ما هي الفرضية العلمية؟
الفرضية العلمية هي اللبنة الأولى في بناء المنهجية العلمية، وبوسعنا تعريفها بأنها تفسير تخميني قابل للاختبار لظاهرة من ظواهر العالم الطبيعي. يصف الكثيرون الفرضية العلمية بأنها تخمين قائم على أساس المعرفة والملاحظات العلمية السابقة، ولكن يبقى هذا التوصيف قاصرًا، إذ توحي لنا كلمة (تخمين) بأنها توقع عشوائي مبني على أساس الخبرة العلمية للباحث فقط، بينما يتطلب وضع الفرضية العلمية في واقع الأمر أكثر من ذلك بكثير، إذ تُبنى على أساس الرصد المستمر للظاهرة المدروسة إلى جانب البحث الحثيث في كواليسها وخلفياتها.
أساسيات الفرضية العلمية
تقوم الفرضية على فكرة بسيطة جدًا وأساسية، وهي عدم تحديد النتائج مسبقًا، وكي نصف أي فرضية تفسر ظاهرةً طبيعيةً ما بأنها فرضية علمية، ينبغي أن تكون قابلة للاختبار، أي يمكن ترجيحها أو تضعيفها بتصميم تجارب دقيقة ومحددة وإجرائها أو بعملية الرصد والملاحظة. يدعى هذا المبدأ بقابلية الدحض والاختبار، وقد اقترح الفيلسوف النمساوي البريطاني كارل بوبر هذا المفهوم في كتابه الشهير (منطق البحث العلمي) الصادر عام 1959.
ومن وظائف الفرضية العلمية أن تتنبأ بنتائج التجارب العلمية التي ستجرى في المستقبل، وعند إجرائها تقارن نتائج التجربة بما تنبأت به الفرضية، وحينها تترجح هذه الفرضية أكثر، أو تضعف.
عادةً ما تصاغ الفرضية العلمية بجملتي (إذا… سوف…)، إذ تعبر هذه الصيغة عن أمر قابل للحدوث (جملة إذا) ونتائجه (جملة سوف)، وقد تحتوي صياغة الفرضية العلمية على (قد) بدل (سوف)، وفقًا لما يذكره موقع جامعة ولاية كاليفورنيا بيكرسفيلد.
نورد هنا بعض الأمثلة لفرضيات تنطبق عليها الشروط السابقة:
- إذا كانت الأشعة فوق البنفسجية مؤذية للعين، فقد يتسبب هذا الضوء بالعمى.
- إذا كان السكر يؤدي إلى تسوس الأسنان، فإن الأشخاص الذين يتناولون الحلويات بكثرة أكثر عرضةً للإصابة بتسوس الأسنان.
- إذا كان الثوم طاردًا للبراغيث، فلن تصاب الكلاب التي نطعمها الثوم يوميًا بالبراغيث.
ينبغي أن تكون الفرضية المجدية قابلية للاختبار والدحض (التفنيد)، ما يعني إمكانية إثبات صحتها أو دحضها. وفي هذا الصدد يقول كارل بوبر في كتابه (تخمينات وتفنيدات) الصادر عام 1963، إن النظرية التي لا يمكن تفنيدها ودحضها ليست علمية.
نورد مثالًا عن عبارة غير قابلة للاختبار، كعبارة (الكلاب أفضل من القطط). وتكمن إشكالية هذه العبارة، في معنى كلمة (أفضل)، فهذه الكلمة غير واضحة المعنى، إلى جانب اختلافها من شخص لآخر، فهي غير موضوعية. وبطبيعة الحال، بإمكاننا إعادة صياغة العبارة السابقة، لتغدو قابلةً للاختبار، كأن نقول (تترافق تربية الكلاب مع مستويات رشاقة بدنية أعلى مما هي لدى تربية القطط)، فهذه العبارة قابلية للاختبار والقياس، فبإمكان الباحثين أن يجمعوا عينة من مربي القطط والكلاب، وقياس مستويات رشاقة أفراد المجموعتين، والمقارنة بينهما.
أنواع الفرضية العلمية
يصوغ الباحثون فرضياتهم في التجارب العلمية بطريقتين عادةً، الأولى هي الفرضية الصفرية، وهي فرضية تتنبأ بعدم وجود علاقة ما بين المتغيرات التي تختبرها التجربة العلمية، أو بإمكاننا القول بأنه لا يوجد فرق بين المجموعات التي تدرسها التجربة. الثانية هي الفرضية البديلة، التي تتنبأ بدورها بالعكس تمامًا، أي أنها فرضية تتنبأ بوجود فرق ما بين مجموعات الدراسة. ويثير النوع الثاني من الفرضيات اهتمام العلماء أكثر من الأول وفقًا لجامعة ميامي.
من الفرضيات الصفرية مثلًا (لا يوجد فرق في معدلات نمو العضلات بين من يتناولون مكملات بروتينية ومن لا يتناولونها). ولنأخذ مثالًا عن الفرضية البديلة بالسياق ذاته: (يوجد فرق في معدلات نمو العضلات بين من يتناولون مكملات بروتينية ومن لا يتناولونها).
إذا أظهرت نتائج التجربة علاقةً ما بين المتغيرات، تدحض الفرضية الصفرية وتترجح البديلة، وفقًا لكتاب (مناهج البحث في علم النفس) الصادر عام 2015.
توجد عدة طرق لصياغة الفرضيات البديلة، فما ورد من أمثلة في الأعلى، فرضيات لا تشير لاتجاه التأثير، وإنما تقتصر على تحديد وجود فرق بين مجموعتي الدراسة، ويطلق على هذا النوع من الفرضيات اسم الفرضية ثنائية الاتجاه (two-tailed hypothesis). أما إذا اشتملت الفرضية على تحديد اتجاه التأثير، كأن نقول أن من يتناولون مكملات بروتينية ستنمو عضلاتهم بدرجة أكبر ممن لا يتناولونها، عندها ندعوها بالفرضية أحادية الاتجاه (One-tailed hypothesis) وفقًا لويليام تروكيم أستاذ تحليل السياسات والإدارة في جامعة كورنيل.
بطبيعة الحال تحدث أخطاء في التجارب العلمية أحيانًا، فوفقًا لجامعة كاليفورنيا بيركلي يحدث أحد خطأين في سياق الفرضيات العلمية: الخطأ من النوع الأول، عند رفض الفرضية الصفرية بينما هي صحيحة (ويسمى بالإيجابية الكاذبة)، الخطأ من النوع الثاني، ألا نرفض الفرضية الصفرية بينما هي خاطئة (ويسمى بالسلبية الكاذبة).
وبالوسع رفض الفرضية العلمية أو تعديلها ولكن لا يمكن إثبات صحتها بنسبة 100% على الدوام وإنما يزداد ترجيحها، فمثلًا، إذا صاغ فريق بحثي من العلماء الفرضية العلمية الآتية عن نوع محدد من الطماطم (إذا ما كانت المادة الوراثية للطماطم تحتوي على جين الصباغ الأحمر، ستكون هذه الطماطم حمراء)، وخلال البحث وجد العلماء أن كل طماطم عينة هذا النوع حمراء (أي ما يؤكد فرضيتهم)، فالفرضية صحيحة ولكنها لن تكون مؤكدة بالمطلق دائمًا، فقد توجد طماطم من هذا النوع غير حمراء في مكان آخر من العالم.
النظرية العلمية والفرضية العلمية
أفضل الفرضيات العلمية أبسطها، أي التي تتعامل مع مجموعة محددة من الظواهر الطبيعية، بينما يكون طيف النظرية أوسع بكثير، إذ تجمع النظرية عدة فرضيات علمية متكاملة لتفسير مجموعة واسعة من الظواهر بشكل عام، وفقًا لجماعة كاليفورنيا بيركلي. مثلًا لدينا الفرضية الآتية (إذا ما كانت الحيوانات تحاول التكيف مع بيئاتها لتتلاءم معها، فإن الطيور التي تعيش على جزر وتتغذى على البذور ستكون مختلفةً في الشكل عن الطيور التي تعيش على جزر وتتغذى على الحشرات). وبعد اختبار عدة فرضيات كهذه، أطلق تشارلز داروين نظرية التطور من خلال الانتخاب الطبيعي.
تقول تانر: «النظرية هي طريقة لفهم ما نلاحظه من حولنا في العالم الطبيعي … فالنظرية هي بُنى الأفكار التي تشرح الحقائق من حولنا وتفسرها».