محمد علي بقلي
Mohammad Ali al-Bakli - Mohammad Ali al-Bakli
محمد علي البقلي
(1228ـ 1293هـ/ 1813ـ 1876م)
محمد علي بن علي الفقيه البَقْلي ابن محمد الفقيه البقلي، المعروف بالجويلي، طبيب مصري، ولد في زاوية البقلي التابعة لمديرية المنوفية بدلتا النيل، ونشأ بها وترعرع فأدخله أهله مكتباً في تلك البلدة فتعلّم مبادئ الكتابة وقرأ القرآن، فلما بلغ التاسعة من سنيه جاء به أحمد أفندي البقلي إلى القاهرة وأدخله مدرسة أبي زعبل التي كان قد بناها محمد علي الكبير[ر] (1805- 1848م) في قرية أبي زعبل وفيها مكتب ديواني، فمكث فيها ثلاث سنين حيث أتم قراءة القرآن، وتلقى بعض مبادئ العلوم اللغوية، فنقله إلى المدرسة التجهيزية هناك، فمكث فيها أيضاً ثلاث سنين فأظهر من الذكاء والاجتهاد ما حبب فيه أساتذته فنقلوه إلى مدرسة الطب، وكانت تحت إدارة كلوت بك، ففاق أقرانه حتى إذا صدر أمر محمد علي باشا بإرسال نخبة من تلاميذ تلك المدرسة إلى باريس للتبحر في العلوم الطبية كان صاحب الترجمة في جملة المنتخبين، وعددهم اثنا عشر شاباً، وقد أتموا دراسة الفنون الطبية، وفيهم من نال رتبة اليوزباشية (رتبة في الجيش تعادل النقيب، وهي لفظة تركية).
وكان راتب محمد علي البقلي عند سفرته هذه مئة وخمسين قرشاً فأوصى بخمسين منها لوالدته وأبقى لنفسه مئة، فدخل مدرسة باريس الطبية وبذل غاية جهده في تحصيل علومها؛ فنال حظاً وافراً من سائر علوم الطب والجراحة وشهد له أساتذته بالامتياز على سائر رفاقه، وقد كان أصغرهم سناً، فأتموا دروسهم وامتُحنوا شفهياً، وقدّم في الامتحان الخطي رسالة طبية في الرمد الصديدي المصري، فمُنح الإجازة وعاد إلى مصر سنة 1837م، وكانت شهرته قد سبقته إليها، فعين حال وصوله جرَّاحاً أول وأستاذاً للعمليات الجراحية والتشريح الجراحي، وأنعم عليه محمد علي باشا برتبة صاغقول أغاسي (رائد)، ولم تمض بعد ذلك مدة حتى نال رتبة البكباشي (مقدم)، وفي ولاية عباس باشا الأول (1848-1854م) حصلت بينه وبين بعض أطباء المستشفى الأوربي منافسة، فأمر بنقله إلى ثمن قيسون (قوصون) من أثمان القاهرة ليتولى التطبيب فيه على نفقة الحكومة، ولذيوع صيته تحوَّل المرضى من مستشفى قصر العيني إلى ثمن قيسون، وزادت شهرته بالفنون الطبية ولاسيما الجراحة، ولبث يطبب في ذلك الثمن خمس سنين متوالية فأنعم عليه برتبة قائمقام (عميد)، وعُيِّن رئيساً لأطباء الآلايات السعيدية (أي جيوش سعيد باشا خديوي مصر)، فلم يلبث في منصبه هذا إلا قليلاً، واعتزل المناصب ولزم منزله، ثم عُيِّن رئيساً لجرَّاحي قصر العيني وأستاذاً للجراحة ووكيلاً للمستشفى والمدرسة الطبية فقام بعمله خير قيام، وأنعم عليه برتبة أميرآلاي (أي أمير الجيش)، وكان ذلك في عهد سعيد باشا (1854-1863م) فقرَّبه منه وجعله طبيبه الخاص وألحقه بمعيته مع بقائه في مناصبه المشار إليها، ثم أنعم عليه برتبة المتمايز، ولما سافر سعيد باشا إلى أوربا أخذه في صحبته، ولَّما توفي خلفه إسماعيل باشا أبقى محمد علي باشا البقلي في مناصبه بالمستشفى والمدرسة، وفي سنة 1875م نال الرتبة الأولى من الصنف الثاني، وفي أواخر سنة 1292هـ انقطع عن العمل ولزم بيته ولم يعلم السبب في ذلك.
فلما كانت الحرب بين مصر والحبشة صحب الحملة المصرية التي وجِّهت إلى الحبشة برفقة الأمير حسن باشا نجل الخديوي إسماعيل باشا، وأدّى هناك خدمات جُلّى، ثم عاجلته المنية ودُفن هناك، ولم يعلم أحد مكان ضريحه وتضاربت فيه الأقوال؛ ومنها ما رواه مصطفى أفندي صبري قمندان حملة طوكر إذ قال: «بلغني من بعض الأحباش أن المرحوم الدكتور محمد علي باشا البقلي قد أقيم له قبر ببلدة تسمى جِراع بين عَدْوى وأسمرة إلا إنه أقرب إلى هذه من تلك وشُيِّدت فوق قبره قبة عظيمة يزوره فيها الأحباش على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم تعظيماً له وتخليداً لذكره».
وكان رحمه الله حائزاً «للنيشان المجيدي» من الرتبة الثالثة؛ ناله مكافأة له على جهاده في مقاومة الهواء الأصفر (الكوليرا) سنة 1865م.
وله في الطب مؤلفات حسنة منها؛ كتاب في العمليات الجراحية الكبرى سماه «غاية الفلاح في فن الجراح»، في ثلاثة أجزاء، طُبع سنة 1864م في بولاق بجزأين، و«غرر النجاح في أعمال الجراح» في الجراحة أيضاً، في مجلدين طبع في بولاق سنة 1846م، وكتاب «روضة النجاح الكبرى في العمليات الجراحية الصغرى»، طُبع سنة 1843م، وله «مجموع المنافع على الطب النافع»، في المغرب - المكتبة العامة بتطوان برقم (116). وله «نشر الكلام في جراحة الأقسام». وله كتب أخرى غيرها لم تطبع أو لم يكملها، وأصدر مجلة شهرية اسمها «اليعسوب» سنة 1865م وكان يساعده على تحريرها الشيخ إبراهيم الدسوقي مصحح المطبعة الأميرية، وهي أول مجلة طبية صدرت باللغة العربية. وباشر تأليف «قانون في الطب» و«قانون في الألفاظ الشرعية والمصطلحات السياسية» ولم يتممهما. وكان - رحمه الله - عاملاً على بثّ العلوم والمعارف بين أبناء وطنه، محسناً بالفقراء، طويل الأناة في علاجهم.
ومما يذكر له بحروف من نور أن معظم الأساتذة وممن تولى رئاسة المدرسة الطبية من بعده كانوا من تلاميذه، وقد أعقب أولاداً نجباء؛ منهم أحمد باشا حمدي.
محمد ياسر زكور
Mohammad Ali al-Bakli - Mohammad Ali al-Bakli
محمد علي البقلي
(1228ـ 1293هـ/ 1813ـ 1876م)
محمد علي بن علي الفقيه البَقْلي ابن محمد الفقيه البقلي، المعروف بالجويلي، طبيب مصري، ولد في زاوية البقلي التابعة لمديرية المنوفية بدلتا النيل، ونشأ بها وترعرع فأدخله أهله مكتباً في تلك البلدة فتعلّم مبادئ الكتابة وقرأ القرآن، فلما بلغ التاسعة من سنيه جاء به أحمد أفندي البقلي إلى القاهرة وأدخله مدرسة أبي زعبل التي كان قد بناها محمد علي الكبير[ر] (1805- 1848م) في قرية أبي زعبل وفيها مكتب ديواني، فمكث فيها ثلاث سنين حيث أتم قراءة القرآن، وتلقى بعض مبادئ العلوم اللغوية، فنقله إلى المدرسة التجهيزية هناك، فمكث فيها أيضاً ثلاث سنين فأظهر من الذكاء والاجتهاد ما حبب فيه أساتذته فنقلوه إلى مدرسة الطب، وكانت تحت إدارة كلوت بك، ففاق أقرانه حتى إذا صدر أمر محمد علي باشا بإرسال نخبة من تلاميذ تلك المدرسة إلى باريس للتبحر في العلوم الطبية كان صاحب الترجمة في جملة المنتخبين، وعددهم اثنا عشر شاباً، وقد أتموا دراسة الفنون الطبية، وفيهم من نال رتبة اليوزباشية (رتبة في الجيش تعادل النقيب، وهي لفظة تركية).
وكان راتب محمد علي البقلي عند سفرته هذه مئة وخمسين قرشاً فأوصى بخمسين منها لوالدته وأبقى لنفسه مئة، فدخل مدرسة باريس الطبية وبذل غاية جهده في تحصيل علومها؛ فنال حظاً وافراً من سائر علوم الطب والجراحة وشهد له أساتذته بالامتياز على سائر رفاقه، وقد كان أصغرهم سناً، فأتموا دروسهم وامتُحنوا شفهياً، وقدّم في الامتحان الخطي رسالة طبية في الرمد الصديدي المصري، فمُنح الإجازة وعاد إلى مصر سنة 1837م، وكانت شهرته قد سبقته إليها، فعين حال وصوله جرَّاحاً أول وأستاذاً للعمليات الجراحية والتشريح الجراحي، وأنعم عليه محمد علي باشا برتبة صاغقول أغاسي (رائد)، ولم تمض بعد ذلك مدة حتى نال رتبة البكباشي (مقدم)، وفي ولاية عباس باشا الأول (1848-1854م) حصلت بينه وبين بعض أطباء المستشفى الأوربي منافسة، فأمر بنقله إلى ثمن قيسون (قوصون) من أثمان القاهرة ليتولى التطبيب فيه على نفقة الحكومة، ولذيوع صيته تحوَّل المرضى من مستشفى قصر العيني إلى ثمن قيسون، وزادت شهرته بالفنون الطبية ولاسيما الجراحة، ولبث يطبب في ذلك الثمن خمس سنين متوالية فأنعم عليه برتبة قائمقام (عميد)، وعُيِّن رئيساً لأطباء الآلايات السعيدية (أي جيوش سعيد باشا خديوي مصر)، فلم يلبث في منصبه هذا إلا قليلاً، واعتزل المناصب ولزم منزله، ثم عُيِّن رئيساً لجرَّاحي قصر العيني وأستاذاً للجراحة ووكيلاً للمستشفى والمدرسة الطبية فقام بعمله خير قيام، وأنعم عليه برتبة أميرآلاي (أي أمير الجيش)، وكان ذلك في عهد سعيد باشا (1854-1863م) فقرَّبه منه وجعله طبيبه الخاص وألحقه بمعيته مع بقائه في مناصبه المشار إليها، ثم أنعم عليه برتبة المتمايز، ولما سافر سعيد باشا إلى أوربا أخذه في صحبته، ولَّما توفي خلفه إسماعيل باشا أبقى محمد علي باشا البقلي في مناصبه بالمستشفى والمدرسة، وفي سنة 1875م نال الرتبة الأولى من الصنف الثاني، وفي أواخر سنة 1292هـ انقطع عن العمل ولزم بيته ولم يعلم السبب في ذلك.
فلما كانت الحرب بين مصر والحبشة صحب الحملة المصرية التي وجِّهت إلى الحبشة برفقة الأمير حسن باشا نجل الخديوي إسماعيل باشا، وأدّى هناك خدمات جُلّى، ثم عاجلته المنية ودُفن هناك، ولم يعلم أحد مكان ضريحه وتضاربت فيه الأقوال؛ ومنها ما رواه مصطفى أفندي صبري قمندان حملة طوكر إذ قال: «بلغني من بعض الأحباش أن المرحوم الدكتور محمد علي باشا البقلي قد أقيم له قبر ببلدة تسمى جِراع بين عَدْوى وأسمرة إلا إنه أقرب إلى هذه من تلك وشُيِّدت فوق قبره قبة عظيمة يزوره فيها الأحباش على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم تعظيماً له وتخليداً لذكره».
وكان رحمه الله حائزاً «للنيشان المجيدي» من الرتبة الثالثة؛ ناله مكافأة له على جهاده في مقاومة الهواء الأصفر (الكوليرا) سنة 1865م.
وله في الطب مؤلفات حسنة منها؛ كتاب في العمليات الجراحية الكبرى سماه «غاية الفلاح في فن الجراح»، في ثلاثة أجزاء، طُبع سنة 1864م في بولاق بجزأين، و«غرر النجاح في أعمال الجراح» في الجراحة أيضاً، في مجلدين طبع في بولاق سنة 1846م، وكتاب «روضة النجاح الكبرى في العمليات الجراحية الصغرى»، طُبع سنة 1843م، وله «مجموع المنافع على الطب النافع»، في المغرب - المكتبة العامة بتطوان برقم (116). وله «نشر الكلام في جراحة الأقسام». وله كتب أخرى غيرها لم تطبع أو لم يكملها، وأصدر مجلة شهرية اسمها «اليعسوب» سنة 1865م وكان يساعده على تحريرها الشيخ إبراهيم الدسوقي مصحح المطبعة الأميرية، وهي أول مجلة طبية صدرت باللغة العربية. وباشر تأليف «قانون في الطب» و«قانون في الألفاظ الشرعية والمصطلحات السياسية» ولم يتممهما. وكان - رحمه الله - عاملاً على بثّ العلوم والمعارف بين أبناء وطنه، محسناً بالفقراء، طويل الأناة في علاجهم.
ومما يذكر له بحروف من نور أن معظم الأساتذة وممن تولى رئاسة المدرسة الطبية من بعده كانوا من تلاميذه، وقد أعقب أولاداً نجباء؛ منهم أحمد باشا حمدي.
محمد ياسر زكور