كاندينسكي (فاسيلي) Kandinsky (Wassily-) - Kandinsky (Wassily-)
كاندينسكي (ڤاسيلي -)
(1866-1944)
ڤاسيلي كاندينسكي Wassily Kandinsky، فنان روسي وألماني (1928) وأخيراً فرنسي، وشخصية فنية مهمة، فهو من أوائل مفكّري ومنظّري الفن الحديث، وأحد مؤسّسي الفن التجريدي. مصورٌ وغرافي، له أعمال جدارية، واهتمّ بالرسوم التوضيحية والتصميم والطباعة، وصمّم أثاثاً منزلياً، وملابس ومجوهرات وخزفاً، نظم الشعر وكتب عدداً من المسرحيات، واهتم طوال حياته بالموسيقى.
وُلد كاندينسكي في موسكو، وسمع في طفولته قصص الأساطير الروسية والألمانية، التي ألهبت خياله وعواطفه، وتولّع بالموسيقى وعزف على آلتي التشيلّو والبيانو. في عام 1871 اضطرّ والده إلى الانتقال إلى أوديسا Odessa للعمل فيها. فشبّ كاندينسكي بعيداً عن مدينته موسكو التي عدها صورة أخرى عن أمّه، لكنه بقي متردداً عليها حتى استقرّ فيها عام 1886، وبدأ بدراسة القانون وعلم الاقتصاد في جامعتها، وتخرّج فيها عام 1892، ليعمل بعد التخرّج في شركة إحصاء في المقاطعات القروية، وأُرسل إلى فولوغدا Vologda لإعداد دراسة عن الفلاحين. واهتمّ كثيراً بفولكلور تلك المنطقة وبحياة الناس، واهتم بالفنون الشعبية والمعمارية المميّزة، وتحدّث فيما بعد عن استغراقه في الإحساس باللون والفراغ، في الجو الفنيّ المثير للتخيلات، الذي يسود الكنائس الروسية، وبيوت الفلاحين الروس، المضاءة بالمصابيح، واعتمد في عمله المستقبلي على خزائن الذاكرة هذه.
في عام 1895، زار كاندينسكي معرضاً للانطباعيين الفرنسيين في موسكو، وأثّرت لوحة كلود مونيه C.Monet «كومة القش» فيه تأثيراً عميقاً أدّت إلى رفضه وظيفة أستاذ جامعي في كلية الحقوق في إستونيا Estoniya، وقرّر التفرّغ للفن نهائياً. وسافر إلى مونيخ München للدراسة وهو في سن الثلاثين 1896، وكانت مركزاً فنياً تجريبياً كبيراً في ألمانيا.
درس كاندينسكي على الفنان أنطون أزبيه A.Azbe من عام 1897 إلى عام 1899، ثم التحق بالأكاديمية الملكية ودرس على الفنان فرانتس فون شتوك F.V.Stuck عام 1900، ولكن إغراء الوسط التقدمي الذي عاش فيه، كان أقوى من الدراسة الأكاديمية فتركها عام 1901.
في سنوات القرن العشرين الأولى، تأثّرت أعمال الفنان بالأسلوب الحديث modern و«الطبيعة الغنائية» السائدين في عالم الفن في مونيخ، ورسم بوساطة الطباعة على الخشب مجموعة أعمال، عرض منها في برلين أولاً عام 1902، وظهر فيها مخزون طفولته من القصص والأساطير، فالشخوص مجرّدة من تعابيرها التفصيلية، لتبوح بقدرتها الأسطورية. وكان لهذه الأعمال البعيدة عن الواقع، فضاء تجول فيه بحريّة، إذ حاول على الرغم من اشتقاق أشكاله منه استعمال الخصائص التعبيرية الداخلية للون والخط، بمعزل عن علاقتها بعناصر الواقع. وبتقصيه هذا اللون والخط، حاول التعبير عما أسماه الضرورة الداخلية، معتمداً لا التشابه الشكلي للعناصر، بل الأشكال المجرّدة، التي وجد فيها قوة إيحائية كبيرة.
كان كاندينسكي على صلة بالتيارات المعاصرة، فاستخدم كالانطباعيين الألوان المضيئة، ولكن على خلفية سوداء لزيادة قوة اللون، وسعى بالتدريج إلى تحرير التصوير من عبء التمثيل. وفي هذه الحالة لم يعد اللون جزءاً لا ينفصل من الشيء، بل صار هو نفسه الهدف والغاية. وابتداءً من 1908 كان اتصاله المباشر مع الأشكال الواقعية يتراجع، وفاعلية البقع اللونية لا تشي بالعنصر الواقعي، بل صارت مستقلة القيمة والأهمية.
سافر كاندينسكي بين عامي 1903 و1908 إلى البندقية وهولندا، ومدن ألمانية، وموسكو وتونس، واستقر عاماً واحداً في باريس (1906-1907)، حيث حضر عروضاً كثيرة من معارض الوحشيين Fauves التي تركت أثراً بالغاً فيه، ورأى فيها حرية عظيمة في استخدامها للألوان وفي تأثيرها. وبتأثير إرثه الثقافي القومي أبدع لوحات طبيعية تعبيرية خاصة.
ومنذ 1901 صار تعرّف التعبيرات الموجودة على سطح القماش صعباً للغاية، ما بشّر بأعماله التجريدية، وكأنّه بذلك حدّد مفهومه حول الفن الحديث، إذ قال: «إن أعظم تزوير للحقيقة، هو الاعتقاد أن الفنون التشكيلية تقليد دقيق لما تحتويه الطبيعة…».
رسم كاندينسكي عام 1910 أول عمل تجريدي بالألوان المائية، ولكنه لم يصل إليه مباشرة، فالظروف التاريخية مهّدت لظهور فن غير مُطابق للتمثيلات الصُورية، إضافة إلى ظروف اجتماعية ونمط جديد من التفكير وتبدّل الرؤية الفنية. كل هذا أساسه التطور التشكيلي الذي بدأ مع الانطباعية وشاركت فيه تيّارات فنية مختلفة.
ميّز التجريد الذي توصل إليه كاندينسكي النشاط الفني العالمي، وفيه أعطى للموسيقى أهمية كبيرة في العمل التصويري، ما فتح في المستقبل استعارات كثيرة بين الفنون على اختلافها لم تتوقف إلى اليوم.
ترك كاندينسكي الأكاديميـة عام 1901، وأسّس مجموعة فنية باسم «فالانكس» Phalanx بهدف فتـح مجالات أوسع للاتجاهات الفنية التقدمية لعرض أعمالها، وافتتحت الجماعة مدرسة للرسم، ودرّس فيها حتى إغلاقها عام 1903. في عام 1909 أسس كاندينسكي «اتحاد الفنانين الجدد» لكن سرعان ما تركهم بسبب معارضتهم تحوّله إلى التجريد، ولحق به فرانتس مارك F.Marc وأسّسا معاً جماعة «الفارس الأزرق» عام 1911، التي أصبحت إحدى أهم الجماعات الفنية في القرن العشرين، لمنهجها الرامي إلى احترام الفن الجيّد، وتقبلها أساليب مختلفة في الفن، إضافة إلى التنظير الفني الذي عد مع تطبيقه ثورة فنية كُبرى.
ڤاسيلي كاندينسكي: «في الأزرق» (1925)
والقسم الآخر المهم في نشاط كاندينسكي، في هذه الفترة، كانت أبحاثه النظرية الفنية، التي شرح فيها تجربته، وعرض آراءه، وطرح أفكاراً ما تزال حية إلى اليوم: مثل فكرة استقلال اللوحة عن الطبيعة، وتعاون الفنون. وأدّت هذه الأفكار إلى فتوحات مهمة على صعيد «لغة الشكل»، وما زالت عبارته الخاصة هذه مستمرة حتى بداية القرن الواحد والعشرين.
ڤاسيلي كاندينسكي: «انطلاقة مخففة» (1944)
بدأ كاندينسكي منذ 1910 في مونيخ بتسجيل آرائه المترافقة مع اختباراته العملية، وتجربته الأولى كانت كتابه «من الروحانية في الفن» الذي نشر بين عامي 1911-1912 وكان هذا الكتاب من أنشطة جماعة «الفارس الأزرق» وترجم إلى لغات عالمية كثيرة، ولم يترجم إلى العربية إلاّ عام 1994 في مصر، وفيه احتفال بالصلة بين التصوير والموسيقى، ويؤكد أن البعد الموسيقي في اللوحة يكشف البعد الروحي، وأنّ اللوحة ستُنَوّط في يوم من الأيام مثل الموسيقى.
وحمله نجاح كتابه الأول على وضع مؤلف آخر، استعرض فيه آراءه من تجربته الفنية عام 1913«تطلع إلى الماضي»، وكتابه «من النقطة والخط إلى المساحة» الذي أصدره فيما بعد إبان عمله في الباوهاوس Bauhaus عام 1926.
هذه الآراء والأفكار، كانت الركيزة الأساسية التي قام عليها المذهب «التجريدي» في التصوير، والتي أكدت على مبدأ «الصفائية Purism» فيه، أي: يبدأ الفن عندما تنتهي الطبيعة.
توقفت عام 1914 جماعة «الفارس الأزرق» إثر إعلان الحرب العالمية الأولى، فعاد كاندينسكي إلى موسكو. وبعد ثورة «1917» درّس في المراسم الفنية الحكومية من 1918-1921، وصار عضواً في مكتب التطوير الثقافي عام 1918، وتقلّد عدداً من المناصب الحكومية الجديدة، كان آخرها: نائباً لرئيس الأكاديمية الروسية للعلوم الفنية عام 1921. ودرّس في المعهد العالي للفنون التقنية من 1918 حتى 1921، وكان أحد مؤسسي متحف الثقافة التصويرية في بيتروغراد Petrograd عام 1919، ومعهد الثقافة الفنية في موسكو منذ 1920. لكنّه وبعد أن لاحظ أن الحماس الأوّلي لرجال الثورة نحو الثقافة قد فتر، غادر موسكو متوجّهاً إلى ڤايمار Weimar (ألمانيا) حيث درّس في الباوهاوس، منذ 1922 مع مجموعة من الفنانين المعروفين منهم بول كلي P.Klee. وبفضلهـم تحـول الباوهاوس إلـى مركز أبحاث للفن المعاصر، وانتقل معه إلى ديساو Dessau عام 1925.
وفر الباوهاوس لكاندينسكي الانتقال إلى مرحلة جديدة، فعمل بنشاط كبير، وطوّر أسلوباً جديداً للجمع بين ثلاثة أشكال هندسية أساسية (الدائرة والمثلث والمربع)، وفي عام 1933 أقفل النازيون الباوهاوس، فانتقل إلى العيش في باريس، بعد أن حصل على الجنسية الألمانية عام 1928.
اختار كاندينسكي مكاناً قريباً من باريس، وبقي هناك يُبدع حتى وفاته، وكان قد حاز الجنسية الفرنسية عام 1939.
لم تكن لتجارب كاندينسكي التجريدية في البداية، من أثر يذكر، لكن بعد الحرب العالمية الثانية، أخذ النقّاد بتقدير أعماله وتثمينها، ويعد اليوم أحد رواد الفن الحديث.
وعلى الرغم من تخطي الفنان مظاهر الأشياء، وتجنب تمثيل الواقع، والذهاب بعيداً في مجال الفن اللاموضوعي، إلاّ أنّه بقي أميناً لما أسماه «الضرورة الداخلية»، وبقيت لوحاته في حالات كثيرة، ذات مناخ تأثيري عاطفي.
نزار صابور
كاندينسكي (ڤاسيلي -)
(1866-1944)
ڤاسيلي كاندينسكي Wassily Kandinsky، فنان روسي وألماني (1928) وأخيراً فرنسي، وشخصية فنية مهمة، فهو من أوائل مفكّري ومنظّري الفن الحديث، وأحد مؤسّسي الفن التجريدي. مصورٌ وغرافي، له أعمال جدارية، واهتمّ بالرسوم التوضيحية والتصميم والطباعة، وصمّم أثاثاً منزلياً، وملابس ومجوهرات وخزفاً، نظم الشعر وكتب عدداً من المسرحيات، واهتم طوال حياته بالموسيقى.
وُلد كاندينسكي في موسكو، وسمع في طفولته قصص الأساطير الروسية والألمانية، التي ألهبت خياله وعواطفه، وتولّع بالموسيقى وعزف على آلتي التشيلّو والبيانو. في عام 1871 اضطرّ والده إلى الانتقال إلى أوديسا Odessa للعمل فيها. فشبّ كاندينسكي بعيداً عن مدينته موسكو التي عدها صورة أخرى عن أمّه، لكنه بقي متردداً عليها حتى استقرّ فيها عام 1886، وبدأ بدراسة القانون وعلم الاقتصاد في جامعتها، وتخرّج فيها عام 1892، ليعمل بعد التخرّج في شركة إحصاء في المقاطعات القروية، وأُرسل إلى فولوغدا Vologda لإعداد دراسة عن الفلاحين. واهتمّ كثيراً بفولكلور تلك المنطقة وبحياة الناس، واهتم بالفنون الشعبية والمعمارية المميّزة، وتحدّث فيما بعد عن استغراقه في الإحساس باللون والفراغ، في الجو الفنيّ المثير للتخيلات، الذي يسود الكنائس الروسية، وبيوت الفلاحين الروس، المضاءة بالمصابيح، واعتمد في عمله المستقبلي على خزائن الذاكرة هذه.
في عام 1895، زار كاندينسكي معرضاً للانطباعيين الفرنسيين في موسكو، وأثّرت لوحة كلود مونيه C.Monet «كومة القش» فيه تأثيراً عميقاً أدّت إلى رفضه وظيفة أستاذ جامعي في كلية الحقوق في إستونيا Estoniya، وقرّر التفرّغ للفن نهائياً. وسافر إلى مونيخ München للدراسة وهو في سن الثلاثين 1896، وكانت مركزاً فنياً تجريبياً كبيراً في ألمانيا.
درس كاندينسكي على الفنان أنطون أزبيه A.Azbe من عام 1897 إلى عام 1899، ثم التحق بالأكاديمية الملكية ودرس على الفنان فرانتس فون شتوك F.V.Stuck عام 1900، ولكن إغراء الوسط التقدمي الذي عاش فيه، كان أقوى من الدراسة الأكاديمية فتركها عام 1901.
في سنوات القرن العشرين الأولى، تأثّرت أعمال الفنان بالأسلوب الحديث modern و«الطبيعة الغنائية» السائدين في عالم الفن في مونيخ، ورسم بوساطة الطباعة على الخشب مجموعة أعمال، عرض منها في برلين أولاً عام 1902، وظهر فيها مخزون طفولته من القصص والأساطير، فالشخوص مجرّدة من تعابيرها التفصيلية، لتبوح بقدرتها الأسطورية. وكان لهذه الأعمال البعيدة عن الواقع، فضاء تجول فيه بحريّة، إذ حاول على الرغم من اشتقاق أشكاله منه استعمال الخصائص التعبيرية الداخلية للون والخط، بمعزل عن علاقتها بعناصر الواقع. وبتقصيه هذا اللون والخط، حاول التعبير عما أسماه الضرورة الداخلية، معتمداً لا التشابه الشكلي للعناصر، بل الأشكال المجرّدة، التي وجد فيها قوة إيحائية كبيرة.
كان كاندينسكي على صلة بالتيارات المعاصرة، فاستخدم كالانطباعيين الألوان المضيئة، ولكن على خلفية سوداء لزيادة قوة اللون، وسعى بالتدريج إلى تحرير التصوير من عبء التمثيل. وفي هذه الحالة لم يعد اللون جزءاً لا ينفصل من الشيء، بل صار هو نفسه الهدف والغاية. وابتداءً من 1908 كان اتصاله المباشر مع الأشكال الواقعية يتراجع، وفاعلية البقع اللونية لا تشي بالعنصر الواقعي، بل صارت مستقلة القيمة والأهمية.
سافر كاندينسكي بين عامي 1903 و1908 إلى البندقية وهولندا، ومدن ألمانية، وموسكو وتونس، واستقر عاماً واحداً في باريس (1906-1907)، حيث حضر عروضاً كثيرة من معارض الوحشيين Fauves التي تركت أثراً بالغاً فيه، ورأى فيها حرية عظيمة في استخدامها للألوان وفي تأثيرها. وبتأثير إرثه الثقافي القومي أبدع لوحات طبيعية تعبيرية خاصة.
ومنذ 1901 صار تعرّف التعبيرات الموجودة على سطح القماش صعباً للغاية، ما بشّر بأعماله التجريدية، وكأنّه بذلك حدّد مفهومه حول الفن الحديث، إذ قال: «إن أعظم تزوير للحقيقة، هو الاعتقاد أن الفنون التشكيلية تقليد دقيق لما تحتويه الطبيعة…».
رسم كاندينسكي عام 1910 أول عمل تجريدي بالألوان المائية، ولكنه لم يصل إليه مباشرة، فالظروف التاريخية مهّدت لظهور فن غير مُطابق للتمثيلات الصُورية، إضافة إلى ظروف اجتماعية ونمط جديد من التفكير وتبدّل الرؤية الفنية. كل هذا أساسه التطور التشكيلي الذي بدأ مع الانطباعية وشاركت فيه تيّارات فنية مختلفة.
ميّز التجريد الذي توصل إليه كاندينسكي النشاط الفني العالمي، وفيه أعطى للموسيقى أهمية كبيرة في العمل التصويري، ما فتح في المستقبل استعارات كثيرة بين الفنون على اختلافها لم تتوقف إلى اليوم.
ترك كاندينسكي الأكاديميـة عام 1901، وأسّس مجموعة فنية باسم «فالانكس» Phalanx بهدف فتـح مجالات أوسع للاتجاهات الفنية التقدمية لعرض أعمالها، وافتتحت الجماعة مدرسة للرسم، ودرّس فيها حتى إغلاقها عام 1903. في عام 1909 أسس كاندينسكي «اتحاد الفنانين الجدد» لكن سرعان ما تركهم بسبب معارضتهم تحوّله إلى التجريد، ولحق به فرانتس مارك F.Marc وأسّسا معاً جماعة «الفارس الأزرق» عام 1911، التي أصبحت إحدى أهم الجماعات الفنية في القرن العشرين، لمنهجها الرامي إلى احترام الفن الجيّد، وتقبلها أساليب مختلفة في الفن، إضافة إلى التنظير الفني الذي عد مع تطبيقه ثورة فنية كُبرى.
ڤاسيلي كاندينسكي: «في الأزرق» (1925)
والقسم الآخر المهم في نشاط كاندينسكي، في هذه الفترة، كانت أبحاثه النظرية الفنية، التي شرح فيها تجربته، وعرض آراءه، وطرح أفكاراً ما تزال حية إلى اليوم: مثل فكرة استقلال اللوحة عن الطبيعة، وتعاون الفنون. وأدّت هذه الأفكار إلى فتوحات مهمة على صعيد «لغة الشكل»، وما زالت عبارته الخاصة هذه مستمرة حتى بداية القرن الواحد والعشرين.
ڤاسيلي كاندينسكي: «انطلاقة مخففة» (1944)
بدأ كاندينسكي منذ 1910 في مونيخ بتسجيل آرائه المترافقة مع اختباراته العملية، وتجربته الأولى كانت كتابه «من الروحانية في الفن» الذي نشر بين عامي 1911-1912 وكان هذا الكتاب من أنشطة جماعة «الفارس الأزرق» وترجم إلى لغات عالمية كثيرة، ولم يترجم إلى العربية إلاّ عام 1994 في مصر، وفيه احتفال بالصلة بين التصوير والموسيقى، ويؤكد أن البعد الموسيقي في اللوحة يكشف البعد الروحي، وأنّ اللوحة ستُنَوّط في يوم من الأيام مثل الموسيقى.
وحمله نجاح كتابه الأول على وضع مؤلف آخر، استعرض فيه آراءه من تجربته الفنية عام 1913«تطلع إلى الماضي»، وكتابه «من النقطة والخط إلى المساحة» الذي أصدره فيما بعد إبان عمله في الباوهاوس Bauhaus عام 1926.
هذه الآراء والأفكار، كانت الركيزة الأساسية التي قام عليها المذهب «التجريدي» في التصوير، والتي أكدت على مبدأ «الصفائية Purism» فيه، أي: يبدأ الفن عندما تنتهي الطبيعة.
توقفت عام 1914 جماعة «الفارس الأزرق» إثر إعلان الحرب العالمية الأولى، فعاد كاندينسكي إلى موسكو. وبعد ثورة «1917» درّس في المراسم الفنية الحكومية من 1918-1921، وصار عضواً في مكتب التطوير الثقافي عام 1918، وتقلّد عدداً من المناصب الحكومية الجديدة، كان آخرها: نائباً لرئيس الأكاديمية الروسية للعلوم الفنية عام 1921. ودرّس في المعهد العالي للفنون التقنية من 1918 حتى 1921، وكان أحد مؤسسي متحف الثقافة التصويرية في بيتروغراد Petrograd عام 1919، ومعهد الثقافة الفنية في موسكو منذ 1920. لكنّه وبعد أن لاحظ أن الحماس الأوّلي لرجال الثورة نحو الثقافة قد فتر، غادر موسكو متوجّهاً إلى ڤايمار Weimar (ألمانيا) حيث درّس في الباوهاوس، منذ 1922 مع مجموعة من الفنانين المعروفين منهم بول كلي P.Klee. وبفضلهـم تحـول الباوهاوس إلـى مركز أبحاث للفن المعاصر، وانتقل معه إلى ديساو Dessau عام 1925.
وفر الباوهاوس لكاندينسكي الانتقال إلى مرحلة جديدة، فعمل بنشاط كبير، وطوّر أسلوباً جديداً للجمع بين ثلاثة أشكال هندسية أساسية (الدائرة والمثلث والمربع)، وفي عام 1933 أقفل النازيون الباوهاوس، فانتقل إلى العيش في باريس، بعد أن حصل على الجنسية الألمانية عام 1928.
اختار كاندينسكي مكاناً قريباً من باريس، وبقي هناك يُبدع حتى وفاته، وكان قد حاز الجنسية الفرنسية عام 1939.
لم تكن لتجارب كاندينسكي التجريدية في البداية، من أثر يذكر، لكن بعد الحرب العالمية الثانية، أخذ النقّاد بتقدير أعماله وتثمينها، ويعد اليوم أحد رواد الفن الحديث.
وعلى الرغم من تخطي الفنان مظاهر الأشياء، وتجنب تمثيل الواقع، والذهاب بعيداً في مجال الفن اللاموضوعي، إلاّ أنّه بقي أميناً لما أسماه «الضرورة الداخلية»، وبقيت لوحاته في حالات كثيرة، ذات مناخ تأثيري عاطفي.
نزار صابور