ما هو المغزى من الحياة؟ مهما كان اعتقادك عن الجواب، فقد تجد من وقتٍ لآخرٍ أنّ تعريفك الخاص غير مرضٍ.
بعد كل شيءٍ كيف يمكن للمرء أن يقول لماذا توجد الكائنات الحية على الأرض في عبارةٍ واحدةٍ بسيطةٍ؟
بالنسبة لي، بالنظر إلى 18 عامًا من البحث في كيفية تعامل الدماغ البشري مع اللغة، يبدو أنّ هناك سببًا واحدًا صامدًا يسود على جميع الأسباب الأخرى، عندما يرتكز هدف الإنسانية على الدافع الرائع لعقولنا لاستخلاص المعنى من العالم من حولنا.
بالنسبة للعديد من العلماء، فإنّ هذا الدافع لإيجاد دلائلٍ منطقيةٍ في كل خطوةٍ يتخذونها يحدد كل ما يفعلونه أو يقولونه.
إنّ فهم الطبيعة والعمل باستمرار على شرح مبادئها وقواعدها وآلياتها الأساسية هو جوهر وجود العلماء، ويمكن اعتبار هذا أكثر نسخةٍ مُبسطةٍ عن هدف حياتهم، لكنّ هذا ليس شيئًا ينطبق فقط على التفكير العلميّ.
فعند فحص عينةٍ سليمةٍ من عقلٍ بشريٍّ باستخدام تقنياتٍ – مثل التصوير الدماغي ورسم المخ – وُجد أنّ الهوس الدماغيّ المستمر لاستنباط المعنى من كل شيءٍ موجودٌ في جميع أنواع البشر بغض النظر عن الحالة الاجتماعية أو التعليم أو المنشأ.
اللغة: هي صندوق من الكنوز مملوء بالمعاني.
خذ بعض الكلمات على سبيل المثال تلك الوحدات اللغويّة الساحرة التي تحزم المعنى بكثافة هائلةٍ.
فعندما تعرض كلمةً على شخصٍ يمكنه أن يقرأها فإنه لن يتذكر معناها فحسب، بل سيتذكر كل المعاني التي شاهدها هذا الشخص والمرتبطة بتلك الكلمة من قبل.
كما أنّه يعتمد على معنى الكلمات التي تشبه تلك الكلمة، وحتى معنى الكلمات غير المنطقية التي تبدو مثلها.
يستطيع المتحدثون بأكثر من لغةٍ الوصول إلى ترجمةٍ تلقائيةٍ بلغتهم الأصلية عندما يواجهون كلمةً بلغتهم الثانية.
ولا يفعلون ذلك بلا دراية، بل يفعلون ذلك حتى عندما لا تكون لديهم النيّة للقيام بذلك.
في الآونة الأخيرة، تمكن العلماء من ربط الصورة التجريدية – صورة لا يمكن بسهولةٍ اعتبارها وصفًا لمفهومٍ معينٍ – بكلماتٍ موجودةٍ في العقل بطريقةٍ يمكن التنبؤ بها.
لا يبدو مهمًا عدم وجود معنى لصورةٍ أو لصوتٍ أو رُبَّما لرائحةٍ، لكنّ الدماغ البشري سيستطبع تعريفها مهما كانت.
وسيقوم الدماغ بذلك بشكلٍ تلقائيٍّ وبطريقة لا شعوريّة – حتى وإن كانت متوقعةً – رُبَّما لأنّ معظمنا يستنبط المعنى بطريقةٍ مماثلةٍ إلى حدٍ ما، إذ أننا لدينا العديد من التجارب الدنيوية المشتركة.
عند النظر في الصورة أدناه على سبيل المثال، فتلك الصورة ليس لديها في الأساس أيّ صفاتٍ مميزةٍ يمكن أن تقودك إلى تشخيصها، ناهيك عن تسميتها.
رُبَّما تجد صعوبةً في وصف التركيبات والألوان التي تتكون منها تلك الصورة بدقةٍ شديدةٍ، أو أن تحدد ما تمثله بالفعل.
ومع ذلك، سيكون عقلك أكثر سعادةً ليربطها بتعريف (الرحمة) لا (العنف) – حتى لو لم تكن قادرًا على تفسير السبب – قبل أن تحصل على كلمةٍ كأداةٍ لتفسيرها.
ومع ذلك، لا يقتصر الدافع البشري على فهم اللغة فقط، فيبدو أن جنسنا يسترشد بهذا الدافع العميق والقويّ لفهم العالم من كل جانبٍ من جوانب حياتنا.
بعبارةٍ أخرى، يبدو هدف وجودنا في نهاية المطاف هو تحقيق فهمٍ كاملٍ لهذا الوجود نفسه، فهو نوعًا ما حلقة لا نهائية يُحصر فيها عقلنا من بداية الوعي الأول في الرحم وصولًا إلى فراش الموت.
يتوافق هذا المقترح مع وجهات النظر النظرية في فيزياء الكم والفيزياء الفلكيّة، تحت قيادة أعظم العلماء مثل جون أرشيبالد ويلر الذي اقترح بأنّ المعلومة هي جوهر الوجود (الشيء من المعلومة – It From Bit)، رُبَّما أفضل محاولةٍ على الإطلاق لتفسير كل المعاني في الكون تكمُن في عبارةٍ واحدةٍ بسيطةٍ والتي ترمز لفكرةٍ ما، حيث أنّ لكل عنصرٍ في العالم الفيزيائيّ الماديّ أساس عميق متصل بمنبعٍ أو مصدرٍ لا ماديّ.
المعلومة – والتي قد تكون ذرات أو جزيئات أو خلايا أو مجتمعات – مهووسة بذاتها، وتبحث باستمرارٍ عن معنى في المرآة، مثل شخص نرجسي ينظر إلى انعكاس ذاته أو حمضٍ نوويٍّ يلعب مع نفسه تحت الميكرسكوب، مثل علماء الذكاء الاصطناعي الذين يحاولون إعطاء الروبوتات كل المميزات التي تجعلهم لا يمكن تمييزهم عن أنفسهم.
رُبَّما ليس من المهم إذا وجدت هذا الشرح مرضيًا أم لا، لأنّ الحصول على إجابةٍ عن الغرض الأساسيّ من الحياة سيكون مساويًا لجعل حياتك بلا هدفٍ!
ومن يريد ذلك؟!