على الحجج الاستقرائية الدامغة أن تكون منطقية ومبنية على مقدمات صحيحة معًا، لكن كون جميع المقدمات المستعملة صحيحة يعني أيضًا أن كل المقدمات الصحيحة يجب أن تُضمَّن فلا تُهمل، فإن أُهمِلت معلومة صحيحة وذات علاقة بموضوع المناقشة، لأي سبب من الأسباب، فذلك يعني ارتكاب مغالطة كتمان الدليل. ومغالطة كتمان الدليل نوع من أنواع مغالطة الاستدلال بالقرينة (مغالطة الافتراض)؛ إذ إنها تفترض اكتمال المقدمات المنطقية الصحيحة.
مغالطة كتمان الدليل: أمثلة ومناقشة
أحد الأمثلة على كتمان الدليل هو ما استعمله باتريك هرلي:
- معظم الكلاب أليفة لا تمثل خطرًا على من يربِّت عليها، لذلك من الآمن التربيت على الكلب الصغير الذي يقترب منا الآن.
يمكننا تصور كثير من الأشياء التي قد تكون صحيحة وترتبط بهذا الموضوع بشدة، فقد يكون الكلب يقترب منا مزمجرًا يحمي بيته، بل ربما نرى رغوة على فمه تنذر بالسعار. ومثال آخر مشابه عن هذه المغالطة:
- السيارة من نوع كذا سيئة الصنع؛ فصديقي يملك واحدة لا تنفك عن إرهاقه بمشكلاتها.
قد يبدو هذا تعليقًا منطقيًا لكن توجد الكثير من المعلومات التي قد تكون مخفية؛ فربما لم يعتنِ الصديق بسيارته جيدًا فلم يبدل زيتها بانتظام مثلًا، أو ربما كان الصديق يظن نفسه ميكانيكيًا مقتدرًا بينما يزيد الأمور سوءًا -في الواقع- بمحاولته العمل على سيارته.
قد تكون الإعلانات هي المكان الأكثر شيوعًا لاستعمال مغالطة كتمان الدليل؛ إذ تقدم معظم الحملات الإعلانية مزايا منتجاتها لكنها تغفل عن ذكر مشكلات تلك المنتجات أو المعلومات السيئة المتعلقة بها.
- حين تحظى باشتراك في تلفزيون الكابل ستستطيع مشاهدة مختلف القنوات على كل جهاز في المنزل دون شراء أي معدات غالية إضافية، لكن مع القنوات الفضائية عليك شراء قطعة إضافية لكل جهاز تمتلكه، ولذلك فتلفزيون الكابل أنسب لك.
كل هذه المقدمات (المعلومات) المذكورة أعلاه صحيحة ولا بد أن تقود إلى الاستنتاج المذكور، لكن الإعلان لا يخبرك بأن الفرد الواحد قلّما يحتاج إلى اشتراك مستقل على أكثر من تلفاز واحد، ولتجاهل هذه المعلومة ارتكبت الحجة أعلاه مغالطة كتمان الدليل.
نرى أحيانًا ارتكاب هذه المغالطة في الأبحاث العلمية أيضًا كلما ركز باحث على دليل يدعم فرضيته متجاهلًا البيانات التي تميل إلى دحضها. لذلك فمن المهم أن تكون التجارب قابلة للإعادة من قبل آخرين، وأن تكون المعلومات حول كيفية إجراء التجربة متوفرة للعموم؛ حتى تتوفر الفرصة أمام الباحثين الآخرين لملاحظة البيانات التي ربما تجاهلها صاحب التجربة الأولى.
الخلقية مثال آخر لاستعمال مغالطة كتمان الدليل، فهناك بعض الحالات التي تتجاهل مجادلات الخلقية فيها -ببساطة- الأدلة المرتبطة بالموضوع، تلك التي من الممكن أن تسبب المشكلات لمزاعمهم. على سبيل المثال، عند شرح كيفية تفسير «الطوفان العظيم» للسجل الأحفوري، يقول النص:
- عندما يرتفع مستوى المياه، تهرب المخلوقات الأكثر تعقيدًا إلى المرتفعات طلبًا للأمان في حين لا تفعل ذلك المخلوقات الأقل تعقيدًا، ولذلك نعثر على المخلوقات البسيطة نسبيًا في طبقات السجل الأحفوري السفلى بينما نعثر على مستحاثات الإنسان قرب القمة.
يتجاهل هذا المقطع العديد من المعلومات المهمة، كاستفادة المخلوقات البحرية من طوفان كهذا الطوفان المذكور وبالتالي اختلاف سجلها الأحفوري عما يوجد في الواقع.
ولا يقتصر ازدهار مغالطة كتمان الدليل على كتابات الخلقية، فحقل السياسة خصب أيضًا لهذا النوع من المغالطات؛ إذ لا يندر أن يطلق سياسي ما المزاعم دون أن يزعج نفسه بتضمين المعلومات الإشكالية، مثلًا:
- إذا نظرت إلى عملتنا فسوف تجد عبارة «بالله نثق»، ما يؤكد أن أمتنا أمة مسيحية وأن حكومتنا توافق على كوننا شعبًا مسيحيًا.
تتجاهل هذه الحجة أشياء عديدة منها أن هذه العبارة الموجودة على عملة الدولار الأمريكي لم تصبح إجبارية إلا إبان خمسينيات القرن العشرين حين انتشر الرعب من الشيوعية، فكون هذه العبارة حديثة إلى هذه الدرجة وكونها رد فعل على الاتحاد السوفييتي يجعلان استنتاج «مسيحية الأمة» سياسيًا استنتاجًا أقل معقولية بكثير.
تجنب مغالطة كتمان الدليل
بإمكان المرء تجنب ارتكاب مغالطة كتمان الدليل عند قيامه بالبحث في أي موضوع، فإن كنا سندافع عن قضية ما فعلينا أن نحاول إيجاد أدلة معارضة لوجهة نظرنا فلا نكتفي بالأدلة المؤيدة، وبذلك ستقل احتمالية إغفالنا البيانات الضرورية واحتمالية أن يتهمنا المقابل -عن حق- بوقوعنا في هذه المغالطة.