عادةً ما تُعد مغالطة الانتزاع من السياق جزءًا من مغالطة النبرة ذلك لتشابههما الشديد، ومغالطة النبرة الأصلية حسب أرسطو تشير إلى تغيير طريقة لفظ مقاطع الكلمات، وقد عُممت -في النقاشات الحديثة حول المغالطات- لتشمل تغيير طريقة لفظ الكلمات المكونة للجملة، أما إدراج تحويل التركيز عن عبارات كاملة إلى غيرها ضمن هذه المغالطة فقد يكون تماديًا في التعميم، ولذلك يُعد من الأدق اعتبار مغالطة الانتزاع من السياق مغالطةً مستقلة بذاتها.
ما معنى أن تقتبس عبارة منتزعة من السياق؟ في النهاية كل اقتباس يستبعد جزءًا كبيرًا من النص الأصلي؛ أي هو «انتزاع من السياق»، لكن ما يجعل الأمر مغالطة هو اقتباس جزء مختار من النص يحرف المعنى المقصود الوارد في الأصل أو يبدّله أو حتى يعكسه، وقد يحصل ذلك عرضًا أو قصدًا.
دور السخرية في مغالطة الانتزاع من السياق
نوهنا بمثال جيد عن دور السخرية عند حديثنا عن مغالطة النبرة؛ إذ من الممكن أن يساء فهم عبارة ساخرة إذا كانت مكتوبة لأن السخرية -غالبًا- تُدرَك من طريق نبرة الكلام، لكن السخرية في العبارة المكتوبة قد لا تفوت القارئ أيضًا إذا أضفنا إلى النص مزيدًا من العبارات، مثلًا:
- كانت هذه أفضل مسرحية شاهدتها هذا العام! إذ كانت هي المسرحية الوحيدة التي شاهدتها طوال السنة.
- كان هذا فلمًا رائعًا، ما دمت لا تبحث عن الحبكة أو تطور الشخصيات.
في كلا المثالين تقرأ أولًا ملاحظة ساخرة يتبعها تفسير يُظهر أن القصد منها هو السخرية لا الجد، تلك وسيلة من الخطر أن يستعملها النقاد لأنها تمنح المروجين عديمي الضمير الفرصة لأن يفعلوا التالي:
- يصف جون سميث هذه المسرحية بقوله: «هذه أفضل مسرحية شاهدتها هذا العام!».
- «كان هذا فلمًا رائعًا…» – ساندي جونز، دايلي هيرالد.
في المثالين، انتُزعت العبارة من السياق فأعطت معنى مناقضًا تمامًا لقصد كاتبها. ولأن العبارتين استُعملتا لتشجعا الناس -ضمنيًا- على القدوم ومشاهدة المسرحية أو الفلم، فهما ليستا تزويرًا فقط بل تدخلان صنف المغالطة.
التوسل بالمرجعية
ما ورد في المثالين أعلاه جزء من مغالطة أخرى هي «التوسل بالمرجعية» إضافة إلى كونهما مثالين على مغالطة الانتزاع من السياق، ففي «التوسل بالمرجعية» يُسعى إلى إقناعك بصدق المقولة وحقيقتها باللجوء إلى رأي شخصية مختصة أو ذات ثقل مرجعي، رغم أن هذه المغالطة تستعين برأي حقيقي غير محرف لهذه الشخصية عادةً.
من الشائع دمج مغالطة الانتزاع من السياق بمغالطة التوسل بالمرجعية، كما نرى عادةً في الحجج التي يستعملها الخلقيون، فهنا مثلًا مقطع كتبه تشارلز داروين كثيرًا ما يقتبسه الخلقيون:
- « فلماذا إذن لا يكون كل تكوين جيولوجي -وكل طبقة من طبقاته- عامرًا بهذه الحلقات الوسطى؟ الحقيقة أن علم الجيولوجيا لا يحبونا بتلك السلسلة المنظومة من الصور العضوية. ربما يكون هذا الاعتراض هو الأكثر وضوحًا وخطورة ضد نظرية التطور» (أصل الأنواع، 1859، الفصل 10).
من الواضح أن مقتبسي هذا المقطع يلمحون إلى أن داروين نفسه شك في نظريته وواجه إحدى الصعوبات التي لم يستطع التغلب عليها، لكن لنقرأ الاقتباس ضمن سياقه متبوعًا بالجملتين التاليتين:
- «فلماذا إذن لا يكون كل تكوين جيولوجي -وكل طبقة من طبقاته- عامرًا بهذه الحلقات الوسطى؟ الحقيقة أن علم الجيولوجيا لا يحبونا بتلك السلسلة المنظومة من الصور العضوية. ربما يكون هذا الاعتراض هو الأكثر وضوحًا وخطورة ضد نظرية التطور.
يكمن التفسير باعتقادي، في النقص الشديد في السجل الجيولوجي. فأولًا على المرء التفكير بنوع الأشكال المتوسطة التي يتوقع أنها وجدت نظريًا…».
يتضح الآن أن داروين لم يشك في نظريته بل كان يستعمل وسيلة بلاغية ليقدم تفسيراته الخاصة. وقد استُعملت نفس الوسيلة حين اقتُبِس من داروين بخصوص تطور العين.
وجهة نظر ملحد
لا يقتصر استعمال هذه المغالطات على الخلقيين فقط؛ إذ أورد روستر -المعروف بالشكوكي- اقتباسًا من توماس هنري هكسلي على مجموعة أخبار الإلحاد (آلت دوت أثيسم):
- «هذا… كل ما هو أساسي عن اللا-أدرية. إن الذي ينكره اللا-أدريون ويرفضونه بعدّه لا أخلاقيًا هو العقيدة المعاكسة التي ترى وجود أفكار يجب على المرء أن يؤمن بها دون دليل منطقي كافٍ، وأن عدم الإيمان بمثل هذه الأفكار التي لا يسندها عقل ولا منطق لا بد أن يكون مستهجنًا. إن مسوغ المبدأ اللا-أدري هو في النجاح الذي يرافق تطبيقه سواء في مجال الطبيعة أو المدنية والتاريخ، وفي أن لا عاقل يفكر في إنكار مصداقية ذلك فيما يتعلق بهذه المواضيع».
هدف هذا الاقتباس هو محاولة قول إن هكسلي يرى أساس اللا-أدرية في إنكار أن هناك أفكارًا يجب أن نؤمن بها رغم انعدام الدليل العقلي عليها، لكن الاقتباس يحرِّف النص الأصلي:
- أقول أيضًا إن وصف اللا-أدرية بالمعتقد السلبي، أو بأنها «معتقد» أصلًا هو وصف خاطئ، إلا بقدر ما يعبّر عن الإيمان المطلق بمصداقية مبدأ أخلاقي بقدر ما هو عقلي. ولنا أن نصوغ هذا المبدأ بطرق مختلفة، لكنها جميعًا توصلنا إلى هذا المعنى: من الخطأ أن يقول المرء إنه متأكد من الحقيقة الموضوعية لأي فكرة إلا إذا استطاع إيراد دليل يبرر هذه الثقة منطقيًا. هذا ما تؤكد عليه اللا-أدرية، وبرأيي أنه يمثل كل ما هو أساسي عن اللا-أدرية.
إن الذي ينكره اللا-أدريون ويرفضونه بعدّه لا أخلاقيًا هو العقيدة المعاكسة التي ترى وجود أفكار يجب على المرء أن يؤمن بها دون دليل منطقي كافٍ، وأن عدم الإيمان بمثل هذه الأفكار التي لا يسندها عقل ولا منطق لا بد أن يكون مستهجنًا. إن مسوغ المبدأ اللا-أدري هو في النجاح الذي يرافق تطبيقه سواء في مجال الطبيعة أو المدنية والتاريخ، وفي أن لا عاقل يفكر في إنكار مصداقية ذلك فيما يتعلق بهذه المواضيع.
لو لاحظت عبارة «كل ما هو أساسي عن اللا-أدرية» لوجدت أنها تشير إلى الفقرة السابقة؛ فالأساسي في اللا-أدرية، برأي هكسلي، هو أنه يجب على الناس ألا يدّعوا التيقن من فكرة ما إلا إن امتلكوا دليلًا يبرر هذه الثقة، ويقود تبني هذا المبدأ الأساسي إلى رفض اللا-أدريين فكرة أن علينا الإيمان بأمور تفتقر إلى الدليل المُرضي.
برهان رجل القش
من الطرق الشائعة الأخرى لاستخدام مغالطة الانتزاع من السياق هي دمج الأخيرة مع مغالطة رجل القش، وفيها يُقتبس نص كتبه شخص ما خارج السياق لإظهار ضعف حجته أو تطرفها، وحين تُدحض هذه الحجة «المختَلقة» يدعي المقتبِسُ أنه دحض حجة الشخص الأصلية.
معظم الأمثلة أعلاه لا ترتقي لدرجة الحجة أو البرهان، لكن ليس غريبًا أن نراها تُستعمل مقدمات أو أسُسًا لبرهان ما بطريقة مباشرة أو ضمنية، وحين يحدث هذا نواجه «مغالطة»، وحتى ذلك الحين فهي ليست إلا أخطاءً.