وفقًا لإحصاء يوم 23 مارس الماضي، يوجد نحو 60 ألف مصاب في إيطاليا، وقرابة 5 آلاف حالة وفاة. إن النظام الطبي هناك مكتظ لدرجة تحتّم على الأطباء اتخاذ قرارات مصيرية مؤلمة، مثل: مَن أحق المرضى بالحصول على جهاز التنفس ؟ ولن يستغرق الأمر سوى أسابيع حتى تقع المستشفيات الأمريكية والبريطانية والكندية في المأزق ذاته، لذلك علينا أن ننظر إلى تلك المعضلة الطبية بمنظور أخلاقي.
لا بد أن يتضمن حل تلك المعضلة الأخلاقية وجهة نظر علم النفس والفلسفة أيضًا، فالأمر لا يقتصر على توزيع أجهزة التنفس ، بل يمتد إلى معضلات أخرى:
- نظرًا إلى نقص مواد الاختبار، مَن الأحق باختبار الإصابة بكوفيد-19؟
- عندما يفتقر الأطباء والممرضات إلى معدات الحماية الرئيسية، فكيف يمكن توزيع المعدات المحدودة وإعادة استخدامها مرة أخرى؟
- مَن الأحق بالأسرّة المحدودة في العناية المركزة؟
- إلى أي حد تطبق الحكومة ما يلزم لتقليل انتشار العدوى؟
- ما المسؤوليات الواقعة على الحكومات عند التعامل مع الأوبئة مستقبلًا؟
أصدرت الكلية الإيطالية للعناية المركزة توصيات أخلاقية بخصوص تلك المعضلة، تتضمن الأخذ بعامل السن لتوفير الموارد المحدودة لعدد أكبر من الناس. وبالفعل يطبق الأطباء هذا المبدأ، إذ يعطون الأولوية للمرضى الأصغر سنًّا، ما يقودنا إلى السؤال: هل توفير الموارد المحدودة لعدد أكبر من الناس يُعَد أفضل حل أخلاقي ممكن؟
بعد جائحة سارس سنة 2003، التي أثرت بشدة في مدينة تورنتو، نشر فريق من الأطباء والخبراء نظامًا ذا منظور أخلاقي مدروس للتعامل مع أي جائحة مستقبلية، وكانت فكرة توفير الموارد المحدودة لعدد أكبر من المرضى أحد مبادئ النظام، إلى جانب عدد من المبادئ الأخلاقية الأخرى، مثل:
- ضرورة تقديم الرعاية اللازم والمساواة فيها.
- حرية المريض وخصوصيته.
- حماية عموم الناس من الأذى.
- التضامن.
- الأمانة والثقة.
- تبادل النفع.
ليس من السهل تطبيق تلك القيم على أرض الواقع، خصوصًا في حالات الطوارئ مثل نقص أجهزة التنفس ، فأحيانًا يتطلب الأمر التضحية بإحدى القيم في سبيل الحفاظ على البقية، مثل التجاوز عن مبدأ حرية المريض وخصوصيته في سبيل منع انتشار العدوى.
يمكن تلخيص تلك المبادئ في 4 نقاط، مستمدة من المبادئ الأخلاقية لمهنة الطب:
- الاستقلال: احترام حريات الآخرين.
- الإحسان: تقديم الرعاية اللازمة للمرضى.
- عدم الإيذاء: تجنب إلحاق الضرر بالآخرين.
- العدل: التعامل مع المرضى جميعًا بمساواة.
تفترض توصيات الجمعية الإيطالية وجهة النظر التقليدية، وهي تحقيق المنفعة لعدد أكبر من الناس. لكن الأفضل من ذلك اعتماد وجهة نظر أكثر ثراءً من الناحية النفسية، وذلك بتوفير الاحتياجات الحيوية للإنسان مثل توفير الأكسجين، والاحتياجات الفكرية كالحرية والكفاءة، وبذلك تستند القرارات الطبية إلى المبادئ الأربعة: الاستقلال، والإحسان، وعدم الإيذاء، والعدل. وتكمن المنفعة في تلبية الاحتياجات.
حديثًا، وضعت مجموعة من الأطباء وخبراء الأخلاق من جامعة جونز هوبكنز نظامًا لاتخاذ القرارات الطبية في أثناء الجائحة، اعتمد هذا النظام على العمر، وعلى توقع معدل النجاة على المدى البعيد أو القريب، وهي مبادئ أقل وضوحًا فيما يتعلق بالقيم.
وفقًا للتوصيات الإيطالية فإنه لتحديد أحقية الحصول على أجهزة التنفس ، توضع عدة عوامل في الحسبان إضافةً إلى عامل السن، فقد يكون لدى المريض الأصغر سنًّا مشكلة صحية أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم أو السكري، ما يجعل الكفّة تميل لصالح مريض أكبر سنًا مع مضاعفات أقل.
مع ذلك فإن إعطاء الأولوية للمريض الأصغر سنًّا يزيد عمومًا من معدل تلبية الاحتياجات، لأن الشاب لديه وقت أطول لتلبية احتياجاته البيولوجية والنفسية.
لذلك فإن اعتماد عامل السن -رغم ما فيه من أذى لكبار السن- هو الأفضل مقارنةً بالحلول البديلة مثل الاقتراع أو الأسبقية، إذ تجلب منفعة أقل. إضافةً إلى أن عدم وجود سياسات أو بدائل يترك القرار بيد الطبيب، الذي قد يتأثر قراره بعوامل كثير ظالمة أو انحيازية مثل العِرق.
كذلك الحال بالنسبة إلى قرارات الحكومة بتقييد حرية المواطنين من طريق الحجر الصحي والإغلاق الكامل لبعض المدن، فهي قرارات لها مبرراتها الأخلاقية، بسبب الأذى الرهيب الذي يعانيه عدد كبير من الناس الذين يمرضون أو يموتون نتيجة الإصابة بكوفيد- 19.
هذه القرارات المصيرية العسيرة ستزول بزوال الوباء، لكن الأوبئة المستقبلية ستُعيدها مرةً أخرى.