تعمل الفلسفة إلى جانب علم النفس على مساعدة الناس على الوصول إلى المعنى. وتدفع المصاعب مثل الفقدان والاكتئاب الناس إلى التساؤل عن كيفية إضفاء المعنى إلى حياتهم. أحيانًا يبحثون عن الإجابات في الحِكم الصوفية، مثل؛ كلّ أمرٍ يحدث لسبب، وما تفعله تلقى مثله. إلا إن أفضل نصيحة حيال مغزى الحياة قد تأتي من علم النفس والفلسفة.
وفقًا لأبيقور: «باطلٌ الفيلسوف إن لم يشفِ عذاب الإنسان، فمثلما لا فائدة من الطب إن لم يُبرئ الجسد من أمراضه، لا فائدة من الفلسفة إن لم تبرئ الفكر من معاناته».
تجيب الفلسفة عن أسئلة مهمة حول المعرفة والواقع، ولا ترتبط جميعها مباشرة بالمعاناة. لكن ترتبط الكثير من التساؤلات الأخلاقية بالمعاناة ويمكن الإجابة عنها بالفلسفة إضافةً إلى علم النفس. وستساعد رؤية صحية لمعنى الحياة الناس على تحسين حياتهم.
يردّ لانداو (٢٠١٧) بنجاعة على الادعاءات القائلة إن معنى الحياة تقوِّضه حتمية الموت وشساعة الكون واتّساعه والنسبية والحتمية والصدفة. وبصورة إيجابية، يعطي نصائح عملية حكيمة تشتمل على:
- تجنّب المغالاة في المثالية، ولا تسعَ إلى تحقيق المستحيل.
- كُن رقيقًا مع نفسك.
- أدرِك أن الحياة ليست تحضيرًا للحياة، لذا ابحث عن المعنى الآن.
- العمل ثم العمل.
لكن، يستشير معظم الناس ممن لديهم مشكلات في العثور على المعنى علماء النفس بدلًا من الفلاسفة. مع ذلك تزايَد وعي علماء النفس السريريين وتفهّمهم لمدى ترابط معنوية الحياة مع صحة الناس البدنية والنفسية. يشعر المكتئبون بانعدام القيمة وفقدان الأمل ما يفيد بأن حياتهم عديمة المعنى، والداء الكبير الآخر الذي عالجه الأطباء النفسيون هو القلق، الذي قد يرتبط بالمخاوف من انعدام قيمة الحياة.
تعطي هيل نموذجًا غنيًّا عن كيفية تعامل المعالجين النفسيين مع الزبائن ممن لديهم اضطرابات في إيجاد معنًى للحياة. توصيتها الأولى هي أنه على المعالج أن يبدأ بتصنيف شعوره حول المعنى من حياته الخاصة. أظهر البحث أن العلاج النفسي الناجح لا يعتمد على المقاربة النظرية بقدر اعتماده على تكوين وحدة علاجية مع الزبون قائمة على التعاطف والثقة. وسيلاقي المعالجون غير القادرين على فهم المعنى وراء حياتهم صعوبة في تكوين التحالف المطلوب مع الزبائن المُثقلين بالبحث عن المعنى.
تقترح هيل بعض المداخلات لمساعدة الناس على اكتشاف المعنى من حياتهم؛ منها إعادة صياغة مخاوفهم والاستبصار في مشاعرهم والإفصاح عن معاناة المعالج نفسه في إيجاد المعنى. وتمهّد مكاشفات كهذه لنوع من المساواة تقود تفكير المريض وتظهر التعاطف مع مشكلاته.
وتعطي هيل النصيحة حول كيفية مساعدة المراجعين على اكتساب بصيرة حيال فهمهم لمعنى الحياة وكيفية مساعدتهم على إعادة ترجمة وجهات نظرهم وتعديلها.
تعطي هيل أمثلة عن زبائن طلبوا مساعدة معالجين نفسيين للتعامل مع مشكلاتهم في إيجاد المعنى من الحياة.
كان بروس رجلًا في منتصف العقد السابع من العمر ويواجه صعوبات مع التقاعد وزواجه المضطرب طويل الأمد ومشكلات صحية. تحدّث مع المعالج حول الإيمان والروحانية وحاجته إلى الانعتاق وانجذابه لامرأة أخرى. ساعده المعالج على الوصول إلى رؤية صافية حول معاناته الروحية واستخلاص ما يرغب فيه.
إقحام علم النفس في التساؤلات حول معنى الحياة لا يُقصي أهمية الفلسفة؛ التي تبقى سديدة، وذلك لمساهمتها القياسية.
وستتقبل الممارسة الوصفية البحتة مزاعم الزبائن أن حياتهم تكتسب المعنى بممارسات معينة مثل جمع أغطية علب البيرة أو ممارسة الجنس العنيف مع الغرباء.
الفلسفة جوهرية لإيجاد معنى الحياة من خلال تقييم مشروعية القيم المختلفة.
يلخّص ثاغارد (٢٠١٠-٢٠١٩) -بموضوعية- القيم المرغوبة في شعار هو: معنى الحياة هو الحب والعمل واللعب. لأن هذه القيم الثلاث تساهم في إشباع الحاجات النفسية الجوهرية إلى الانتماء وتحقيق المكانة والاستقلال. يعطي هذا الشعار إجابة مختصرة عن ماهية الأشياء التي تمنح الهدف والقيمة للكثير من الناس دون الحاجة إلى مواجهةِ تجريدية المفاهيم مثل الانتماء.
يقول ثاغارد: يتحقق الترابط المنطقي عندما يفهم الناس أن أفعالهم يُحرّضها سعيهم المنطقي إلى الحب والعمل واللعب. ومثلما في حالة بروس؛ تتعلق أحيانًا الأسئلة عن معنى الحياة بتحقيق التوازن بين القيم المختلفة. والآلية الفكرية السديدة لإدارة الصراعات هي الترابط المنطقي العاطفي بين الأفعال والأهداف.
ما علاقة علم النفس بالشعر؟
في الحقيقة، معظم الشعراء يفضّلون علماء نفس محددين، ومعظم علماء النفس يفضّلون شعراء محددين. ويورد الباحث وعالم النفس رومانيشين مرارًا في كتابه (الباحث المجروح) الذي يعرّفه على أنه شاعرٌ فاشل. مقترحًا أنه يقف بذلك في الفجوة بين الوعي واللا وعي ويتحمل عبء اليقين والجهل.
يعترف رومانيشين أيضًا بأن عالم النفس الذي يأخذ الروح بعين الاعتبار هو أقرب إلى الشاعر في حساسيته، حتى إن لم يكن شاعرًا. ويقرّ أن الشعر هو فنٌ روحي، عولِج بوضوح على مر السنوات. ويشير في كتابه إلى الكثير من الشعراء مثل هوميروس وكيتس وريلكه، مع تحديد بعض الخطوط المشتركة بين علماء النفس والشعراء. وأهمها؛ ميلهم ليكونوا أفرادًا قادرين على رؤية الحقيقة في أي لحظة. ولا حاجة إلى القول إنهم يلعبون دورًا اجتماعيًّا نفيسًا.
يقول غريينغ: «أحد علماء النفس الإنسانيين المفضلين لدي هو رولو ماي، الذي أثر كثيرًا في الشاعر توم غريينغ» وفقًا لمقال نُشر في The new Existentialist. ويقرّ حقيقةً بأن «علم النفس فارغٌ دون الشعر. لأن الشعر يحمل الحكمة من بحثنا وتوقنا إلى المعنى والفهم في هذا العالم المعقد».
في كتاب (يونغ المُتَنَاقَل) الذي أعده جوزيف كامبل؛ فصل بعنوان «حول العلاقات بين علم النفس التحليلي والشعر» يعترف يونغ بالحافز الإبداعي الذي يتصف بالتقلّب والعند ويبزغ من اللا وعي.
يقول أيضًا: «إنه في أثناء جرينا خلف الحافز الإبداعي، يمسح تيار الحياة اللا مرئي الشاعر معه بعيدًا».
وصف رولو ماي هذه النشوة في كتابه (شجاعة الخلق) عندما قال: «ربما كان الشعراء مخلوقات عذبة في المروج العالية، إلا إنهم خطرون في نظام التجميع».
«تتطلب التقنية النظام والتوقعية والترتيب»، مشيرًا إلى أن هذه الصفات ليست فطرية لدى الشاعر. واختصر ميول الشعراء في قوله: «الإبداع في الفن والشعر والموسيقى والنواحي الأخرى التي توجد لإبهاجنا وتعميق معنى حياتنا وتوسيعه، بدلًا من مجرد الإدرار المادي أو زيادة الطاقة التقنية».
كتابة الشعر مسعًى نفسي وروحي لأنه يغوص في إعمال الفكر عبر تشجيع الشاعر على البقاء في اللحظة الراهنة مع كلماته. وتُظهِر أفضل القصائد أن الشاعر مغمور في مشاهده الداخلية والخارجية بمشاركته تفاصيل محددةً حول تأملاته ومواقفه وصوره ومشاعره. يتيح مزج العلاج مع الشعر مزايا شفائية قوية بغية الوصول إلى الصوت الداخلي وتحسين المهارات التأملية