- بإمكاننا أن نحظى بحياة هادفة أكثر بالسير وفق خطى اليونانيين القدماء الذين أدركوا أن الدماغ والجسد والروح كينونة واحدة.
- بناء العلاقات والاهتمام بالآخرين وتشارك الموارد هي سبل مهمة لنا في طريقنا لإيجاد الكمال.
- اعتناق الحياة وطرح الأسئلة الجوهرية ومصارحة أنفسنا بالحقيقة سيجلب لنا الرضا والاطمئنان.
وضعت جائحة كورونا الحياة موضع تساؤل بالتأكيد، والأهم هو أنها دفعتنا إلى تمييز الأمور القيمة والتركيز عليها. وبتعبير آخر، الحياة تنادينا ونحن -أفراد وجماعات- مطالبون بالاستجابة لنداء الحياة. وبالنسبة لجيل الألفية، فقد اجتاح السؤال الوجودي: «ما المغزى من الحياة؟» الفكر الإنساني.
تجلى هذا السؤال بصورة عملية في تنقيب الإنسان عن معنى الحياة. ورغم الجائحة، لم تتغير الفرضيات الأساسية لحياة هادفة بتقادم الزمن، لكن في سعينا إلى ما يُسمى «الحياة الطيبة» يضحي الكثير منا بعلاقاته وصحته واستقامته ومع ذلك نجد أنفسنا أَسرى حياة تجلب لنا من الرضا أقله.
ومع أن حياتنا قد تبدو معقدةً، فإن الإجابة عن هذا التحدي بسيطةٌ للغاية. ما علينا سوى السير على خطى الدرب الذي رسمه لنا اليونانيون القدماء.
ما وجدناه كان مبهرًا -زميلي إلين دندون وأنا- فالإغريق كانوا سبّاقين في طريقة التفكير الشمولية، أي النظر إلى العالم من وجهة نظر موحدة وليس مجرد النظر إلى أحداث حياتنا اليومية على أنها جزئيات منفصلة. اعتقد الإغريق أن كل الأمور مرتبطة ببعضها. وسبقوا أوانهم في فكرة وحدة العقل والجسد والروح.
تواصَل مع الآخرين بصورةٍ بنّاءة
«الإنسان حيوانٌ اجتماعي» أرسطو.
اعتقد أرسطو أننا كائنات أنيسة تزدهر في المجموعات أو المجتمعات، والأهم هو فطرتنا الطبيعية على الانتماء. نعيش اليوم في عالم معولَم (قرية صغيرة)، ورغم تواصلنا على مواقع التواصل والبريد الإلكتروني والرسائل أظهر بحث أن الكثير من الناس يشعرون بالغربة، فالاكتئاب والقلق والإدمان في تزايد، ما يؤدي إلى انحدار عام في منسوب السعادة.
أحد التحديات الموروثة التي نواجهها اليوم هي أنه بدلًا من الاعتماد على أشخاص نعرفهم لتأمين ضروريات الحياة فإننا نعتمد على غرباء ومؤسسات لكي ننجو. فنحن لا نقايض جيراننا ولا نعلم حتى مصدر طعامنا بل نشتريه من المحال التجارية، ولا نلجأ إلى الآخرين في طلب النصح وإنما نلجأ إلى الإنترنت.
وفي نفس الوقت نحن أكثر استقلالًا، فبدلًا من اقتراض الأشياء من جيراننا نشتريها بمفردنا. وبدلًا من طلب مساعدة الآخرين فإننا نأخذ المهمة على عاتقنا أو نلجأ إلى الاختصاصيين.
ما الذي أضعناه؟ هل في محاولتنا الاكتفاء بذواتنا
عزلنا أنفسنا عن الآخرين حتى قبل تقييدات التواصل الاجتماعي المتعلقة بالوباء؟
لدى اليونانيين القدماء الكثير لقوله حول التآلف المعنوي مع الآخرين. يرشدنا اليونانيون إلى أننا جميعًا مساهمون في المناحي المختلفة لحياتنا سواء العائلة أو الأصدقاء أو زملاء العمل أو منظمة أكبر. يرشدنا اليونانيون إلى أن نفسح كرم ضيافتنا أمام الآخرين ونحتويهم على الدوام فهناك دائمًا متسعٌ لشخص إضافي.
المشاطرة والرعاية
«قبل الخروج بحثًا عما نتناوله أو نشربه؛ علينا البحث عمن يشاطرنا الطعام والشراب».
بحسب الإغريقيين، فإن بناء العلاقات بالحوار جزئية متممة لنشاطنا اليومي، فالتوقف لتحية الآخرين هو اعتراف بحضورهم وبأنهم جزء من محيطك. فمحور الأمر هو الحوار والتواصل. وكل تفاعل هو فرصة لتقوية علاقاتك بالآخرين أو إضعافها.
وبصورة ليست بضئيلة، يعتمد مدى عمق حياتنا على مدى عمق علاقاتنا بالآخرين، وهذه جزئية مهمة من الطريقة الإغريقية في العيش.
احتفِ بالحياة وتلذذ بها
«كل يومٍ يحمل معه شمسًا مشرقة جديدة» هيراقليطس.
علمنا اليونانيون القدامى أن الحياة قصيرة وسريعة الزوال. والأهم هو وجوب الاحتفاء بها بكليتها -بأفراحها وأتراحها- باستمتاع، وتقدير هبة الحياة مطبوع في الجينات اليونانية.
وفي الواقع، بإمكان الإغريق قيادة العالم بتلقينه مقاربة السعادة بنظرة شمولية. يدرك الإغريق أن أساس الحياة هو النشاط ويكمن الرفاه في الحفاظ على تدفق هذا النشاط. وبإمكاننا جميعًا تبني خلاصة قسم أبقراط «تجنب الأذية» باستبدال الخمول والضغط الشديد والتخمة وتناول الأطعمة الضارة بخيارات صحية أكثر.
نحتاج في الأزمات التي نكافحها أو نفتقر خلالها الاطمئنان إلى العودة إلى أسس الحياة والبحث عن مكامن المعنى والرفاه. علمنا هيراقليطس أن كل يوم يحمل معه شمسًا مشرقة جديدة. فكل يوم جديد هو فرصة جديدة للتواصل البنّاء مع الآخرين وإيجاد هدف أسمى واعتناق الحياة بكليتها.
أسئلة وإجابات
«لست وحيدًا في خوفي ولا وحيدًا في ضجيجي» نيكوس كازانتزاكيس (زوربا اليوناني).
حُفرت المقولة اليونانية الشهيرة اعرف نفسك Know thyself على يافطة فوق مدخل معبد أبولو في ديلفي، وهو مكان مقدس اعتاد الإغريقيون القدماء الحج إليه طلبًا للهُدى. وتستجيب بيثيا -كاهنة معبد أبولو- لدعواتهم لكن إجاباتها عادةً ما تكون غامضةً ومفتوحة للتأويل. وحالما تستجيب بيثيا لأسئلة الزائر يكون التحدي عندها في كيفية توظيف الإجابة؛ فهل ينبغي عليهم اتباع نصيحتها بنحوٍ أعمى مؤمنين أنهم قد تلقوا الإجابة الشافية أم أن الرقيم «اعرف نفسك» هو تحذير لتقرر وحدك مدى صلاحية الإجابة؟
في خطابه الدفاعي في محاكمته، وصف سقراط كيف أنه -مثل هيراقليطس- سيعود إلى داخله ويصغي لصوته الداخلي ليكتشف الفعل الصائب. من الواضح أن مقاربته هي مقاربة ميتافيزيقية إذ خلط المنطق والعقل مع الحدس وذلك عندما استفتى ما نشير إليه نحن بالوحي الداخلي.
ومثل سقراط، التحدي الذي نواجهه هو ما إذا كان يجدر بنا وضع ثقتنا في عرّافنا الداخلي ومعرفتنا الداخلية أم نترك زمام أمورنا للآخرين.
كُن صادقًا مع ذاتك
«أمامنا حياةٌ واحدةٌ لنعيشها؛ هي حياتنا» يوريبيديس.
علمنا الإغريق القدماء أن نتصرف بما يتوافق مع حقيقتنا. أخيرًا يكمن التحدي الأعظم في حياتنا في اكتشاف حقيقتنا الأصيلة وتقبلها. يركز العديد من الناس على ماهية مهنتهم أو مسيرتهم المهنية أو كيفية تحديد هدفهم النهائي في الحياة، لكن في الحقيقة، تتمحور الحياة الهادفة حول أصالة الذات وتحفيز ذاتنا بالتواصل مع حقيقتنا.
يرشدنا الإغريق أنه بابتعادنا عن ذواتنا الأصيلة بالتركيز على الإنجاز والكسب -أي الأمور السطحية- بدل التركيز على ما يتماشى مع جوهرنا وحقيقتنا لن ندرك قدرتنا الأسمى. اعتقدوا أن الغاية النهائية للحياة هي Evdemona. وهو مفهوم يشمل معنى الرضى العميق والرخاء الداخلي والخارجي وتسخير نفسك لخدمة الآخرين.