ما هو مصدر الأخلاق لدى الإنسان؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ما هو مصدر الأخلاق لدى الإنسان؟

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	unnamed-58-384x253.jpg 
مشاهدات:	8 
الحجم:	17.2 كيلوبايت 
الهوية:	121398

    يسود اعتقاد شائع أن الدين هو مصدر الأخلاق، وسبب ذلك الاعتقاد بأن الدين ينقل الأوامر الأخلاقية من إله خالق للكون، ما زال عدد كبير من البشر يجدون صعوبة في فهم الأمر بطريقة تخلو من المصطلحات الغيبية المرتبطة بقوى خارقة، مع أن العلماء درسوا وشرحوا أصل الأخلاق بالتفصيل، يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على الدراسة العلمية للحس الأخلاقي لدى البشر.

    يتطلب فهم أصول الأخلاق -ككل الصفات السلوكية- منظورًا تطوريًا يأخذ التطور البيولوجي والثقافي بالحسبان. من الأسهل شرح الفكرة بالنظر إلى الصفات الفردية، ثم الديناميكيات الجماعية التي تصيغ الأخلاق البشرية، وتشمل الصفات الفردية الصفات الغريزية والعاطفية -كالتعاطف والشعور بالذنب- والقدرات الإدراكية -كالقدرة على كبح الاندفاعات والقدرة على المحاكمة العقلية، في حين تتعلق الديناميكيات الجماعية بالتعاون والمنافسة والطرق التي تتطور بها القواعد والمعايير المجتمعية، ومن المؤكد أن كل هذه العوامل الفردية والجماعية متداخلة.
    الصفات الغريزية والعاطفية
    • التعاطف.
    • الضمير والشعور بالذنب.
    • العار، والاهتمام بالسمعة.
    • الاشمئزاز.
    • الغضب وكراهية الظلم.

    يمكن شرح كل هذه المشاعر وارتباطاتها السلوكية بطريقة أسهل لدى الحيوانات، الرئيسيات خصوصًا.

    تُظهر الكثير من الأبحاث الغرائز الأخلاقية المعقدة لدى الأطفال الصغار الذين لم يُكيفوا اجتماعيًا بعد لإظهارها، فالأطفال يظهرون التعاطف والإنصاف والعدل والقدرة على الحكم على السلوك البشري بكونه خيرًا أو شريرًا. وقد تعزز بعض هذه العواطف -كالغضب والاشمئزاز- الرحمة أو القسوة، وحتى التعاطف قد يعزز العدوانية عندما يقود التعاطف مع أحد أفراد الجماعة إلى الانتقام من معتدٍ من خارج هذه الجماعة.
    التعاطف


    وفر فرانس دوفال المختص في علم الرئيسيات مع العديد من الباحثين الآخرين أدلةً مبهرة على السلوك التعاطفي لدى حيوانات كالشمبانزي والبونوبو وحيوانات أخرى. الشمبانزي معروف بعدوانيته -أكثر من البونوبو بكثير، والبشر ذوو قرابة متساوية من كلا النوعين- في أثناء الصيد الجماعي عندما تصيد السعادين وتأكلها، لكنها أيضًا توفر الطعام للأفراد الضعفاء والأكبر سنًا دون مقابل، وتواسي الشمبانزي والقردة الأخرى بعضها عند الشعور بالكدر.

    يبدو أن ما يحفز سلوك الإيثار هذا هو اندفاع تعاطفي شديد، ويعني حرفيًا أنها تشعر بألم الآخر، ويشير علم الأعصاب إلى أن خلايا الدماغ العصبية نفسها تُفَعَّل لدى البشر عندما يشعرون بالألم أو يرون ألم الآخرين.

    التعاطف رد فعل جسدي يرتبط بمحاكاة السلوك أو التقليد غير الواعي، ويكون عفويًا ولا إراديًا غالبًا، عندما نجفل حين نرى أحدًا يصاب بأذى مثلًا، ونبتسم عفويًا عندما يبتسم لنا أحد، وهي سمة تطورية تبدأ في الأسبوع الرابع إلى السادس من العمر. ويتجلى التعاطف أيضًا في التوافق العاطفي وتقارب المزاج ومظاهر هذه العدوى، ومن أمثلة هذه المظاهر ما يحدث بين الحشود الكبيرة.

    التعاطف العشوائي غير المتوازن ليس مفيدًا للبقاء، لذلك أنتج الاصطفاء الطبيعي لدى الرئيسيات التعاطف والعدوانية معًا، إضافةً إلى التعاون والتنافس أيضًا. ويكون التعاطف في أقوى صوره حال التشابه مع الآخر.


    القدرات المعرفية


    من الصفات الفردية التي أدت إلى ظهور الحس الأخلاقي لدى البشر القدرات المعرفية العليا، وخصوصًا:
    • ضبط النفس.
    • المحاكمة المنطقية أو الذكاء العقلاني.

    ضبط النفس أمر جوهري بين الحيوانات المعقدة، فهو يكبح اندفاعات الحيوان أو يؤجل شعوره بالإشباع لكي يحقق أهدافًا أكبر، فمثلًا، يسمح ضبط النفس للمفترس بتعقب الفريسة خلسة بدلًا من الانقضاض عليها فورًا، وهو ضروري لكبح العدوانية عند التعاون بين الحيوانات الاجتماعية.

    يتفوق البشر في ضبط النفس، ويتخذ أشكالًا أكثر تعقيدًا، تُسمى أحيانًا قوة الإرادة التي تختلف بين شخص وآخر، ويحددها الطبع الفطري غالبًا، وتبقى قوة إرادة الشخص أو ضعفها نسبيًا على ثبات لافت للنظر خلال العمر، لكن بوسع البيئة أو التعلم أو التكيف أن تقويها.

    دور المنطق أو العقلانية في صقل الحس الأخلاقي للبشر بديهي وواضح، واعتقد الباحثون والفلاسفة أنه العامل الرئيسي الذي شكّل الأخلاق البشرية في الماضي، قبل أن يُفهم الدور الجوهري للغريزة والعاطفة تمامًا. الآن يوجد جدل حول كون العاطفة أو المنطق صاحب الدور الأكبر في الأخلاق، ومع أن العواطف تكون أقوى غالبًا، فإن المنطق أكثر تنوعًا وتكيفًا، وأقدر على التغلب على العواطف عند تكريسه عمدًا وبحذر، بمساعدة ضبط النفس.
    الجماعات والعوامل الاجتماعية الثقافية


    تؤدي التنشئة الاجتماعية والتعليم دورًا واضحًا في صياغة الغرائز الفطرية الأخلاقية بأشكال مختلفة لأخلاقيات معينة في الثقافات المختلفة، يشبه الأمر اللغة، فهي نتاج غريزة عالمية تحددها جزئيًا القواعد النحوية وتُصاغ إلى أشكال نهائية مختلفة بواسطة التعليم الذي يتلقاه الطفل في ثقافة ما.
    المصلحة الشخصية والتبادل الواعيان


    تتعلق العوامل الاجتماعية المشكّلة للأخلاق بالتعاون، ويتأثر التعاون كثيرًا بالمصلحة الشخصية والتبادل، للتوضيح يأتي دور نظرية الألعاب، التي تطبق نماذج رياضية لدراسة اتخاذ القرارات المنطقية في مواقف التعاون والتنافس، وهي جوهرية لفهم مجالات الاقتصاد وعلم الاجتماع والسياسة والعلاقات الدولية.

    لدى الاختبار الكثيف للنجاح النسبي لاستراتيجيات التعاون والثقة مقابل عدم التعاون والمصلحة الشخصية في بطولات حاسوبية، بدا أن الاستراتيجيات التبادلية أكثر نجاحًا معظم الأوقات، كن لطيفًا ومتعاونًا، لكن إذا كان اللاعب الآخر غير متعاون كن جاهزًا للانتقام الفوري، وعد مجددًا إلى التعاون حين يبدأ اللاعب الآخر بذلك، كن متسامحًا ولطيفًا مجددًا.

    يمثل التبادل جوهر معظم الأديان، وهو استراتيجية عالمية لنمو مجتمعات متعاونة.
    اتساع فكرة الجماعة الداخلية


    تظهر العدوانية بين الجماعات لدى جميع الرئيسيات ومنها البشر، في حين يظهر التعاون داخل الجماعة. لقد حسّن البشر التعاون بين الجماعات كثيرًا بفضل اللغة، فزادت جماعات البشر كثيرًا مع بدء الزراعة قبل نحو عشرة آلاف سنة، عندما انتقلت جماعات الصيد الصغيرة إلى أماكن استيطان كبيرة. وقد يكون بدء ظهور الدين في ذلك الوقت وسيلة فعالة لربط الجماعات الآخذة بالنمو ببعضها، وكبرت الجماعات بمرور الوقت، وساعدت التطورات الثقافية والاقتصادية والتكنولوجية على التخصص والتجارة والاعتماد المتبادل.

    ساهم تعلم القراءة والكتابة في القرون القليلة الماضية في اتساع مفهوم الجماعة الداخلية، ما أدى بدوره إلى اتساع دائرة التعاطف. إذ أصبح البشر أقدر على معرفة أوضاع من يختلفون عنهم كثيرًا، ولعبت شعبية الروايات في القرن الثامن عشر دورًا في ذلك، وساهم التمكين المتزايد للمرأة في العقود الماضية في تقليل العنف بين المجتمعات كثيرًا.
    العقد الاجتماعي


    تُطور كل المجتمعات البشرية المتقدمة عقدًا اجتماعيًا، شفهيًا أو كتابيًا، يُثبّت أسس الغرائز التعاونية ويحافظ على النظام. طوّر الفلاسفة جون هوبز، وجون لوك، وجان جاك روسو نظرية العقد الاجتماعي في القرنين 17-18، إذ وضع جون هوبز تصورًا للسلطة المركزية للحكومة بوصفها الحاكم الوحيد الذي يحد من سلطة الأفراد، في حين رأى لوك وجوب وجود سلطة حاكمة عقلانية تحكم برضى المحكومين، ووفقًا له فإن المنطق يدفع الأشخاص للتخلي عن جزء من سلطتهم للسلطة المركزية للحكومة لكي تحمي حقوقهم في الحياة والحرية والامتلاك، ويمنح الأفراد الحكومة حق معاقبة من يعتدون على هذه الحقوق.
    الديمقراطية والازدهار والتعليم والعلمانية


    تتطلب بعض الشروط المجتمعية التعاون عوضًا عن العدوانية، ومن هذه الشروط الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والازدهار والديمقراطية، والتعليم الجيد للمواطنين وإتاحة الرعاية الصحية والاجتماعية، إضافةً إلى أن أكثر المجتمعات سلامًا وتسامحًا وتعاطفًا تميل إلى كونها علمانية في الوقت الحاضر، لكن العلمانية بمفردها لا تنتج مجتمعات مسالمة ومتعاطفة، فالشروط الأخرى أساسية أيضًا، خاصةً الديمقراطية، تطورت معظم المجتمعات الغربية وبعض المجتمعات الشرقية في القرون القليلة الماضية من أنظمة سلطوية استبدادية إلى مجتمعات ديمقراطية بشكل أو بآخر.

    توجد قواسم مشتركة وثابتة كثيرة في جميع القوانين السارية في المجتمعات الديمقراطية، رغم وجود اختلاف في الثقافات، ويتحقق تطور أنظمة القوانين العقلانية بواسطة النقاشات رفيعة المستوى ضمن المجتمعات الديمقراطية المتعلمة.

    إتاحة الوصول إلى المعلومات -الذي تحقق بدرجة كبيرة بفضل وجود الإنترنت- عامل ضروري آخر، يُصَعِّب سيطرة الأنظمة الشمولية على عقول مواطنيها بواسطة الدعاية الإعلامية.
    الخلاصة


    يمكن فهم الأخلاق بوصفها ميزة طبيعية ناتجة عن صفات الغرائز والعواطف المتأصلة التي يصقلها المنطق، من المؤكد أن للبشر ميولًا للعنف والقسوة والأنانية، لكن الصفات الاجتماعية التعاونية تفوقت على الميول العدوانية والانعزالية في التكيف البيولوجي والثقافي، إذ ساد التعاون والتعاطف المجتمعات الديمقراطية العلمانية أكثر مما ساد تاريخ البشر، وفي عملية التحسين الاجتماعية المستمرة يبقى المنطق والتفكير النقدي الصارم أفضل أدواتنا.

    التقدم الاجتماعي في العصر الحديث متذبذب وغير عادل دومًا، إذ طرأت أحداث كارثية ويوجد خطر دائم، لكن التوجه نحو مجتمعات أكثر تعاطفًا وتعاونًا قويٌ ولا يمكن إنكاره، وتتحقق الأخلاقيات الاجتماعية والتعاطف بالأفعال البشرية، فهذه العملية البشرية الجمعية تتوقف على البشر.
يعمل...
X