لمِزْود آلة شعبية تونسية تعزف إيقاع الهيب هوب
آلة نفخ تصنع من جلد الماعز وتخاط بالكامل على شاكلة قربة مغلقة تحتوي على ثقبين من الأعلى لنفخ الهواء بالفم عبر قصبتين.
الثلاثاء 2023/06/13
انشرWhatsAppTwitterFacebook
آلة تتشابه إلى حد بعيد مع (القربة) الإسكتلندية
بعد أن عانت آلة المزود من النظرة الدونية من قبل السلطات والأوساط الثقافية رغم شعبيتها، استعادت ألقها إثر الاهتمام الذي حظيت به من طرف الباحثين في مجال الموسيقى والشباب ليثبتوا أنها قادرة على عزف أنغام الهيب هوب والراب والجاز.
تونس - تصدح أنغام آلة المِزْوِدْ الموسيقية التونسية التقليدية من ورشة في شمال العاصمة يديرها الخمسيني خالد بن خميس الساعي إلى تطويعها لتنسجم مع إيقاعات موسيقى الراب والجاز.
والمزود آلة نفخ تصنع من جلد الماعز وتخاط بالكامل على شاكلة قربة مغلقة تحتوي على ثقبين من الأعلى لنفخ الهواء بالفم عبر قصبتين، وتخرج من أسفلها قصبتان أخريان بخمسة ثقوب، وقرنان يشكلان المزمار الذي تُعزف منه النغمات. ويصوغ العازف ما يريد من الألحان بأصابعه المتنقلة بين الثقوب بينما يضغط بذراعيه على الكيس المليء بالهواء وينفخ بفمه في الآلة.
يقول خالد بن خميس وهو حرفي أمضى ثلاثين عاما في هذه الصناعة “يجب أن تكون كل مكونات الآلة وأجزائها من قرون البقر والجلد الطبيعي لكي تكون هناك روح وتخرج النغمة حنونًا وأصيلة”.
ويشير إلى تشابه هذه الآلة إلى حد بعيد مع “المزود (القربة) الإسكتلندي مع بعض الفوارق في الحجم وعدد المزامير”، لكنه يشدد على أن “المزود اليوم تغيّر كثيرا مقارنة بما كان عليه في الماضي”.
يُعزف على المزود غالبا في حفلات الأعراس داخل الأحياء الشعبية الفقيرة والمهمشة
وظهرت هذه الآلة في تونس مطلع القرن العشرين، وترتبط بأغنيات عادة ما تثير جوّا احتفاليا ورقصا شعبيا، وتتغنى كلماتها بمواضيع جريئة ارتبطت بالأوضاع الاجتماعية والسياسية والهجرة والعنصرية في البلد.
ويُعزف على المزود غالبا في حفلات الأعراس داخل الأحياء الشعبية الفقيرة والمهمشة، وتستعمل هذه الآلة في أغنيات تحتوي أحيانا على كلمات تُعتبر غير لائقة داخل الأسر.
لكنّ فنانين شعبيين، على غرار الهادي حبوبة ونورالدين الكحلاوي، حاولوا تغيير “الصورة السيئة” التي وسمت هذه الآلة الموسيقية ونجحوا في جعلها مقبولة أكثر لدى عامة التونسيين ولدى السلطة.
ومثّل تنظيم حفلة “النوبة”، وهي عمل فني مزج بين أنواع مختلفة من الموسيقى (الموسيقى التراثية والشعبية والصوفية)، في مطلع التسعينات علامة فارقة في تاريخ هذه الآلة الموسيقية، حيث ظهر المزود للتونسيين في مهرجانات رسمية كانت بمثابة التمهيد للاعتراف بفن المزود. وبث التلفزيون الرسمي الحفل الذي أقيم في المسرح الأثري بقرطاج عام 1991.
ويؤكد نورالدين الكحلاوي، وهو فنان شعبي محترف منذ 37 عاما، “تحملنا انتقادات الناس الشديدة وعملنا على تطوير هذا التراث الشعبي على مستوى الألحان والكلمات والعروض حتى أصبحنا نسافر بها إلى الخارج لتقديم الحفلات” بعد أن تغيرت مواضيع الأغنيات لتحتفي بقصص الغرام والحب والروابط الأسرية أساسا.
ويوضح أن من بين أسباب النّفور من هذا النمط الموسيقي وازدرائه في بدايات بروزه أن “السلطات كانت عندما تبحث عن المجرمين الفارين من العدالة تجدهم في حفلات المزود الشعبية”.
لكن الرفض لم يضعف ويتلاشى بشكل كامل، إذ لا تزال هناك مؤسسات رسمية ترفض إقامة حفلات تستعمل فيها آلة المزود، على غرار منع حفلة في المسرح البلدي وسط العاصمة عام 2022 بداعي أن “المسرح لم يحتضن منذ 120 عاما حفلا للمزود ولا يمكن خرق هذا التقليد”، وفقا للمسؤولين.
لكن ذلك يبقى استثناء، فمسار تطوير هذه الآلة وصل إلى حد قبولها في المهرجانات الفنية. وظهر خلال السنوات الأخيرة جيل جديد من الموسيقيين الشبان الذي حاولوا تطويع نغمات المزود لتظهر في شكل جديد وترافق إيقاعات عصرية مثل إيقاعات الراب والجاز وتواكب تطور العصر الرقمي.
ونال منتصر الجبالي (32 عاما) دبلوماً في الموسيقى العربية في اختصاص آلة الناي من المعهد العالي للموسيقى في تونس، لكنه يعزف حاليا على المزود ضمن فرق موسيقية شابة متخصصة في الهيب هوب.
ويقول الموسيقي الشاب “هذه الآلة لا تدرّس في معاهد الموسيقى، لكني وظفت معارفي في فهم المزود… وبذلك تمكنا من مزجه مع أنواع موسيقية أخرى لأننا أدركنا جيّدا مواطن القوة والضعف في هذه الآلة”.
ويتابع “نريد أن نذهب إلى العالم بموسيقانا من خلال دمج هذا النغم مع أنواع موسيقية من مختلف أنحاء العالم لكي نغيّر الأفكار… ونثبت موقع المزود بين بقية الآلات الموسيقية”.
ويتلقى منتصر اتصالات من منتجين وعازفين من الخارج لتقديم عروض فن المزود، ويقول “نذهب بخطى ثابتة نحو العالمية”.
وتلقى الحفلات التي يقدمها منتصر وغيره من الفنانين إقبالا لافتا من الشباب الباحثين عن التجديد وعن إيقاعات تواكب العصر ويتابعونها وينشرونها في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويرى أستاذ الموسيقى بالجامعة التونسية رشيد الشريف أن “تمازج مختلف الأجناس الموسيقية ومنها المزود وألحان الأنواع الموسيقية العالمية” يمثّل “عاملا مهما في وصولها إلى جمهور أوسع”، معتبرا أن المزود أدى عبر المضامين التي تطرق إليها “دورا أساسيا” في “تشكيل ذاكرة موسيقية جماعية” للتونسيين.
آلة نفخ تصنع من جلد الماعز وتخاط بالكامل على شاكلة قربة مغلقة تحتوي على ثقبين من الأعلى لنفخ الهواء بالفم عبر قصبتين.
الثلاثاء 2023/06/13
انشرWhatsAppTwitterFacebook
آلة تتشابه إلى حد بعيد مع (القربة) الإسكتلندية
بعد أن عانت آلة المزود من النظرة الدونية من قبل السلطات والأوساط الثقافية رغم شعبيتها، استعادت ألقها إثر الاهتمام الذي حظيت به من طرف الباحثين في مجال الموسيقى والشباب ليثبتوا أنها قادرة على عزف أنغام الهيب هوب والراب والجاز.
تونس - تصدح أنغام آلة المِزْوِدْ الموسيقية التونسية التقليدية من ورشة في شمال العاصمة يديرها الخمسيني خالد بن خميس الساعي إلى تطويعها لتنسجم مع إيقاعات موسيقى الراب والجاز.
والمزود آلة نفخ تصنع من جلد الماعز وتخاط بالكامل على شاكلة قربة مغلقة تحتوي على ثقبين من الأعلى لنفخ الهواء بالفم عبر قصبتين، وتخرج من أسفلها قصبتان أخريان بخمسة ثقوب، وقرنان يشكلان المزمار الذي تُعزف منه النغمات. ويصوغ العازف ما يريد من الألحان بأصابعه المتنقلة بين الثقوب بينما يضغط بذراعيه على الكيس المليء بالهواء وينفخ بفمه في الآلة.
يقول خالد بن خميس وهو حرفي أمضى ثلاثين عاما في هذه الصناعة “يجب أن تكون كل مكونات الآلة وأجزائها من قرون البقر والجلد الطبيعي لكي تكون هناك روح وتخرج النغمة حنونًا وأصيلة”.
ويشير إلى تشابه هذه الآلة إلى حد بعيد مع “المزود (القربة) الإسكتلندي مع بعض الفوارق في الحجم وعدد المزامير”، لكنه يشدد على أن “المزود اليوم تغيّر كثيرا مقارنة بما كان عليه في الماضي”.
يُعزف على المزود غالبا في حفلات الأعراس داخل الأحياء الشعبية الفقيرة والمهمشة
وظهرت هذه الآلة في تونس مطلع القرن العشرين، وترتبط بأغنيات عادة ما تثير جوّا احتفاليا ورقصا شعبيا، وتتغنى كلماتها بمواضيع جريئة ارتبطت بالأوضاع الاجتماعية والسياسية والهجرة والعنصرية في البلد.
ويُعزف على المزود غالبا في حفلات الأعراس داخل الأحياء الشعبية الفقيرة والمهمشة، وتستعمل هذه الآلة في أغنيات تحتوي أحيانا على كلمات تُعتبر غير لائقة داخل الأسر.
لكنّ فنانين شعبيين، على غرار الهادي حبوبة ونورالدين الكحلاوي، حاولوا تغيير “الصورة السيئة” التي وسمت هذه الآلة الموسيقية ونجحوا في جعلها مقبولة أكثر لدى عامة التونسيين ولدى السلطة.
ومثّل تنظيم حفلة “النوبة”، وهي عمل فني مزج بين أنواع مختلفة من الموسيقى (الموسيقى التراثية والشعبية والصوفية)، في مطلع التسعينات علامة فارقة في تاريخ هذه الآلة الموسيقية، حيث ظهر المزود للتونسيين في مهرجانات رسمية كانت بمثابة التمهيد للاعتراف بفن المزود. وبث التلفزيون الرسمي الحفل الذي أقيم في المسرح الأثري بقرطاج عام 1991.
ويؤكد نورالدين الكحلاوي، وهو فنان شعبي محترف منذ 37 عاما، “تحملنا انتقادات الناس الشديدة وعملنا على تطوير هذا التراث الشعبي على مستوى الألحان والكلمات والعروض حتى أصبحنا نسافر بها إلى الخارج لتقديم الحفلات” بعد أن تغيرت مواضيع الأغنيات لتحتفي بقصص الغرام والحب والروابط الأسرية أساسا.
ويوضح أن من بين أسباب النّفور من هذا النمط الموسيقي وازدرائه في بدايات بروزه أن “السلطات كانت عندما تبحث عن المجرمين الفارين من العدالة تجدهم في حفلات المزود الشعبية”.
لكن الرفض لم يضعف ويتلاشى بشكل كامل، إذ لا تزال هناك مؤسسات رسمية ترفض إقامة حفلات تستعمل فيها آلة المزود، على غرار منع حفلة في المسرح البلدي وسط العاصمة عام 2022 بداعي أن “المسرح لم يحتضن منذ 120 عاما حفلا للمزود ولا يمكن خرق هذا التقليد”، وفقا للمسؤولين.
لكن ذلك يبقى استثناء، فمسار تطوير هذه الآلة وصل إلى حد قبولها في المهرجانات الفنية. وظهر خلال السنوات الأخيرة جيل جديد من الموسيقيين الشبان الذي حاولوا تطويع نغمات المزود لتظهر في شكل جديد وترافق إيقاعات عصرية مثل إيقاعات الراب والجاز وتواكب تطور العصر الرقمي.
ونال منتصر الجبالي (32 عاما) دبلوماً في الموسيقى العربية في اختصاص آلة الناي من المعهد العالي للموسيقى في تونس، لكنه يعزف حاليا على المزود ضمن فرق موسيقية شابة متخصصة في الهيب هوب.
ويقول الموسيقي الشاب “هذه الآلة لا تدرّس في معاهد الموسيقى، لكني وظفت معارفي في فهم المزود… وبذلك تمكنا من مزجه مع أنواع موسيقية أخرى لأننا أدركنا جيّدا مواطن القوة والضعف في هذه الآلة”.
ويتابع “نريد أن نذهب إلى العالم بموسيقانا من خلال دمج هذا النغم مع أنواع موسيقية من مختلف أنحاء العالم لكي نغيّر الأفكار… ونثبت موقع المزود بين بقية الآلات الموسيقية”.
ويتلقى منتصر اتصالات من منتجين وعازفين من الخارج لتقديم عروض فن المزود، ويقول “نذهب بخطى ثابتة نحو العالمية”.
وتلقى الحفلات التي يقدمها منتصر وغيره من الفنانين إقبالا لافتا من الشباب الباحثين عن التجديد وعن إيقاعات تواكب العصر ويتابعونها وينشرونها في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويرى أستاذ الموسيقى بالجامعة التونسية رشيد الشريف أن “تمازج مختلف الأجناس الموسيقية ومنها المزود وألحان الأنواع الموسيقية العالمية” يمثّل “عاملا مهما في وصولها إلى جمهور أوسع”، معتبرا أن المزود أدى عبر المضامين التي تطرق إليها “دورا أساسيا” في “تشكيل ذاكرة موسيقية جماعية” للتونسيين.