في شتى أنحاء العالم وفي مختلف الثقافات، غالبًا ما يفترض أن الملحدين غير جديرين بالثقة، وتنقصهم المبادئ الموجهة التي يمتلكها المؤمنون بالآلهة أيًا كانت صورتها. ووجدت دراسة استقصائية عالمية سنة 2020، شملت ست قارات، أن 4.5% من الناس يظنون أنه من الضروري أن تؤمن بإله ما لتكون أخلاقيًا وصاحب قيم جيدة. وتقترح دراسة جديدة وجود شيء من الحقيقة في الصورة النمطية السابقة، مع ذلك، فإن الناس يعتقدون اعتقادًا راسخًا بصحتها، حتى الملحدون أنفسهم في بعض الأحيان.
وفي حين تتباين القيم الأخلاقية بعض الشيء بين المتدينين وغير المتدينين، وجد عالم النفس توماس ستال أن كلا الفريقين يمتلكان بوصلة أخلاقية.
يقول ستال، عالم نفس اجتماعي في جامعة ايلينويس في شيكاغو: «يمتلك غير المؤمنين بوصلة أخلاقية، مع ذلك، تكون مختلفة في بعض مبادئها ومقدساتها عن التي يمتلكها المؤمنون المتدينون، وتشابهها في مبادئ أخرى».
يتضمن بحث ستال أربع دراسات استقصائية على الإنترنت تشمل بلدين اثنين: الولايات المتحدة، حيث يكون الإيمان بالأديان طبيعيًا، والسويد، التي تعد إحدى أكثر الدول علمانيةً في العالم.
اهتمت أول دراستين بالتاريخ والمعتقدات والقيم الشخصية، والتوجهات السياسية، لنحو 429 أمريكيًا بينما قارنت الدراستان الأخيرتان إجابات مقدمة من نحو 4193 مستجيبًا في كل من أمريكا والسويد.
في النهاية، حقق كلا الفريقين نقاطًا قليلة فيما يتعلق بالتوجهات غير الأخلاقية عندما سُئلوا عن موقفهم من تصريحات مثل التصريح التالي: «سأصبح غير أخلاقي إذا آمنتُ أن ذلك سيساعدني كي أنجح».
إضافةً إلى ذلك، قيّم كل المشاركين تقريبًا في الدراسات الأربعة -الأخلاق التي تحمي الفرد مثل العدل والحرية والحماية من الظلم- بطريقة مشابهة ومميزة. وبعيدًا عن الدين، فإن أغلب الناس يميلون إلى الاتفاق مع التصريح التالي: «يكون المجتمع في أحسن صورة عندما يسمح لأفراده بتحمل مسؤوليات حياتهم دون التدخل في قراراتهم».
يولي كل من المؤمنين والملحدين -بصورة مثيرة للاهتمام- أهميةً للمنطق، مع أن أغلب الملحدين من المفكرين التحليليين المليئين بالشك. ويختلف المتدينون حقًا، فقط في القيم الأخلاقية التي تمس أمان المجموعة (الجماعة الدينية). فيميل المؤمنون بالإله على سبيل المثال، لأن يمنحوا تقييمًا أعلى بكثير بخصوص الإخلاص إلى الجماعة، واحترام الشخصيات القيادية، وحرمة (قداسة) الطقوس.
يقول ستال: «يملك غير المؤمنين في أميركا والسويد مشاغل أخلاقية قوية، شبيهة بالتي يمتلكها المتدينون، حول عدم أذية الأفراد الضعفاء، وحول العدل». ومع ذلك، لم يحبذ المتدينون غير المؤمنين عرض القيم التي تروج لتماسك الجماعة على أنها ضرورة أخلاقية مثل الولاء للجماعة واحترام القادة والقداسة، وهذا يبدو منطقيًا، فبعض الناس يناقشون أن دور الدين هو خلق مجتمع عالي التماسك، وهؤلاء المنتفعون من هذا المجتمع هم غالبًا من يلتزم بالقيم التي تخدم الجماعة.
من الصعب الوصول إلى استنتاجات حاسمة من ارتباطات هذه الدراسة، إلا أن ستال يناقش ما تقترحه نتائجه بأن الخوف يشكل عاملًا آخر يدفع الناس إلى التدين. ويبدو أن المتدينين في أميركا والسويد يعدون العالم مكانًا أكثر خطرًا، وقد ارتبط هذا الخوف بتقدير عالٍ للقيم الأخلاقية التي تحمي الجماعة.
وعلى أية حال، يصب الملحدون اهتمامهم على الفرد، ويكونون أقل ميلًا للحكم على صحة عمل ما فطريًا، ويميلون عوضًا عن ذلك إلى الانشغال بالاستدلال الأخلاقي والمترابط منطقيًا، ما يعني على الأرجح أنهم يحكمون على الأفعال استنادًا إلى الضرر الذي تحدثه، وبنظام تسلسلي. وربما تكون سمعة الملحدين التي تصفهم بعديمي الأخلاق عائدة في الواقع إلى نظرتهم النسبية للأخلاق.
وقد أخبر ستال مجلة لايف ساينس أنه وعلى سبيل الجدل، غالبًا ما يضحي الملحدون بحياة واحدة لنيل الخير الأكبر، ما قد يبدو للآخرين أمرًا يستحق الاحتجاج والتوبيخ، ويشير ستال إلى ما يلي: «من الجدير بالذكر أن تقدير الشخصية الأخلاقية -لمن يتخذون القرارات استنادًا إلى مبادئ الترابط المنطقي- يكون أكثر سلبية لأن إدراك الترابط المنطقي يكون أقل عاطفية».
وفي ضوء نتائج الأبحاث، يبدو من المعقول ظاهريًا وجود أمرين يحتمل أنهما ساهما بعض الشيء في انتشار سمعة للملحدين بأنه تنقصهم الصفات الأخلاقية، وهما: ميل الملحدين للاعتماد على مبادئ الترابط المنطقي، إلى جانب ثقتهم الضعيفة بأسس الالتزام الأخلاقي. ويعزي بحث آخر عدم ثقة الناس بالملحدين إلى خوفهم من عدم التزام الملحد بالبوصلة الأخلاقية لأنه لا يؤمن بالعقاب، وشكوكهم حول امتلاك الملحدين أساسًا بوصلةً أخلاقية.
ولم تحدد الاستقصاءات الحالية وجود علاقة ما بين تصرفات الملحدين والمتدينين، وبين قيمهم الشخصية، لكن ساعدت النتائج في فهم الأسباب التي أكسبت الملحدين سمعتهم بصرف النظر عن استحقاقهم لها.
في المستقبل، يأمل ستال أن أبحاثًا مشابهة ستحدث في بلدان غير غربية، أقل تدينًا وأكثر شرقية في نفس الوقت، للتحقق مما تحمله هذه النتائج في الثقافات الأخرى.