هل وُجدت البشرية لتخدم غرضًا ساميًا لانهائيًا؟، يقول الفيزيائي لورانس كراوس: “إن حقيقة تطورنا على هذا الكوكب مجرد – صدفة كونية-، والناس الذين يعتقدون خلاف ذلك، ربما يعانون من نوعٍ من الوهم الديني”.
قد لاتكون وجهة النظر هذه صحيحةً بالضرورة، ولكن هناك آلية يمكن للحياة أن تهيئ من خلالها غرضًا طبيعيًا، ولفهم هذه الآلية، من الضروري أن نفهم كيف يعمل الانتقاء الطبيعي.
كيف يخلق الانتقاء الطبيعي (الغرض)؟.
يتم في الانتقاء الطبيعي اختيار جيناتٍ معينةٍ، وتمكينها من استنساخ نفسها، وتتوقف قدرتهم على الاستنساخ الذاتي على مدى إمكانية التشفير الجيني للصفات، والتكيفات التي تسمح للكائنات الحية بالتكاثر، وإنتاج أفرادٍ آخرين.
والغرض من ذلك – أي الوظيفة- لهذه التكيفات، هو حل المشاكل المعقدة، مثل: الرؤية، والهضم، والتزاوج، والتفكير، ومن ثم فهي تميل إلى أن تكون معقدةً للغاية.
إن التعقيد غير المُحتمل، هو في الواقع السمة المميزة للانتقاء الطبيعي، وهي الطريقة الأساسية التي نُدرك من خلالها، وإن السمة في الواقع، هي تكيفٌ بدلًا من كونها نتيجةً ثانويةً للتكيف، أو نتيجةً لضوضاء جينيةٍ عشوائيةٍ.
ولأن التعقيد غير المحتمل، هو السمة المميزة للانتقاء، فإن الكائنات الحية، هي الكائنات الأكثر تعقيدًا، والأقل عشوائيةً معروفةً في الكون – العشوائية تمثل درجة الاضطراب في النظام البدني، وتميل إلى الزيادة في كل هذه الأنظمة، (وهذا هو القانون الأساسي للفيزياء المعروفة باسم القانون الثاني للديناميكا الحرارية)-.
ولأن العشوائية تميل إلى الزيادة؛ فإنه من ذلك تميل السيارة الجديدة، أو البدلة جديدة، – على سبيل المثال- إلى الحصول على المزيد من الخدوش أو الكدمات، أكثر من تلك القديمة، ولأن التكيفات الناتجة عن الانتقاء الطبيعي، معقدة للغاية، تكون العشوائية لديهم منخفضة للغاية، والانتقاء هو في الواقع، أقوى عمليةٍ لمكافحة العشوائية الطبيعية المعروفة للعلم.
ويوضح الانتقاء الطبيعي البيولوجي، كيف يمكن أن يكون للتكيف غرضًا، أي: بمعنى الوظيفة، وعلى سبيل المثال: إن الغرض من العين / وظيفتها، هو الرؤية، ولماذا يمكن للكائنات الحية أن تتصرف بشكل هادفٍ؟.
إن هذا الانتقاء لا يفسر كيف يمكن للحياة بشكلٍ عامٍ أن يكون لها هدف سامٍ، عدا الاهتمامات المشفرة وراثيًا للكائنات الحية نفسها.
وهذا يتطلب تفسيرًا أكثر عقدةً، ويُقَدم هذا التعقيد فكرةً تقوم على نظرية ( لي سمولين) عن الانتقاء الطبيعي الكوني، الذي اقترحه لأول مرة عام 1992م، وقدم بشكلٍ كاملٍ في كتابه: (حياة الكون).
تطور الأكوان.
أسس سمولين نظريته على فكرة أن الكون موجودٌ كونه كائنًا واحدًا فقط في مجموعةٍ واسعةٍ من الأكوان المتماثلة في الكون المتعدد – أصبحت فكرة الكون المتعدد هذه أكثر تقليدية، وغير مثيرةٍ للجدل بين الفيزيائيين-، ويعلل سمولين نظريته، بأن تصاميم الكون التي كانت أفضل في تكرار نفسها، من شأنها أن تحقق تمثيلا أكبر، وإذا كانت الثقوب السوداء، هي آلية التكرار الذاتي، فالانتقاء يفضل الأكوان التي تحتوي على العديد من الثقوب السوداء، ومن هذا المنظور، إن الحياة هي مجرد نتيجةٍ عرضيةٍ من العمليات صممت من خلال الانتقاء الطبيعي الكوني؛ لإنتاج الثقوب السوداء.
إن لنظرية سمولين جانبًا بديهيًا كبيرًا، وفي العموم تبدو مشابهةً لنظرية داروين للانتقاء الطبيعي، ويبدو أن الثقوب السوداء مشابهة للأحداث في نظرية الانفجار الكبير، ولكن بشكلٍ عكسي، فالثقب الأسود، هو تركيز صغيرٌ بلا حدودٍ من الزمكان، والمادة، والطاقة، والتفرد، والانفجار الكبير، هو التوسع الهائل في الزمكان، والمادة، والطاقة، وهي تبرز من التفرد.
ومن جانب آخر، فإن نظرية سمولين لا تقترب من كونها مماثلةً لنظرية داروين، فهو لا يتنبأ بأن كوننا الأكثر تعقيدًا على الأرجح، أي: الأقل عشوائية، والذي سيكون الأكثر تكيفًا، نتيجةً للانتقاء الطبيعي الكوني، وهذه السمة هي بطبيعة الحال، سمة الحياة نفسها، وسمولين يدرك أن الحياة هي الشيء الأقل عشوائية على الإطلاق، وذلك كما يقول في كتابه حياة الكون: “العشوائية للمخلوقات الحية، هي الأقل بالنسبة لأي شيءٍ أخر في العالم”.
إن نظريته لا تكوِّن أي ارتباطٍ بين العشوائية والتكيف، وهذا يعني أن تلك النظرية لا تقر بأن مستوى العشوائية المنخفض تمامًا، هو السمة المميزة للانتقاء على المستوى البيولوجي، وينبغي لنا أيضًا أن نتوقع أن تكون السمة المميزة للانتخاب على المستوى الكوني.
إن الجانب الجديد حقًا من هذا المقال، هو التطبيق الصريح لنظرية التكيف؛ لتوضيح السبب الحقيقي وراء كون الحياة، وهي الشيء الأقل عشوائيةً على الإطلاق، وهي الآلية لتكرار الكون.
وإنه ليس جديدًا أن يُقترح بعباراتٍ أكثر عموميةً، أن الحياة التي تطورت إلى شكلٍ ذكيٍ بما فيه الكفاية، قد شكلت مثل هذه الآلية، وهذه فكرةٌ قديمةٌ، بقدم نظرية سمولين.
والخلاصة، أن الحياة أكثر احتمالا من الثقوب السوداء، أو أي شيءٍ آخر؛ لتكون آليةً لتكرار أو استنساخ الكون، وإن العلوم التقليدية، تعطي الجواب عما إذا كان هناك هدفٌ للحياة أم لا.