تويت
تخيل معي المعضلة الأخلاقية الآتية: بينما كنت تمشي مع صديقك على جسر للمشاة يطل على طريق ضيق متعرج، شاهدت إلى يمينك خمسة أطفال يركضون نحو الشارع لجلب الكرة، وإلى يسارك حافلة تُسرع باتجاه الأطفال. وبالنظر إلى منعطف الشارع، من المستبعد أن يبصر سائق الحافلة هؤلاء الأطفال في الوقت المناسب، ما يعرض حياتهم للخطر.
يبدو أن حادثًا مروعًا سيحدث ولا مفر منه، لكن يوجد مخرج واحد بإمكانه إنقاذ حياة الأطفال الخمسة، وهو أن تضحي بصديقك الذي يقف معك فترميه من الجسر، فينتج سقوطه حادثًا يغلق الشارع، فينتبه سائق الحافلة فيبطئ سرعته، ومن ثم تنقذ حياة الأطفال الخمسة.
لديك أجزاء من الثانية لاتخاذ القرار، فماذا ستفعل؟
معضلة القطار
يُعد السيناريو السابق أحد أشكال معضلة ترولي، التي تصور عربة قطار خارجةً عن السيطرة بدلاً من الحافلة، إنها معضلة مصممة لتتحرى اتخاذ الناس للقرار الأخلاقي، لكنها تنطوي على مقايضة سيئة وصعبة.
على صانع القرار أن يختار بين الخيار (أ) الذي يقتضي عدم تدخلك بترك الأطفال الخمسة ليواجهوا مصيرهم، والخيار (ب) الذي يتحقق بقتلك أحد المارة الأبرياء لتنقذ الأرواح الخمسة. تتلخص المعضلة في سؤال رئيسي واحد، هل يمكنك إيذاء شخص واحد لإنقاذ عدة أشخاص آخرين؟ أو إلى أي مدى ستضحي لتحقق المصلحة العامة؟
لا يوجد قرار واضح يمثل خيارًا صحيحًا وأي قرار سواه حالة خاسرة، إذ يؤدي كلا الخيارين إلى فقدان حياة بريئة واحدة على الأقل، ما قد يحولك إلى قاتل!
عندما تحاول اتخاذ قرار، فستتبني أحد نهجين أخلاقيين:
- الأخلاق: يعطي النهج الأخلاقي الأولوية لسلوك الشخص على حساب النتيجة، يعتمد هذا النهج على الفكرة القائلة بأن بعض السلوكيات هي في ذاتها حسنة أو قبيحة بصرف النظر عن عواقبها، وقد تندرج الوصايا الدينية تحت هذا النهج مثل النهي عن القتل، أو المبادئ الأخلاقية مثل مفهوم اللا عنف، فعند مقارنة الخيارين بصرف النظر عن نتائجهما، نجد أن الخيار (أ) الذي يمثل عدم التدخل أفضل من الخيار (ب) الذي يقتضي قتل شخص بريء، لذلك يجب على مؤيد النهج الأخلاقي أن يتبنى موقفًا سلبيًا في المعضلة.
- النفعية: يفضل النهج النفعي الخيار الذي يحقق أفضل النتائج بصرف النظر عن السلوكيات المؤدية إلى تلك النتائج. يبرر مؤيدو هذا النهج أي وسيلة وسلوك في سبيل تحقيق المصلحة الكبرى. وبهذا فعند المقارنة بين الاختيار (أ) الذي أدى إلى خمس حالات وفاة والخيار (ب) الذي أدى إلى وفاة واحدة فقط، فإن الخيار الثاني المتمثل في رمي شخص بريء تحت الحافلة هو الخيار الصحيح وفقًا لهذا النهج.
تُعد معضلة القطار الكلاسيكية مسألةً فكريةً مثيرةً للاهتمام، فقد نالت تركيزًا كبيرًا من أبحاث علم النفس والأخلاق، وظهرت في الثقافة الشعبية في العديد من الأفلام السينمائية.
يُعد إلقاء شخص ما تحت الحافلة لإنقاذ مجموعة من الأطفال سيناريو مصطنع مستبعد الحدوث، ينطوي على قسوة شديدة وعواقب وخيمة. لحسن الحظ، لا يواجه معظمنا مثل هذه القرارات باستمرار، ومع ذلك لا تقتصر هذه المعضلة على المشهد الذي عرضناه، بل تتعداه إلى تطبيقات أخرى:
- قد يضطر الأطباء إلى اتخاذ قرار حول تخصيص موارد طبية محدودة مثل عدد الأسرة أو الأدوية. فمثلًا، هل يجب عليهم رفض استقبال مريض شديد العدوى مصاب بكوفيد-19 بهدف حماية باقي المرضى في الجناح؟
- يواجه السياسيون غالبًا تحديات أخلاقية على نطاق أوسع. فمثلًا، قد يتطلب الصراع الدولي خيارات صعبة، فهل ستأمر بتجهيز الجيش مضحيًا بأرواح الجنود والمدنيين لاستعادة السلام في منطقة مزقتها الحرب في الخارج؟ وكم عدد الجنود الذين سترسلهم إلى حتفهم لتحقق الاستقرار المنشود؟
- مع بدء شيوع استخدام تقنيات القيادة الآلية، يجب علينا التفكير في القرارات التي ستلجأ إليها تلك الأنظمة عند احتمال الحوادث. فمثلًا، هل تُبرمَج السيارات لدهس أحد المارة لتجنب وقوع حادث طريق جماعي؟
بالعودة إلى السؤال الأصلي حول إلقاء شخص ما تحت الحافلة، قد يفيد التأمل في موقفك الأخلاقي، فمن المرجح أن تؤثر الاختلافات الثقافية الأخلاقية في خيارات الناس عند تعاملهم مع معضلة القطار. فمثلًا، وجد باحثو علم النفس من جامعة ليستر اختلافات مذهلةً بين البريطانيين والصينيين، فقد كان المشاركون الصينيون أقل استعدادًا للتضحية بشخص واحد لإنقاذ خمسة آخرين مقارنةً بالمشاركين البريطانيين.
في استطلاع لاحق، اتفق العديد من المشاركين الصينيين على أنه «من الأفضل عدم التدخل في المسار الطبيعي للأحداث»، يُعرف هذا الموقف عادةً بالقدرية، ويصف إيمانًا قويًا بالقدر، وعلى هذا نجد أن التقاليد الطاوية تؤدي دورًا أساسيًا في اتخاذ القرار، ما يشير إلى أن الخلفية الثقافية قد أثرت في خيارات المشاركين الصينيين أمام تلك المعضلة الأخلاقية.
من المحتمل أن تتأثر ردة فعلك تجاه هذه المعضلة الأخلاقية بثقافتك، إذ يشكل الفهم المختلف للأخلاق والفضيلة مصدرًا محتملًا للخلاف بين الناس عالميًا.