ماذا يعني أن تعرف شيئًا ما؟ يبدو السؤال بسيطًا حتى تفكر فيه. إذا أخبرك صديقك أنه حل مسألة رياضية لا يستطيع حلها سوى مجموعة من الناس ولم تكن أنت واحدًا منهم، هل تعلم إن كان حلها بطريقة صحيحة أم لا؟
إذا أخبرتك وسيطة روحية عن حدث من طفولتك وقالت أنها تواصلت مع جدتك المتوفاة وأخبرتها بذلك، هل تعرف إن كانت تقول الحقيقة أم لا؟
قرأت تقريرًا إخباريًا عن رجل شرطة أطلق الرصاص على رجل بعد مشادة بينهما، ويدعي أن الرجل هدده بإطلاق النار عليه ومع ذلك كان القتيل غير مُسلح ولم يكن هناك شهود عيان، هل يمكن معرفة ماذا حدث؟
دراسة المعرفة أو علم المعرفة Epistemology كلمة لا يعرفها سوى عدد قليل من الناس، ولكن يزداد عدد الأشخاص الذين يتعلمون يومًا بعد يوم بسبب أزمة كوفيد-١٩ التي كشفت الصدع الموجود في واقعنا والمعرفة التي نمتلكها.
إليك المثال التالي:
تريد أن تزور والدتك التي لم تزرها منذ أشهر ولكنك قلق بشأن السُعال المستمر معك منذ أسبوعين، ثم تحصل على نتيجة اختبار مسحة الأنف الخاصة بكوفيد-19 وتجد نتائجك سلبية، عظيم يمكنك الآن زيارة والدتك وأنت مطمئن أنك لست حامل للفيروس أو هكذا تعتقد.
وبعد إخبار والدتك بهذا تقوم هي بإرسال مقال إليك حول أن اختبار مسحة الأنف ليس مصدرًا موثوقًا لأن لديه معدلًا مرتفعًا من النتائج السلبية الزائفة، ولإضافة المزيد من القلق تتلقى اتصالًا من الطبيب الذي رأيته في العيادة يقول لك أنه مع أن نتائج الاختبار الخاص بك سلبية فإنه يعتقد أن الأعراض تتفق مع أعراض كوفيد-19.
تظل حائرًا ثم تقرر أن تشاهد التليفزيون وتجد تقريرًا يُعرض على قناة الأخبار المفضلة لديك حول أن العديد من الدول غيرت معايير اختبارات كوفيد-19 لخفض عدد الحالات المصابة حتى يشعر الناس بالآمان ويعود الوضع إلى ما قبل الأزمة لتعزيز الاقتصاد. ثم يرسل إليك صديقك رابط فيديو شهير على يوتيوب يزعم أن الأطباء شُجعوا على التشخيص المرتفع لحالات كوفيد-19 لأن المستشفيات تحصل على عمولات من الحكومة على كل حالة يعالجونها.
أين هي الحقيقة؟ ماذا تعرف؟
كل يوم نجد قائمة من القرارات التي نحتاج إلى اتخاذها حول أشياء لا نعرفها في الواقع. حتى سؤال بسيط مثل: «هل من الصحي تناول البيض كل يوم؟» قد يضعك في حيرة لأسابيع.
بالتأكيد يمكنك البحث في الإنترنت عن معلومات قد تساعدك على الإجابة عن هذه الأسئلة، ولكن المعلومات ليست معرفة، المعلومات هي مجرد مجموعة من البيانات ويمكنك جمع البيانات بطرق موثوق بها أو غير موثوق بها، وهل هي صادقة أو احتيالية. وإذا لم تكن لديك خبرة في موضوع معين مثل البحوث الطبية كيف يمكنك معرفة مدى صحة المعلومات التي تقوم عليها قراراتك؟
في غياب المعرفة يعتمد الناس على شيء آخر وهو الإيمان، المعرفة والإيمان يسيران جنبًا إلى جنب لأننا عندما لا نعرف شيئًا فإننا نقبل المعلومات التي نحصل عليها من الأفراد والمؤسسات التي نؤمن بها، ولكن ماذا لو كان هؤلاء الأفراد أو المؤسسات قد ارتكبوا أخطاءً في الماضي أو اتهموا بالفساد؟
اليوم نحن غارقون في أزمة إيمان لأن الكثير من أبطالنا وجميع المؤسسات التي نؤمن بها تقريبًا لم يرتكبوا أخطاءً كبيرةً فحسب بل لديهم تاريخ من الفضائح ونتيجةً لذلك نبدأ التشكيك في أبطال ومؤسسات ثقافتنا باختصار لقد دُفعنا إلى الهاوية.
إن النقاشات حول علم المعرفة ليست جديدة، يخبرنا معلمونا أن الفلاسفة جادلوا لقرون حول معنى معرفة شيء ما، وما الذي يميز المعرفة عن المعتقد.
ولكن وباء كوفيد-19 الذي ظهر في وقت انتشار وسائل الإعلام في كل مكان وعالم غارق في نظريات المؤامرة جعل هذه النقاشات أكثر أهميةً ونحن نكافح من أجل اتخاذ كل قرار حياة أو موت يواجهنا.
بالعودة إلى الكلمة الأولى: الإيمان كممارسة أمر بالغ الأهمية للتقدم الحضاري لأننا لا يمكن أن نحصل على معرفة كبيرة من تجاربنا الشخصية في حياتنا القصيرة، ولذلك فإن الإيمان ضروري بالنسبة لحياتنا الوظيفية والصحية، وعندما يصبح الفرد خاليًا من الإيمان يُصاب بحالة من جنون العظمة.
ويجب أن ندرك أن الإيمان والعقائد ليستا مثل المعرفة وإذا كنا صادقين مع أنفسنا سنعترف أن معظم الأشياء التي نعرفها هي مجرد معتقدات مدعومة بالمعلومات التي تُعطى لنا من قبل الأشخاص أو المؤسسات التي نؤمن بها.