم المتمثلة في الاستقراء والاستنتاج لا تقوم على افتراض غاية سابقة تحكم الوجود، وإنما هناك قوى كامنة في طبيعة الأشياء تفعل فيها.

    عبير الأطرش
يعمل...
X