السونيته
السونيته sonnet أو sonetto بالإيطالية، وتعني الأغنية القصيرة. هي أحد أهم أشكال الشعر الغنائي الذي انتشر في أوربا إبان العصر الوسيط وكتب فيها كبار الشعراء، وتتألف من أربعة عشر بيتاً بأوزان وقواف معروفة ومحددة. تعود بدايات هذا اللون الفني، على الأرجح، إلى القرن الثالث عشر، مع شعر الغزل والحب العذري الذي كان سائداً لدى شعراء ملوك صقلية وكان هؤلاء لايزالون يحتفظون بطابع الثقافة العربية، على الرغم من انتهاء الحكم العربي في الجزيرة لصالح النورمنديين. ولعل هؤلاء الشعراء تأثروا بشعراء التروبادور troubadourفي جنوبي فرنسا الذين أخذوا بدورهم الكثير عن الشعراء الأندلسيين مما يخص الشعر العمودي والموشحات والقافية الثلاثيةterza rima. وعن هذا الطريق انتشرت السونيته في بقية أوربا لتأخذ صبغة محلية حيثما حلّت، فنشأت بالإضافة إلى السونيته الإيطالية أو البتراركية (نسبة إلى بتراركا) السونيته الإنكليزية أو الشكسبيرية (نسبة إلى شكسبير) وهما من أبرز ممثليها.
طوّر فرانشيسكو بتراركا F.Petrarca هذا الشكل من الشعر ووصل به إلى حد الكمال في «ديوان الشعر الغنائي» Il canzoniereالذي بدأه عام 1336 وضم بين دفتيه 366 سونيته وأغنية كرسها لحبيبته لاورا Lauraالتي خلَّد اسمها ومعانيه ومشتقاته كافة، كما فعل دانتي قبله ببياتريشه وابن عربي قبلهما بنظام بنت مكين الدين. ومن هذه السونيتات تلك التي تحمل الرقم 166 ويقول في مطلعها: «يأخذني الحنين وأبحث عن التي يجب أن أهرب منها»، ورقم 358 التي كتبها إثر وفاة لاورا حيث يقول: «لايستطيع الموت أخذك، بل أنت من تأخذين». وتقسَّم السونيته البتراركية إلى قسمين يتألف الأول من ثمانية أبيات (أوكتاف octave) تطرح المشكلة والسؤال، والثاني من ستة أبيات (السيستيت sestet) يتضمن الحل للمشكلة أو الإجابة على السؤال المطروح من خلال مايسمى بالدور أو الالتفاف volta، بالوزن الأحد عشري hendecasyllable وضمن نظام محدد من القوافي.
امتد انتشار السونيته إلى اسبانيا والبرتغال، ثم إلى فرنسا في القرن السادس عشر بفضل ميلّن دي سان جليه Mellin de Saint- Gelais ومارو Marot الذي أدخل عليها بعض التعديلات فحملت اسمه. وتتألف السونيته هذه من مقطعين من أربعة أبيات لكل منهما، ومقطعين آخرين من ثلاثة لكل منهما. وقد استخدمها شعراء جماعة البليادPléiade أو الثريا فكان دي بيليه Du Bellayأول من كتب سلسلة من السونيتات بلغة غير الإيطالية، وأدخل رونسار Ronsard بعض التعديلات على نظام القوافي واعتمد الوزن الاثني عشري Alexandrin، ليصبح السائد في السونيته الفرنسية التي لاقت الإهمال لفترة طويلة، إلا أنها عادت إلى الحياة في شعر سانت بوف وهوغو وبودلير وملارميه.
دخلت السونيته الشعر الإنكليزي في أوج عصر النهضة على يد توماس واياتT.Wyatt وهنري هوارد H.Howard اللذين اعتمدا أسلوب بتراركا وعالجا الموضوعات نفسها مستخدمين التقنيات نفسها، فيقول وايات في إحدى أغانيه: «تهرب مني تلك التي كانت منذ حين تبحث عني». كذلك كتب إدموند سبنسر E.Spenser السونيته وطورها فحملت اسمه أي «السبنسرية». إلا أن هوارد هو الذي أعطى السونيته الإنكليزية شكلها إذ قسمها إلى ثلاث رباعيات ذات قافية مستقلة لكل منها، وبيتين أخيرينcouplet يعطيان الخلاصة أو الحكمة مماسبق، بقافية واحدة مستقلة وبالوزن الخماسي اليامبي iambic pentameter. وإذا كان الشعر والسونيته الإيطاليان يدينان بالكثير لدانتي وبتراركا فإن الشعر والسونيته الإنكليزيين يدينان بالكثير لشكسبير الذي كتب 154 سونيته يعد بعضها من أبلغ ما كتب في الشعر الانكليزي. فقد كتب السونيتات رقم 29 و30 في ذكرى الحبيب و71 في نكران الذات و73 في كيف «تحب بقوة ما ستفارقه قريباً» و116 في الحب الأزلي الذي يقهر الزمن والموت. وهذه السونيتات هي سلسلة متكاملة مع كون كل واحدة منها مستقلة وكاملة بذاتها. وكتب أغلب الشعراء الإنكليز في هذا النوع مثل معاصر شكسبير جون دَن، وجون ملتون ووردزورث وإليزابيث باريت براوننغ و ييتس وأودن و ديلن توماس، وغيرهم كثير من الشعراء الأوربيين الكبار مثل ريلكه.
عالجت السونيتة موضوع الحب السامي، ومع ما يشوبها من تصنّع في الأسلوب أحياناً، إلا أنها تتميز في الوقت ذاته بلغتها المكثفة وصورها البلاغية المؤثرة وبالطموح إلى الكمال في الصنعة الشعرية مما يبدو جلياً في إنجازات كبار الشعراء ممن كتبوا فيها، كما أنها تُظهر قدرة الشعر على التعبير عن دخائل النفس البشرية.
طارق علوش
السونيته sonnet أو sonetto بالإيطالية، وتعني الأغنية القصيرة. هي أحد أهم أشكال الشعر الغنائي الذي انتشر في أوربا إبان العصر الوسيط وكتب فيها كبار الشعراء، وتتألف من أربعة عشر بيتاً بأوزان وقواف معروفة ومحددة. تعود بدايات هذا اللون الفني، على الأرجح، إلى القرن الثالث عشر، مع شعر الغزل والحب العذري الذي كان سائداً لدى شعراء ملوك صقلية وكان هؤلاء لايزالون يحتفظون بطابع الثقافة العربية، على الرغم من انتهاء الحكم العربي في الجزيرة لصالح النورمنديين. ولعل هؤلاء الشعراء تأثروا بشعراء التروبادور troubadourفي جنوبي فرنسا الذين أخذوا بدورهم الكثير عن الشعراء الأندلسيين مما يخص الشعر العمودي والموشحات والقافية الثلاثيةterza rima. وعن هذا الطريق انتشرت السونيته في بقية أوربا لتأخذ صبغة محلية حيثما حلّت، فنشأت بالإضافة إلى السونيته الإيطالية أو البتراركية (نسبة إلى بتراركا) السونيته الإنكليزية أو الشكسبيرية (نسبة إلى شكسبير) وهما من أبرز ممثليها.
طوّر فرانشيسكو بتراركا F.Petrarca هذا الشكل من الشعر ووصل به إلى حد الكمال في «ديوان الشعر الغنائي» Il canzoniereالذي بدأه عام 1336 وضم بين دفتيه 366 سونيته وأغنية كرسها لحبيبته لاورا Lauraالتي خلَّد اسمها ومعانيه ومشتقاته كافة، كما فعل دانتي قبله ببياتريشه وابن عربي قبلهما بنظام بنت مكين الدين. ومن هذه السونيتات تلك التي تحمل الرقم 166 ويقول في مطلعها: «يأخذني الحنين وأبحث عن التي يجب أن أهرب منها»، ورقم 358 التي كتبها إثر وفاة لاورا حيث يقول: «لايستطيع الموت أخذك، بل أنت من تأخذين». وتقسَّم السونيته البتراركية إلى قسمين يتألف الأول من ثمانية أبيات (أوكتاف octave) تطرح المشكلة والسؤال، والثاني من ستة أبيات (السيستيت sestet) يتضمن الحل للمشكلة أو الإجابة على السؤال المطروح من خلال مايسمى بالدور أو الالتفاف volta، بالوزن الأحد عشري hendecasyllable وضمن نظام محدد من القوافي.
امتد انتشار السونيته إلى اسبانيا والبرتغال، ثم إلى فرنسا في القرن السادس عشر بفضل ميلّن دي سان جليه Mellin de Saint- Gelais ومارو Marot الذي أدخل عليها بعض التعديلات فحملت اسمه. وتتألف السونيته هذه من مقطعين من أربعة أبيات لكل منهما، ومقطعين آخرين من ثلاثة لكل منهما. وقد استخدمها شعراء جماعة البليادPléiade أو الثريا فكان دي بيليه Du Bellayأول من كتب سلسلة من السونيتات بلغة غير الإيطالية، وأدخل رونسار Ronsard بعض التعديلات على نظام القوافي واعتمد الوزن الاثني عشري Alexandrin، ليصبح السائد في السونيته الفرنسية التي لاقت الإهمال لفترة طويلة، إلا أنها عادت إلى الحياة في شعر سانت بوف وهوغو وبودلير وملارميه.
دخلت السونيته الشعر الإنكليزي في أوج عصر النهضة على يد توماس واياتT.Wyatt وهنري هوارد H.Howard اللذين اعتمدا أسلوب بتراركا وعالجا الموضوعات نفسها مستخدمين التقنيات نفسها، فيقول وايات في إحدى أغانيه: «تهرب مني تلك التي كانت منذ حين تبحث عني». كذلك كتب إدموند سبنسر E.Spenser السونيته وطورها فحملت اسمه أي «السبنسرية». إلا أن هوارد هو الذي أعطى السونيته الإنكليزية شكلها إذ قسمها إلى ثلاث رباعيات ذات قافية مستقلة لكل منها، وبيتين أخيرينcouplet يعطيان الخلاصة أو الحكمة مماسبق، بقافية واحدة مستقلة وبالوزن الخماسي اليامبي iambic pentameter. وإذا كان الشعر والسونيته الإيطاليان يدينان بالكثير لدانتي وبتراركا فإن الشعر والسونيته الإنكليزيين يدينان بالكثير لشكسبير الذي كتب 154 سونيته يعد بعضها من أبلغ ما كتب في الشعر الانكليزي. فقد كتب السونيتات رقم 29 و30 في ذكرى الحبيب و71 في نكران الذات و73 في كيف «تحب بقوة ما ستفارقه قريباً» و116 في الحب الأزلي الذي يقهر الزمن والموت. وهذه السونيتات هي سلسلة متكاملة مع كون كل واحدة منها مستقلة وكاملة بذاتها. وكتب أغلب الشعراء الإنكليز في هذا النوع مثل معاصر شكسبير جون دَن، وجون ملتون ووردزورث وإليزابيث باريت براوننغ و ييتس وأودن و ديلن توماس، وغيرهم كثير من الشعراء الأوربيين الكبار مثل ريلكه.
عالجت السونيتة موضوع الحب السامي، ومع ما يشوبها من تصنّع في الأسلوب أحياناً، إلا أنها تتميز في الوقت ذاته بلغتها المكثفة وصورها البلاغية المؤثرة وبالطموح إلى الكمال في الصنعة الشعرية مما يبدو جلياً في إنجازات كبار الشعراء ممن كتبوا فيها، كما أنها تُظهر قدرة الشعر على التعبير عن دخائل النفس البشرية.
طارق علوش