وجد بحث جديد أن “الاهتمام” هو أكثر أهمية من العوامل الأخرى! عندما نفكر بأزمة ما فإننا نتخيل موقفًا جادًا وطارئًا وأن التصدي للأزمة يجب أن لا يتأخر. لكن يمكننا اعتبارها نقطة تحول؛ أي إن الحياة لن تكون كما في السابق بعدها. إن القرارات التي تُتخذ في أثناء الأزمة لها القدرة على التأثير على طبيعة وجودة الحياة في المستقبل؛ فبعض الأزمات كالكوارث الطبيعية أو الحوادث المؤلمة هي اضطرابات دراماتيكية تصاحبها عواطف شديدة، وبعض الأزمات تكون أكثر خبثًا وتزداد شدة بمرور الوقت.
في الأحداث المفاجئة يدرك الأشخاص بأن الحياة ستتغير دراماتيكيًا مباشرة بعد مرور الأزمة وتخطي التهديدات الوشيكة، لكن أثر الأزمات التي تزداد تدريجيًا لا يكون بذلك الوضوح، وفي بعض الحالات يمكن استيعاب التغيير بمرور الوقت. إن المرور بأي نوع من الأزمات المهددة للصحة أو الأمن يجعلنا نميز الأشياء الأكثر أهمية في حياتنا أو الأشياء التي تعطي للحياة معناها.
للأسف، يتضح ظهور إحساس شديد بانعدام معنى الحياة لدى الشباب؛ ففي استبيان حديث جُمعت أجوبة من 1700 شخص أمريكي الجنسية، وُجد أن النسبة العظمى ممن تكون أعمارهم بين 65 عامًا وأكثر -59%- يتفقون على أن لحياتهم معنى، لكن هذه النسبة تكون 36% للشباب بين عمري الـ 18 والـ 29.
تشير الأبحاث بأن شعور الإنسان بوجود معنى لحياته ترتبط بسلوكيات صحية، مثل ممارسة التمارين الرياضية وتناول الأطعمة الصحية والشعور بالرضى عن الحياة ومعدلات أقل من الإصابة بالاكتئاب. وعلى النقيض، الشعور بالفراغ وعدم وجود هدف أو قيمة للحياة يرتبط بمؤشرات سلبية كالاكتئاب والقلق والميول الانتحارية، ووجود علاقة بين الاكتئاب والتفكير بالانتحار والشعور إن الحياة بلا هدف أو معنى؛ يعني بأنه يوجد العديد من الأشخاص ممن يواجهون أزمات للعثور على معنى لحياتهم.
يجادل ألبير كامو Albert Camus في كتابه «المتمرّد The rebel»: «إن آمنا باللا شيء، إن كان لللا شيء معنى، وإن كنا لا نملك أي قيم أو مبادئ فإن كل شيء يصبح متاحًا وستفقد الأشياء أهميتها».
ألقت دراسة جديدة الضوء على مكونات الشعور بمعنى الحياة لدى الإنسان؛ إذ تقول نظرية بارزة بأن معنى الحياة لديه ثلاثة أوجه: المنطق والهدف والشعور بأهمية الذات.
المنطق يعني أن تكون تجارب الإنسان أو العالم بأكمله منطقية وعقلانية، أن يحس الإنسان بالمنطق يعني شعوره بأنه يوجد نظام في هذا العالم وإن كل شيء يحدث لسبب ما.
أما الهدف فيعني الإيمان بأن معنى الحياة يكمن في وجود هدف يسعى الإنسان لتحقيقه ووجود رؤيا للحياة المنشودة.
وأخيرا الشعور بأهمية الذات التي تكمن في التجارب ذات القيمة والمعنى، التجارب التي تتخطى الأحداث والمواقف العابرة والسطحية. إن الشعور بأهمية الذات يعني أن ما يقوم به شخص ما يُحدث فرقًا في حياته أو حياة شخص آخر، وهذا ما يجعل الحياة تستحق العيش. والأهم من ذلك هو شعور الإنسان بأن له أهمية في هذه الحياة.
تقترح الدراسة إنه من بين الأوجه الثلاثة يعد الشعور بالأهمية هو أكثر ما يتنبأ بأن للحياة معنًى. على الرغم من الحاجة للتعمق في الدراسة فإن العمل الأولي يقترح بأن الشعور بالأهمية يمكن تحسينه بالترفع عن الأمور الواهية والانغماس في الذات، وفهم دورنا في الصورة الكبيرة للمجتمع قد يمنحنا القدرة على التماس المعنى والأهمية في حياتنا وفي ذواتنا.
الشعور بالامتنان لأننا نملك أثرًا ما على حياة الآخرين، لا سيما من سيأخذون شعلة الحياة من بعدنا، يعزز من إدراكنا بأن لحياتنا أهمية. يفهم معظم الآباء الأمور المهمة بحق عندما يُعبِّر أطفالهم بعفوية عن الفرح أو الحاجة أو الخوف أو الحب، كما يتضح لهم أهمية ما يملكون خلال النمو السريع لأطفالهم وسعيهم نحو الاستقلالية.
يتأكد الإنسان من أهمية حياته عندما يتأمل الإرث الذي سيتركه في الأشخاص الذين أثَّر عليهم في أثناء حياته سواء بالطريقة التي تعامل بها معهم أو بما هو عليه أو بالطريقة التي عاش بها الحياة، يختفي الحزن الذي ربما قد شعرنا به بسبب أمر تافه عندما نواجه مرض شخص نحبه أو إصابةً قد تُغير حياتنا. تصبح الجدالات حول الواجبات المنزلية والأمور اليومية العامة تافهة عند وجود أمر قد يهدد حياة شخص عزيز أو سلامته.
لا يجب علينا أن ننتظر حدوث أزمة كي نعرف الأمور ذات الأهمية الحقيقية في حياتنا، ويمكننا تذكير أنفسنا بما هو مهم قبل حدوث أي أزمة قد ترينا ذلك.
إن أكثر الهدايا قيمةً التي يمكننا منحها لبعضنا هي أن نعبر لهم عن أهميتهم لدينا، فالإيمان والأمل والحب مشاعر صامدة لكن أعظم شعور فيها هو الحب؛ الإيمان بمنطقية الحياة حتى وإن لم نفهمها، والأمل بتحقيق هدفنا في الحياة هي أمور مهمة لصحتنا العقلية، لكن في النهاية يأتي الشعور بأن حياتنا تستحق العيش عبر حبنا لبعضنا ومبادلة الآخرين حبهم لنا، ففي الأوقات العصيبة يمكن أن يكون تأكيد حبنا للآخرين هو أعظم مصدر للقوة لديهم.